نشرت صحيفة التليغراف البريطانية مقالا بعنوان” في تهديد جديد لليمن.. الحوثيون يتعاونون مع فرع القاعدة في اليمن” ونقلت عن خبراء أن الحوثيين المدعومين من إيران يقدمون الأسلحة والطائرات بدون طيار لتنظيم القاعدة في اليمن في إطار تعاون الجماعتين لزعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب.
وقالت الصحيفة أن الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة بطائرات بدون طيار على وحدات تابعة للقوات الجنوبية في محافظة شبوة، تؤكد أنه تم الحصول عليها من الحوثيين لاسيما أن قدرات التنظيم محدودة في تطوير طائراته بدون طيار، بعد مقتل خبرائه المتخصصين في صناعة المتفجرات.
وأضافت الصحيفة: “يقال إن الطائرات بدون طيار حصل عليها أبو أسامة الدياني، من الحوثيين وهو زعيم جهادي مقرب من زعيم تنظيم القاعدة الراحل خالد باطرفي الذي يحافظ على علاقة وثيقة مع الحوثيين”.
لم تورد الصحيفة البريطانية أدلة قاطعة على التعاون المزعوم بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي، إذ استندت في مزاعمها على مصادر مقربة من المجلس الانتقالي الجنوبي، وأحد الباحثين في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب في سنغافورة.
في الواقع لم تكن هذه هي المرة التي راجت فيها أخبار عن التنسيق بين الحوثي والقاعدة، ولم تأت الصحيفة بأي جديد في هذا الإطار، إذ نشرت عدد من الصحف اليمنية قبل عام من الآن، وبالضبط في أعقاب إعلان القاعدة عن أول عملية قصف لها بواسطة طائرات مسيرة في جنوب اليمن؛ نشرت تقارير مفادها أن جماعة الحوثي قدمت دعما للقاعدة لاسيما في الجانب المتعلق بالتقنيات ذات الصلة بالطائرات المسيرة الهجومية، مثل الدارات الكهربائية وأجهزة التحكم وغيرها.
وأكدت مصادر يمنية أن التعاون في تطوير الطائرات المسيرة، هو تتويج لتقارب ملحوظ في الفترة الأخيرة بين الجماعتين المسلحتين، شمل في بعض جوانبه الأخرى تبادل السجناء، ووقف الأعمال العدائية بين الطرفين، وتنسيق السيطرة على نقاط التفتيش على طول الطرق الممتدة بين مناطق نفوذهما، وموافقة الحوثيين على فتح ملاذات آمنة لبعض قيادات القاعدة في مناطقهم إلى غير ذلك من تجليات التفاهم الطارئ بين تنظيم سلفي جهادي وآخر شيعي.
لا يُستبعد على الإطلاق أن تأتي هذه التفاهمات المثيرة للجدل في سياق الأجندة الاستراتيجية الجديدة لسيف العدل، ولقاعدة مابعد الظواهري، وقد ظهرت ملامحها الأخرى في بيانات النعي التي خصت بها القاعدة شخصيات محسوبة على “محور المقاومة” الذي تقوده طهران مثل صالح العاروري، والامعان في إشادة القاعدة بحركة حماس وقادتها رغم تحفظ بعض شيوخ السلفية الجهادية.
ربما رأت قيادة تنظيم القاعدة وهي موجودة الآن في إيران، ولا يوجد دليل على أنها انتقلت إلى مكان آخر؛ ربما رأت أن الدخول في معارك استنزاف ضد الحوثيين لا يصب إلا في مصلحة القوات الموالية للإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، لاسيما أن التنظيم في المرحلة الأخير ركز اهتمامه كله على القوات الجنوبية، وخطابه الإعلامية ومنظومته الدعائية، تفرغت للهجوم على ” الانتقالي الجنوبي” والقوات التابعة له حتى أنها وضعت جانبا ” الطابع الأممي” الذي فرضه أسامة بن لادن على نشاط القاعدة في اليمن.
قبل بضعة أشهر تحدثت شخصيات جهادية عن تعاون على أعلى مستوى بين قيادة القاعدة ممثلة في سيف العدل وبين الحرس الثوري الإيراني، ونشر حينها القيادي في هيئة تحرير الشام أبو مارية القحطاني تدوينات على قناته في التيليجرام جاء فيها: “بعد أن استلم سيف العدل القاعدة بدأت العلاقة الحميمة بين تنظيم قاعدة اليمن والحرس الثوري الإيراني؛ اجتماعات في طهران وفي بيروت، هل يقبل هذا عاقل في يمن الحكمة؛ أن تكون القاعدة مطية للحرس الثوري الإيراني”.
لم يعط القحطاني تفاصيل أكثر عن الاجتماعات التي أشار إليها، كما لم ترد القاعدة أو أيا من فروعها عن مزاعم الرجل، وهو ما ترك باب التكهنات مشرعا على مصراعيه حول ماهية وشكل وحدود هذه الاجتماعات التي يفترض أنها جرت في طهران وبيروت.
وكتب القحطاني في منشور آخر مستقل” إن صح خبر تعيين سيف العدل زعيما للقاعدة فهذا يعني أن قرار القاعدة أصبح بيد الحرس الثوري، وهذا ما تكلمت به قبل أعوام، ولكن البعض أزعجهم كلامي، وقبل عام نصحت شباب اليمن ترك القاعدة، وسحب جميع الذرائع والالتحام مع الشعب اليمني في مواجهة إيران” وأضاف “كيف لعاقل أن يبايع أميرًا وأمره ليس بيده وهو يقيم بين ظهراني أجرم دولة احتلت عدة عواصم سنية ودمرتها، تنظيم القاعدة انتهى وهذا ما قلته قبل أعوام، الحرس الثوري الإيراني هو صاحب القرار كون سيف العدل مقيم عندهم”.
العلاقة بين إيران والقاعدة من بين أكثر العلاقات التباسا وتعقيدا، وهي ليست وليدة اللحظة بل ممتدة لأكثر من 20 عاما، وقد دأبت القاعدة على إنتاج خطاب مزدوج فيما يتعلق بإيران؛ الأول: علني أيديولوجي صرف يُكفر إيران والجماعات المرتبطة بها ويرى أن قتالها واجب، والثاني: سري براغماتي لا يرى بأسا في التعاون معها كلما دعت الضرورة إلى ذلك خصوصا في الجوانب اللوجستية والأمنية.
لكن في المقابل لا يمكن اعتبار استعمال القاعدة في اليمن للطائرات المسيرة دليلا على تعاونها مع الحوثيين، أو أن مصدر هذه الطائرات هم جماعة الحوثي الرائدة في هذا المجال، لأن استعمال هذا النوع من السلاح بات شائعا لدى معظم الجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة أو داعش من سوريا إلى الساحل، ويتم استعمالها لأغراض التصوير الجوي، والاستطلاع، والمراقبة، وتصحيح رمايات الهاون والمدافع الثقيلة.
وهي في أغلبها طائرات تجارية يمكن الحصول عليها من مصادر مختلفة بما فيها الأنترنت ثم تعديلها وتحميل عبوات متفجرة خفيفة الوزن عليها. وبالتالي فتوظيفها في العمليات العسكرية من طرف القاعدة في اليمن ليس دليلا على أن الحوثيين هم مصدرها. لأن الأصناف التي تستعملها جماعة الحوثي متطورة جدا، ولم يثبت أن القاعدة تمتلك مثلها.
باختصار: القاعدة في اليمن حولت تركيزها عن الحوثيين في الفترة الأخيرة، إن كان ذلك عن سابق اتفاق بين الجانبين، وضمن استراتيجية جديدة لتنظيم القاعدة، أو كان مجرد ترتيبات مؤقتة أملتها ظروف الحرب على غزة بحيث لا تريد القاعدة أن تظهر بمظهر المعرقل لخطط إغلاق باب المندب من طرف الحوثي، والتضييق على السفن الأمريكية والإسرائيلية.
كما لا يوجد دليل على أن طائرات القاعدة المسيرة مصدرها الحوثيين، وإذا ثبت فعلا أن القاعدة تسلمت من الحوثيين أي نوع من أنواع الدعم العسكري سواء أكان أجزاء من الطائرات المسيرة أو شيئا آخر غيرها فسيكون ذلك حتما منعطفا فارقا في تاريخ التيار الجهادي العالمي.