مقدمة:
إذا كان الإعلان عن تأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في 2013 بمثابة منعطف حاسم في مسيرة التيار الجهادي أسفرت تداعياته عن تفكك الخطاب الجهادي العالمي، وتبلور خطين جهاديين متنافسين؛ الأول يمثله تنظيم القاعدة والثاني يمثله تنظيم الدولة، فإن الإعلان عن تنظيم حراس الدين في 2018 لا يقل حسما وأهمية على مستوى الدفع بالخطاب الجهادي إلى مزيد من الانقسام والتأزم، والتأسيس لقطيعة جهادية جديدة داخل معسكر القاعدة.
قطيعة سرعان ما أفضت إلى نزاع على الشرعية واستقطاب حاد بين المكونات والمرجعيات الجهادية انتهت أخيرا بالمواجهات المسلحة التي لم يكن أحد يتوقع حصولها.
تسعى هذه الورقة إلى رصد ملابسات وتفاصيل ظهور تنظيم حراس الدين، وما رافق ذلك من خلافات وانقسامات بين القيادات الجهادية، منذ لحظة انفصال جبهة النصرة عن القاعدة إلى غاية نكبة “الحراس”، مرورا بما عرفه التنظيم من أزمة داخلية عصفت أو تكاد ببنيته التنظيمية والأيديولوجية، مستفيدة مما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي من مواد ووثائق وشهادات أدلى بها أطراف النزاع، أو جرى تسريبها قصدا في سياق حرب البيانات والوثائق التي طبعت مراحل تأسيس وتبلو تنظيم حراس الدين.
سوريا في جدول أعمال القاعدة:
لم يكن التيار الجهادي العالمي ليظهر بالشكل الذي ظهر عليه لولا تظافر مجموعة من العوامل والظروف التي كان لها دور أساسي في صياغة فكرة جهادية تختصر الصراع في أولوية مواجهة النظام الدولي، وفي القلب منه الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها عماد هذا النظام والمتحكمة في دواليبه وأروقته. فعندما شد الجهاديون الرحال إلى أفغانستان سواء إبان الغزو السوفياتي أو بعدما بسطت طالبان سيطرتها على البلد، كان كل كادر من هؤلاء يحمل أجندة جهادية خاصة به استلهمها من وحي تجربته في بلده أو حسب فهمه لمدلولات النصوص الشرعية.
فأسامة بن لادن مثلا ترسخت عنده فكرة التركيز على قتال الولايات المتحدة منذ بداية الثمانينيات عندما تأثر بمشاهد الحرب في لبنان وتدمير الأبراج والبنايات السكنية هناك بغطاء أمريكي ودولي.[1] بينما ظل أيمن الظواهري متشبثا بأمل العودة إلى مصر واستئناف العمل المسلح ضد نظام حسني مبارك. أما أحمد فاضل النزال الخلايلة الذي سيعرف لاحقا بأبي مصعب الزرقاوي فقد بنى تصوره الجهادي على ضرورة العودة إلى (بلاد الشام) وإطلاق ثورة جهادية هناك. انفرد الزرقاوي بمعسكر خاص به في منطقة هيرات، ليجمع حوله من يقاسمهم نفس التصور بخصوص الجهاد في “الأرض المباركة” و”معقل الطائفة المنصورة”. لم يستطع حينها أسامة بن لادن إقناع أبي مصعب الزرقاوي بجدوى مشروعه الجهادي العالمي المتجاوز للقطرية والكف عن المواجهة غير المجدية مع الأنظمة المحلية، وأبدى رجل مدينة القوي إصراره على العمل وفق أجندته الجهادية الخاصة، وفشلت محاولات بن لادن في احتوائه مبكرا.
لقد كانت لبلاد الشام مكانة مركزية في التصور الجهادي الذي كان الزرقاوي يحمله ويدعو إليه. وكان عازما على المضي في خططه حتى النهاية. غير أن تطورا بارزا قد حصل فأربك المشهد الجهادي وقوض مشروع الزرقاوي الناشئ في مهده. طائرات مدنية تدك منشآت ومواقع حيوية في الولايات المتحدة صبيحة الحادي عشر من سبتمبر 2001 مخلفة آلاف القتلى والجرحى. لقد نجح أسامة بن لادن إذن في فرض رؤيته للصراع وجر الولايات المتحدة إلى مربع المواجهة المباشرة، ونجح بالتالي في حشد معظم الجهاديين خلفه؛ من اقتنع منهم برؤيته منذ البداية ومن لم يقتنع، لقد صار القتال فرض عين على الجميع. إذ سرعان ما أعطى المنظرون الجهاديون لما حدث توصيفا شرعيا: “حرب صليبية جديدة”[2] يقودها صقور المحافظين الجدد ضد الأمة الإسلامية.
الزرقاوي في العراق.. القاعدة على تخوم الشام
غادر أبو مصعب الزرقاوي أفغانستان عقب الغزو الأمريكي وسقوط نظام حركة طالبان، وما تبع ذلك من تفكيك لمعسكرات المقاتلين العرب بما فيها معسكر هيرات التابع له. لم يتوجه الزرقاوي إلى الحدود بين أفغانستان وباكستان في انتظار ترتيب الصفوف من جديد والقتال تحت راية طالبان كما فعل أغلب المقاتلين الأجانب، بل سلك طريقا آخر يقربه أكثر إلى المنطقة التي أراد تأسيس مشروعه الجهادي على ترابها، أي بلاد الشام. توجه إلى شمال العراق في انتظار فرصة الدخول إلى الشام. في ربيع عام 2003 حدث تطور بارز آخر سيكون له دور حاسم في صياغة الخريطة الجهادية لعقود قادمة، ومعها طبعا خريطة الشرق الأوسط. لقد كان الغزو الأمريكي للعراق لحظة فارقة في تاريخ التيار الجهادي. هكذا وجد الزرقاوي نفسه مضطرا لإعادة ترتيب أولوياته، من خلال تأجيل فكرة العمل في “بلاد الشام” والتفرغ أولا لقتال القوات الأمريكية في “بلاد الرافدين”.
في خضم المعارك الطاحنة، والظروف الأمنية التي فرضها تكتيك حرب العصابات التي انتهجها الزرقاوي، لم ينس هذه الأخير برنامجه الجهادي المتعلق “ببلاد الشام” وحتى عندما قرر الرجل في 17/10/2004 مبايعة أسامة بن لادن لم يبايعه إلا بمقتضى شروط منحت له هامشا من الحرية في تنفيذ خططه بخصوص “العدو القريب”[3]. هكذا حاول الزرقاوي تأسيس فرع لتنظيم القاعدة في الأردن مثلا، وكانت تفجيرات فنادق عمان باكورة عملياته، غير أن التداعيات التي أعقبت ما حدث جعلت الزرقاوي يعدل عن فكرته إلى حين.[4]
كانت سوريا بمثابة العمق الحيوي للمقاومة العراقية، فالدعم المالي واللوجستي يمر عبرها، وكانت ممرا لعبور المقاتلين العرب الذين يريدون الالتحاق بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وأي عمل داخل سوريا سينعكس سلبا على فعاليات المقاومة العراقية. ومع ذلك سعى الزرقاوي لتأسيس فرع لتنظيم القاعدة في سوريا[5]، تماشيا مع أجنده القديمة والقاضية بضرورة إطلاق عمل جهادي في بلاد الشام. لم يُعمر تنظيم القاعدة في سوريا كثيرا[6]، لأسباب كثيرة منها الضربة الأمنية الاستباقية التي وجهها النظام السوري لخلاياه السرية، وربما أيضا لكون سوريا من الدول التي حظرت القيادة العامة لتنظيم القاعدة استهدفها باعتبارها خط إمداد ومعبرا استراتيجيا لا ينبغي تخريبه كما هو موقفها من استهداف إيران.[7]
يعتبر أبو مصعب السوري من المنظرين الجهاديين الذين أفردوا مساحات كبيرة في أدبياتهم لبلاد “الشام” وسوريا على وجه الخصوص، لقد تحدث عن حتمية الصدام بين أهل السنة و”النصيرية” في سوريا، وألف كتابا من ألف صفحة درس فيه تجربة الطليعة المقاتلة وثورتها ضد نظام حافظ الأسد باعتباره قائدا ميدانيا ضمن صفوفها، مبرزا أخطائها ونقاط ضعفها التي أدت في النهاية إلى فشلها في تحقيق أهدافها. إضافة إلى عشرات المقالات التي كتبها حول ذات الموضوع، والأبواب التي خصصا لسوريا في موسوعته الضخمة “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”.
غير أن الخلاصات التي خرج بها أبو مصعب السوري ترى أنه لا جدوى من الاستمرار في مواجهة الأنظمة المحلية في ظل هيمنة النظام العالمي الجديد، وأن العودة إلى العمل في الشام يجب أن تكون من بوابة “المقاومة الإسلامية العالمية”، أي التركيز على ضرب مصالح الولايات المتحدة ورعاياها سواء كانوا في سوريا أو في غيرها. ويمكن اعتبار تأسيس تنظيم “كتائب عبد الله عزام” التابعة للقاعدة ترجمة عملية لتوجيهات أبي مصعب السوري.
ومن هنا تكتسب رؤية الزرقاوي فرادتها وتميزها كونه يرى أن العمل ضد الأنظمة يجب أن يستمر وبادر فعلا إلى تأسيس مجاميع جهادية في سوريا والأردن. الزرقاوي اعتبر نفسه غير معني بتنظيرات أحد، وصرح بأنه لم يكن متأثرا بأي شخصية جهادية سبقته إلى النشاط الجهادي.[8]باستثناء تأثره بأشرطة عبد الله عزام التي جعلته يتوجه إلى أفغانستان أول مرة، وعندما عارضه المقدسي في بعض توجهاته لم يتردد في الرد عليه ردا لا يخلوا من القسوة في بعض فقراته[9].
عندما نتتبع سيرة أبي مصعب الزرقاوي فلأننا نريد أن نعرف كيف تسللت فكرة القاعدة من جبال أفغانستان إلى مدن وحارات سوريا. لأن دراسة الحراك الجهادي في سوريا حاليا، وتنظيم القاعدة باعتباره مكونا هاما من مكونات هذا الحراك، لا معنى له دون الحديث عن أبي مصعب الزرقاوي، الرجل الذي استطاع تسييد السلفية الجهادية في العراق، وترسيخ رؤيته الجهادية المندفعة من خلال الكيانات التي أسسها ابتداء من جماعة التوحيد والجهاد ثم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وانتهاء بمجلس شورى المجاهدين، مع وجود فصائل وجماعات جهادية أخرى كانت تنشط في العراق وكانت أكبر وأقدم من الكيانات التي أسسها الزرقاوي مثل “الجيش الإسلامي في العراق” و”جماعة أنصار الإسلام” و”كتائب ثورة العشرين وغيرها”، وسنرى في سياق هذه الدراسة كيف يناضل رفاق الزرقاوي السابقين ومنهم نائبه على جماعة التوحيد والجهاد من أجل إعادة تنظيم القاعدة في سوريا، معتقدين أن البيعة التي ربطتهم به لاتزال سارية حتى اليوم، وملتزمون بمقتضياتها تنظيميا وشرعيا.
إذن فالبرنامج الجهادي للزرقاوي تضمن التأسيس لعمل جهادي في بلاد الشام حتى قبل أن يبايع أسامة بن لادن، وعندما بايعه اشترط كل منهما على الآخر شروطا، بن لادن يريد التركيز على القوات الأجنبية والزرقاوي يريد تنويع بنك أهدافه لتشمل التركيز أيضا على للشيعة والقوات الحكومية العراقية والبعثات الدبلوماسية العربية[10]ـ حدث “شبه اتفاق” بين الرجلين على برنامج جهادي واحد مع بقاء بعض نقاط الخلاف معلقة، وهي النقاط التي تفاقمت حولها الخلافات فيما بعد، حتى وجد كل من أيمن الظواهري وأبي محمد العدناني نفسيهما بعد عشرة أعوام أمام العالم وهما يتجادلان بشأنها مجددا. نجح الزرقاوي إذن في فرض إيقاعه على المقاومة في العراق ولم يقتل حتى وضع اللمسات الأخيرة على “تنظيم دولة العراق الإسلامية”[11]، الذي يعني تأسيسه عدم شرعية كل فصائل المقاومة الأخرى، والبدء في محاربتها وتفكيكها ونزع سلاحها. طموح الزرقاوي في تأسيس فرع لتنظيم القاعدة في بلاد الشام سيرى النور لكن بعد ست سنوات على مقتله، وسيدفع هذا الفرع الجديد ثمن البيعة التي لم يحسم الزرقاوي وبن لادن تفاصيلها في إبّانها.
جبهة النصرة لأهل الشام
شهدت الثورة السورية بعد انتقالها إلى مرحلة العسكرة ظهور مجموعة من الفصائل والجماعات المسلحة، بعضها تَشكّل من الضباط والجنود المنشقين عن النظام، وبعضها الآخر تشكّل من المعتقلين الإسلاميين الذين أطلق بشار الأسد سراحهم في بداية الثورة لاحتواء الوضع المتوتر، والتدليل على الخطوات الإصلاحية التي وعد بها في خطاباته. في شهور الثورة الأولى عرض أبو محمد الجولاني وهو سوري سافر إلى العراق عقب الاحتلال الأمريكي وانضم إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، عرض على أبي بكر البغدادي أمير تنظيم دولة العراق الإسلامية خطة مفصلة تهدف إلى تأسيس جماعة جهادية في سوريا، وطلب منه الدعم والتمويل. وافق البغدادي على مقترح الجولاني وأذن له بالخروج من العراق والذهاب إلى سوريا، وصل الجولاني إلى سوريا، ولم يمض وقت كثير حتى أسس النواة الأولى لجماعته التي سماها “جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد”.[12]
توالت العمليات النوعية للجبهة مستهدفة قوات النظام في مختلف المدن والقرى السورية، وسرعان ما باتت إحدى أقوى التنظيمات المسلحة في سوريا وأكثرها فتكا بالنظام والشبّيحة. تعززت صفوف جبهة النصرة بآلاف من المتطوعين الأجانب الذين قدموا من مختلف البلدان والأقطار. رأى أبو بكر البغدادي أن جبهة النصرة صارت جماعة كبيرة وتحظى قيادتها بتأييد وتعاطف كبير داخل سوريا وخارجها. وظهور جماعة جهادية بهذا الحجم والتأثير يعني التأسيس لشرعية جهادية جديدة، ولا ننسى أنه في هذه الفترة عانت “دولة العراق الإسلامية” من أزمات كثيرة وكان عناصرها وقادتها مشردين في صحراء الأنبار بعدما طردتهم مجاميع الصحوة من معاقلهم.
أراد البغدادي أن يضع حدا للهواجس التي تراوده بخصوص نوايا الجولاني، إضافة إلى رغبته في ربط المنجز الجهادي لجبهة النصرة بتنظيم دولة العراق الإسلامية الذي يقوده، فخرج البغدادي إلى العالم في 9/04/2013 معلنا أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية وأن ما حققته الجبهة من منجزات إنما هو بفضل ما أردف به الجولاني من دعم وتمويل، وقرر في ذات الخطاب إلغاء العمل بمسمى “جبهة النصرة” والاستعاضة عنه بمسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وسيضع البغدادي بإعلانه هذا التيار الجهادي على مفترق طرق، ولحظة فارقة لم تهدأ تداعياتها إلى غاية هذه اللحظة.
تنظيم القاعدة في بلاد الشام
لم تتأخر جبهة النصرة في الرد على البغدادي، فبعد ساعات من إعلانه عن ضم الجبهة إلى “الدولة” خرج أبو محمد الجولاني في تسجيل صوتي يؤكد فيه أنه هو من اقترح فكرة تأسيس جبهة النصرة على البغدادي، وأنه لم يُستشر في الخطوة الأخيرة، وأن “دولة الإسلام في الشام تُبنى بسواعد الجميع دون إقصاء أي طرف” وأكد الجولاني أن:” مهام الدولة من تحكيم للشريعة وفض الخصومات والنزاعات والسعي لإحلال الأمن بين المسلمين وتأمين مستلزماتهم قائمة على قدم وساق في الأماكن المحررة رغم ما يشوبها من التقصير”. وفي خطوة ذكية من الجولاني لمنع البغدادي من الاستحواذ على الموارد البشرية لجبهة النصرة أعلن عن “تجديد” بيعته لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، وطمأن السوريين أن “إعلان البيعة لن يغير شيئا في سياسة الجبهة”[13].
دشنت بيعة الجولاني لتنظيم القاعدة مرحلة جديدة في مسيرة التيار الجهادي، مرحلة ستتسم بالانقسام والصراع والتنافس على الشرعية وصولا إلى الاقتتال وتبادل تهم التكفير والتبديع بين عناصر وجماعات التيار ومرجعياته. كما أن تبعية جبهة النصرة للقاعدة فَجّر جدالا محموما داخل الثورة السورية بكل فصائلها ومكوناتها، إذ عبر الكثير من رموزها وقادة فصائلها عن رفضهم لخطوة الارتباط بالقاعدة لما سيجره ذلك على الثورة من وصْم بالإرهاب والتطرف، خصوصا وجبهة النصرة ليست فصيلا صغيرا يمكن عزله واحتواؤه أو الاستغناء عنه، بل كانت من أكبر الفصائل ويقع على عاتقها الجزء الأكبر من المجهود الحربي الموجه ضد نظام بشار الأسد.
لم تخفت الأصوات المطالبة بفك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة منذ اللحظة الأولى لإعلان البيعة. ولا يتردد قادة الفصائل في التصريح كل مرة أن تبعية جبهة النصرة للقاعدة هي العائق الوحيد أمام مشروع التوحد والاندماج الذي ما انفكت المظاهرات تخرج مطالبة به خصوصا بعد خروج الفصائل من مدينة حلب وسيطرة النظام عليها. وأمام الضغط الشعبي المتزايد ورغبة من قيادة جبهة النصرة في إنجاح فكرة توحد الفصائل في جسم عسكري واحد فقد قررت الشروع في فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة.
جبهة فتح الشام.. فك الارتباط إعلاميا
في28/07/2016 ظهر القائد العام لجبهة النصرة في تسجيل مرئي يتوسط كل من عبد الرحيم عطون وأبي الفرج المصري وهما قائدان كبران في الجبهة، كاشفا عن وجهه لأول مرة، ومعلنا في خطاب مقتضب أن جبهة النصرة قررت فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”. قبل بث خطاب فك الارتباط هذا بساعات نشرت مؤسسة المنارة البيضاء التابعة لجبهة النصرة تسجيلا صوتيا لأبي الخير المصري نائب أيمن الظواهري يعلن فيه موافقة تنظيم القاعدة على انفصال جبهة النصرة ويبارك الخطوة، وأكد أن تنظيم القاعدة ” قرر بذل كل الأسباب الممكنة للحفاظ على الجهاد الشامي راشدا قويا وسحب كل الذرائع الواهية الذي يضعها العدو لفصل المجاهدين عن حاضنتهم”[14] وأضاف أن “المرحلة التي وصلت إليها الأمة وانتشار الجهاد ودخوله المجتمع المسلم وانتقاله من جهاد نخبة إلى جهاد أمة لا ينبغي أن يُقاد بعقلية الجماعة والتنظيم بل يجب أن تكون الجماعات والتنظيمات عامل توحيد وحشد لا تفريق ومنابذة” [15].
إلى هذه النقطة ظن الكثير من المتابعين أن صفحة القاعدة قد طويت في سوريا، وأن ما حصل قد جرى التوافق بشأنه بين جميع المعنيين من قيادات وشيوخ القاعدة وجبهة النصرة وكبار منظري التيار الجهادي. لكن في حقيقة الأمر لم يكن الإعلان عن جبهة فتح الشام سوى منعطف آخر تمخض عنه مشهد جهادي جديد وإن كان ليس بحدة ودموية مشهد ما بعد الإعلان عن “دولة العراق والشام الإسلامية”، لكن لا يقل عنه تعقيدا واضطرابا. في الفقرات التالية سنتحدث عن ملابسات وتفاصيل عودة “تنظيم القاعدة” إلى سوريا، وما رافق ذلك من خلاف بين الجهاديين، وتركيزنا على تتبع بعض التفاصيل الصغيرة يعكس قناعتنا بأن هذه التفاصيل غالبا ما تكون مقدمات أو دوافع لتحولات كبيرة وجسيمة. هكذا سنجد مثلا أن ما بدا خلافا في وجهات النظر التكتيكية، قد استحال سريعا إلى قطيعة “عقدية” حادة، وما بدأ بمشكلة تقنية[16] بحتة كاد يصير خيانة ونقضا للعهد، وربما مسألة من مسائل الكفر والإيمان.
عشية فك الارتباط.. معطيات مهمة
جاء الإعلان عن جبهة فتح الشام في ظروف شهدت فيه الثورة السورية تراجعات كثيرة، كان أهمهما تقدم النظام في مدينة حلب، ووصول الفصائل الثورية ذروة التشرذم والصراع البيني. كان توحد الفصائل مطلبا شعبيا ما انفكت المظاهرات تخرج مطالبة به، وكان التوحد يعني لدى الكثيرين توحيد الجهود واستئناف العمل الثوري المنظم، واستعادة كل المناطق التي تقدم إليها النظام. وكان الشرط الذي تضعه كبرى الفصائل لتحقيق هذا التوحد هو انفصال جبهة النصرة أولا عن القاعدة.
على الصعيد الداخلي لجبهة النصرة فالتنظيم بدا متماسكا، وقراراته السيادية تصدر عن قيادته وتحظى بقبول ورضى الجنود والعناصر، لكن ثمة تنافس هادئ وخلافات تبرز أحيانا إلى العلن بين قيادات الصف الأول للجبهة. فمظهر ألويس وأبو ماريا القحطاني وهما قياديان كبيران في الجبهة لديهما تحفظات كثيرة حول بعض أفكار التيار الجهادي ومنظريه، بينما يعتبر كل من أبي جليبيب الأردني وأبي خديجة الأردني وسامي العريدي أبرز الوجوه القيادية المتشبثة بأفكار السلفية الجهادية كما عبر عنها المنظر الأردني المعروف أبي محمد المقدسي في كتبه ومقالاته. لكن وإلى ما قبل الإعلان عن جبهة فتح الشام لم يحدث أن اتخذت هذه الخلافات صيغا عقدية أو عبر أحد من هؤلاء عن موقفه باعتباره موقفا “إيمانيا” والموقف المخالف له موقف “كفري”، فالعريدي والقحطاني ومظهر وأبو خديجة كانوا كلهم في وقت من الأوقات يعملون ضمن المفصل الشرعي والقضائي لجبهة النصرة. ثم لا ننسى أن نشير إلى أن بعضا من هؤلاء القادة كانت لديهم بعض المشاكل الإدارية والتنظيمية داخل الجبهة.
على مستوى القيادة العامة لتنظيم القاعدة والمتمثلة في أيمن الظواهري، فقد شهدت هذه المرحلة أي عشية الإعلان عن جبهة فتح الشام انقطاعا للتواصل بين جبهة النصرة وبين الظواهري استمر لثلاث سنوات تقريبا، بسبب الظروف الأمنية لأيمن الظواهري. لكن هذا الأخير وضح قبل غيابه أن أبا بصير الوحيشي قائد تنظيم القاعدة في اليمن سيكون نائبا له ومكلفا بتدبير شؤون التنظيم إلى حين تفعيل التواصل معه من جديد. بعد فترة من انقطاع التواصل مع الظواهري دخل إلى سوريا في 2015 مجموعة من كبار قيادات القاعدة قادمين من إيران وقد جرى إطلاق سراحهم بموجب صفقة تبادل بين إيران وبين القاعدة في اليمن، وضمن ترتيبات الصفقة نفسها أطلقت إيران قيادات أخرى لكن لم تسمح لهم بمغادرة إيران.
كان من بين من دخل إلى سوريا كل من أبو الخير المصري وأبو القسام الأردني وخلاد المهندس وأبو عبد الكريم المصري وسيعرفون في الإعلام العالمي بمجموعة خراسان، وبقي في إيران كل من سيف العدل وأبو محمد المصري. أظهر أبو الخير المصري لقيادة جبهة النصرة وثيقة مهمة تكشف موقعه القيادي ودوره داخل القاعدة، تتضمن الوثيقة أسماء الشخصيات التي ستتولى بالترتيب قيادة تنظيم القاعدة في حال غياب أيمن الظواهري، وبموجبها أصبح أبو الخير المصري نائبا ومستخلفا على التنظيم حتى يظهر الظواهري من جديد[17].
إذن، كان الواقع السوري عشية فك الارتباط محتقنا بسبب تراجع الفصائل وتشرذمها، حيث أخذت أصوات داخل جبهة النصرة تنادي بضرورة الانفصال عن القاعدة لتحقيق الاندماج مع المكونات الثورية الأخرى، وأيضا لانتفاء دواعي إعلان البيعة للقاعدة إذ لم يعد تنظيم الدولة بتلك القدرة على الاستقطاب والتأثير التي كانت له أول الإعلان عنه، وكانت طبعا لسردية القاعدة دور أساسي في الحد منها. إضافة إلى انقطاع التواصل مع أيمن الظواهري، وخروج قادة كبار في تنظيم القاعدة من المعتقلات الإيرانية، ووصول بعضهم إلى سوريا، وسيكون لهذه القيادات دور مهم في صناعة بعض الأحداث والمواقف داخل سوريا.
كواليس فك الارتباط بالقاعدة
جرت نقاشات وجلسات كثيرة بين الفصائل الثورية في سوريا، وظهر من نقاشاتهم أنهم مستعدون للتوحد في جسم واحد تحت قيادة واحدة، ولم يحل دون المضي في المشروع سوى ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، أخبر أبو الخير المصري قيادة جبهة النصرة أن صلاحياته كمستخلف تخول له البث في مصير علاقة النصرة بالقاعدة. هكذا اتفق أبو محمد الجولاني مع أبي الخير المصري على تغيير اسم جبهة النصرة وإعلان انفصالها عن تنظيم القاعدة، على أن يكون هذا الانفصال إعلاميا فقط، مع بقاء البيعة سرا، فإن مضت فصائل الثورة في مشروع التوحد ونجحت في تحقيقه، فستلغي جبهة النصرة بيعتها للقاعدة وإن فشلت الفصائل في التوحد بقيت العلاقة والبيعة كما كانت[18].
أرسل أبو الخير المصري رسالة إلى كل من سيف العدل وأبو محمد المصري الموجودين في إيران يطلعهما على مضمون اتفاقه مع الجولاني، ويستطلع رأيهما فيه، فجاء ردهما رافضا للاتفاق[19]، وتابعهما في رأيهما القيادي الموجود في سوريا أبو القسام الأردني بعدما كان موافقا عليه في البداية، أصر أبو الخير المصري على تنفيذ الاتفاق مستندا إلى صلاحياته كمستخلف ونائب لأمير القاعدة حتى وان اعترض الآخرون. فتم تنفيذ الفكرة، فسجل أبو الخير كلمته التي نشرتها المنارة البيضاء، وظهر الجولاني في تسجيل مرئي في 28/07/2016 يعلن فيه تغيير اسم جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، وأكد على أن التشكيل الجديد ليست له أية علاقات خارجية.
بعد الإعلان عن جبهة فتح الشام بفترة قصيرة، عاد التواصل مع أيمن الظواهري من جديد، وحملت رسالته الأولى في طياتها رفضا قاطعا لخطوة فك الارتباط إعلاميا مع بقاء البيعة سرية، وتأنيبا لأبي الخير المصري لأنه وافق على الخطوة، وأكد له أن فصل أي فرع من فروع القاعدة ليس من صلاحيات الأمير نفسه وإنما من صلاحيات مجلس الشورى[20]، وأن صلاحيات “المستخلف” ليست هي صلاحيات “النائب”، وأن أبا الخير في غياب الظواهري هو مجرد مستخلف وليس بنائب. وسيحتج قادة النصرة بعد ذلك على غموض مصطلحات “النائب” و”المستخلف” وتضارب الصلاحيات المرتبطة بهما، وأنهم لا يتحملون مسؤولية ما تمخض عن ذلك من خلاف بين قادة القاعدة أنفسهم.[21] كتب الجولاني إلى أيمن الظواهري رسالة مطولة يشرح له فيها فكرة الإعلان عن جبهة فتح الشام ويوضح فيها ملابسات وأهداف الفكرة، فجاء رد الظواهري متأخرا كثيرا يخبر فيه الجولاني أنه لم يعد يقبل البيعات السرية منذ أزمة تنظيم الدولة. القيادي في جبهة فتح الشام عبد الرحيم عطون أكد أن الظواهري تأثر برسالة وصلته من سيف العدل المقيم في إيران حملت تصورا خاطئا لما جرى.[22]
بعد إعلان جبهة فتح الشام علق بعض قادة جبهة النصرة عملهم في التشكيل الجديد وانشق آخرون دون أن يعلنوا ذلك على الإعلام، وتولى أبو القسام الأردني مهمة التواصل مع القيادة العليا لتنظيم القاعدة من أجل وضعها في صورة ما يجري. وتلقي الأوامر والتعليمات بخصوص ما ينبغي على المنشقين فعله.[23] أما موقف أبو الخير فقد تضاربت بشأنه الروايات، فعبد الرحيم عطون القيادي المحسوب على فتح الشام أكد أنه استمر على موقفه المؤيد لفك الارتباط وراسل الظواهري بذلك، وكان متحمسا للخطوة التالية أي تأسيس هيئة تحرير الشام[24]، بينما أكد القيادي سامي العريدي القيادي المنشق عن النصرة أن أبا الخير توقف عن تأييد الانفصال ورد على كل من سأله عن موقفه بأن المسألة باتت خارج نطاق صلاحياته.[25]
نشط المنشقون عن جبهة النصرة إضافة إلى قادة القاعدة الذين أطلقت إيران سراحهم ووصلوا إلى سوريا؛ نشطوا في جمع المؤيدين والتواصل مع قادة الكتائب والسرايا وتجمعات المهاجرين لإخبارهم بأن القاعدة لم توافق على إعلان جبهة فتح الشام وأن القاعدة ستعود إلى سوريا قريبا وأن عليهم الاستعداد لذلك حينما يأتي الوقت المناسب، ومن أبرز هذه الشخصيات القيادية الناشطة في هذه المرحلة كل من: سامي العريدي، وإياد الطوباسي، وبلال خريسات، وأبو همام السوري، وأبو القسام الأردني، وخلاد المهندس.
تأسيس الهيئة.. بداية القطيعة
بسبب انقطاع التواصل مع أيمن الظواهري وصعوبته، إذ تستغرق الرسالة أشهرا لتصل ويستغرق الرد نفس المدة، فإن رسالة الظواهري برفض مشروع جبهة فتح الشام وصلت متأخرة، حيث انخرطت قيادة الجبهة فعلا في مداولات الاندماج مع الفصائل الأخرى. ووقعت كبرى المكونات الثورية اتفاقا مبدئيا يظهر نية وجدية الجميع في إنجاح مشروع التوحد والاندماج في كيان واحد. سنستذكر هنا توجيهات سابقة لأيمن الظواهري حض فيها الجولاني على الانضمام للجبهة الإسلامية التي أُعلن عنها قبل سنوات وألا يكون الارتباط مع القاعدة عائقا له أمام ذلك، وسيحتج عبد الرحيم عطون بهذه النقطة في سياق تبريره للانفصال عن القاعدة في سبيل إنجاح توحد الفصائل.
في 28/01/2017 سيتم الإعلان عن تأسيس هيئة تحرير الشام، بعد توحد عدة فصائل وكتائب ثورية أهمها جبهة فتح الشام، وجبهة أنصار الدين، وحركة نور الدين زنكي، ولواء الحق، وجيش السنة، والحزب الإسلامي التركستاني، وجيش الأحرار المنشق عن حركة أحرار الشام بعد تنصل الحركة من وعدها بالانضمام للكيان الجديد. وانضم تباعا لهيئة تحرير الشام عدد من الكتائب الصغيرة والشخصيات والهيئات المستقلة وغيرها. وتولى قيادة هذا التشكيل القيادي المنشق من حركة أحرار الشام هاشم الشيخ. وكان الإعلان عن هيئة تحرير الشام بمثابة القطيعة التنظيمية النهائية بين جبهة فتح الشام وبين تنظيم القاعدة.
في 27/02/2017 أي بعد الإعلان عن تشكيل هيئة تحرير الشام بحوالي شهر سيتم استهداف أبي الخير المصري في قصف جوي بطائرة أمريكية من دون طيار. وسيكرس رحيله حالة الاحتقان وعدم الثقة بين التشكيل الجديد وبين الشخصيات التي مازالت تحتفظ بولائها وبيعتها للقاعدة. فأبي الخير المصري وإن اعتبر الرجل الثاني في تنظيم القاعدة إلا أن شخصيته تبدو توافقية وغير مندفعة، ويميل طبعه إلى الهدوء وعدم الاعتداد بالرأي، هذا إن لم نقل إن للرجل ملاحظات وأفكارا تخالف تلك التي يتبناها تنظيميه، ففور أصوله إلى سوريا مثلا عرض عليه الجولاني قيادة جبهة النصرة لكنه رفض، وحث النصرة على فتح مكتب للتواصل مع تركيا، وحاول إقناع الفرع اليمني للقاعدة بترك العمل الخارجي[26]. دون أن ننسى أنه كان مرحبا وراعيا لفكرة فك الارتباط بين القاعدة والنصرة قبل أن يرفضها رفضا قاطعا قادة القاعدة الآخرين.
إلى هذه اللحظة ماتزال الخلافات بين القاعدة وبين قيادة جبهة فتح الشام حبيسة المراسلات السرية، لكن استمرت المجموعة المنشقة عن فتح الشام في العمل على استقطاب العناصر وإقناع أمراء الكتائب والقواطع داخل الهيئة بالانضمام إليهم. في 18/04/2017 سيقوم حاجز تابع لهيئة تحرير الشام بتوقيف زوجة إياد الطوباسي (أبو جليبيب الأردني) للاستعلام عن مكان تواجد هذا الأخير، في مؤشر واضح على أن الهيئة باتت تضيق درعا بتحركات أبو جليبيب ورفاقه الموالين للقاعدة.
تشير وثيقة صادرة عن هيئة تحرير الشام أن أبا القسام الأردني بعث رسالة إلى قيادته يكشف فيها أنه استطاع إقناع حوالي 200 عنصر بالدخول في مشروعه إضافة إلى قاطع الملاحم في الهيئة، وأنه ينتظر الوقت المناسب للإعلان عن تنظيمه الجديد، وتشير ذات الوثيقة إلى أن أبا القسام يركز جهوده على العناصر والمجموعات التي كانت على خلاف مع الهيئة أو قامت هذه الأخيرة بفصلها أو قتالها، كجماعة لواء الأقصى مثلا[27]. وفي 27/07/2017 ستصدر هيئة تحرير الشام تعميما تمنع بموجبه ” تشكيل أي فصيل جديد في الشمال وتحت أي مسمى”[28] ولا شك أن هذا التعميم يعني أن العلاقة بين القاعدة وبين قيادة الهيئة مرشحة إلى مزيد من التصعيد، وأن ما بقي حبيس الجلسات والنقاشات الخاصة والبرقيات السرية سيخرج قريبا إلى الإعلام.
الظواهري في الواجهة
يبدو أن فترة الكمون الأمني التي دخل فيها أيمن الظواهري قد انتهت، وصار بإمكانه استقبال الرسائل التي تصله من سوريا ومن إيران والرد عليها، والتفاعل مع الأحداث والتطورات التي تجري في سوريا. ففي 4/10/2017 سيفاجئ الظواهري الرأي العام الجهادي بكلمة صوتية تحمل عنوان:” سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة”[29] استنكر فيها الانفصال عن القاعدة خوفا من الاستهداف أو الوصم بالإرهاب، وشدد في كلمته على أن:” البيعة عقد شرعي ملزم يحرم نكثه” ويضيف:” ويبرر المبررون: نريد أن نتجنب القصف، نريد أن نهرب من التصنيف، الممولون يشترطون علينا أن نبتعد عمن تكرههم أمريكا حتى لا يصنفوننا كإرهابيين، ولا نريد قطع الإمداد عن المهاجرين..” وقال بأن: “القاعدة بفضل الله ومنته هي التي أيدت من أول يوم جهاد أهلنا في الشام، ومدت يدها وفتحت صدرها لكل المجاهدين في شام الجهاد والرباط”. لقد تحدث الظواهري عن كثير من المبررات التي بررت بها قيادة جبهة النصرة خطوة الانفصال عن القاعدة، لكنه لم يشر إلى الدافع الرئيسي الذي حمل قيادة النصرة على القيام بتلك الخطوة، وهي الرغبة في إنجاح الاندماج، وسيتناول الظواهري في كلمة تصعيدية لاحقة كل المبررات والدوافع بمزيد من التعليق والكلام.
كتب عبد الرحيم عطون (أبو عبد الله الشامي) القيادي في هيئة تحرير الشام ردا على كلمة الظواهري ونشره في نطاق ضيق لا يتعدى الغرف والمجموعات الخاصة بكوادر ونشطاء الهيئة، لأنه لا يريد الدخول في سجال علني مع قيادة القاعدة، لكن رده تسرب إلى سامي العريدي وهو من أبرز الشخصيات التي لاتزال تحتفظ بولائها للقاعدة في سوريا، فكتب تعقيبا على رد عطون فاضطر هذا الأخير إلى نشر رده أمام العموم، فكان ذلك بداية خروج الكثير من المعلومات والمعطيات السرية ذات الصلة بقضية انفصال النصرة عن القاعدة إلى الإعلام. في رده على كلمة الظواهري أكد عبد الرحيم عطون الذي يشغل منصبا شرعيا رفيعا في هيئة تحرير الشام أن فك الارتباط مع تنظيم القاعدة جاء بعد موافقة أغلب قادة الصف الأول في النصرة، وبعد موافقة أبي الخير المصري وتأكيده أن صلاحياته تخول له ذلك، بناء على وثيقة موقعة من قادة القاعدة تثبت أن أبا الخير هو النائب والمستخلف، وبعد قطع أشواط متقدمة في مشروع الاندماج بين الفصائل. وأن انقطاع التواصل وصعوبة مع أيمن الظواهري كان سببا رئيسيا في كل ما جرى.
سامي العريدي عقب على رد عبد الرحيم عطون وسرد روايته الخاصة بشأن الأزمة، وهي في الحقيقة رواية لا يختلف جوهرها كثيرا عن رواية عطون، فالعريدي اعترف بانقطاع التواصل مع أيمن الظواهري، وأقر بموافقة أبي الخير المصري على الانفصال، لكنه أكد أن هذا الأخير لم يعلم بتأسيس هيئة تحرير الشام أي القطيعة التنظيمية النهائية مع القاعدة إلا في الإعلام، بينما أكد عطون أن أبا الخير كان على علم بتأسيس الهيئة وجلس مع قادتها قبل الإعلان عنها وكان متحمسا للفكرة.
التعقيب الأهم على مقال عبد الرحيم عطون سيأتي من أبي القسام الأردني نائب أبي مصعب الزرقاوي وأحد قادة القاعدة في سوريا، حيث أكد الرجل معطيات كان عطون قد أدلى بها ونفى أخرى، من بين المعطيات التي أكدها أنه كان موافقا -كما ذكر عطون- على تأسيس جبهة فتح الشام وعندما كتب بذلك إلى سيف العدل وأبي محمد المصري في إيران رفضا الخطوة، فاضطر إلى العدول عن موقفه السابق. وقال أبو القسام بأن القياديين الموجودين في إيران أخبراه بأن التواصل مع الظواهري بات متاحا، ويجب انتظار موقفه أولا[30]. ونفهم من تعليق أبي القسام الأردني أن سيف العدل وأبي محمد المصري وهما من نواب الظواهري لهما تأثير كبير في صناعة قرار القاعدة، خصوصا ما يتعلق منه بالملف السوري، ونفهم منه أيضا أن التواصل مع الظواهري يمر منهما أولا، وأن أبا الخير المصري حتى وهو يشغل منصب النائب الأول للظواهري لم يستطع إلزام الموالين للقاعدة في سوريا بموقفه رغم وجوده بينهم بينما رسالة واحدة من سيف العدل (النائب الثالث) من منفاه فعلت ذلك.
فشل الصلح واعتقال قادة القاعدة
تفاقمت الأزمة وتصاعد التوتر بين الشخصيات الموالية للقاعدة وبين هيئة تحرير الشام، ونشير هنا إلى أن أبا محمد الجولاني قد تولى في هذه المرحلة أي ابتداءا من 1/10/2017 قيادة الهيئة بعد استقالة قائدها السابق هاشم الشيخ. لقد تابع الرأي العام الجهادي بقلق ما يجري من خلافات حادة بين “إخوة الأمس”، وسعيا من رموز ومنظري التيار الجهادي إلى تطويق الأزمة ومعالجتها فقد أعلنوا عن مبادرة بعنوان “مبادرة أهل العلم للصلح بين المجاهدين” وعرفت أيضا “بمبادرة والصلح خير” صدر بيانها الأول في 25/10/2017 موقعا من كبار مرجعيات التيار الجهادي وفي مقدمتهم كل من أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وأبي الفضل الحدوشي، تم تتالت التوقيعات على البيان الذي دعا: “جميع الأطراف إلى الرجوع إلى أهل العلم وتسليمهم الزمام لحل المعضلات والفصل في قضايا الخلاف وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام وجيش الأحرار والإخوة المبايعون لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام وجميع الفصائل والجماعات التي عزمت أمرها على تحكيم الشريعة وسيادة سلطانها[31]” ثم صدر بيان تأييد للمبادرة من شخصيات قيادية ومناصرة لهيئة تحرير الشام مثل: الزبير الغزي وأنس خطاب وعمر رفاعي سرور وأبو محمود الفلسطيني[32].
أصدر كل من أبي القسام الأردني وأبي همام السوري بيانا يؤيدان فيه مبادرة الصلح وأكدا أنهما:” على استعداد للمساهمة والتعاون مع القائمين على هذه المبادرة وأصحاب الشأن وأهل الخير وجميع الأطراف لتحقيق أمر الله في ذلك”[33]، وصدر أيضا بيان تأييد من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.[34] لكن هيئة تحرير الشام وهي أهم الأطراف المعنية لم يصدر منها أي بيان رسمي يؤيد وينخرط في المبادرة رغم الإشادة بها من بعض أعضائها بصفاتهم الشخصية وليس الاعتبارية. ويمكن ربما إرجاع موقف الهيئة الغامض من المبادرة إلى انسحاب أبرز شخصية جهادية منها وهي أبو قتادة الفلسطيني، حيث كتب هذا الأخير تدوينة مقتضبة على قناته الشخصية في التيليجرام أعلن فيها عن سحب اسمه من مبادرة الصلح “التزاما منه بعدم التدخل في شأن الجماعات في سوريا”[35] ولم يقدم أية تفسيرات أخرى لموقفه. ومن المعروف أن أبا قتادة الفلسطيني من المرجعيات الجهادية المقربة من هيئة تحرير الشام، هذه الفرضية سيؤكدها بيان صادر عن أبي مالك الشامي القيادي في هيئة تحرير الشام حيث عزا تأخر الهيئة في الرد إلى:” انسحاب بعض المشايخ من الموقعين على المبادرة وعدم معرفتنا بالبعض الآخر فضلا عن عدم وجود آلية واضحة تترجم المبادرة إلى خطوات عملية” وشدد على ضرورة أن تكون مساعي الصلح بعيدة عن الإعلام ودعا إلى:” التوقف عن التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات والابتعاد عن تداول الخلافات على وسائل التواصل الذي لا يقود إلا إلى مزيد من الاحتقان والابتعاد عن غاية المبادرة.”[36]
لا شك إذن أن مصير المبادرة تقرر مبكرا عندما انسحبت شخصيات وازنة منها، وعدم اقتناع أهم الأطراف المعنية بجدواها. ستصدر اللجنة المشرفة على المبادرة تبعا لذلك بيانا تعبر فيه عن أسفها “لتأخر الرد الرسمي من هيئة تحرير الشام الذي بسببه مازالت المبادرة معطلة”[37]. تعطل المبادرة يعني أن الأمور مرشحة إلى مزيد من التصعيد، وهذا ما حدث حيث قامت هيئة تحرير الشام في 27/11/2017 باعتقال بعض الكوادر والشخصيات المبايعة لتنظيم القاعدة أبرزها سامي العريدي وإياد الطوباسي المعروف بأبي جليبيب الأردني وغيرهم.
وستصدر هيئة تحرير الشام في اليوم نفسه بيانا بعنوان” وللقضاء كلمة الفصل” بينت فيه دواعي وملابسات توقيف من سمتهم برؤوس الفتنة وأكدت أنها سعت “لاحتواء الموقف عبر الحوار والنقاش فكانت معهم جلسات وجلسات لشرح الأمر لعلهم يتراجعون ولكن دون جدوى” ونبهت المعنيين أن قضيتهم ستحال إلى القضاء، وشدد البيان على أن “قيادة الهيئة وانطلاقا من واجباتها اتجاه الساحة واتجاه جنودها، ومنعا لانزلاق الساحة إلى مآلات خطيرة، وبعد تعثر مساعي الصلح المنشودة قامت بتقديم لائحة ادعاء اتجاه رؤوس الفتنة لكي يقدموا إلى محاكمة شرعية عادلة تظهر عبرها الحقيقة، وإن الأمر الآن لدى القضاء لقول كلمته الفصل”[38].
غضب الظواهري وبداية الانشقاقات
كانت حادثة اعتقال الشخصيات التي بايعت تنظيم القاعدة بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، وخلفت تداعيات مثيرة وردود فعل واسعة، فقد صدر بيان عن اللجنة المشرفة على “مبادرة والصلح خير” جددت فيه الدعوة إلى الصلح ودعت إلى إطلاق سراح المعتقلين ووقف جميع أشكال التصعيد “وتشكيل لجنة تحكيم مستقلة للفصل في القضايا محل النزاع ورفع القضايا الشائكة إلى أهل العلم للبت فيها”.[39]
بعد يوم واحد فقط من اعتقال القادة، أي في 28/11/2017 بثت مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي كلمة صوتية لأيمن الظواهري عبر فيها عن موقفه الغاضب إزاء قضية فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة. اللافت أن الكلمة التي حملت عنوان “فلنقاتلهم بنيانا مرصوصا” قد تم تسجيلها قبل شهور من موعد بثها، ولا شك أن القاعدة مقتنعة أن كلمة بذلك القدر من السخط والانفعال تحتاج إلى وقت مناسب لبثها، وليس هناك أنسب من لحظة غليان الساحة نتيجة اعتقال شخصيات كبيرة ومشهورة محسوبة على القاعدة. استنكر الظواهري في كلمته ما سماها “سياسة التعمية على الأتباع بأن كل ما يجري تم بموافقة القاعدة، وأن من ظل متمسكا ببيعته للقاعدة سيعتقل إن تحرك باسم القاعدة”[40] وأكد أنه أعطى “الفرصة بعد الفرصة والمهلة بعد المهلة لأكثر من سنة، ولكنا رأينا أن الأمور تزداد تفاقما، والنفرة والخلاف والتباغض والتعدي على الحقوق والحرمات يتصاعد” وأضاف الظواهري في سياق كلمته قائلا: “وأنا هنا أود أن أؤكد بصورة قاطعة أننا لم نحل أحد من بيعتنا، فقط؛ طردنا إبراهيم البردي ومن معه من الجماعة، ولكننا لم نحل أحدا من بيعتنا لا جبهة النصرة ولا غيرها، ولم نقبل أن تكون بيعة جبهة النصرة سرية، واعتبرنا هذا من الأخطاء القاتلة” ووجه الظواهري نداءا إلى المبايعين لتنظيم القاعدة في سوريا قائلا:” فاثبتوا عباد الله على عهودكم ومواثيقكم، ولا تتزحزحوا ولا تتذبذبوا لكل صيحة أو شبهة أو دعاية واحذروا من كبيرة نكث العهد”[41].
واستمر الظواهري في إدانة وشجب فكرة الانفصال عن القاعدة على امتداد كلمته المطولة، فكان للكلمة دور كبير في رفع وتيرة الانشقاقات وتعليق العمل في هيئة تحرير الشام من قبل بعض العناصر والمجموعات المحسوبة على السلفية الجهادية. وأظهرت البيانات الكثيرة المنشورة حينها أن الانشقاقات أو تعليق العمل أو الاحتجاج على اعتقال القادة شملت مختلف المناطق والقطاعات داخل الهيئة وهمت مستويات قيادية مختلفة باستثناء قيادات الصف الأول التي بقيت متمسكة بموقفها الموحد من الأزمة. وأحصى الباحث أكثر من 250 اسما وردت في أكثر من 10 بيانات مختلفة صدرت عقب اعتقال القادة وصدور كلمة أيمن الظواهري.[42] ولا شك أن الكثير من هذه الأسماء تركت العمل في هيئة تحرير الشام منذ ذلك الحين. ويُلاحظ غلبة العنصر المهاجر في تلك الأسماء لكن ذلك لا يعني أن الهيئة استُنزفت مواردها البشرية من المهاجرين إلى تلك الدرجة، وقد يكون البيان الذي أصدرته فئات من المهاجرين داخل الهيئة دليل على أن التأثر بخطاب القاعدة لا يسري على جميع المهاجرين، حيث صدر بيان بعنوان “وفاء لأهلنا في الشام” موقع من عشرات المسؤولين والعناصر وقادة التشكيلات العسكرية من المهاجرين داخل الهيئة، البيان عبارة عن رسالة مفتوحة موجهة إلى أيمن الظواهري، يعلق فيها الموقعون على تسجيله الصوتي الأخير ويستغربون ما فيه من” صورة وصلتكم بعيدة عن الواقع الذي نراه بأعيننا ونعيشه بأنفسنا” وأضافوا أن “جبهة النصرة ثم جبهة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام لم نر منهم إلا الخير والفضل والوفاء والإعانة”،[43] وتأتي هذه الرسالة ربما لمنع تحول “المهاجرين” إلى ورقة يتم توظيفها في سياق هذه الأزمة، كما فعل تنظيم الدولة أول ظهوره في سوريا.
الهيئة توضح وتشكل لجنة للفصل
بعد يومين من صدور كلمة أيمن الظواهري “فلنقاتلهم بنيانا مرصوصا” نشر عبد الرحيم عطون القيادي في الهيئة ردا مفصلا على كل فقرات الكلمة. وأكد للظواهري أن الهيئة لم تتعامل مع “من يتبع للقاعدة إلا بالخير، ولكن شتان بين من يعمل للجهاد بغض النظر عن الجهة التي يتبع لها، وبين من يسعى لهدم كيان الهيئة باسم الوفاء للقاعدة تنفيسا لأزماته النفسية”. وأكد عطون أنه لم يتم مطلقا اعتقال النساء ولا التحقيق مع الأطفال كما جاء في كلمته.
وأن استطالة الأزمة كما أشار لذلك الظواهري في كلمته وإعطائه المهلة بعد المهلة لأكثر من عام “لسنا نحن سبب فيه، فصعوبة التواصل وتأخره، ومكوث الرسالة الواحدة لشهور حتى تصل، ومثل ذلك جوابها يجعل من الطبيعي أن يطول حل الإشكال، أضف لهذا أن الرسائل لا تواكب الحدث، فمثلا لم يصلك تفصيلنا عن فتح الشام إلا بعد المشروع بشهور”. وفيما يتعلق بالبيعة السرية قال عطون: “نحن لم نكن نعلم رفضك البيعة السرية إلا بعد شهور، ولو كنا نعلمه ابتداء لما قمنا به، خصوصًا في ظل وجود عدد من شوراك وبينهم نائبك ممن اطلع على هذا فلم يقل إن القاعدة لا تقبل بيعة سرية”.
وشدد عطون على أنه “لو كنا نود الانفكاك لدخلنا حينها في الجبهة الإسلامية واعتبرناها فرصتنا لفك البيعة، ولكنّا حين لم نر مشروعًا حقيقيًا لم نفعل، وأما الهيئة فقد رأينا فيها مشروعًا حقيقيًا فدخلناها لا بغية التلاعب والهروب من القاعدة بل لظننا أن هذا الاندماج سيكون محل ترحاب من حضرتك كما كان محل ترحاب من نائبك حينها”[44]. وفي مقال عبد الرحيم عطون تعقيب على كل ما ورد في كلمة الظواهري ولا يتسع المقام هنا لإيراد كل كلامه لكن يمكن إجمال فحواه في أن الظواهري كان لديه تصور وخاطئ وسوء فهم لما جرى نتيجة ما يصله من خصوم الهيئة، ونتيجة وجوب عطب في منظومة التواصل الخاصة بالقاعدة. وفي اليوم نفسه الذي نشر فيه عطون رده على الظواهري وانتقاده لمنظومة التواصل الخاصة بتنظيم القاعدة سينشر مكتب التواصل الخارجي التابع للتنظيم بيانا وضح فيه ملابسات ما جرى ونفى الانتقادات التي وجهت إلى مسؤولي التواصل.[45]
أصدرت هيئة تحرير الشام في 2/12/2017 بيانا بعنوان “تطاوعا ولا تختلفا”[46] سعيا منها “للتوصل إلى حل عملي حقيقي للمشكلة الحاصلة مع الأخ قسام ومن معه” وأعادت تفعيل لجنة شُكلت في وقت سابق برئاسة أبو عبد الكريم المصري وعضوية كل من أبي مالك الشامي وأبي قتادة الألباني ومختار التركي ومصعب الشامي، وسيكون من مهام اللجنة أيضا كفالة القادة المعتقلين والإشراف على إطلاق سراحهم، وأمرت اللجنة الجميع “بعدم إثارة نقاط الخلاف سواء على الإعلام أو بين صفوف المجاهدين”[47].
أصدر أبو همام السوري بيانا في 2/12/2017 أي في اليوم نفسه الذي صدر فيه بيان لجنة الصلح يؤكد فيه أنهم “مازالوا على عهدهم ووفائهم بعقودهم وبيعاتهم لقادتهم ومشايخهم” [48]وأضاف أنه “نفر إلى الجهاد قبل أن يعرف الجولاني وبايع أسامة بن لادن مصافحة فحمل على عنقه بيعة لتنظيم القاعدة” وأشار أبو همام في بيانه إلى نقطة مهمة وهي قوله: “دفعنا بشبابنا إلى الرباط فرادى دون إظهار اسمنا ولم نقبل وقتها من أي مجاهد أن ينشق عن الهيئة أو أن يخرج منها سلاحا وهو يسد ثغرا”. العبارة السابقة تؤكد أن هناك اتصالات وترتيبات وتعليمات من القادة المبايعين للقاعدة إلى العناصر المؤيدة لهم في الهيئة، وإلى ما قبل اعتقال القادة تنص التعليمات على البقاء في الهيئة وعدم الخروج منها انتظارا للوقت المناسب.
أصدر أبو همام الشامي في 5/12/2017 بيانا قصيرا يعلن فيه أنهم لا يعترفون بلجنة الفصل التي أعلنت عنها هيئة تحرير الشام قبل ثلاثة أيام، ولم يخولوا اللجنة بالفصل في أية قضية، وأنهم يعترفون فقط بمبادرة والصلح خير التي يرعاها مشايخ التيار الجهادي[49]. إذن لقد وصلت الخلافات إلى لحظة الاستعصاء، ولم تُفلح مساعي الصلح والاحتواء في تطويق الأزمة ما يعني أن الساحة مقبلة على مرحلة جديدة. مرحلة ستكون الانشقاقات العسكرية والظهور العلني لمؤيدي القاعدة أبرز معالمهما، وذلك على الرغم من صدور البيان الثاني للجنة الفصل في 5/12/2017 مؤكدا نجاح اللجنة في التوصل إلى إخلاء سبيل كل من أبي جليبيب الأردني وخلاد المهندس ومرافقيه،[50] وإطلاق سراح سامي العريدي بعد أقل من أسبوع.[51]
تنظيم حراس الدين
في 5/12/2017 أي في اليوم نفسه الذي أعلن فيه أبو همام السوري عن عدم اعترافهم بلجنة الفصل ظهرت على تطبيق التيليجرام قناة بعنوان “جيش البادية” وقعت أول منشوراتها مستخدمة وسم: (قاعدة الجهاد) وهي المرة الأولى التي سيعلن فيها إعلاميا عن انشقاق مجموعة مسلحة عن هيئة تحرير الشام ومبايعتها لتنظيم القاعدة. وفي 6/12/2017 ستنشر اللجنة الإعلامية لجيش البادية مقطعها المرئي الأول بعنوان “ركب الشهداء”. وفي 11/12/2017 سيتمرد قائد جيش البادية على قرار إقالته الصادر عن قيادة هيئة تحرير الشام، باعتبار جيش البادية مجموعة مسلحة ضمن قطاع البادية في الهيئة. وستصدر اللجنة الإعلامية لجيش البادية مجموعة أخرى من المقاطع المرئية والصور الثابتة التي تظهر جانبا من نشاطات ومواقف الجيش مثل: المقطع التعريفي بجيش البادية، ومعسكر أبو تراب الحموي، ومعارك الجيش في ريف إدلب، وموقفه من صفقة القرن وغيرها[52].
في 23/12/2017 ستظهر قناة على برنامج التيليجرام باسم “جيش الملاحم”، وستنشر مجموعة من الصور حول ما أسمته “رباط جيش الملاحم في ريف حماة الشمالي”. وكان أمير جيش الملاحم أبو عبد الرحمن المكي قد أصدر بيانا اعترف فيه أنه كان على تواصل مع سامي العريدي وأبي القسام الأردني وأنه طلب رأيهما في الانشقاق من هيئة تحرير الشام[53]. يُذكر أن جيش الملاحم كان جزءا من قاطع الملاحم التابع للهيئة، ونشرت هذه الأخيرة تقريرا يؤكد أن أبا القسام الأردني أقنع قاطع الملاحم بالانشقاق عنها وأخبر بذلك القيادة العامة لتنظيم القاعدة[54].
أصدرت مؤسسة السحاب في 7/01/2018 بيانا بعنوان “وكان حقا علينا نصر المؤمنين” كرر نداءا سابقا من القيادة العامة للقاعدة إلى من سمتهم “جنود قاعدة الجهاد في الشام” داعية إياهم إلى أن:” يتعاونوا مع كل المجاهدين الصادقين، وأن يسعوا في جمع الشمل ورأب الصدع.. ويبادروا إلى خدمة المجاهدين والمهاجرين والمستضعفين وسائر المسلمين”.[55] وفي 11/1/2018 سيعلن جيش البادية وجيش الملاحم عن أول عمل عسكري مشترك تمثل في تحرير قرية المشيرفة في محافظة إدلب.
جيش البادية وجيش الملاحم ليسا التشكيلين الوحيدين الذين انشقا عن هيئة تحرير الشام بل هناك مجموعات أخرى متفاوتة الحجم والانتشار تنتظر الوقت المناسب للإعلان عن نفسها وولائها للقاعدة. في27/02/2018 سيتم الإعلان رسميا عن تأسيس الفرع السوري الجديد لتنظيم القاعدة، وسيكون “تنظيم حراس الدين” اسمه الجديد، بقيادة أبو همام السوري. البيان الأول للتنظيم جاء تحت عنوان” أنقذوا فسطاط المسلمين” وقد علق فيه التنظيم على الحصار والمجازر التي تجري حينها في الغوطة الشرقية، داعيا إلى وقف الاقتتال بين الفصائل من أجل “دفع الصائل”[56] . فور الإعلان عن “تنظيم حراس الدين” سارعت التشكيلات والمجموعات العسكرية الى الانضمام إليه وكان من أهمها: جيش البادية، جيش الملاحم، سرايا كابل، جيش الساحل، سرية عبد الرحمن بن عوف، سرايا الساحل، وكتيبة البتار، وسرية الغرباء، وسريتي الغوطة ودوما وغيرها[57].
أهم قادة تنظيم حراس الدين
من خلال تتبع حيثيات تأسيس تنظيم حراس الدين وما رافق ذلك من خروج لبعض المعطيات والمعلومات التي يفترض بها أن تبقى في نطاق السرية، نخلص إلى أن إدارة التنظيم تتم وفق ثلاثة مستويات قيادية وهي: المستوى المحلي، المستوى الإقليمي، المستوى العالمي. فقرارات التنظيم خصوصا الإستراتيجية أو السيادية منها لا يتم اتخاذها على المستوى المحلي وإنما يكون للمستويين الآخرين الدور الأبرز في ذلك. فالقيادة على المستوى المحلي يمثلها أساسا كل من أبو همام السوري، وأبي القسام الأردني، وسامي العريدي، وخلاد المهندس. وعلى المستوى الإقليمي تمثلها القيادة الموجودة في إيران؛ سيف العدل وأبو محمد المصري. وعلى المستوى العالمي يمثلها أيمن الظواهري في أفغانستان.
المستوى المحلي:
أبو همام السوري:
وهو أمير التنظيم ويعرف أيضا بفاروق السوري، واسمه الحقيقي سمير حجازي، سافر إلى أفغانستان نهاية التسعينيات والتحق بمعسكر الغرباء التابع لأبي مصعب السوري لمدة عام واحد، انتقل بعدها إلى معسكر الفاروق ثم معسكر المطار، حيث تخرج منه متفوقا على جميع زملائه باستثناء أبي العباس الزهراني أحد المشاركين في هجمات 11 سبتمبر الذي نال الرتبة الأولى. عينه سيف العدل على منطقة المطار وعمل مدربا في معسكرها، بايع أسامة بن لادن مصافحة، وعينه القائد العسكري للقاعدة أبو حفص المصري مسؤولا عن السوريين في أفغانستان.
غادر مع سيف العدل أفغانستان بعد التدخل الأمريكي، ليتم تكليفه من طرف مصطفى أبو اليزيد بمهمة للقاعدة في العراق، التقى حينها بأبي مصعب الزرقاوي وأبي حمزة المهاجر. عمل على تدريب وتأهيل بعض كوادر تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بتكليف من الزرقاوي. عاد أبو همام السوري إلى أفغانستان في 2005 ليتم تكليفه من قيادة تنظيم القاعدة هناك بترتيب أعمال للتنظيم داخل سوريا، اعتقل في لبنان ومكث في السجن خمس سنوات، خرج بعد الثورة السورية والتحق بجبهة النصرة ليعينه الجولاني قائدا عسكريا عاما لها. وبقي في منصبه حتى تأسيس جبهة فتح الشام حيث استقال من منصبه، وبقي متمسكا ببيعته للقاعدة، إلى أن تم الإعلان عن تنظيم حراس الدين الذي بويع أميرا له.[58]
أبو القسام الأردني:
القائد العسكري لتنظيم حراس الدين، واسمه الحقيقي خالد العاروري من مواليد عام 1967 من الأفغان العرب القدامى، شارك في المعارك ضد الروس في أفغانستان قبل ثلاثة عقود، تعرف على أبي مصعب الزرقاوي وتوطدت علاقتهما بالزواج والمصاهرة، حيث تزوج إحدى شقيقاته، كما أمضيا مع أبي محمد المقدسي فترة من الوقت في أحد سجون الأردن، تأثر كثيرا بكتابات المقدسي خاصة كتابه الشهير ملة إبراهيم. بعد تأسيس الزرقاوي جماعة التوحيد والجهاد في العراق عقب الاحتلال الأمريكي عين العاروري نائبا له على الجماعة، وكان قبل ذلك مستشارا له في أفغانستان.
أوفده الزرقاوي للقيام بمهمة في إيران حيث ألقي القبض عليه ومكث هناك حتى تم إطلاق سراحه سنة 2015 بموجب صفقة تبادل للمعتقلين بين إيران وتنظيم القاعدة في اليمن. حافظ على ولائه لتنظيم القاعدة وبقي على تواصل مع قيادتها ولعب دورا رئيسيا في إقناع بعض المجموعات العسكرية بالانشقاق عن هيئة تحرير الشام لصالح مشروع القاعدة الجديد في سوريا. لا تتوفر الكثير من المعطيات والتفاصيل عن سيرته، ولم يعرف عنه نشاط في مجال الكتابة باستثناء بعض الردود القصيرة والمرتجلة التي كتبها أثناء الأزمة مع هيئة تحرير الشام، وقد اعترف في إحداها أن الكتابة والتفاعل مع ما يُنشر على الإنترنت ليسا من أولوياته[59]. صادرت الهيئة حاسوبه الشخصي خلال حملة الاعتقالات التي شنتها ضد الموالين للقاعدة، ووجدت أنه كان على تواصل مباشر مع سيف العدل وأبي محمد المصري ويضعهما في صورة ما يجري في سوريا أول بأول[60]. قتل في 14/6/2020 في قصف جوي من طائرة بدون طيار استهدفت السيارة التي يستقلها في إدلب، وقتل معه أيضا القيادي في حراس الدين بلال الصنعاني أمير جيش البادية سابقا.
خلاد المهندس:
واسمه الحقيقي ساري شهاب أردني الجنسية، نشط جهاديا في أفغانستان قبل عشرين عاما ثم العراق وأخيرا سوريا، لا تتوفر معطيات كثيرة حول سيرته الذاتية، لكن الثابت أنه كان ضمن قادة القاعدة الذين وصلوا إلى سوريا في 2015 بموجب صفقة تبادل المعتقلين بين قاعدة اليمن وإيران، يبدو من بيان التعزية بمقتله الذي أصدرته القيادة العامة لتنظيم القاعدة أن خلاد كان يحتل مكانة متميزة في التنظيم حيث وصفه البيان بأنه كان ” علما من أعلام الجهاد المخضرمة، وطودا شامخا من أطواد الثبات”[61] وأنه “كان من المساهمين في تطوير الحراك الجهادي، فناهض ببحوثه وأفكاره جيوش الأعداء في ساحات الجهاد المتناثرة”.[62] كان خلاد المهندس يكتب في قناته على التيليجرام ويوقع منشوراته باسم “الأمير المنسي”. لعب دورا مهما في تأسيس تنظيم حراس الدين وكان من بين القادة الذين اعتقلتهم هيئة تحرير الشام في حملتها ضد الشخصيات الموالية للقاعدة. قتل في 22/08/2019 إثر انفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارته في مدينة إدلب.
سامي العريدي:
واسمه الحركي أبو محمود الشامي، ولد في عمان سنة 1973 وحصل على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية، ثم الماجستير من نفس الجامعة، ونال درجة الدكتوراه عام 2001 في علم الحديث. تأثر بالفكر السلفي الجهادي لكنه حصر نشاطه في الجانب العلمي والنظري حتى اندلاع الثورة السورية في 2011 حيث التحق بها وانضم إلى صفوف جبهة النصرة، تولى منصب الشرعي العام في الجبهة، وخولته قيادتها بالحديث عن عقيدة ومنهج جبهة النصرة، انشق عن تنظيمه بعد الإعلان عن جبهة فتح الشام وبقي محتفظا بولائه لتنظيم القاعدة إلى أن أسس مع رفاقه تنظيم حراس الدين حيث شغل فيه منصب الشرعي الأول.
أبو جليبيب الأردني:
واسمه الحقيقي إياد الطوباسي من مواليد عام 1974 بمدينة الزرقاء الأردنية، سافر إلى أفغانستان وانضم إلى معسكرات القاعدة، ثم عاد ودخل إلى العراق وانضم إلى صفوف تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بزعامة أبي مصعب الزرقاوي، توطدت علاقته بالزرقاوي الذي تجمعه به أيضا علاقة مصاهرة. بقي في العراق حتى اندلاع الثورة السورية في 2011، وصل إلى سوريا قادما من العراق في نفس السنة وذهب إلى منطقة درعا ليساهم في تأسيس الخلايا الأولى لجبهة النصرة ويتولى إمارتها هناك.
غادر درعا متوجها إلى مدينة إدلب مع كبار قادة جبهة النصرة كأبي مارية القحطاني ومظهر ألويس وسامي العريدي وأبو محمد شحيل وغيرهم، في الشمال عينه الجولاني أميرا على منطقة الحدود والساحل، لكن ما لبث أن ترك منصبه وقرر العودة إلى درعا في الجنوب، لكن قيادة الجبهة رفضت بشكل قاطع السماح له بالعودة إلى هناك واعترضت طريقه أكثر من مرة.
بعد الإعلان عن تأسيس جبهة فتح الشام رفض أبو جليبيب الخطوة وأعلن عن ولائه لتنظيم القاعدة، اعتقلته هيئة تحرير الشام في 2017 ضمن من اعتقلتهم من الشخصيات التي كانت تسعى لتأسيس فرع جديد للقاعدة في سوريا. شغل منصبا قياديا في تنظيم حراس الدين بعد تأسيسه، في 29/12/2018. لقي مصرعه في ظروف غامضة هو ومجموعة من رفاقه في درعا، ونعاه تنظيم حراس الدين في بيان رسمي، وقال بأن أبا جليبيب ورفاقه” ارتقوا إلى ربهم وهم مقبلون عازمون على إعادة جذوة الجهاد إلى أرض حوران المباركة، مهد هذا الجهاد المبارك”[63].
أبو خديجة الأردني:
واسمه الحقيقي بلال خريسات أردني الجنسية، كان مقربا من أبي محمد المقدسي وأمضيا معا عدة سنوات في السجن، تلقى خلالها أبو خديجة دروسا شرعية في العقيدة والأصول من المقدسي، قضى في السجن أكثر من 10 سنوات ثم خرج منه مع بداية الثورة السورية، غادر إلى سوريا والتحق بجبهة النصرة وعمل مسؤولا شرعيا في قاطع الغوطة الشرقية، ثم قاضيا للأمنيين، عزل بعد ذلك من منصبه بتوصية من لجنة المتابعة في جبهة النصرة. طوال المدة التي أمضاها في سوريا كان من أقرب المقربين إلى أبي جليبيب الأردني. بعد الإعلان عن جبهة فتح الشام أبدى رفضه للخطوة وأعلن تمسكه ببيعة القاعدة، عمل مع القادة الآخرين على تأسيس تنظيم حراس الدين.
قتل في قصف لطائرة من دون طيار استهدفت سيارته في محافظة إدلب في 21/12/2019، قبل مقتله بشهور رشحت معلومات أنه كان على خلاف مع قادة تنظيم حراس الدين، وهو ما أكده أبو محمد المقدسي في تغريدة كتبها عقب اغتياله وقال بأن بلال خريسات لم يكن من حراس الدين ولا من القاعدة[64]. لكن ذلك لا يلغي دوره في تأسيس حراس الدين خصوصا وأنه كان ناشطا على منصات التواصل الاجتماعي ولا يفتأ يحرض ويحشد لصالح العودة إلى القاعدة، وقد يكون بيان التعزية الذي أصدره حراس الدين دليلا على هذا الأمر[65].
المستوى الإقليمي:
سيف العدل:
واسمه الحقيقي محمد بن صلاح الدين بن عبد الحليم زيدان، من مواليد عام 1960 كان ضابطا برتبة مقدم في القوات الخاصة المصرية، ألقي القبض عليه في القضية المعروفة إعلاميا بـ “إعادة إحياء تنظيم الجهاد” والتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري حسن أبو باشا، أطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة ضده فسافر إلى أفغانستان عام 1989. وظف خبرته العسكرية والأمنية في تأهيل وتطوير قدرات تنظيم القاعدة، كان مسؤولا عن معسكر الفاروق في أفغانستان، “واجتهد في تعديل مستوى التدريبات والتكتيكات وطور مناهج المشاة في المعارك، وتولى مسؤوليات كثيرة في القاعدة منها مسؤوليات أمنية”.[66] ويندرج ضمن مهامه الأمنية تأمين قيادات وكوادر وكل عناصر القاعدة.[67]
تزوج سيف العدل من ابنة أبي الوليد المصري (مصطفى حامد) الكاتب الإسلامي المعروف. كان له دور بارز حسب وثيقة منسوبة إليه في احتواء وتأهيل ودعم أبي مصعب الزرقاوي عندما وصل إلى أفغانستان.[68] ومما يؤكد على دوره المحوري داخل القاعدة أن أسامة بن لادن أرسل إلى عطية الليبي يطلب منه أن يرشح له أسماء يعين أحدها نائبا له، فرد عليه عطية الله أن أبا الخير المصري وسيف العدل وأبي محمد الزيات هم المؤهلين للمنصب لكنهم محتجزون في إيران والأفضل انتظار خروجهم.[69] لكننا سنجد أن أسامة بن لادن سيرد على مقترحات عطية الله بقوله أن أبا الخير المصري وأبو محمد الزيات متقدمون على سيف العدل وأن هذا الأخير ينبغي أن يتولى مسؤوليات عسكرية فقط وليس مسؤوليات قيادية أو أن يكون نائبا أولا أو ثانيا.[70] سيرد عطية الله على رسالة أسامة بن لادن موافقا على تقييمه لأبي محمد الزيات وسيف العدل.[71] وهذه المادة البحثية التي نحن بصدد تحريرها هي المادة البحثية الأولى التي لفتت النظر إلى هذه القضية، وقد يزداد النقاش بشأنها مستقبلا، خصوصا وسيف العدل بات الآن نائبا ثانيا لقائد القاعدة في مخالفة صريحة لرغبة مؤسس التنظيم وأميره السابق أسامة بن لادن.
بعد مقتل أسامة بن لادن تم تعيين سيف العدل نائبا ثالثا لأيمن الظواهري بعد كل من أبي الخير المصري وأبي محمد الزيات. وبمقتل أبي الخير سيصبح سيف العدل نائبا ثانيا بعد الزيات. لجأ سيف العدل إلى إيران عقب الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وتنقل بين الإقامة الجبرية والسجن، إلى أن تم إطلاق سراحه عام 2015 بموجب صفقة تبادل للمعتقلين بين إيران والقاعدة في اليمن، على أن يبقى داخل أراضيها، لكنه بات يتحرك هناك بحرية ويمارس مهامه القيادية[72]. وظهر من السجالات التي أعقبت تأسيس جبهة فتح الشام أن سيف العدل رفض رفضا قاطعا الخطوة، ودفع بقوة باتجاه تأسيس فرع جديد للقاعدة في سوريا.
أبو محمد المصري:
واسمه الحقيقي عبد الله أحمد عبد الله، يكني بأبي محمد المصري أو الزيات، ولد في مصر عام 1963، كان ضابطا في الجيش المصري، ويشغل الآن منصب الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، كان مسؤولا ومشرفا ومدربا للمجموعات المقاتلة التابعة للقاعدة التي قاتلت القوات الأمريكية في الصومال وأرغمتها على مغادرة البلاد عام 1993،[73] وكان أيضا مشرفا بشكل مباشر على الإعداد والتخطيط لتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي وتنزانيا عام 1998، بعد هذه العملية عينه أسامة بن لادن مسؤولا عن عمليات القاعدة الخارجية، وأصبح حينها الرجل الثالث بعد أسامة بن لادن في اتخاذ القرارات بعد مقتل أبي عبيدة البنشيري.[74] ثم أصبح مسؤولا عن المعسكرات والجبهات كلها وعن العمل الخارجي أيضا.[75] كان مع أسامة لادن في السودان وخرجا معا بعد تصاعد الضغوط على حكومة الإنقاذ حينها. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر واجتياح القوات الأمريكية لأفغانستان غادر إلى إيران مع عائلته وعائلة أسامة بن لادن وغيره من قادة القاعدة، في إيران سيتزوج حمزة بن أسامة بن لادن ابنته مريم[76]. تنقل بين السجن والإقامة الجبرية حتى تمت الصفقة بين قاعدة اليمن وإيران فخرج من السجن لكنه لم يغادر البلد. بعد مقتل أبي الخير المصري أصبح نائبا للظواهري في قيادة القاعدة.
المستوى العالمي:
أيمن الظواهري:
تؤكد التسجيلات الصوتية التي بثتها القاعدة لأيمن الظواهري، وما تضمنته الرسائل الخاصة التي يرسلها إلى القادة المعنيين بقضية فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة أن أيمن الظواهري تدخل بشكل مباشر في القضية مصرا على وجود فرع للقاعدة في سوريا، ولم يقبل ما اتخذه أبو الخير المصري من قرارات في هذا الصدد، بل إن أيمن الظواهري هو من أصر على أن يكون قائد الفرع الجديد منحدرا من سوريا.[77]
إحياء مدرسة الزرقاوي
لو تتبعنا السير الجهادية لقادة تنظيم حراس الدين فسنجد بينها وبين أبي مصعب الزرقاوي روابط قوية سواء على صعيد الخطاب الجهادي أو على صعيد الانتماء التنظيمي والعلاقات الشخصية، بمن فيهم القيادي في القاعدة سيف العدل. فأبي القسام الأردني كان صديقا شخصيا للزرقاوي ورافقه إلى أفغانستان وأنشئا معا معسكر هيرات، وذهبا معا إلى العراق، وعندما أسس الزرقاوي جماعة التوحيد والجهاد عين القسام نائبا له على الجماعة. بعد إطلاق سراحه من إيران ووصوله إلى سوريا في 2015 فكر في الابتعاد عن القاعدة وجبهة النصرة وتأسيس جماعة التوحيد والجهاد، غير أنه تراجع عن ذلك.[78] وتفكيره في تأسيس جماعة التوحيد والجهاد ينطوي على رغبة في إعادة إحياء النموذج الجهادي الذي أرساه الزرقاوي في العراق، وأبي القسام اعتقل في إيران قبل أن يبايع الزرقاوي تنظيم القاعدة بعدة أشهر.
أما إياد الطوباسي (أبو جليبيب الأردني) فقد كان مقربا من أبي مصعب الزرقاوي في العراق، وتربطهما أيضا علاقة مصاهرة، وينحدر من مدينة الزرقاء الأردنية، وهي المدينة التي يُنسب إليها الزرقاوي. أما أبو خديجة الأردني (بلال خريسات) وإن بدا أن الرجل لم يسافر من قبل إلى ساحة جهادية ولم يلتق بأبي مصعب الزرقاوي، إلا أنه قد تتلمذ في السجن على يد أبي محمد المقدسي شيخ الزرقاوي وأستاذه. خلاد المهندس (ساري شهاب) قاتل كذلك إلى جانب الزرقاوي في العراق، وهو أردني الجنسية أيضا. سامي العريدي (أردني الجنسية) وإن لم تكن له علاقة سابقة بالزرقاوي إلا أنه لا يخفي إعجابه بتجربته الجهادية فكتب يوما:” ما أحوجنا في هذه الأيام إلى إحياء فقه وسيرة هؤلاء القادة العظام (يقصد الزرقاوي) الذين نصروا دين الله بكل ما يملكون وثبتوا على الحق ولم يغيروا ولم يبدلوا.. فمن الواجب هذه الأيام إحياء سيرتهم ونشر أقوالهم وكتبهم”.[79]
أبو همام السوري وإن كان في مرحلة من مراحل حياته منسقا ومتعاونا مع الزرقاوي، يدرب ويؤهل له الكوادر والمقاتلين بأوامر من قيادة القاعدة، إلا أن الرجل من أقل قادة تنظيم حراس الدين حماسا لتجربة الزرقاوي، ليس لأنه يراها تجربة قد اعتراها الخطأ والانحراف، بل لأنه كان قد بايع أسامة بن لادن مصافحة وعمل مدربا في معسكرات القاعدة بأفغانستان في الوقت الذي استقل في الزرقاوي بمعسكره الخاص في هيرات، ولهذا الأخير حينها ملاحظات حول منهج وأسلوب عمل القاعدة. لذلك سنجد أن أبا همام وإن كان أميرا لتنظيم حراس الدين إلا أنه في الواقع يجد صعوبة في تمرير قرارته وإنفاذها، اتضح ذلك في اتفاق الستة عشر بندا بينه وبين هيئة تحرير الشام،[80] ولعل الرسائل التي قالت الهيئة أنها وجدتها في حاسوب أبي القسام الأردني دليل آخر على سوء التفاهم الذي طبع العلاقة بين أبي الهمام وبين القسام[81].
انتشر في المنتديات والمواقع الجهادية قبل حوالي عقد ونصف مقال منسوب إلى القيادي في القاعدة سيف العدل عنوانه” السيرة الجهادية للقائد الذباح أبي مصعب الزرقاوي”، المقال تناول فيه سيف العدل جانبا من سيرة الزرقاوي، خصوصا ذلك الجانب المتعلق بوجوده في أفغانستان وملابسات تأسيسه لمعسكر هيرات. سيف العدل اعترف أن الزرقاوي حين قدم أول مرة إلى أفغانستان كانت “لديه أراء متشددة في بعض القضايا والأمور”.[82] وأنه أخذ تفويضا (أي سيف العدل) من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري للتعامل مع الزرقاوي ومحاولة احتواءه، وأن جلسات النقاش معه وإن تطرقت إلى الأمور الخلافية إلا أنه لم يكن يريد الضغط عليه بشأنها “فقد كان هدفنا كسبه إلى جانبنا ابتداء”.[83]
اعترف سيف العدل أنه ساعد الزرقاوي وأبي القسام الأردني في تأسيس معسكر هيرات،[84] وأنه وظف جزءا من موارد القاعدة لهذا الغرض. فبدأ الزرقاوي في استقطاب العناصر الأردنية والفلسطينية والسورية إلى معسكره، وكان مشروع الزرقاوي يقوم ضرورة على العودة إلى بلاد الشام وتدشين عمل جهادي مستدام هناك. أكد سيف العدل في مقاله أنه لم يطلب من الزرقاوي مبايعة القاعدة وإنما مجرد التنسيق في القضايا التي تحتاج إلى تنسيق. واعترف سيف العدل أنه يتطابق مع الزرقاوي في كثير من الصفات الشخصية،[85] “وأصبح مع أبي مصعب ورفاقه على توافق تام في الأفكار”.[86] بعد الاجتياح الأمريكي لأفغانستان قام سيف العدل بتأمين خروج الزرقاوي ورفاقه إلى إيران ومنها إلى شمال العراق حيث سيطلق الزرقاوي برنامجه الجهادي البديل بعد احتلال العراق. إذن فسيف العدل كان له دور أساسي في رعاية الزرقاوي والدفع به إلى صدارة المشهد الجهادي، وسيكون أمرا طبيعيا أن يقوم الآن بذات الدور مع أبي القسام الأردني النائب السابق للزرقاوي ورفيق دربه.
اعتاد عطية الله الليبي أن يرسل إلى أسامة بن لادن الذي لم يكن متصلا بالأنترنت أهم المواد والمقالات والكتب المتداولة على المواقع والمنتديات العربية والإسلامية. وكان مما أرسله إليه ذات مرة مقال سيف العدل المذكور (السيرة الجهادية للقائد الذباح أبي مصعب الزرقاوي)[87]. أسامة بن لادن-حسب وثائق أبوت أباد- غضب من محتوى المقال واستبعد أن يكون سيف العدل قد كتبه، ونفى صحة المعطيات الخطيرة التي تضمنها بما فيها أنه أعطى تفويضا للتعامل مع الزرقاوي. وأوصى عطية الله بالرد على محتوى المقال المسيء للقاعدة وللزرقاوي أيضا، ولما فيه من “تحفيز للإخوة في العراق ليقيموا دولة لم تكتمل مقومات نجاحها..”[88]. سنجد ضمن وثائق أبوت أباد وثيقة أخرى، هي عبارة عن رد عطية الله على رسالة بن لادن، وسيخبره عطية الله أن “المقال قديم منشور في الإنترنت، وقد رأيت أناس من الكتاب في الأنترنت يشككون فيه، وكنت قديما تصفحت فيه ولكن لا يحضرني منه شيء الآن، ولكني عرفت أنه مكذوب، ولكن في الحقيقة لم نهتم بنقده، ولكن فكرتكم جيدة، وبإذن الله أقوم أو أكلف من يقوم بقراءته بعناية ونقده ثم نكتب فيه شيء كما أمرتم”.[89]
رغم طمأنة عطية الله الليبي لأسامة بن لادن واستبعاده أن يكون المقال مكتوبا بواسطة سيف العدل إلا أننا نرجح أن يكون المقال عائدا فعلا لسيف العدل، لأنه منشور ومتداول على المواقع والمنتديات الجهادية منذ خمس عشرة سنة تقريبا، وثم نشره بعد ذلك على الموقع الجهادي الأشهر “منبر التوحيد والجهاد” في القسم الخاص بإصدارات سيف العدل، ولو لم يكن عائدا له لأرسل تنبيها بذلك إلى إدارة الموقع، ولحذفته من قائمة مواده، خصوصا والتواصل مع إدارة الموقع سهل ومتاح، ومشرفه العام “أبو محمد المقدسي” تربطه علاقة متينة بسيف العدل، كما أن خالد العاروري (أبو القسام الأردني) المذكور في المقال موجود في سوريا منذ خمس سنوات، وكان على تواصل مع المقدسي، ولو كان المقال منتحلا أو مفبركا لكتب تنويها بذلك ولسحب المقال من الموقع. إضافة إلى أن بعض المعلومات الواردة في المقال أوردها أيضا أبو مصعب السوري في “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”.[90] التفسير الذي نرجحه لهذا التضارب هو أن سيف العدل قد اجتهد من عند نفسه وبما يتمتع به من صلاحيات قيادية في احتواء الزرقاوي دون أن يُخطر قيادته بذلك، أو أنه قام بإخطارها في سياق حديث عرضي مع أسامة بن لادن لم ينتبه إليه هذا الأخير لكثرة الملتحقين حينها بمعسكرات القاعدة، والزرقاوي لم يكن أول التحاقه بأفغانستان مشهورا شهرته اللاحقة. أو أن سيف العدل علم أن بن لادن لن يوافق على التعاون ودعم الزرقاوي إن لم يتخل عن أفكاره “المتشددة” أولا، وتصور سيف العدل أن بإمكانه استيعاب الزرقاوي وتغيير بعض قناعاته دون أن تكون القيادة العامة على علم بكل تفاصيل ذلك، وأن حساسية القيادة العامة المفرطة اتجاه نزعات الغلو لا يجب أن تكون سببا في إهدار “طاقة” جهادية واعدة.
ما الذي إذن نستنتجه من هذه المعطيات التي يتم الالتفات إليها لأول مرة؛ نستنتج منها أن القيادي سيف العدل كان راعيا لمشروع الزرقاوي منذ صيغته الجنينية الأولى في هيرات دون أن تكون قيادة القاعدة على علم ذلك، بل وكانت مخالفة له في تقييمه للأداء الجهادي للزرقاوي. وربما يكون حماسه لذلك المشروع هو ما يدفعه الآن لدعم ورعاية مشروع أبي القسام الأردني نائب الزرقاوي الأسبق ورفيقه في هيرات، هل هي رغبة من سيف العدل في استنساخ تجربة الزرقاوي في سوريا، خصوصا والقيادة العامة للقاعدة كانت حينها في حالة كمون أمني، ولم يكن التواصل معها متاحا، وحتى عندما رجع التواصل معها كانت تقارير الوضع في سوريا تصله عبر القيادة الموجودة في إيران. وهل دخول أبو القسام الأردني إلى سوريا حاملا معه فكرة تأسيس جماعة مستقلة باسم ” جماعة التوحيد والجهاد” كان تصميما منه على استئناف البرنامج الجهادي للزرقاوي قبل توحده مع القاعدة، وهل هذه الفكرة مما جرى التداول بشأنه مع سيف العدل في معتقلات إيران قبل الخروج إلى سوريا؟
الخطاب الأيديولوجي
لم ينشر تنظيم حراس الدين أي مادة بخصوص الاختيارات العقدية التي يتبناها. لكن ثمة ملاحظة مهمة فيما يتصل بالمواقف الشرعية والعقدية التي يتبناها التنظيم وهي أنه ورغم وجود جهة رسمية داخله مكلفة بتدبير هذا الجانب وهي “المجلس الشرعي” إلا أن معظم كوادر ونشطاء التنظيم هم إلى حد ما “مسؤولون شرعيون”. فبما أن التنظيم هو في أساسه تنظيم ديني عقدي (حراس الدين) فسيكون بالتالي معظم كوادره معنيون أيضا -حسب اعتقادهم- بالحديث عن هذا الجانب. وسيخلق هذا أزمة داخل التنظيم.
ليس مهما في هذا الصدد عرض منهج وعقيدة تنظيم القاعدة الذي يتبع له حراس الدين، فعقيدته معروفة، وخصصت لها مئات المواد المرئية والنصية والسمعية، خصوصا بعد الخلاف الحاصل بين القاعدة وبين تنظيم الدولة. لكن من المهم هنا أن نشير إلى بعض المواقف الشرعية اللافتة التي صاغها وروجها كوادر تنظيم حراس الدين، ويمكن أن تكون لو تبناها التنظيم رسميا تأسيسا لفعل جهادي جديد.
لعل من أبرز هذه المواقف تكفير الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في مخالفة صريحة لموقف القاعدة الرسمي من محمد مرسي وتجربته في الحكم. فقد كتب أبو خديجة الأردني مقالا بعنوان” ليسوا منا” هاجم فيه الرئيس محمد مرسي ورد فيه على من يدافعون عنه “بحجة أن الأعمال الصالحة التي تقع من مرسي ومن على شاكلته تمنع لحوق مسمى الكفر به”، ورأى أن الذي “أوصل محمد مرسي إلى الحكم هو الطاغوت الذي أُمر باجتنابه”.
وأضاف أبو خديجة متحدثا عن الدعاة والعلماء الذي أيدوا محمد مرسي وأسبغوا الشرعية على نظامه “كل الضجيج الذي نسمعه اليوم من إضفاء الشرعية على هؤلاء المرتدين ما هو إلا تمرير لحلقة جديدة من التحولات وانقلاب سافر على مسلمات طالما كانت من القلاع الحصينة لعقيدة أهل السنة والجماعة”.
الجدير بالملاحظة أن أبا خديجة في بداية مقاله أشار إلى أن مرسي طلب من العلماء والخبراء والمستشارين وضع المواد والمسائل التي يبدأ بها في تطبيق الشرعية، واستنكر أبو خديجة هذه الإجراءات قائلا: “سبحان الله عند تحكيم الشريعة لابد من إعداد الخطط، وتجهيز البرامج، وعقد الاجتماعات والندوات، ووضع الآليات، وتكليف المختصين والخبراء”.[91]
نشر أبو خديجة الأردني الكثير من المقالات والتدوينات التي طبعها التصعيد وغلبت عليها الحدة، وخصص الكثير من نقده لأبي قتادة الفلسطيني المنظر الجهادي البارز الذي لم يكن موافقا على فكرة عودة القاعدة إلى سوريا.[92] ولا نعرف هل هذه المواقف هي امتداد للموقف الرسمي لتنظيم حراس الدين أم داخلة في وصف أبو القسام الأردني لأبي خديجة بأنه “يغرد خارج السرب”[93]. إلى جانب أبو خديجة الأردني نشط الكثير من كوادر وعناصر تنظيم حراس الدين عبر قنواتهم على تطبيق التيليجرام وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في بث آرائهم واجتهاداتهم ومواقفهم الشرعية حول مختلف القضايا والشؤون التي كانت مثار جدل في الساحة. وسيحاول أبو الهمام السوري وسامي العريدي فرض نوع من النظام على هذه الفوضى ما تسبب في أزمة داخل التنظيم، وإلى غاية الآن لم يصدر عن تنظيم حراس الدين أي دراسة أو بحث أو كتاب يتضمن منهجه وخطابه السياسي بشكل مفصل ومؤصل، باستثناء بعض التدوينات “الوعظية” أو المشاركات الدعوية المرتجلة التي اختفى أغلبها مع حذف القنوات والحسابات التي نشرتها.
لقد درج قادة التنظيم على اختصار الصراع في سوريا في أبعاده العقدية المحضة، وقد يعفي هذا الاختزال لواقع معقد من واجب صياغة خطاب سياسي وشرعي يأخذ في الاعتبار الطبيعة المركبة للصراع وما يستتبعه ذلك من مرونة وذكاء في التعاطي مع عناصره وذلك بالتحالف مع هذا الطرف واحتواء هذا وتأجيل المواجهة مع ذاك.. يقول أبو همام الشامي قائد التنظيم: “إن هذه المعركة معركة الإسلام، وإن هذا الصراع صراع بين الكفر والإيمان، صراع بين الحق والباطل، صراع بين الموحدين والمشركين.. هي معركة بين المجاهدين الموحدين الصادقين ضد أعداء الدين من الكافرين والطواغيت والمرتدين والملحدين والمنافقين، فإما أن تثبتوا فيستعملكم ربكم، وإما أن تتولوا فيستبدلكم ربكم.”[94] وكتب أبو عبد الرحمن المكي مقالا بعنوان “الراية” أصل فيه باختصار لحرمة القتال تحت الرايات العمية ولو لدفع الصائل مع وجود غيرها، وشدد على أن القتال الشرعي الوحيد هو الذي يحصل لتكون كلمة الله هي العليا وأن” القتال تحت هذه الرايات العمية يحصل فيه تشويه الدعوة السلامية، ومشابهة العصاة وأهل الجاهلية، وتغرير المسلمين بأن هذه الراية هي راية الدين”[95] وقد سبق لأبي مصعب السوري الرد على أصحاب هذه القراءة لمقاصد القتال، مستندا إلى نصوص قرآنية وحديثية أشهرها حديث ” من قتل دون ماله فهو شهيد” ورواياته المتعددة: “دون عرضه” “دون دمه” “دون مظلمة”.[96]
لعب أبو محمد المقدسي المنظر الجهادي البارز دورا أساسيا في تأمين الغطاء الشرعي والأيديولوجي لتنظيم حراس الدين، بدا ذلك واضحا أكثر خلال المعارك التي نشبت بين التنظيم وبين هيئة تحرير الشام؛ حيث نشط المقدسي بشكل مكثف وغير مسبوق عبر قناته على تطبيق التيليجرام وموقعه الإلكتروني معلقا على الأحداث وداعما للتنظيم من خلال كتابة المنشورات وإصدار الفتاوى والإجابة على الأسئلة التي ترده من عناصر التنظيم بخصوص أحكام المشاركة في المعارك، وإخلاء نقاط الرباط من عدمه، وحكم قيادة الهيئة وغيرها، وتوصيف القتال الحاصل هل هو قتال فتنة أم قتال بغي. لقد ظهر أن المقدسي يحظى بالثقة داخل تنظيم حراس الدين ويلعب دورا حيويا لم يضطلع به غيره على الأقل بالحماس والكثافة والوضوح التي لدى المقدسي.
استراتيجية التنظيم ونشاطه العسكري
تأسس تنظيم حراس الدين وفصائل الثورة تكاد تكون منحسرة في الشمال السوري؛ في محافظة إدلب وما حولها من أرياف حلب وحماة واللاذقية. وقد شاركت التنظيم منذ أيامه الأولى في كثير من الأعمال العسكرية التي شهدتها المنطقة، إما منفردا أو ضمن غرفة عمليات (وحرض المؤمنين) وهي الغرفة التي شكلها بمعية فصائل أخرى. ولم يسجل التنظيم أي نشاط عسكري في المناطق السورية الأخرى. وفعالياته العسكرية محصورة في العمل على خطوط المواجهة مع النظام وميلشياته في فترات تصعيدهم ضد الشمال المحرر. نفذ التنظيم عددا من عمليات الإغارة الناجحة على مواقع النظام في محيط قرية جورين، وريف حماة الشمالي، وريف اللاذقية، وريف حماة الشرقي وغيرها.
رغم مشاركة تنظيم حراس الدين مع فصائل الشمال في الاشتباكات والمواجهات المباشرة مع قوات النظام المسنودة بغطاء جوي روسي، فإن التنظيم ما فتئ يدعو إلى تغيير استراتيجية المواجهة مع النظام، وذلك بالانتقال من أساليب المواجهة المباشرة إلى أساليب حرب العصابات القائمة على تكتيكات الإغارة والكمائن وتجنب السيطرة على الأرض أو الظهور العلني في القرى والمدن. هذه الدعوة كررها قادة التنظيم مرارا ويبدو أن التوجيهات التي تأتيهم من قيادة القاعدة في أفغانستان وإيران تنص على هذا الأمر، ويحول دون تطبيقها طبيعة الظروف على الأرض واستنفار كافة الفصائل لصد تقدم قوات النظام، وأي انسحاب من محاور القتال سينظر إليه بعين السخط والاستياء من الرأي العام الثوري.
نشرت مؤسسة السحاب التابعة لتنظيم القاعدة 23/4/2017 السحاب تسجيلا لأيمن الظواهري ضمن سلسلة (رسائل مختصرة لأمة منتصرة) عنوانه” الشام لن تركع إلا لله” رأى فيه أن:” استراتيجية الجهاد في الشام يجب أن تركز على حرب العصابات، التي تسعى لإنهاك الخصم واستنزافه، وهي وسيلة المستضعفين ضد المستكبرين في كل زمان، وأن لا تهتم كثيرا بالتمسك بالأرض، بل تركز على تحطيم معنويات الخصم وإيصاله لهاوية اليأس، بتكرار الضربات عليه، وإنزال الخسائر الفادحة بجنده”.[97] كما نشرت السحاب أيضا في 20/2/2018 تسجيلا آخر للظواهري بعنوان “يا إخواننا في الشام أصلحوا ذات بينكم” شدد فيه على أن “المعركة في سوريا هي معركة في قلب العالم العربي والإسلامي، وهي معركة على مشارف بيت المقدس، فلا يتوقع لها إلا أن تكون معركة طويلة قاسية، يجب أن يتحلى المجاهدون فيها بالصبر، ولا يستعجلوا النتائج، ولا يتمسكوا بالأرض، ولكن يكون كل همهم أن يثخنوا في العدو، حتى يخر منهكا من كثرة الضربات وتطاول الهجمات واستمرار المعارك ونزيف الخسائر”.[98]. وكتب القيادي في حراس الدين أبو القسام الأردني متحدثا عن واقع الثورة في سوريا بعد انحسارها في الشمال قائلا: “الواقع يتطلب من الجميع التكاثف والتعاون للوقوف في وجه هذه المؤامرات الدولية الكبرى على المجاهدين ويتطلب منا أن نبدأ بحرب عصابات ونكاية بالمحتلين.. فالشام اليوم فيها خيرة الكوادر والطاقات في شتى المجالات وخاصة حرب العصابات التي هي شعار ودواء المرحلة المقبلة”.[99] وكتب الشرعي العام للتنظيم سامي العريدي مؤكدا على ضرورة الإسراع إلى اعتماد أسلوب حرب العصابات:” وفي خضم هذا الواقع الخطير ينبغي على قادة المجاهدين أن يستفيقوا ويراجعوا مشاريعهم التي تخالف الواقع ويعيدوا ترتيب أوراقهم وصفوفهم ويعدوا أنفسهم لحرب عصابات وكر وفر؛ تعب الصادقون والحكماء وهم ينصحون بها ولكن سكرة الإمارة والسيطرة على الأرض أذهلت كثيرا منهم عن هذه النصائح حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يقول نحن نسيطر على مساحات أكبر من مساحات بعض الدول القائمة الآن كقطر أو البحرين أو الكويت”[100] وأضاف:” حان للمجاهدين الصادقين أن يلتفوا حول راية الحركة الجهادية العالمية ويسمعوا لتوجهات ونصائح قادتها وعلمائها ويعيدوا ترتيب أوراقهم وصفوفهم ويربوا جنودهم ويعدوا أنفسهم لحرب عصابات، وحرب كر وفر فالمسألة لا تحتمل التأخير”.[101]
وشدد قائد التنظيم أبو همام الشامي على هذا التوجه في كلمته الصوتية الصادرة بتاريخ 7/03/2020 حين قال:” ولا تقتصروا على مواجهة عدوكم في القتال وجها لوجه، بل استخدموا معه كل التكتيكات، ومن أفضلها وأنجعها حرب العصابات، فهي حرب المستضعفين، فأرعبوهم بالتسلل وأرهبوهم بالإغارات، وكتفوا عليهم الإغارة الكرة تلو الكرة، والإغارة تلو الإغارة، واكتموا أنفاسهم بالانغماسيين والاستشهاديين، وفخخوا الأرض من تحتهم، وشركوا الأشجار والحجارة، وأحيلوا ليلهم نهارا ونهارهم نارا”.[102]
إذن، لا شك أن استراتيجية المواجهة المباشرة التي ينتهجها التنظيم الآن هي استراتيجية اضطرار، لأن الذي يبدو من توجيهات قيادته العليا أنها غير مقتنعة بجدوى الاستراتيجية العسكرية التي تسير عليها الآن فصائل الثورة في الشمال السوري، ويرى نجاعة حرب العصابات في هذه المرحلة. وربما يكون انخراط التنظيم في جهود الدفاع عن المحرر مجرد استجابة منه لنداءات النفير العام التي تصدرها مختلف قوى الثورة وفعالياتها، ولا يريد التنظيم أن ينأى بنفسه عن هذا الإجماع حفاظا على صورته أمام الرأي العام الثوري. ويجب أن نستحضر في هذا السياق أن سيف العدل متخصص في العلوم العسكرية والأمنية وله عدد من الدراسات والمقالات حول مواضيع الامن والاستراتيجية وحرب العصابات، ويملك رؤية نظرية وتطبيقية عملية حول ماهية هذه الأخيرة وكيفية إدارتها وتنظيمها.
الصراع داخل حراس الدين
تأسس تنظيم حراس الدين من المنشقين عن الفصائل الجهادية الأخرى، وهؤلاء المنشقين لهم تحفظات شرعية وتنظيمية على الفصائل التي كانوا منتمين إليها، وانضمامهم إلى حراس الدين يأتي في إطار بحثهم عن البديل، هذا البديل قد لا تتوفر فيه بالضرورة مقومات “الجماعة المثالية” التي يبحثون عنها، فينخرطون بالتالي في دينامية مستمرة من الالتحاق والانشقاق، إذا أضفنا إلى هذا أن التنظيم القائم على أسس عقدية دينية معرض دوما لعدم الاستقرار لأن نصوص الدين والعقيدة قابلة للتأويل وإعادة التأويل، وهذا التأويل يختلف من شخص إلى آخر. ويتعزز هذا المعطى أكثر إذا وجدنا أن هذا التنظيم قد صبغ فعله كله صبغة دينية بما فيها تلك القضايا المحصورة في دائرة “الحرب والرأي والمكيدة”.
بدأ الخلاف داخل تنظيم حراس الدين أثناء المعارك التي شهدها ريف حماة وإدلب ربيع عام 2019، عندما رأى قياديان في التنظيم وهما أبو يحيى الجزائري وأبو ذر المصري عدم المشاركة في بعض محاور القتال إلى جانب فصائل المعارضة القادمة من مناطق درع الفرات. القياديان هما عضوان في المجلس الشرعي التابع للتنظيم، إضافة إلى أن أبا ذر المصري يشغل منصب مسؤول القضاء الداخلي أيضا[103].
أبو يحيى الجزائري نشر مقالا في قناة على التيليجرام تحمل اسم “الإصلاح البيان” ويبدو أنها أنشأت بهدف نشر الكتابات والمواد التي تحمل طابعا نقديا لتوجهات قيادة الحراس، أبو يحيى خلص في مقاله بعد أن تحدث عن أن غاية الجهاد هي إقامة الدين والشريعة إلى ما اعتبره” الخطأ الكبير الذي صدر من بعض المشايخ -غفر الله له- من إباحته الدفاع تحت الرايات الوطنية بإطلاق ودون تفصيل، رغم أن هدفها ليس تحكيم الشريعة بعد إسقاط النظام! واعلموا إخواني المجاهدين في سبيل الله أننا أحرص وأشفق وأرحم عليكم من هؤلاء الأمراء والحفاظ على دينكم وأرواحكم وثمرة جهادكم هو سبب أساسي في الاختلاف بيني وبينهم”.[104] يؤكد أبو يحيى هنا أن سبب الخلاف بينه وبين الأمراء هو رفضه القتال تحت الرايات الوطنية ويقصد بعض فصائل درع الفرات التي شاركت في معارك ريفي حماة وإدلب، وأن موقفه نابع من حرصه على “ثمرة” جهاد ودين المقاتلين.
إلى جانب الملاحظات الشرعية والعقدية التي أبداها أبو يحيى الجزائري وأبو ذر المصري بشأن مشاركة “حراس الدين” إلى جانب فصائل درع الفرات في المعارك، فإن لهما أيضا ملاحظات تنظيمية وتكتيكية تتعلق بضرورة فتح جبهات ومحاور قتال جديدة “تكسر المؤامرات والخطوط الحمراء”.[105] وأن يكون فتح هذه المحاور خارج الترتيبات والتوافقات المعمول بها بين الفصائل الثورية. لم يكن هذان القياديان وحدهما من يعلن عن تحفظاتهما الشرعية والتنظيمية والعسكرية اتجاه تنظيمهما بل تابعهما في ذلك عشرات الناشطين والمدونين الجهاديين المحسوبين على الحراس وإعلامها الرديف، بل وقادة آخرون لعل من أبرزهم أبو يمان الوزاني المسؤول القضائي في التنظيم.
الفصل والانشقاقات
أمام تصاعد واتساع دائرة النقد الموجه لقيادة حراس الدين من طرف أبو يحيى الجزائري وأبو ذر المصري وتلامذتهما وأتبعاهما، وتحوله من ملاحظات وتحفظات شرعية وعسكرية إلى توجه أيديولوجي آخذ في التبلور، فقد قرر مجلس قيادة التنظيم فصل كل من أبي ذر وأبي يحيى لأسباب تنظيمية حسب التعبير الوارد في تعميم الفصل الصادر بتاريخ 23/6/2019.[106] المعنيان بالقرار لم يمتثلا له وأكدا أن قرارات الفصل من صلاحيات القضاء وليس القيادة. وتفاعلا مع موقفهما قام حوالي 300 عضو في تنظيم حراس الدين بينهم قادة ومسؤولون برفع دعوى قضائية ” فحواها التدخل السريع لحل النزاع القائم في الجماعة بخصوص فصل الشيخين أبي ذر المصري وأبي يحيى الجزائري”.[107] في نفس اليوم استجاب أبو عمرو التونسي قاضي الحدود والتعزيرات في التنظيم للدعوى المرفوعة إلى القضاء في بيان صادر عنه[108] وأكد في تسجيل صوتي لاحق أن قرارات الفصل غير نافذة حتى يصادق عليها القضاء وأن دعوى يرفعها 300 شخص معتبرة. وشرع في إصدار مذكرات استدعاء بحق المعنيين بالقضية، أصدر مذكرة إلى كل من أمير التنظيم أبي همام السوري،[109] وسامي العريدي،[110] وأبي يحيى الجزائري[111] وأبي ذر المصري.[112] أصدر هذان الأخيران بيانين استجابا فيهما للدعوى ووافقا على المثول أمام القضاء “لما فيه من خير عظيم في إظهار الحق ورد الباطل”.[113]
لم تكتف قيادة حراس الدين بتجاهل مذكرات الاستدعاء بل قامت في 25/06/2019 بإصدار تعميم جديد فصلت بمقتضاه عددا من المسؤولين في التنظيم أبرزهم القاضي أبي عمرو التونسي نفسه وأبي يمان الوزاني وأبي مصعب الليبي.[114] قابل أبو عمرو التونسي هذه الخطوة التصعيدية بخطوة أكثر تصعيدا حيث أصدر في اليوم التالي مذكرات إنذار إلى كل من أبي همام السوري وسامي العريدي واعتبر أنه في حال عدم مثولها أمام القضاء فإنه سيتم “اتباع باقي الإجراءات القضائية المعتمدة”.[115] ولا شك أن الإجراءات التي يقصدها أبو عمرو هنا قد تصل إلى العزل لأنه سيعتبر موقف القادة رفضا للتحاكم إلى الشريعة.
تفاعلا مع تصاعد حدة الاستقطاب الحاصل داخل تنظيم حراس الدين أصدر أبو حليمة المغربي المسؤول الطبي العام للتنظيم بيانا عبر فيه عن دعمه لموقف المفصولين” تعسفيا”، وقرر تعليق عمله في التنظيم احتجاجا على “عدم النزول للاحتكام إلى شرع الله”.[116] كما أصدر يوسف المنصور نائب الإداري العام في التنظيم بيانا أكد فيه أنه راسل القيادة عدة مرات بهدف استحداث نظام داخلي ينظم آليات الفصل وطرق وحيثياته دون أن يتلقى ردا على ذلك، وشدد على أن مسؤول القضاء الداخلي هو أبو عمرو التونسي وليس غيره، وأن على قيادة التنظيم المثول أمام القضاء الشرعي للفصل في النزاع الحاصل.[117]
لقد تحولت منصات مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا التيليجرام إلى فضاء للسجال والجدل بين المؤيدين لقيادة التنظيم وبين المؤيدين للشرعيين والقضاة المفصولين، الفريق الأول يتهم الثاني بالتشدد والغلو والثاني يتهم الأول بالتميع والتفريط. في 30/6/2019 أي بعد أربعة أيام فقط من إصدار القضاة المفصولين مذكرات استدعاء بحق قادة التنظيم، قامت طائرات التحالف الدولي بقصف اجتماع ضم عددا من القادة والمسؤولين الشرعيين المفصولين أدى إلى مقتل عدد منهم، وكان من أبرز من قضوا في هذا القصف القاضي أبي ذر المصري والقاضي أبي عمرو التونسي وغيرهم[118] وإصابة آخرين أبرزهم الشرعي أبي يحيى الجزائري والمسؤول القضائي أبي يمان الوزاني. وبهذا القصف المميت يكون التيار المعارض لتوجهات قادة التنظيم قد تلقى ضربة كبيرة وموجعة.
من خلال مواكبة تدوينات وتعليقات مختلف أطراف النزاع الحاصل داخل التنظيم، وما أسفر عنه من تصدعات مست بنيته التنظيمية والأيديولوجية نخلص إلى أن الخلاف كان على قدر كبير من الخطورة، فقد امتد عموديا ليصل إلى مستويات عليا في القيادة (مجلس الشورى و المجلس الشرعي والقضاء الداخلي) وامتد أفقيا ليشمل قطاعات واسعة من أعضاء التنظيم (300 عضو وقعوا على الدعوى المرفوعة ضد القيادة) والأخطر من هذا أن الخلاف لم يكن على مسائل تنظيمية أو تكتيكية رغم إصرار بيانات فصل القادة الشرعيين على ذلك، صحيح أن الشرعيين لم يمتثلوا لأوامر القيادة العامة وهذه مشكلة تنظيمية لكن ما هي مسوغات ومبررات تمرد هؤلاء على أوامر قيادتهم، إنها بكل تأكيد مسوغات عقدية ومنهجية، لو تتبعنا تفاصيلها فستحيلنا على مفهوم “الولاء والبراء”، ولو احتدم النقاش والجدل حوله فسيحيلنا هو الآخر على “الناقض الثالث”[119]، وهكذا سيجري استنبات معضلة عقدية مستعصية في صميم الفعل الجهادي المحسوب على القاعدة، تماما مثلما حصل مع تنظيم الدولة الإسلامية.
الشرعيون والقضاة الذين جرى فصلهم كانوا يتمتعون بتأييد ودعم من قطاعات كبيرة في تنظيم حراس الدين، تجلى ذلك في عشرات المقالات والتدوينات التي كتبتها عنهم تلامذتهم وأتباعهم، والأهم من هذا أن أبا محمد المقدسي المنظر الجهادي البارز زكى بعضهم، ونفى عنهم تهم التشدد والغلو، وكان كثيرا ما يعيد نشر مقالات وتعليقات المحسوبين عليهم. لقد أدى مقتل القضاة والشرعيين المفصولين إلى تخفيف حدة التوتر داخل التنظيم، وأفقد التيار المعارض للقيادة العامة أبرز رموزه المؤثرة.
لكن ذلك لم يضع حدا للخلاف القائم، إذ أعلنت مجموعة تطلق على نفسها “أنصار الحق” في 30/10/2019 انشقاقها عن تنظيم حراس الدين، وجاء في بيانها الأول ما يلي:” كنا قد بايعنا من سنة ونيف تنظيم حراس الدين على السمع والطاعة بشرط النصح والإصلاح وتحكيم الشرع في كل كبيرة وصغيرة، فلما نزلت بنا المنازل وحلت ساعة امتحان النوازل رأينا أن القيادة لم توف الشرط الذي أبرم عند العقد ومما زاد من آلامنا أن يبتلى أمير لجماعة تسعى إلى تحكيم شرع بالنزول للقضاء الشرعي فيمتنع لأسباب نراها واهية.. وعليه فقد انفسخت البيعة التي تمت بين جماعة أنصار الحق وتنظيم حراس الدين”.[120] وقيل إن هذه المجموعة المنشقة يقودها المسؤول القضائي السابق في حراس الدين أبو يمان الوزاني. وفي 29/11/2019 قامت هيئة تحرير الشام باعتقال الوزاني متهمة إياه بالغلو والتكفير، وقد اعتاد هذا الأخير توجيه نقده اللاذع للهيئة على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي.
موقف التنظيم من مكونات الثورة
تباينت مواقف التنظيم إزاء المكونات الثورية الأخرى العاملة في الساحة، وتراوحت بين التحالف والتعاون مع بعضها وبين الخصومة مع بعضها الآخر، لكن لم يسجل للتنظيم أي نشاط عدائي سواء كان أمنيا أو عسكريا ضد هذه المكونات. ويرجع ذلك إلى توجيهات أيمن الظواهري الذي ما فتئ يوكد عبر رسائله وكلماته على التعاون مع كل الفصائل الثورية، ورغم أن معظم المكونات الثورية كانت ضد عودة القاعدة إلى سوريا إلا أنها غضت الطرف عن تنظيم حراس الدين لأنه قد يشكل بالنسبة إليها منافسا عنيدا لهيئة تحرير الشام.
موقفه من الفصائل الجهادية: تنشط في الساحة السورية عدد من الفصائل الجهادية المحسوبة على الخط السلفي الجهادي، وإن حرصت منذ تأسيسها على إضفاء صبغة محلية على خطابها الجهادي، وتمييز نفسها تنظيميا عن الجماعات التي تحمل أجندة عمل عالمية. سعى تنظيم حراس الدين منذ بداية الإعلان عنه إلى تمتين علاقته بهذه الفصائل، فأعلن في 29/04/2018 عن تشكيل “حلف نصرة الإسلام” مع جماعة “أنصار التوحيد”، “لإقامة دين الله تعالى ودفع العدو الصائل”.[121]وفي 11/17/2018 تم تأسيس “غرفة عمليات وحرض المؤمنين” ضمت كل من “جماعة أنصار الإسلام” و”جبهة أنصار الدين” و”حراس الدين”، وكان للغرفة ذات الطابع العسكري المحض دور كبير في مختلف المعارك التي شهدتها محافظة إدلب وأريافها. وفي 12/06/2020 دخل التنظيم في تحالف موسع ضمن غرفة عمليات جديدة حملت اسم “غرفة عمليات فاثبتوا” ضمت كل من جماعة أنصار الإسلام، ولواء المقاتلين الأنصار، وتنسيقية الجهاد، وجبهة أنصار الدين.[122]
موقفه من فصائل الجيش الحر: لم يكن الجيش الحر كيانا موحدا وخاضعا لتراتبية عسكرية معينة، وإنما كان ولا يزال عبارة عن مجموعة من التشكيلات العسكرية التي أسس المنشقون عن النظام أغلبها، تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا وتتوزع ولاءاتها بين قيادات وجهات شتى. لم ينشر تنظيم حراس الدين أي شيء بخصوصه موقفه من الجيش الحر، غير أن موقفه من تشكيلاته التي تتلقى دعما خارجيا وتعتبر نفسها تابعة للحكومة المؤقتة سيكون موقفا سلبيا وعدائيا بطبيعة الحال، لكن ثمة تشكيلات أخرى محسوبة على الجيش الحر تعاون معها التنظيم واستفاد منها بداية تأسيسه منها على سبيل المثال “جيش العزة”[123].
الموقف من هيئة تحرير الشام: طبع التوتر والتوجس معظم فترات العلاقة بين تنظيم حراس الدين وهيئة تحرير الشام، لكن دائما ما يتوصل الطرفان إلى صيغة ودية لحل خلافاتهما أو على الأقل تأجيل الحسم فيها إلى حين. وقد تأسس تنظيم حراس الدين -كما سردنا- في سياق من التوتر والاستقطاب الحاد بين حراس الدين وبين هيئة تحرير الشام، ثم أفرزت تداعيات الانشقاقات التي أعقبت الإعلان عن التنظيم مجموعة من المشاكل والخلافات التي مازالت عالقة إلى اليوم، لعل من أبرزها مشكلة السلاح؛ فقادة حراس الدين يجادلون بأن الهيئة هي من انشقت عنهم عندما ابتعدت عن القاعدة وليس العكس، وبالتالي عليها أن تسلم ما بذمتها من أسلحة وحقوق تعود في الأصل إلى جبهة النصرة المبايعة للقاعدة[124].
إلى جانب مسألة السلاح والحقوق المثارة من قبل حراس الدين تظهر بين الحين والآخر مجموعة من القضايا التي تضع العلاقة بين الطرفين على حافة المواجهة العسكرية. ومنذ شروع قادة حراس الدين في التأسيس لتنظيمهم وقبل الإعلان رسميا عنه سعت هيئة تحرير الشام إلى إيجاد آلية لتدبير التوترات القائمة والمتوقعة بين الهيئة كفصيل يضطلع بمهمة الحكم في المناطق المحررة وبين الفرع الجديد لتنظيم القاعدة. فوقع أبو محمد الجولاني وأبو همام الشامي في هذا الإطار اتفاق في 7/01/2018 عرف باتفاق “الستة عشر بندا” وقد تطرق الاتفاق لمعظم النقاط العالقة، وخلال فترة قصيرة تراجع أبو همام الشامي عن الاتفاق بسبب رفض رفاقه في التنظيم لمضامينه واقتراحهم تعديلات طالت الستة عشر بندا كلها. وهو ما استنكرته قيادة الهيئة واعتبرته دليلا على أن “هؤلاء لا تهمهم مصلحة عامة وأن نهجهم الذي يتبعونه في الساحة يفسد ولا يصلح”[125]
إن عدم اعتراف حراس الدين بحكومة الإنقاذ التي تدير شؤون محافظة إدلب. وتورط بعض العناصر المحسوبة على التنظيم في بعض أعمال الاحتطاب[126]. واعتراض التنظيم على دخول الجيش التركي إلى إدلب واعتبار ذلك نوعا من الاحتلال، إضافة إلى انزعاج الهيئة وشرعييها من نشاط الإعلام الرديف التابع للحراس وما ينشره من تعليقات ومواقف تصف الهيئة بالمميعة وتتهمها بالتفريط في التوحيد والشريعة، وتعبير قيادة حراس الدين عن رفضها القاطع لمقترحات الهيئة بشأن توحيد الفصائل الثورية في جسم واحد،[127] كل هذه المشاكل والأزمات جعلت العلاقة بين الهيئة الحراس علاقة محتقنة تسودها أجواء التوجس وعدم الثقة.
لكن ومع كل توتر يقع يُغَلّب الطرفان منطق التهدئة ومعالجة الخلافات بالحوار والتفاهم، وهذا راجع إلى وجود قيادات في الطرفين مقربة من بعضها البعض، كأبي عبد الكريم المصري وأبي همام الشامي وأبي محمد الجولاني تغلب المشترك الشخصي والعقائدي على دواعي النزاع والاختلاف. وأيضا استبعاد الطرفين للأساليب الأمنية، والتصفيات الجسدية، كما تفعل بعض الجماعات والفصائل الأخرى مثل جيش الإسلام عندما كان متواجدا في الغوطة الشرقية، وجند الأقصى، وحركة نور الدين زنكي وغيرها.
دخلت العلاقة بين هيئة تحرير الشام وبين حراس الدين منعطفا حاسما وخطيرا، انعكست آثاره ليس فقط على تنظيم حراس الدين وإنما على الخريطة الجهادية برمتها. إذ لم يعد الخلاف بين الهيئة والحراس محصورا في دائرة المزايدات والتصعيد الكلامي والتراشق الإعلامي بل تحول إلى مواجهات عسكرية سرعان ما حسمتها الهيئة لصالحها، فكيف حدث ذلك؟
في 11/06/2020 أعلنت خمس فصائل عسكرية في سوريا تشكيل غرفة عمليات جديدة أطلقت عليها اسم ” غرفة عمليات فاثبتوا”، وكان لافتا ومفاجئا أن يكون من بين الفصائل المشكلة للغرفة الجديدة فصيل جديد يحمل اسم “لواء المقاتلين الأنصار” بزعامة أبي مالك التلي القيادي السابق في هيئة تحرير الشام، كما ضمت الغرفة قيادات أخرى منشقة عن الهيئة كأبي العبد أشداء قائد فصيل “تنسيقية الجهاد” وأبو صلاح الأوزبكي القائد السابق لكتيبة التوحيد والجهاد الأوزبكية المنضم لجبهة أنصار الدين.
اعتبرت هيئة تحرير الشام إعلان الغرفة بمكوناتها الجديدة بمثابة خرق سافر للوائحها وأنظمتها الداخلية واستخفافا بمنظومتها القضائية، وتقويضا غير مبرر لمساعي توحيد الجهود العسكرية في الشمال المحرر في غرفة عمليات واحدة هي “الفتح المبين”. قامت الهيئة عقب ذلك باعتقال أبي صلاح الأوزبكي في 17/06/2020 لاستيفاء ما صدر بحقه من أحكام، وبعد خمسة أيام قامت باعتقال أبي مالك التلي بتهمة شق الصف وخرق لوائحها الداخلية. أثارت الإجراءات التي اتخذتها الهيئة حفيظة تنظيم حراس الدين، والفصائل الأخرى المشكلة لغرفة عمليات “فاثبتوا”، فأعلنت حالة الاستنفار بين صفوف مقاتليها، وأصدرت بيانا طالبت فيه الهيئة بإطلاق سراح القياديين أبي مالك التلي وأبي صلاح الأوزبكي، مستنكرة ما وصفتها “باعتداءات الهيئة على غرفة عمليات فاثبتوا”.[128]
علقت قيادة الهيئة على قضية اعتقال أبي مالك واعتبرتها شأنا داخليا لا علاقة لأحد به[129]، وأكد بيان صادر عن لجنة المتابعة المركزية في هيئة تحرير الشام أن “أبي مالك الشامي أخ كانت له أياد بيضاء في نصرة الجهاد لا ننكرها ومواقف مشهودة لا نبخسها، لكنه ومنذ فترة طويلة يسعى للخروج من الجماعة لتشكيل فصيل خاص وقد ناقشناه واستوعبناه إلى الدرجة التي نستطيع لأننا لا نريد له سلوك سبيل الفرقة.. ولذلك نرى أن الواجب في حقنا نصرة لأبي مالك أن نمنعه من الإكمال في هذا الطريق ونأطره على الحق أطرا”[130] كما ثم نشر رسالة خاصة كان الجولاني قد بعثها إلى التلي يطالبه فيها بالرجوع إلى الهيئة و”الابتعاد عن سياسة المزاودات التي لا تليق بك”.[131] بدورها أصدرت كتيبة التوحيد والجهاد بيانا دافعت فيه عن موقف الهيئة مؤكدة صدور أحكام قضائية بحق قائدها السابق أبي صلاح الأوزبكي.
في هذه الأثناء عمد تنظيم حراس الدين إلى نصب حواجز عسكرية وتوقيف عناصر يتبعون هيئة تحرير الشام بهدف الضغط عليها لإطلاق سراح أبي مالك التلي، ردت الهيئة بتحريك قواتها العسكرية باتجاه مقرات حراس الدين وحواجزه، وسرعان ما تطور الموقف إلى تصعيد عسكري بين الطرفين، لم تفلح مبادرات الصلح والتهدئة في التخفيف من حدته[132]، رغم إبداء الطرفين موافقتهم المبدئية عليها.[133]
تمكنت هيئة تحرير الشام من إجبار تنظيم حراس الدين على رفع حواجزه في قرية “عرب سعيد” ووقّع الطرفان اتفاقا ينص على إغلاق مقرات الحراس في المدينة ورفع حواجزه وبقاء عناصره بأسلحتهم الفردية فقط[134]. تدخلت القيادة العامة لتنظيم القاعدة على الخط، وأصدرت بيانا في 25/06/2020 استنكرت فيه ما سمته “التصعيد العسكري والأمني الذي جنحت إليه هيئة تحرير الشام[135]” وأكدت أنه “لا يجوز لأي فصيل أن يسلب حريات أفراده قادة وجندا في العمل لدين الله عبر أي فصيل يرتضيه مادام أمر المؤمنين لم يجتمع بعد على رجل واحد..”. أثار بيان القاعدة سخط قيادة الهيئة خصوصا ومضمونه جاء مناقضا تماما لمواقف القاعدة السابقة عندما انفصلت جبهة النصرة عنها، وكتب عبد الرحيم عطون القيادي في هيئة تحرير الشام ردا على بيان القاعدة، مذكرا إياها بمواقفها السابقة من قضية فك ارتباط النصرة بالقاعدة.[136]
امتدت المعارك بين الهيئة وبين غرفة عمليات فاثبتوا إلى عدد من المناطق، استطاعت الهيئة حسمها لصالحها في وقت وجيز، وأبرمت عقبها مزيدا من الاتفاقيات مع تنظيم حراس الدين، نصت بنودها على رفع حواجز التنظيم وإغلاق مقراته.[137]ثم توجت الهيئة انتصاراتها السريعة بقرار صادر عن جناحها العسكري يقضي بحظر أي عمل عسكري في الشمال المحرر خارج غرفة عمليات “الفتح المبين” ومنع تأسيس أي فصيل جديدا هناك.[138] ثم صدرت بيانات أخرى عن “إدارة المناطق المحررة” التابعة للهيئة نصت على إغلاق كافة المقرات العسكرية في منطقتي إدلب وسرمدا، ومنعت فتح مقرات جديدة أو استحداث أي جسم ذي طابع عسكري أو إداري خارج “غرفة عمليات الفتح المبين”.[139]
من الواضح أن تنظيم حراس الدين رضخ للواقع الجديد، ولا يبدو أن للتنظيم خيارات أخرى للحفاظ على ما تبقى من عناصره وموارده غير الامتثال لقرارات الهيئة وتجنب الدخول معها في مواجهة مصيرية نتيجتها لن تكون بالتأكيد في صالح التنظيم. ولم يصدر إلى غاية هذه اللحظة أي تعليق رسمي من التنظيم لما آل إليه وضعه العسكري، وكيف سيتعاطى مع قرارات حرمانه من ممارسة أي نشاط عسكري خارج غرفة عمليات الفتح المبين، التعليق الوحيد الذي صدر حتى الآن كان عبارة عن بيان نشر باسم “أبو عبد الرحمن المكي” القيادي في التنظيم حث فيه أفراد التنظيم على الصبر والثبات، ولم يتطرق إلى مواقف التنظيم أو الخطوات التي سيتخذها في سياق أزمته الطارئة.[140]
الموقف من تنظيم الدولة: يرفض تنظيم حراس الدين أي نوع من أنواع التعامل مع عناصر تنظيم الدولة، وقد عمم بيانا في مقراته يؤكد فيه أن أي مجموعة أو عضو في التنظيم سيعتبر مفصولا تلقائيا إن أقدم على التعامل أو التواصل مع تنظيم الدولة.[141]
الموقف من العمل الخارجي: لم يُبد التنظيم -وإن كان فرعا من فروع القاعدة- أي إشارة؛ ولم يصدر عنه أي شيء يدل على أنه مؤمن بالعمل الخارجي انطلاقا من سوريا. لكنه حرص في مناسبات كثيرة على التذكير بانتمائه إلى تنظيم عالمي واهتمامه بما يجري في الساحات والجبهات الأخرى خارج سوريا، مثل تعزيته في مقتل أبي هريرة قاسم الريمي قائد القاعدة في اليمن، وتعزيته بالقيادي الطالباني جلال الدين حقاني، والقياديين في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أبي عياض التونسي وأبي همام الجزائري، وإشادته بعمليات حركة طالبان وحركة الشباب المجاهدين في كل من أفغانستان والصومال[142].
موقف التنظيم من الاتفاقيات السياسية
على غرار كل الجماعات الجهادية ذات التوجه السلفي فقد عبر تنظيم حراس الدين عن رفضه المطلق لكل الاتفاقيات والتفاهمات التي كانت بعض المكونات الثورية في سوريا طرفا فيها، وندد التنظيم بتفاهمات أستانا وسوتشي ومخرجاتهما واعتبرهما مجرد خطة” ليستفرد النظام والروس والروافض بمناطق أهل السنة، منطقة تلو أخرى، ثم يحصروهم في مناطق ضيقة في الشمال.. تحت مسمى خفض التصعيد” وقد أكد أنه حاول بما لديه من إمكانيات “الخروج من هذا الحال” ودعا الفصائل الثورية إلى “إعادة ترتيب ما تبقى من قوة وإمكانيات والتعاون على البر والتقوى والبدء بعمليات عسكرية على أعداء الدين بما يفسد مخططاتهم ويرد كيدهم في نحورهم”.[143] أما في ما يتعلق بالمصالحة مع النظام فقد حذر التنظيم منها في بيان صادر عنه، وشدد على أن المصالحات التي تجري مع النظام في كثير من المناطق السورية هي في حقيقتها” من الخيانات الفاجرة الماكرة التي تسعى للاستيلاء واحتلال البلاد المحررة من النصيرية وشركهم وأن كل من سعى لتسليم البلاد للكفار وترك الجهاد فقد خان الله ورسوله وخان الأمانة”.[144] واعتبر أبو القسام الأردني القيادي في التنظيم اتفاقيات جينيف واستانا وسوتشي “مؤامرات من الشرق والغرب على الإسلام وأهله” وهي “سراب من الحلول الواهمة والوعود المزيفة وتكريسا للاحتلال والتبعية واستنزاف خيرات الأمة”[145]
النشاط الإعلامي للتنظيم
في 3/04/2018 أعلن التنظيم عن افتتاح “مؤسسة شام الرباط” كجهة رسمية مخولة بإنتاج ونشر المواد الإعلامية الخاصة به، وإلى غاية هذه اللحظة أي بعد مرور أكثر من عامين على إطلاق المؤسسة صدر عنها 21 بيانا عبر عن مواقف التنظيم من مختلف القضايا، سبعة منها تهم قضايا خارجية لا علاقة لها بالثورة السورية. كما صدر عن التنظيم 7 أفلام مرئية قصيرة، 3 منها عبارة عن كلمات مصورة للشرعي العام سامي العريدي، و3 منها تنقل جانبا من معسكرات الإعداد التابعة للتنظيم وجزءا من مؤازراته للجبهات، وواحد نقل عملية عسكرية للتنظيم. أما المقاطع الصوتية فقد أصدر التنظيم 3 منها تهم القائدين أبي الهمام الشامي أبي عبد الرحمن المكي.
عكس باقي التنظيمات والجماعات يبدو تنظيم حراس الدين أقل اهتماما بالجانب الإعلامي والدعائي، ولم يظهر قادته في أي إصدار مرئي من إصداراته باستثناء الخرجات “الوعظية” و”الدعوية” لسامي العريدي المسؤول الشرعي في التنظيم، ولم ينتج أي إصدار مرئي احترافي وطويل، أو نشرة دورية متخصصة تحوي أخبار التنظيم ومواقفه وتوجيهاته. باستثناء البيانات التي أصدرها التنظيم في مناسبات متفرقة، وهذا ربما راجع إلى عدة أسباب لعل من بينها:
- سيطرة الهاجس الأمني على التنظيم باعتباره فرعا من فروع القاعدة وحرصه بالتالي على حجب معظم أنشطته عن التغطية الإعلامية.
- غياب المادة الأساسية في الإصدارات وهي المعارك والعمليات العسكرية، والتنظيم لم يتأسس إلا بعد انحسار الفصائل في محافظة إدلب، وضعف الفعاليات العسكرية لفصائل الثورة. أما معارك الدفاع عن الشمال خلال العامين الماضيين والتي شارك فيها التنظيم فقد تمت تغطيتها من طرف “غرفة عمليات وحرض المؤمنين”.
- عدم اقتناع قيادة التنظيم بجدوى النشاط الإعلامي المكثف، واقتصارها في ذلك على ما يوضح ويجلي مواقف التنظيم من القضايا الملحة، عبر البيانات المقتضبة، أو الإصدارات المرئية القصيرة التي توثق بعض معارك وعمليات التنظيم.
- محدودية الموارد المادية لدى التنظيم وعجزه ماديا عن تغطية تكاليف النشاط الإعلامي الاحترافي وتنويعه لما يتطلبه ذلك من وجود الكوادر الإعلامية المدربة والمتفرغة، وتوفر معدات وأدوات الإنتاج وغيرها.
مستقبل التنظيم
ثمة مجموعة من العوامل والتحديات سيكون لها دور بارز في تحديد مصير تنظيم حراس الدين والتأثير في مستقبل وجوده، فالتنظيم ينشط في واحدة من أعقد بؤر الصراع في العالم، حيث العلاقات بين الفاعلين فيها متشابكة، وخاضعة لمنطق مركب من المصالح والتفاهمات الهشة وغير المستقرة. فضلا عن تواجده في بيئة مترعة بالأيديولوجيات ذات الطابع الجهادي، وما يعنيه ذلك من تنافس ظاهر بين المكونات الجهادية وخيارات وافرة ومتعددة بالنسبة لأي شخص يغريه القتال تحت راية التيار السلفي الجهادي. ولعل من أبرز التحديات التي ستواجه التنظيم في المستقبل:
أولا: لقد فرضت الأحداث والتوترات الأخيرة بين تنظيم حراس الدين وهيئة تحرير الشام واقعا جديدا على مستوى الخريطة الجهادية في الشمال السوري المحرر، وسيكون لذلك بالتأكيد تبعات على مستوى الخطاب الجهادي بشكل عام ليس هنا مقام عرضها. لقد خسر تنظيم حراس الدين الكثير من موارده ومقدراته وثم إغلاق مقراته ومعسكراته، إضافة إلى تفكيك التحالفات التي انضوى تحتها، وثم منعه من مزاولة نشاطاته العسكرية والأمنية دون إذن من غرفة الفتح المبين. يأتي هذا في إطار رغبة الهيئة ورؤيتها التي تقوم على ضرورة توحيد كل الجهود العسكرية في جسم واحد، وفرض سلطة حكومة الإنقاذ على الشمال المحرر، وإنهاء الفوضى الفصائلية والإدارية والخدمية التي طبعت المناطق المحررة منذ دخول الثورة طور العسكرة وبداية سيطرة الثوار على المدن والمناطق. التحدي الماثل أمام تنظيم حراس الدين هو إلى أي حد يمكنه الصمود في ظل الواقع الجديد الذي فرضته هيئة تحرير الشام بالقوة، وكيف سيتعامل مع معطيات هذا الواقع (الخضوع لسلطة حكومة الإنقاذ وغرفة عمليات الفتح المبين..)، هل سيغامر ويجنح إلى المواجهة والتصعيد أم سيتحلى بقدر من المرونة والبراغماتية تتيحان له هامشا من الوقت يسترد فيه أنفاسه ويرتب صفوفه من جديد.
ثانيا: مدى قدرة التنظيم على صيانة وحفظ ما تبقى من قدراته وموارده البشرية والمادية أمام سيناريوهات اجتياح الشمال السوري من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وهي سيناريوهات غير مستبعدة وإن أخرتها بعض الاتفاقيات والتفاهمات بين تركيا وروسيا، فهل يملك التنظيم موارد للصمود وخططا لإعادة الانتشار، أما أن المعركة ستستنزف ما تبقى موارد التنظيم وإمكانياته الشحيحة أصلا إلى درجة حله وتفكيكه كما حصل مع بعض الجماعات الجهادية الأخرى كجماعة أنصار الشريعة في ليبيا مثلا.
ثالثا: صنف تنظيم حراس الدين كتنظيم إرهابية مرتبطة بالقاعدة، وسيدفع ذلك بالكثير من المكونات الثورية الأخرى إلى الابتعاد عنه أو حتى محاربته، يدرك قادة التنظيم هذا التحدي الماثل أمامهم لذلك بادروا منذ البداية إلى الدخول في تحالفات موسعة مع جماعات تشاطره بعضا من قناعاته الجهادية، تجلى ذلك في تحالفه مع جماعة أنصار التوحيد في “حلف نصرة الإسلام” ودخوله في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” مع ثلاث جماعات أخرى، ثم غرفة عمليات “فاثبتوا” مع أربع جماعات أخرى. كل ذلك من أجل ترسيخ وجوده في الميدان وربط مصيره بمصير المكونات الجهادية الأخرى، وحتى عندما يكون هناك قرار دولي أو إقليمي بمحاربة الجماعات المصنفة على قوائم الإرهاب يكون صعبا على المعنيين بالقرار تمييز الجماعات الإرهابية عن غيرها، فالتنظيم يدرك جيدا أن مستقبله رهين بمدى نجاحه في الانصهار ضمن النسيج الثوري المحسوب على المعارضة المسلحة دون أن يفقده ذلك هويته الجهادية المميزة.
رابعا: من بين التحديات التي فرضت نفسها على التنظيم هو إلى مدى يستطيع تأمين قياداته المؤثرة من الاستهداف، خصوصا القيادات ذات البعد الروحي والرمزي، فأبي همام مثلا بايع أسامة بن لادن مصافحة وتخرج من المعسكرات الأولى للقاعدة، وشهد مع مؤسسيها المشاهد كلها، وثقله القيادي والرمزي ليس كثقل غيره من القيادات حديثة العهد بالتيار الجهادي. ونفس الشيء ينطبق على أبي القسام الأردني وخلاد المهندس وأبي عبد الكريم المصري.. سنلاحظ أن التنظيم أخفق على هذا الصعيد إخفاقا كبيرا حيث لم يتبق من قياداته المؤثرة سوى قياديين فقط هما أبو همام الشامي وأبو عبد الكريم المصري، وفقد التنظيم خلال سنتين فقط من تأسيسه معظم صفه القيادي الأول مثل: خلاد المهندس، وأبي القسام الأردني، وأبي جليبيب الأردني، وأبي خديجة الأردني، إضافة إلى أبي عمرو التونسي وأبو ذر المصري وبلال الصنعاني وغيرهم.
عادة ما يبقى قادة الجماعات الجهادية ومؤسسيها سنوات قبل أن يتم تحييدهم بالقتل أو الاعتقال وتكون مدة نشاطهم كافية لترسيخ وجود وفعالية جماعاتهم، وتحول خطابها إلى سردية جهادية يصعب تجاوزها أو القضاء عليها حتى لو قتل كل قادتها بعد ذلك. لكن يبدو في حالة “تنظيم حراس الدين” أنه قد يفقد صفه القيادي كله قبل أن يتبلور خطابه الجهادي بشكل واضح وراسخ.
خامسا: لعل من أخطر التحديات التي قد تعصف بتنظيم حراس الدين مستقبلا هو الانقسام الداخلي، فهل يستطيع التنظيم الحفاظ على تماسكه وصلابه صفه الداخلي وإلزام عناصره بتبني خيارات شرعية وعقدية واحدة. فإذا كان الخلاف الأول الحاصل بين قادة التنظيم وشرعييه صيف 2019 أظهر أن أكثر من 300 عضو وكادر في التنظيم لم يكونوا راضين عن قرارات قيادتهم، وقرر الكثير منهم الانشقاق أو تعليق عملهم مؤقتا في التنظيم فما الذي يضمن عدم حصول أزمات داخلية أخرى في المستقبل أشد تعقيدا وخطورة.
خاتمة
تراهن القيادة العامة للقاعدة على تنظيم حراس الدين ليكون فرعا شاميا ضاربا بنفس تأثير وفعالية “جبهة النصرة” حينما كانت فرعا تابعا لها، لكن نشأة التنظيم في سياق مضطرب من الخلافات والصراعات الجهادية البينية، وعلى وقع حروب واجتياحات طالت آخر معاقل الثورة السورية، وفي وقت تصاعدت فيه الحرب الأمنية ضد الكوادر والقيادات الجهادية المحسوبة على تنظيم القاعدة في مختلف بؤر الصراع عبر العالم، وأيضا وصول الكيانات الجهادية المنافسة لحراس الدين إلى مراحل متقدمة من النفوذ والقوة والانتشار، كل هذه العوامل ستجعل مهمة الفرع الناشئ مهمة محفوفة بالخطورة والصعاب والتحديات[146].
الهامش
[1] أسامة بن لادن، الحرب؛ نتائجها وأسبابها، أكتوبر 2004
[2] أنظر على سبيل المثال إلى كتاب” الحرب الصليبية الجديدة” الذي كتبه يوسف العييري بعد أسبوع فقط من هجمات 11 من سبتمبر.
[3] أنظر الرسالة الشهيرة التي أرسلها أبو مصعب الزرقاوي إلى أسامة بن لادن قبل البيعة على هذا الرابط، وانظر أيضا: بيان انضواء جماعة التوحيد والجهاد تحت لواء القاعدة، شبكة فلسطين للحوار، 17/10/2004
[4] أبو عبد الله الشامي، في ظلال دوحة الجهاد، 2016 ص:182 (نسخة إلكترونية)
[5] المصدر السابق ص: 183
[6] وريث الزرقاوي، بيعة الزرقاوي للقحطاني، مدونة بل عابر سبيل، 7/12/2016
[7] أبو محمد العدناني، عذرا أمير القاعدة، مؤسسة الفرقان، 12/05/2014
[8] حوار مع أبي مصعب الزرقاوي، مؤسسة الفرقان، 06/12/2006
[9] أبو مصعب الزرقاوي، بيان وتوضيح لما أثاره الشيخ المقدسي في لقائه مع الجزيرة، 12/07/2005
[10] أنظر الرسالة الشهيرة التي أرسلها أبو مصعب الزرقاوي إلى أسامة بن لادن قبل البيعة على هذا الرابط
[11] نشرت القوات الأمريكية قبل سنوات مقاطع مرئية تم حذفها من الإصدار المرئي الشهير الذي ظهر فيه الزرقاوي بعنوان “هذا بلاغ للناس” وتضمنت اللقطات مشهدا للزرقاوي في جلسة مع بعض المقربين منه وهو يتحدث عن قرب الإعلان عن “الدولة الإسلامية” في العراق.
[12] أبو محمد الجولاني، إعلان تأسيس جبهة النصرة، مؤسسة المنارة البيضاء، 24/01/2012
[13] أبو محمد الجولاني، حول ساحة الشام، مؤسسة المنارة البيضاء، 10/04/2013
[14] أحمد حسن أبو الخير، كلمة صوتية، مؤسسة المنارة البيضاء، 28/07/2016
[15] المصدر السابق
[16] أقصد هنا مشكلة بطء منظومة التواصل التي تعتمدها القاعدة والتي كان لها دور كبير في تفاقم الأزمة كما سنرى.
[17] وثائق تظهر المستخلفين من قادة القاعدة، انظر الرابط
[18] عبد الرحيم عطون، الرد على كلمة الظواهري “سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة”، 13/10/2017
[19] سامي العريدي، سلسلة لله ثم للتاريخ، شهادات حول فك الارتباط بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، 10/2017،
[20] المصدر السابق
[21] عبد الرحيم عطون، الرد على كلمة الظواهري، مصدر سابق
[22] عطون المصدر السابق
[23] لماذا أقدمت هيئة تحرير الشام على خطوة التوقيف الأخيرة لبعض الإخوة، وثيقة نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام
[24] عبد الرحيم عطون، الرد على كلمة الظواهري، مصدر سابق
[25] سامي العريدي، سلسلة لله ثم للتاريخ، شهادات حول فك الارتباط بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، 10/2017،
[26] عبد الرحيم عطون، الرد على كلمة الظواهري، مصدر سابق.
[27] لماذا أقدمت هيئة تحرير الشام على خطوة التوقيف الأخيرة لبعض الإخوة، وثيقة نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام
[28] هيئة تحرير الشام، تعميم، 27/07/2017
[29] سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة، أيمن الظواهري، مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي، 4/10/2017
[30] أبو القسام الأردني، شهادة ورد على عبد الرحيم عطون، قناة على نهج الإمام 19/10/2017
[31] مبادرة والصلح خير، البيان الأول، 25/10/2017
[32] تأييد ودعم لمبادرة أهل العلم
[33] بيان أبي القسام الأردني وأبي همام السوري في دعم مبادرة والصلح خير
[34] بيان دعم ومساندة مبادرة أهل العلم، تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، مؤسسة الأندلس، 26/10/2017
[35] أبو قتادة الفلسطيني ينسحب من مبادرة أهل العلم للصلح بين المجاهدين
[36] أبو مالك الشامي، بيان حول مبادرة الصلح بين المجاهدين
[37] بيان لجنة الإشراف على مبادرة الصلح بين المجاهدين، 05/11/2017
[38] هيئة تحرير الشام، وللقضاء كلمة الفصل، 27/11/2017
[39] تعليق مبادة والصلح خير على اعتقال المبايعين للقاعدة، 30/11/2017
[40] أيمن الظواهري، فلنقاتلهم بنيانا مرصوصا، مؤسسة السحاب، 28/11/2017
[41] المصدر السابق
[42] يمكن الاطلاع على نماذج من هذه البيانات على الرابط
[43] بيان من مجموعة من المهاجرين في الشام، 4/12/2017
[44] عبد الرحيم عطون، الرد على كلمة الظواهري “فلنقاتلهم بنيانا مرصوصا“، 30/11/2017
[45] أبو عبد الله، تعليقا على ما جاء في مقال الشيخ عطون بخصوص التراسل، 30/11/2017
[46] هيئة تحرير الشام، تطاوعا ولا تختلفا، 2/12/2017
[47] المصدر السابق
[48] بيان من العبد الفقير أبي همام الشام، قناة جهاد ووفاء، 2/12/2017
[49] أبو همام الشامي، بيان رفض لجنة الفصل، قناة جهاد ووفاء، 5/12/2017
[50] لجنة الفصل، وهدوا إلى الطيب من القول، 5/12/2017
[51] الإفراج عن سامي العريدي، عربي 21، 12/12/2017
[52] جيش البادية، لقاؤنا في الأقصى، قناة على نهج الإمام، 9/12/2017 وفي القناة توجد المقاطع المرئية التي أصدرتها اللجنة الإعلامية في جيش البادية.
[53] أبو عبد الرحمن المكي، بيان حول ما ذكر أن الملاحم خرجت بسبب القسام، قناة على نهج الإمام، 5/12/2017
[54] لماذا أقدمت هيئة تحرير الشام على خطوة التوقيف الأخيرة لبعض الإخوة، وثيقة نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام
[55] قاعدة الجهاد، وكان حقا علينا نصر المؤمنين، مؤسسة السحاب، 7/01/2018 وقع خطأ في تأريخ البيان حيث إن تاريخ نشره في 2018 بينما حمل البيان تاريخ 2017
[56] أنقذوا فسطاط المسلمين، تنظيم حراس الدين، 27/02/2018 الرابط
[57] انظر بيانات المجموعات المنضمة إلى حراس الدين على هذا الرابط
[58] انظر سيرة موجزة لأبي همام السوري في مقدمة إصدار مؤسسة البصيرة للإنتاج الإعلامي بعنوان: شهادة أبي همام السوري، 24/03/2014
[59] أبو القسام الأردني، شهادة ورد على عبد الرحيم عطون، قناة على نهج الإمام 19/10/2017
[60] لماذا أقدمت هيئة تحرير الشام على خطوة التوقيف الأخيرة لبعض الإخوة، وثيقة نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام
[61] تنظيم القاعدة، رثاء المجاهد الوفي خلاد المهندس، مؤسسة السحاب، 28/08/2019
[62] المصدر السابق
[63] بيان تعزية في الشيخ أبي جليبيب ومن معه من الأطهار، مؤسسة شام الرباط، 1/01/2019
[64] أبو محمد المقدسي، تغريدة حول بلال خريسات، تويتر 22/12/2019
[65] بيان تعزية في الشيخ المجاهد أبي خديجة الأردني (بلال خريسات)، مؤسسة شام الرباط للإنتاج الإعلامي، 27/12/2019
[66] فاضل هارون فازول، الحرب على الإسلام، الجزء الأول، 2012 ص: 236 (نسخة إلكترونية)
[67] المصدر السابق 1113
[68] سنفصل في هذه الجزئية في الفقرة التالية
[69] وثائق أبوت أباد، جمع وترتيب مؤسسة نخبة الفكر، 2014 ص: 486
[70] المصدر السابق، ص: 506
[71] المصدر السابق، ص: 316
[72] أبو القسام الأردني، شهادة ورد على عبد الرحيم عطون، قناة على نهج الإمام 19/10/2017
[73] فاضل هارون فازول، الحرب على الإسلام، الجزء الأول، 2012 ص: 236 (نسخة إلكترونية)
[74] المصدر السابق، نفس الصفحة
[75] المصدر السابق ص:989
[76] تنويه: أبو محمد المصري تزوج ابنة أبي الفرج المصري
[77] لماذا أقدمت هيئة تحرير الشام على خطوة التوقيف الأخيرة لبعض الإخوة، وثيقة نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام، الرابط
[78] المصدر السابق
[79] مصلحة الدعوة عند أبي مصعب الزرقاوي، سامي العريدي، مدونة بل عابر سبيل، 9/12/2016
[80] عبد الرحيم عطون، البيعان بالخيار مالم يفترقا، قناة عبد الرحيم عطون، 9/01/2018
[81] لماذا أقدمت هيئة تحرير الشام على خطوة التوقيف الأخيرة لبعض الإخوة، وثيقة نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام
[82] تجربتي مع أبي مصعب الزرقاوي، سيف العدل، منبر التوحيد والجهاد، قام منبر التوحيد والجهاد بالتعديل على عنوان المقال من ” السيرة الجهادية للقائد الذباح أبي مصعب الزرقاوي” إلى “تجربتي مع أبي مصعب الزرقاوي”.
[83] المصدر السابق
[84] تم اختيار هيرات لأنها بلدة قريبة من الحدود الأفغانية الإيرانية
[85] تجربتي مع أبي مصعب الزرقاوي، سيف العدل، منبر التوحيد والجهاد
[86] المصدر السابق
[87] وثائق أبوت أباد، جمع وترتيب مؤسسة نخبة الفكر، 2014 ص: 106
[88] المصدر السابق ص: 505
[89] المصدر السابق ص: 316
[90] أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص: 728 (نسخة إلكترونية)
[91] ليسوا منا، بلال خريسات، مؤسسة بيان، 1/08/2018
[92] كتب أبو خديجة الأردني عدة مقالات حول أبي قتادة الفلسطيني مثل: “العلمانية في مفهوم الشيخ أبو قتادة الفلسطيني” و” الكرامية وموقف الشيخ أبي قتادة الفلسطيني” وغيرها. أنظر موقع مؤسسة بيان
[93] ورد في الوثيقة التي نشرها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام أن أبا القسام الأردني قال لقيادته بأن أبا خديجة الأردني يغرد خارج السرب.
[94] أبو همام السوري، يا أهل الشام الثبات الثبات، مؤسسة شام الرباط للإنتاج الإعلامي، 7/03/2020
[95] الراية، أبو عبد الرحمن المكي، مؤسسة الأثر، 24/07/2020
[96] انظر سلسلة محاضرات “الجهاد هو الحل” لأبي مصعب السوري.
[97] أيمن الظواهري، الشام لن تركع إلا لله، مؤسسة السحاب، 23/04/2017
[98] أيمن الظواهري، يا إخواننا في الشام أصلحوا ذات بينكم، مؤسسة السحاب، 20/02/2018
[99] أنظر تقديم أبو القسام الأردني لرسالة سامي العريدي المعنونة بـ “بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى” على الرابط
[100] المصدر السابق
[101] المصدر السابق
[102] أبو همام السوري، يا أهل الشام الثبات الثبات، مؤسسة شام الرباط للإنتاج الإعلامي، 7/03/2020
[103] أبو عمرو التونسي، قاضي الحدود والتعزيرات في تنظيم حراس الدين، شهادة حول الخلاف الداخلي، 25/06/2019
[104] أبو يحيى الجزائري، نصيحة من أخيكم أبي يحيى الجزائري، قناة الإصلاح والبيان، 23/06/2019
[105] معتز الرشيد، ذبا عن الشيخ الجزائري، قناة أبو اليمان الوزاني، 23/06/2019
[106] تنظيم حراس الدين، بيان فصل كل من أبي ذر المصري وأبي يحيى الجزائري، 23/06/2019
[107] وثيقة الدعوى الموقعة من عشرات الأعضاء ، قناة القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 23/06/2019، الرابط
[108] أبو عمرو التونسي، بيان قبول الدعوى، قناة القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 23/06/2019 الرابط
[109] مذكرة استدعاء أبوهمام الشامي، قناة القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 23/06/2019 الرابط
[110] مذكرة استدعاء سامي العريدي، قناة القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 23/06/2019 الرابط
[111] مذكرة استدعاء أبي يحيى الجزائري، قناة القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 23/06/2019 الرابط
[112] مذكرة استدعاء أبي ذر المصري، قناة القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 23/06/2019 الرابط
[113] بيان قبول أبو يحيى الجزائري وأبو ذر المصري المثول أمام القضاء،24/06/2019 الرابط
[114] بيان فصل أبي يمان الوزاني وأبي عمرو التونسي وأبي مصعب الليبي، تنظيم حراس الدين، 25/06/2019 الرابط
[115] مذكرة إنذار بحق أبي همام الشامي وسامي العريدي، القضاء الداخلي لجماعة حراس الدين، 25/06/2019 الرابط
[116] أبو حليمة المغربي الطبي العام، بيان تعليق العمل في تنظيم حراس الدين، الرابط
[117] أبو عبيدة يوسف المنصور نائب الإداري العام، بيان وتوضيح، الرابط
[118] أشيع خبر مقتل أبي يحيى الجزائري في قصف التحالف ونعاه الكثير من الجهاديين لكن فجأة وبعد سنة من حادثة القصف تردد اسمه مجددا على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت له تسجيلات صوتية، وظل نشاطه ووضعه محاطا بالسرية والغموض إلى أن نشبت مواجهات مسلحة بين مجموعة تابعة له وبين هيئة تحرير الشام في 26/07/2020 أسفرت عن اعتقال الجزائري وبعض من معاونيه ومقتل آخرين.
[119] بمعنى الجدل مجددا حول قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) كما حصل مع قادة وشرعيي تنظيم الدولة الإسلامية.
[120] جماعة أنصار الحق، بيان الانشقاق عن تنظيم حراس الدين، 30/10/2019 الرابط
[121] بيان إعلان تشكيل حلف نصرة الإسلام، تنظيم حراس الدين وأنصار التوحيد، 29/04/2018 الرابط في 3/05/2020 أعلنت جماعة أنصار التوحيد عن إلغاء حلف نصرة الإسلام في بيان صادر عنها دون إبداء الأسباب.
[122] البيان التأسيسي لغرفة عمليات فاثبتوا، 12/06/2010، الرابط
[123] حراس الدين.. هكذا تعيد القاعدة طرح نفسها في سوريا، مطر إسماعيل، موقع ميدان، 1/04/2019، الرابط
[124] بيان لجهاديين قياديين يعمق الخلاف مع “تحرير الشام”، موقع زمان الوصل، 21/01/2019، الرابط وانظر أيضا: سامي العريدي، تنبيه العاملين إلى جريمة حبس السلاح ومنعه عن المجاهدين، مؤسسة شام الرباط، 15/08/2019، الرابط
[125] عبد الرحيم عطون، البيعان بالخيار مالم يفترقا، قناة عبد الرحيم عطون، 9/01/2018، الرابط
[126] بتهمة الاحتطاب.. الهيئة تداهم مقرا لحراس الدين، زمان الوصل، 18/05/2020، الرابط
[127] بيان لجهاديين قياديين يعمق الخلاف مع “تحرير الشام”، موقع زمان الوصل، 21/01/2019، الرابط
[128] بيان حول اعتداءات هيئة تحرير الشام على غرفة عمليات فاثبتوا، قناة محبين غرفة عمليات فاثبتوا، 22/06/2020، الرابط
[129] تعليق على الأحداث الأخيرة في إدلب، مظهر ألويس، 25/06/2020، الرابط
[130] توضيح حول توقيف الأخ أبي مالك التلي، لجنة المتابعة المركزية في هيئة تحرير الشام، قناة الشمالي الحر، 22/06/2020، الرابط
[131] رسالة أبو محمد الجولاني إلى أبي مالك التلي، قناة الشمالي الحر، 22/06/2020، الرابط
[132] دعوة للصلح، قناة أبو جابر هاشم الشيخ، 25/06/2020، الرابط
[133] بيان قبول غرفة عمليات فاثبتوا لدعوة الصلح، قناة أبو جابر هاشم الشيخ، 25/06/2020، الرابط بيان استجابة الهيئة لدعوة الصلح، قناة المراقب
[134] وثيقة الاتفاق بين هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين بشأن قرية عرب سعيد، قناة الشمالي الحر،26/06/2020، الرابط
[135] إن الله أبى علي قتل مؤمن، مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي، موقع العماد، 24/06/2020، الرابط
[136] ردا على بيان القاعدة، عبد الرحيم عطون، قناة الشمالي الحر، 25/06/2020، الرابط
[137] نص اتفاق التهدئة في مناطق الجمامة و اليعقوبية و جديدة بين هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين، قناة الشمالي الحر، 26/06/2020، الرابط وهنا نص الاتفاق المتعلق بمنطقة حارم: الرابط وهنا قرار إغلاق مقرات حراس الدين في منطقة جسر الشغور: الرابط
[138] حول توحيد الجهد العسكري، الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، قناة الشمالي الحر، 26/06/2020، الرابط
[139] قرار إدارة المناطق المحررة؛ منطقة مدينة إدلب، قناة الشمالي الحر، 28/06/2020، الرابط، وهنا نص القرار المتعلقة بمنطقة سرمدا: الرابط
[140] رسالة إلى مجاهدي تنظيم حراس الدين، أبو عبد الرحمن المكي، موقع العماد، 3/07/2020، الرابط
[141] تعميم عام من مجلس القيادة، تنظيم حراس الدين، 20/02/2019، الرابط
[142] انظر بيانات تنظيم حراس الدين على هذا الرابط
[143] تنظيم حراس الدين، بيان بشأن اتفاقية سوتشي، مؤسسة شام الرباط، 22/09/2018 الرابط
[144] تنظيم حراس الدين، بيان حول ما يسمى بالمصالحات مع الجيش النصيري، مؤسسة شام الرباط، 8/08/2018 الرابط
[145] أبو القسام المهاجر، قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، مؤسسة شام الرباط، 28/05/2019، الرابط