الوصول السريع للمحتويات

داعش خراسان من المحلية إلى العالمية

خلال الأسابيع القليلة الماضية كشفت السلطات الفرنسية عدداً من المخططات الإرهابية التي تستهدف دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في باريس قبل أسابيع. وفي إحدى تلك المؤامرات خطط شاب شيشاني بالغ من العمر 18 سنة لمهاجمة مباريات أولمبية في كرة القدم بمدينة سان تيتيان الفرنسية. وكان الشاب وفق ما يعتقد على تواصل مع عضو بتنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً بـ”داعش”). تلك المؤامرة التي جرى إحباطها لم تكن سوى الأحدث في سلسلة متصاعدة من الأنشطة الإرهابية المرتبطة بـ”داعش”. وتعد جماعة “داعش – خراسان” التابعة لهذا التنظيم مسؤولة عن عديد من الهجمات الإرهابية الدولية الناجحة المنفذة فقط هذا العام، منها الهجوم على حفل تذكاري في كرمان بإيران مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، والهجوم على كنيسة في إسطنبول خلال وقت لاحق من ذاك الشهر والهجوم على القاعة الموسيقية خارج موسكو خلال شهر مارس (آذار) الماضي. وقد أدى الهجومان في إيران وروسيا إلى مقتل 250 شخصاً وجرح مئات آخرين. وفي أفغانستان وباكستان حيث يتمركز “داعش – خراسان” تعلن هذه الجماعة مسؤوليتها عن مجموعة من الهجمات الأصغر المنفذة خلال كل شهر.

لكن “داعش خراسان” لا يمثل المصدر الوحيد للتهديدات الإرهابية المتصاعدة. ففي مقالة حديثة بمجلة “فورين أفيرز” عقد الباحث غراهام أليسون والنائب السابق لمدير الـ”سي آي أي” مايكل موريل مقارنة بين الجو الأمني السائد اليوم وتلك الفترة التي قادت إلى هجمات “القاعدة” في الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001. واستنتجا في القول إن “إشارات التحذير الضوئية” التي تنذر بحصول أعمال عنف على نطاق واسع تومض اليوم بنفس الوضوح التي كانت عليه خلال الأعوام القليلة قبيل التاسع من سبتمبر، حين استهدفت هجمات كبيرة السفارات الأميركية في شرق أفريقيا والبارجة الأميركية “يو أس أس كول” قبالة السواحل اليمينية. ومن بين التهديدات العديدة التي لخصها أليسون وموريل في مقالتهما يبقى تنظيم “داعش خراسان” من التهديدات الأخطر نظراً إلى قدراته ونياته.

عندما ظهر “داعش خراسان” خلال عام 2015 ركز هذا التنظيم جهوده في البداية على مد صفوفه بمتطوعين جدد ليس فقط من أفغانستان وباكستان بل أيضاً من بلدان في وسط آسيا، خصوصاً طاجكستان وأوزبكستان. وكغيره من التنظيمات القريبة من “داعش”، لدى “داعش خراسان” أجندة شديدة الطائفية. فلقد مزج هذا التنظيم دعايته السياسية بشعارات ودعاو معادية للشيعة ونفذ مراراً هجمات على الهزارة، الأقلية الشيعية في أفغانستان. وبين عامي 2015 و2018 كان الجيش الأفغاني والقوات الأميركية وجنود الـ”ناتو” كما القوات الباكستانية يقومون جميعاً بعمليات لكبح الإرهاب ضد تنظيم “داعش خراسان”، على رغم أن عملياتهم تلك لم تكن دائماً منسقة. وكان حركة “طالبان” الأفغانية بدورها تقاتل هذا التنظيم أيضاً في مناطق محددة من البلاد. وقد طرد “داعش خراسان” خلال هذه الفترة من جيوب جغرافية كان مسيطراً عليها (في أفغانستان) وتكبد خسائر بالغة في صفوف مقاتليه، خصوصاً بالمراتب القيادية. لكن حتى خلال هذه المرحلة الصعبة التي مرت عليه استمر التنظيم في تنفيذ هجمات فتاكة داخل أفغانستان، منها عديد في العاصمة كابول. وأثبت “داعش خراسان” مرونته بعناد شديد على مدى الأعوام منذ ذلك الوقت، فاستطاع تخطي التحديات التي واجهت عديده البشري وذلك عبر توسيع جهوده لتجنيد عناصر جديدة لتمتد بداية إلى أوساط الميليشيات الباكستانية ذات المراس القتالي الكبير، ثم إلى بلدان آسيا الوسطى. وقام التنظيم أيضاً بتكييف استراتيجيته فالتنظيم اليوم ينفذ هجمات داخل أفغانستان أقل مما كان يقوم به من قبل، وعديد من الهجمات التي خطط لها خلال الآونة الأخيرة صممت لتكون أشد فتكاً وأكثر تركيزاً على أهداف مهمة في الخارج (خارج أفغانستان). ومن هنا فإن وكالات الاستخبارات وأجهزة إنفاذ القانون محقة في تأهبها الشديد، لكن واقع التنافس الراهن في السياسة العالمية صعّب على هذه الوكالات والأطراف مهام تنسيق الجهود في ما بينها. ولإبعاد الخطر العالمي الذي يمثله تنظيم “داعش خراسان” اليوم ستحتاج الدول إلى تخطي هذا العائق بغية مكافحة الإرهاب على نحو فعال.

العودة

تراجعت هجمات “داعش خراسان” بين عامي 2018 و2021 كما تراجع انتشار التنظيم نتيجة النجاح الذي حققته الحملة العسكرية التي قامت بها القوات الأميركية والجيش الأفغاني والحلفاء. وذاك التوجه (المتمثل بتراجع الهجمات) ربما كان سيستمر لولا الانسحاب الكارثي للجيش الأميركي من أفغانستان خلال أغسطس (آب) 2021. وأحد أكثر الحوادث إيلاماً خلال ذاك الانسحاب الفوضوي تمثل بهجوم انتحاري قام به “داعش خراسان” في مطار كابول، راح ضحيته 13 فرداً من المتعاقدين مع القوات الأميركية وعشرات الأفغان. وكان ذاك الهجوم تعبيراً مشؤوماً عن قدرات هذا التنظيم الفتاكة إلا أن القوات الأميركية كانت تنسحب، تاركة حركة “طالبان” الأفغانية كطرف وحيد بمواجهة هذا التنظيم على الأرض. إذ من دون الوجود الأميركي المتواصل العسكري والاستخباراتي كانت عملية إعادة تنظيم الصفوف بالنسبة إلى التنظيم المذكور مجرد مسألة وقت.

على أن الولايات المتحدة لم تتخل كلياً عن جهودها لمكافحة الإرهاب في المنطقة. لكن من دون وجودها الفعلي على الأرض في أفغانستان فإنها تعتمد على ما سماه الرئيس جو بايدن مقاربة “عبر الأفق” (over-the-horizon)، التي تفترض اعتماد وسائل الاستخبارات الإلكترونية والتعاون مع شركاء في المنطقة واستخدام المسيرات الحربية لمهاجمة أهداف مهمة تشكل تهديداً للأمن القومي. لذا حين قتلت مسيرة أميركية قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في منزل آمن داخل كابول خلال شهر يوليو (تموز) 2022، قدمت إدارة بايدن ذاك الهجوم آنذاك كدليل على قدرة مقاربة “عبر الأفق” التي تعتمدها الإدارة في منح الأمن والسلامة للأميركيين.

غير أن المهام اليومية المطلوبة لاحتواء خطر “داعش خراسان” تقع راهناً بأيدي “طالبان” التي غدت حكومة الأمر الواقع في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة والانهيار السريع للمؤسسات السياسية والأمنية التي كانت تدعمها. وفي الوهلة الأولى تبدو “طالبان” على نحو مفاجئ ناجحة في مكافحة الإرهاب. إذ بين سبتمبر 2022 ويونيو (حزيران) 2023 تراجعت هجمات “داعش خراسان” تراجعاً ملموساً، بحسب بحث لـأميرة جادون وأندرو ماينس وعبدول سيد. فقد بلغ المعدل الوسطي لهجمات “داعش خراسان” في أفغانستان خلال هذه الفترة أربع هجمات في الشهر بتراجع من 23 هجمة شهرياً خلال العام الأول من حكم “طالبان”. لكن هذه المعطيات لا تشير بالضرورة إلى تدهور القدرة العملياتية لهذا التنظيم ولا إلى أن تكتيكات “طالبان” تشكل السبب الأساس لهذا التراجع.

الأكثر ترجيحاً أن يكون تراجع نشاط “داعش خراسان” داخل أفغانستان مرتبطاً بالتركيز الاستراتيجي للتنظيم. إذ تحت قيادة زعيمه الحالي سناء الله غفاري (المعروف أيضاً بـشهاب المهاجر) الذي تولى هذا الدور خلال يونيو 2020، قام “داعش خراسان” بتوسيع جهوده التجنيدية والدعائية وسعى إلى سبل هادفة لتدويل أجندته. ففيما كانت طموحاته في السابق محلية بالدرجة الأولى قام خلال الآونة الأخيرة بتصعيد هجماته عبر الحدود داخل أوزبكستان وطاجيكستان وضد المصالح الأجنبية في أفغانستان. وخلال عام 2022 مثلاً هاجم “داعش خراسان” السفارة الروسية وفندقاً يتردد إليه باستمرار أصحاب مصالح صينيون في مدينة كابول.

حتى إن “داعش خراسان” بات له اليوم آفاق أوسع. فهو يقوم تزامناً بنشر دعايته السياسية كي تصل إلى جمهور أكثر عولمة ويهدد بهجمات أوسع مدى. وإضافة إلى تمكنه من الوصول إلى أرجاء واسعة في منطقة عملياته الأساس جنوب آسيا ووسطها، يقوم “داعش خراسان” بنشر محتوى إعلامه ودعايته بلغات متعددة كي تبلغ عدداً أكبر من الناس. وهو يقوم بذلك بالدرجة الأولى عبر “مؤسسة العزائم للإنتاج الإعلامي” وكالته الإعلامية التي تعد موادها ضمن أوساط التنظيم الداخلية. الوكالة المذكورة تنشر أساساً باللغة الباشتونية لكنها تنتج أيضاً محتوى منتظماً باللغات الإنجليزية والفارسية والروسية والطاجيكية والتركية والأوردية والأوزبكية. ولزيادة أصداء رسائله ودعاويه يشجع “داعش خراسان” أنصاره حول العالم لخلق دعايتهم السياسية الخاصة المتماشية والمنسجمة مع مواقف التنظيم. والرسائل الرسمية التي أصدرها التنظيم هذا العام تضمنت تهديدات مباشرة لأهداف في بلدان أجنبية، مثل ألعاب “كأس الأمم الأوروبية 2024” لكرة القدم في ألمانيا، والألعاب الأولمبية في فرنسا وبطولة “كأس العالم في الكريكت” بالولايات المتحدة. (وقبل انطلاق كأس الأمم الأوروبية 2024 خلال يونيو الماضي تم في مطار كولونيا بألمانيا اعتقال رجل كان تقدم بنجاح إلى وظيفة مرتبطة بالبطولة، وقد اتهم بإرسال مال إلى “داعش خراسان”). وبعد هجوم موسكو خلال مارس الماضي نشر موقع إلكتروني مرتبط بتنظيم “داعش خراسان” صورة تحمل كتابة “بعد موسكو… من التالي؟” وتتضمن أسماء أربع مدن أوروبية هي لندن ومدريد وباريس وروما.

جهود “داعش خراسان” لتهديد الغرب تتضمن تلقين أفراد من شتات وسط آسيا الذين يعيشون في أوروبا وأميركا الشمالية مبادئ التطرف وحملهم على ارتكاب أعمال عنفية. ومن خلال نموذج “الاستثمار الافتراضي” هذا الذي سبق للتنظيم أن استخدمه بنجاح خلال الماضي، يقوم الناشطون في أفغانستان وباكستان بالاتصال مع المرشحين لتأييد “داعش خراسان” في الخارج ويحاولون إقناعهم للقيام بهجمات في البلدان التي يقيمون بها. وإن وافقوا على ذلك يقوم عملاء “داعش خراسان” بتزويدهم بالتعليمات من بعد وبوصلهم مع ناشطين على الأرض يمكنهم أن يؤمنوا لهم ما يحتاجون إليه من وثائق مزورة وأسلحة وغيرها من المتطلبات اللوجستية الضرورية لتنفيذ هجوم إرهابي.

ولأن شبكات التنظيم بنمطيها العملي والافتراضي تعزز بعضها بعضاً فإن جهود مكافحة الإرهاب الفعالة تتطلب تعطيل كلا النمطين. وتتضمن عمليات اختراق الشبكات العملية والفعلية تدابير كالتي اعتمدها مسؤولو الأمن الأميركيون قبل أسابيع عندما اعتقلوا ثمانية أشخاص من الجنسية الطاجيكية دخلوا إلى الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية، وأشير لاحقاً إلى أن لديهم علاقات محتملة مع “داعش خراسان”. وفي المقابل لتفكيك الشبكات الافتراضية على الحكومات العمل مع منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الشركات التكنولوجية لتحديد وإغلاق حسابات ومحتويات معينة تروج للدعاية السياسية الإرهابية. لكن هذا وحده لا يفي بالغرض فحملات التنظيف لا تلتقط كل شيء، والحواجز المنخفضة أمام الدخول لبناء حضور على الإنترنت تجعل من عملية إزالة المحتوى أشبه بلعبة القط والفأر. ومع ذلك تبقى هذه الأمور ضرورية كجزء من الجهود المستمرة لتقييد وصول الدعاية السياسية المتطرفة وانتشارها.

مشكلة دولية وحل دولي      

التواتر المتزايد لعمليات إحباط خطط “داعش خراسان” يؤكد الحاجة لمثل هذه التدابير. إحدى أولى خطط التنظيم المذكور الأساس التي كشف عنها في الخارج كانت داخل ألمانيا خلال أبريل (نيسان) 2020، عندما قامت الشرطة الألمانية بإحباط مخطط لمهاجمة قاعدتين عسكريتين في البلاد واحدة أميركية وأخرى للناتو. وكتبت “الواشنطن بوست” بتقرير إنه مع حلول فبراير (شباط) 2023 كان مسؤولو مكافحة الإرهاب قد حددوا ما لا يقل عن 15 مؤامرة منفصلة وضعها “داعش خراسان” تستهدف مواقع مختلفة حول العالم منها كنائس وسفارات، وفعاليات كأس العالم في الدوحة بقطر. وتمكنت السلطات من إحباط مخططات لـ”داعش خراسان” في ألمانيا وهولندا خلال شهر يوليو 2023، إضافة إلى هجوم مخطط يستهدف احتفالات ليلة رأس السنة في كولونيا بألمانيا، وفيينا بالنمسا خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2023. وهذا العام خلال شهر مارس أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا عطلت عدداً من مخططات ومؤامرات “داعش خراسان” على التراب الفرنسي. وخلال الشهر ذاته اعتقلت الشرطة الألمانية شخصين من الجنسية الأفغانية تواصلا مع عملاء “داعش خراسان” فيما كانا يخططان لهجوم على البرلمان السويدي بعملية انتقامية لواقعة حرق القرآن في ستوكهولم.

هذا النمط من العمليات والتحركات يثير قلق صانعي السياسة من دون شك. إذ بعد هجوم “داعش خراسان” في موسكو خلال شهر مارس صدر من مدير المكتب الفيدرالي (الأميركي) للتحقيقات كريستوفر راي تحذير يشير إلى أن “احتمال هجوم منسق” على أرض الولايات المتحدة الأميركية بات “مقلقاً على نحو متزايد”. وأضاف راي “وأنا أنظر إلى الوراء بمسيرتي المهنية في مجال إنفاذ القانون أشعر بضغط شديد عندما أحدد وقتاً أرى فيه عدداً كبيراً من التهديدات المختلفة، كلها عالية الخطورة، وكلها خلال الوقت نفسه”.

التعامل مع عدد كبير من التهديدات في وقت واحد يتطلب التعاون. والدعاية السياسية لتنظيم “داعش خراسان” استعدت وشجبت عدداً كبيراً من الدول – فلا يقتصر ذلك الشجب والعداء على الولايات المتحدة وأصدقائها الأوروبيين بل يشمل أيضاً الصين والهند وإيران وروسيا – ووضعتها جميعها في بؤرة اهتمام نشاطات التنظيم. كما أن اتساع تهديداته على هذا النحو تحاكي في ناحية من النواحي اتساع تهديدات تنظيم “داعش” في العراق وسوريا من عام 2014 إلى عام 2017. و”داعش” الأول ذاك (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) هاجم وقاتل لائحة متنوعة من الأعداء منهم حكومتا العراق وسوريا والميليشيات الكردية، والميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأميركية والحليفة العاملة داخل المنطقة. وفي المقابل وبذروة تشكله ضم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة “داعش” 87 عضواً. حلف غريب عمل أعضاؤه معاً أو بالتوازي لسحق “داعش” ودحره من المناطق التي غزاها.

الجماعات الإرهابية تستغل الشقاق بين القوى العظمى

من الصعب تخيل درجة مماثلة من التعاون في وقتنا الراهن في ظل التنافس المتصاعد الذي يقلل حوافز التعاون بين الدول، حتى عندما يتعلق الأمر بمواجهة تنظيم يهدد الجميع. فالدول التي قد يكون لديها مصلحة مشتركة في وقف الإرهاب ومنها الصين وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، تحاول بدل التعاون عرقلة محاولات بعضها بعضاً لإظهار القوة وبناء النفوذ في مناطق ينشط فيها “داعش خراسان” وغيره من التنظيمات الإرهابية، مثل آسيا الوسطى والقوقاز والساحل (الأفريقي). وقبل هجمات “داعش خراسان” في إيران وروسيا هذا العام قدمت أجهزة الاستخبارات الأميركية معلومات مسبقة لطهران وموسكو وذلك التزاماً منها “بواجبها في التحذير” عندما تعلم بمخططات عنفية ضد مدنيين. لكن وفق جميع التقارير التي صدرت فإن الحكومتين الإيرانية والروسية تجاهلتا التحذيرات.

ويبدو أن الالتزام المشترك في مشاركة المعلومات الاستخباراتية والأمنية بات ضحية التحول من حقبة ما بعد التاسع من سبتمبر عندما قامت حكومات كثيرة من مختلف الاتجاهات بالتعاون في الحرب على الإرهاب، إلى المرحلة الراهنة إذ يسود التنافس بين القوى العظمى. الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ما زالوا يتعاونون ومن المرجح أن تكون الاستخبارات الأميركية ساعدت في تحديد بعض المخططات الإرهابية (في الأقل) المحبطة داخل أوروبا هذا العام. لكن مظاهر التعاون لمكافحة الإرهاب بين الدول التي تفصلها خطوط صدع جيوسياسية باتت اليوم أكثر تعقيداً وأقل تواتراً.

يستغل “داعش خراسان” وغيره من التنظيمات الإرهابية الشقاق بين القوى العظمى. وهم لا يتجنبون فقط الانكشاف والمراقبة عندما تمتنع الدول عن مشاركة المعلومات في ما بينها، بل يقومون أيضاً وعلى نحو متعمد بشن الهجمات التي تؤجج التوترات الطائفية، مصعبين الأمر على الحكومات لمنع تفاقم العنف. الأنشطة الإرهابية تمثل مشكلة عالمية كما تظهر استراتيجية “داعش خراسان” الجديدة والطموحة، وعلى جهود مكافحة الإرهاب أن تكون عالمية بدورها. إذ طالما بقيت وكالات الاستخبارات حذرة من التعاون ومشاركة المعلومات المهمة المتعلقة بهذا التهديد المشترك، فإنها ستبقى متنازلة عن المبادرة، ولن يستفيد من ذلك إلا الجماعات التي من شأنها إلحاق الضرر ببلدانهم.

   

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية