الوصول السريع للمحتويات

لماذا يستهدف تنظيم داعش الشيعة في أفغانستان ؟

لم يكن التفجير الذي استهدف حافلة للشيعة في منطقة (دشت برتشي) في العاصمة كابل الشهر الماضي سوى امتداد للحملة الدموية المتواصلة التي يشنها تنظيم داعش على الشيعة في أفغانستان منذ سنوات. عمليات تفجير في المساجد والأسواق والمناسبات الدينية والاجتماعية وضحايا بالمئات، فلماذا يستهدف التنظيم شيعة أفغانستان بكل هذه الضراوة والوحشية ؟

مخطط مسبق

العمليات التي يشنها تنظيم داعش ضد الشيعة في أفغانستان عشوائية في معظمها ولا تطال إلا أهدافا مدنية،  وهدفها الأساسي إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، لكن  في حملته العشوائية هذه يبدو أن التنظيم يستند إلى مخطط مسبق درس فيه الوجود الشيعي بأفغانستان في كافة أبعاده وتجلياته.

ففي بحث مطول بعنوان ” أفغانستان ضحية المشروع الرافضي وصمت طالبان الوطنية” نشره على حلقات في إحدى مجلاته الرسمية، يظهر أن التنظيم قد تقصى كل ما يتعلق بالشيعة في أفغانستان، وتتبع ما يعتبره نفوذا إيرانيا متغلغلا في البلد. ويتضمن البحث كمية غزيرة من المعلومات والمعطيات عن شبكة المصالح الإيرانية المزعومة، بدءاً بالمساجد والحسينيات والمراكز الثقافية والهيئات الدعوية، إلى المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الأهلية، ودور الرعاية والمراكز الصحية والمبادرات الإغاثية، والمؤسسات الإعلامية من صحف وقنوات إذاعية وتلفزية، وشركات الاتصالات والمقاولات التجارية والمشاريع الزراعية، والمدارس والمعاهد العلمية والجامعات وغيرها مع ذكر أسمائها وأماكن وجودها والمسؤولين عنها.

ويرى التنظيم “أن إيران من خلال الشيعة في أفغانستان تريد الوصول إلى أرقى المناصب للتحكم في الطبقة الحاكمة” في الحكومات السابقة، وبناء علاقات متينة مع الحكومة الحالية، والسيطرة على أفغانستان عبر شبكة المصالح وعلاقات النفوذ التي رعتها منذ سنوات. وبالتالي فالتنظيم تتملكه قناعة راسخة أن التصدي للتوسع الإيراني يبدأ بمخطط إبادة للشيعة في أفغانستان. واختار للقيام بذلك بنك أهداف سهلة، لكنها تؤدي غرضه في نشر الرعب وبث الفوضى، ورفع حصيلة الضحايا، وقد افتخر في أحد منشوراته بالمقابر الجماعية التي خلفتها تفجيراته في كابل وهيرات ومزار الشريف وباميان وقندهار.

عقيدة الإبادة

لا يمكن فهم السلوك العدواني لداعش ضد الشيعة سواء في أفغانستان أو باكستان أو العراق أو عمان إلا في ضوء أدبيات الإبادة التي أرساها شيوخ التنظيم منذ عشرين عاما، وكرسها التنظيم على امتداد مسيرته الدموية عبر آلاف المنشورات والإصدارات والفتاوى الدينية.

ثمة توتر دائم بين المذاهب والطوائف الإسلامية، ويوجد في التراث السني كما الشيعي أفكار تلغي وجود الآخر، وتتهمه بالكفر والمروق من الدين، لكن تنظيم داعش ينفرد بأفكاره الخاصة في هذا الجدل، لم يشاركه فيها أحد بما فيه تنظيم القاعدة.

كان الزرقاوي أول من أسس للنزعة الإبادية ضد الشيعة، وحاول أيمن الظواهري وأسامة بن لادن في عدد من الرسائل المتبادلة بينهم إقناعه بالعدول عن مواقفه المتشددة هذه، لكن دون جدوى. وأصر في رسالته إلى أسامة بن لادن على ” أن قتال الشيعة مقدم على قتال الأمريكان”. وكان الشرط الذي وضعه لبيعة القاعدة أن يوافق قادة القاعدة على مشروعه الدموي القائم على “إبادة عوام الشيعة” بعد تكفيرهم بطوائفهم وأعيانهم. وكان أسلوبه المفضل في حربه الإبادية هذه حسب تعبير أبو ميسرة الشامي القيادي في تنظيم داعش” المفخخات يفجرها في أسواقهم وأحيائهم وحسينياتهم ولا يمر يوم إلا ويقتل العشرات والمئات من عوامهم ورموزهم”.

أشاد تنظيم داعش في ولاية خراسان بحرب الزرقاوي على الشيعة، واعتبر أن حربه على شيعة أفغانستان هي امتداد للحملة التي أطلقها ضدهم الزرقاوي في 2004 وأعلنت الولاية في العدد الخامس من مجلة صوت خراسان أنه ” وكما أعلن الشيخ أبو مصعب الزرقاوي الحرب في العراق ضد الروافض فقد أعلنت ولاية خراسان الحرب تحت ظل الدولة الإسلامية في العراق والشام، إن المجاهدين قد تشفوا من قتل كثير من الروافض الحاقدين”.

الحرب الطائفية وإحراج طالبان

يعتبر تنظيم داعش أن استهداف الشيعة مقدمة ضرورية لفرض حالة التوحش، وإطلاق شرارة الحرب الطائفية التي سيجد “السنة” أنفسهم مجبرين على الانخراط فيها. واعتبر الزرقاوي أن الشيعة “هم مفتاح التغيير؛ وأقصد أن استهدافهم وضربهم في العمق الديني والسياسي والعسكري سيستفزهم ليظهروا كلبهم على أهل السنة، ويكشروا عن أنياب الحقد الباطني الذي يعتمل في صدورهم، وإذا نجحنا؛ أمكن إيقاظ السنة الغافلين”. 

أصدرت ولاية خراسان مجموعة من الإصدارات والمقالات التي تحرض على قتال الشيعة، وتحاول بواسطة وسائل كثيرة إقناع الأفغان بوجوب المشاركة في هذا القتال باعتباره واجبا شرعيا، واختصر منشور على صحيفة النبأ أسباب استهداف الشيعة الهزارة في أفغانستان بأنهم ” ساندوا القوات الأمريكية، وارتكبوا مجازر بحق المسلمين في مزار الشريف وكابل، ولأنهم شاركوا في الحرب ضد أهل السنة في العراق والشام، ولدعمهم وولائهم لإيران”.

تراهن ولاية خراسان على استهداف الشيعة في خلق فوضى شاملة، وحالة من حرب الكل ضد الكل في أفغانستان، وهذا الوضع يخدم أجندتها على مستويات عديدة:

أولا: إغراق أفغانستان في مستنقع من الاضطرابات الأمنية، وتقويض حكم حركة طالبان، من خلال تحميلها مسؤولية الفشل في حماية الأقليات بالبلاد، وإدخالها في حالة مستمرة من الاستنزاف.

ثانيا: إحراج حركة طالبان أمام إيران وهي من أهم الشركاء الإقليميين للحركة، ويسعى الطرفان إلى بناء علاقات استراتيجية بينهما لمواجهة الضغوط الغربية. وقد صرح في هذا السياق الممثل الخاص للرئيس الإيراني وسفيرها في أفغانستان حسن كاظمي قمي بأن “إيران تريد من أفغانستان أن تكون عونا إستراتيجيا لها، وإن خلق أي تباعد وخلاف بين البلدين هو مشروع أميركي، وإن أفضل وسيلة لتقوية العلاقات يكون بربطها بالاقتصاد ومشاريع البنى التحتية” وهذا التباعد الذي يخشاه السفير الإيراني هو بالضبط ما يبحث عنه تنظيم داعش في أفغانستان.

تعتبر داعش في خراسان أن الشيعة وطالبان وجهان لعملة واحدة، وقد نشرت حوارا في مجلة “صوت خراسان” مع أبرز قادتها الشرعيين،  الذي سرد ما اعتبرها أدلة شرعية وشواهد تاريخية أن الشيعة يجري عليهم من الأحكام الشرعية ما يجري على الصوفية. “وأنهم يشتركون في عدد من مناطات الكفر”، ويعتبر أن طالبان امتداد للطائفة الصوفية الديوبندية التي تشترك مع الشيعة في كثير من أصول الاعتقاد، والممارسات الطقوسية. وأحال كثيرا في سياق كلامه إلى من يسميه ” الإمام الزرقاوي”. وقد تأثرت “ولاية خراسان” كثيرا بأفكار الزرقاوي في هذا الإطار، ودأبت على ترويجها في إصداراتها المتنوعة.

لذلك يرى التنظيم في خراسان أن استهداف “الشيعة القبوريين” هو في الوقت ذاته استهداف لحركة “طالبان القبورية”، وكثيرا ما نفذ عمليات مزدوجة ومتزامنة تستهدفهما في وقت واحد. مثل العملية التي نفذها في 19 من أبريل الماضي، عندما فجر حافلة تقل مواطنين شيعة في نقطة تفتيش تابعة لطالبان في كابل وأسفرت عن سقوط قتلى من الطرفين.

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية