بعد تصفية “تيار الفرقان” أعطي الضوء الأخضر “لتيار البنعلي والقحطاني” لتدبير الملف الشرعي داخل التنظيم من جديد، فتم تعيين رموزه في اللجنة المفوضة الجديدة، وكُلف أبو محمد المصري بتنقيح عقيدة التنظيم. ولأن هذا التيار يمتلك رؤية إصلاحية تتجاوز طبيعة وحدود المهمة الموكلة إليه، وسقف مطالبه مرتفع جدا، فإن سيطرته لم تدم سوى 60 يوما فقط. كان هذا التيار يطالب بالتواصل المباشر مع “الإمام” وتفعيل الشورى، وإيجاد قضاء قوي ومستقل، ومجلس علمي بسلطة نافذة، ومراقبة ومحاسبة ديوان الأمن وسجونه وغيرها من المطالب[1] لم يتحمل الحجاجي هذه الجرأة فقاموا بإطلاق حملة أمنية واسعة أسفرت عن قتل واعتقال العشرات من قادة التيار وشيوخه، كان من بينهم أبو محمد المصري الذي كلف بتصحيح عقيدة التنظيم. كما حُلت اللجنة المفوضة من جديد وطورد أعضائها. في الواقع لطالما شكل هذا التيار هاجسا مقلقا للحجاجي، لأن التيار يرى نفسه المعني الأول بقيادة وصيانة مشروع “قام لنصرة الدين والشريعة”.
لا تخلو هذه الانقلابات المتعاقبة والتحولات المفاجئة داخل التنظيم من الطرافة، فقد اعتقل أحد الأفراد وعذب لأنه من اتباع البنعلي وذلك أثناء سيطرة تيار الفرقان، وبعد سيطرة تيار البنعلي جاء الجلادون إلى الشخص نفسه وسألوه عن البنعلي فقال عنه بأنه مرجئي ليدرأ عن نفسه التعذيب ولم يكن يعلم أن السيطرة آلت لأتباع البنعلي، فانهال عليه الجلادون بالضرب من جديد[2].
من الأحداث الأخرى التي تجلت فيها سيطرة الحجاجي، وتجاوز نفوذهم لقرارات القضاة والشرعيين داخل التنظيم ما عرف في وثائق المنشقين عن التنظيم بـ “مجزرة المستتابين”[3]. وهي تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبها التنظيم بدم بارد بعد دخوله للموصل والمدن العراقية الأخرى، حيث وعد كل من يسلم نفسه وسلاحه من منتسبي الجيش والشرطة وموظفي الحكومة والصحوات بالعفو عنه ومنحه ورقة تثبت “توبته”. فسلم على إثر ذلك المئات أنفسهم للتنظيم وخضعوا لإجراءات “التوبة” بإشراف قضاة التنظيم وشرعييه. لكن بعد أسابيع جاء أمر من “الحجي عبد الله” أبطل جميع هذه الإجراءات، وأمر بقتل جميع هؤلاء المستتابين متحديا بذلك قرارات القضاة والشرعيين. فتم قتل حوالي 2000 شخص بعد استدعائهم من منازلهم[4].
من المعلوم أن تنظيم الدولة يرى كفر من يتحاكم إلى القوانين الوضعية ولو كان مضطرا، بل قام التنظيم باستتابة أبي المنذر الحربي وهو شرعي في التنظيم لأنه يرى جواز التحاكم إلى المحاكم العراقية في بغداد لاسترداد الحقوق لمن كان مضطرا[5]. لكن “الحجاجي” وبما أنهم لا يرون أنفسهم معنيين بقضايا الكفر والإيمان التي يثيرها الشرعيون، فقد وكلوا محاميا لإخراج قريبات للبغدادي من سجون بغداد لأنهن يعرفن مكان وجود أموال التنظيم حسب تصريحات محمد علي ساجت عديل البغدادي في مقابلته مع قناة العربية. فاسترداد أموال التنظيم المفقودة مقدم على تأصيلات الكفر والإيمان.
[1] أبو جندل الحائلي، نصائح سرية أرسلت لأمير وولاة الدولة الإسلامية، مؤسسة التراث العلمي، 2019 ص:28
[2] نقل هذه الواقعة أبو عيسى المصري في: الامنيون في الميزان، مؤسسة التراث العلمي 2019
[3] أبو عيسى المصري، مجزرة المستتابين، مؤسسة التراث العلمي، 2019
[4] أبو مصعب الصحراوي، إلى عقلاء أمن الدولة، مؤسسة التراث العلمي، 2019
[5] لجنة الرقابة المنهجية، جلسة مع أبي المنذر الحربي، قناة النذير العريان، 22 / 03 / 2016، https://t.me/hanefanmoslem13/107