الوصول السريع للمحتويات

تأثير التيارات المتصارعة داخل داعش على استمرار التنظيم (6)

كان ذلك الانقلاب الناعم الذي أفضى إلى سيطرة “الحجاجي” على تنظيم الدولة بمثابة البداية لتشكل سلطة نافذة داخل التنظيم. وقد نجحت هذه السلطة في التواري خلف الوجوه التي تصدرت الواجهة. لكنها اضطرت أخيرا للإفصاح عن نفسها نتيجة تدخل مجموعة من العوامل منها: خسارة مظلة القاعدة وشيوخ التيار الجهادي المشهورين كأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني منذ قرار التمدد إلى سوريا، ثم تفكك البنية البيروقراطية للتنظيم بما فيها من دواوين ومكاتب ولجان ومجالس وهيئات وكانت هذه المؤسسات تضفي طابعا مؤسساتيا على عمل التنظيم وتخفي حقيقة كون القرارات المهمة صادرة عن مجموعة من الرجال المتنفذين، ثم انشقاق المفصل الشرعي بكامله ممثلا بمكتب البحوث والدراسات ساحبا غطائه عن قرارات التنظيم ثم أخيرا مقتل أبي بكر البغدادي الرجل الذي احتل واجهة المشهد دون أن يتمتع بكامل صلاحياته لأن الذين وضعوه في ذلك المنصب أرادوه “أميرا” شرفيا و”خليفة” صوريا. ومراعاة للحيز المتاح في هذه الورقة فسنقتصر على ذكر بعض المواقف والأحداث التي تجلت فيها سطوة “الحجاجي” دون الاستطراد في التفاصيل التي قد تستغرق صفحات كثيرة.

يمكن اختصار عقيدة “الحجاجي” في ثلاث كلمات وهي: “أمن الدولة أولا” واستحضار هذه الكلمات كفيل بتبديد الغرابة والغموض المخيم على بعض الأحداث التي جرت داخل تنظيم الدولة. فالحجاجي لا يعبؤون بتلك النقاشات الكلامية والسجالات العقدية التي حصلت داخل تنظيمهم، لا يهمهم العذر بالجهل ولا الناقض الثالث ولا التكفير بالتسلسل ولا التحاكم إلى القوانين الوضعية، الذي يهمهم من هذا كله هو ألا تتجاوز هذه النقاشات الخطوط الحمراء وهي “تعريض أمن الدولة للخطر” عبر التحريض على الانشقاق أو تحدي قرارات التنظيم.

في بداية الصراع العقدي داخل التنظيم تجرأ أبو جعفر الحطاب وأعلن مواقفه المناوئة للتنظيم استنادا إلى تأصيلات الحازمي التي كان يعتنقها، كان يرى أن التنظيم وقع في بعض المخالفات الشرعية الخطيرة، وبما أن الحطاب له أتباع كثيرون وهم شديدو البأس في القتال فإن انشقاقهم ستكون له عواقب وخيمة على التنظيم، لذلك جاء الأمر باعتقالهم وتصفيتهم فورا، فتم إعدام الحطاب وقرابة 700 من أتباعه فقط من المنحدرين من تونس وبلدان شمال إفريقيا[1]. لقد كان إعدامهم سياسيا[2] غايته الحفاظ على أمن الدولة وليس بسبب أفكارهم الحازمية كما أشاع التنظيم حينها[3]، لأن كثيرا من شرعيي التنظيم كانوا يتبنون تأصيلات الحازمي لكنهم لم يتجاوزوا الخطوط الحمراء كسعد العتيبي على سبيل المثال.

بعد اعدام الحطاب وأتباعه بدا أن تنظيم الدولة يميل إلى عقيدة “تيار الفرقان” حيث سيطر هذا التيار على اللجنة المنهجية واللجنة المفوضة وتم تهميش تيار “البنعلي والقجطاني” وتعرض بعض رموزه للسجن والاضطهاد، وبعد صدور تعميم “ليهلك من هلك عن بينة” عن اللجنة المفوضة ترسخت سيطرة هذا التيار أكثر، لكن ظهر للحجاجي أخيرا أن من لوازم تأصيلات هذا التيار تكفير قيادة تنظيم الدولة نفسها، بدا ذلك واضحا في المقال الذي نشرته مجلة النبأ بعنوان ” رموز أم أوثان” حيث لمح فيه صاحبه إلى كفر البغدادي لأنه ترحم على عطية الله الليبي الذي يراه تيار الفرقان مرتدا. لقد لامس هذا التيار إذن خطوط الحجاجي الحمراء. فأطق “الحجاجي” حملة أمنية ضد هذا التيار وقادته وكوادره، أُعدم على إثرها بعضهم واعتقل البعض الآخر، ولاذ البقة بالفرار أبرزهم أبو مرام الجزائري وأبو أحمد الفرنسي وأبو زيد العراقي، وتم حل اللجنة المفوضة.


[1] أبو محمد الهاشمي، كفوا الايادي عن بيعة البغدادي، ص:44

[2] المصدر السابق ص:45 وانظر أيضا: أبو عيسى المصري، منهج الدولة صنم العجوة، مؤسسة التراث العلمي 2019 ص:11

[3] خباب الجزراوي، تعليق حول مقتل أبي بكر القحطاني، http://cutt.us.com/bwaIvp

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية