الوصول السريع للمحتويات

تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. التكوين، الخطاب، الإستراتيجية (4)

توظيف بنية المجتمع وأزمات الدولة في اليمن

لا شك أن تنظيم القاعدة استطاع فرض وجوده في اليمن، ونجح في جعل المكون الجهادي جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي اليمني. فلا يمكن استيعاب أن 23 عنصرا خرجوا من حفرة بحمام النساء في 2006، وليس معهم إلا ملابسهم المليئة بالغبار والتربة؛ يتمكنون في أربع سنوات من بناء تنظيم ضارب قادر على اجتياح صنعاء دون دعم المجتمع اليمني بقبائله وتجاره وشبابه وغيرهم.

العمق القبلي للقاعدة:

تعاملت القاعدة بحذر مع طبيعة المجتمع اليمني وتركيبته القبلية، وسعت مبكر إلى توطيد علاقتها بالقبائل وشيوخها، لأنها تدرك أن علاقتها بالقبائل هي ما سيحدد قدر رسوخها ومقبوليتها داخل المجتمع، وقد نجح قادة القاعدة في توظيف قيم القبيلة من “إيواء” و”جوار” و”فزعة” لصالح مشروعهم الجهادي، وتتوافق القاعدة والقبيلة في النزوع إلى الاستقلال والتملص من السيطرة المركزية للدولة[1].

يحظى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدعم كثير من قبائل اليمن فعلى سبيل المثال: قبيلة المراقشة في محافظة أبين جنوب اليمن، وقبائل البيضاء -وسط اليمن- بما فيها قبائل آل حميقان غرب محافظة البيضاء، وعدد من القبائل في شرق البيضاء، وكذلك قبيلة قيفة العريقة -شمال شرق البيضاء- التي يعيش فيها أفراد القاعدة بكل حرية بل ويشترك أفراد القبائل مع عناصر القاعدة في القتال وصد الحملات الحوثية، هناك بعض القبائل في محافظة إب ومأرب وغيرها. كل قادة وأفراد القاعدة اليمنيون ينتمون للقبائل؛ فنجد مثلا أمير القاعدة السابق (ناصر الوحيشي) ينتمي إلى أبرز القبائل في محافظة أبين وهي قبلية آل وحيش أو قبيلة الوحيشي. كذلك القيادي السابق جلال بلعيدي المرقشي (حمزة الزنجباري) كان شيخ مشايخ قبائل المراقشة. أيضا القيادي مأمون حاتم هو ابن شيخ قبيلة في مديرية السدة بمحافظة إب، وطارق الذهب كان شيخ مشايخ قبائل قيفة، وكذلك إخوانه من بعده “قائد الذهب، نبيل الذهب، عبد الخالق الذهب.. هؤلاء كلهم من قيادات القاعدة وكانوا أيضا مشايخ قبائل قيفة[2].

وهناك قبائل لها علاقة خاصة ومتجذرة بتنظيم القاعدة مثل: قبيلة العوالق (العولقي) في محافظة شبوة جنوب اليمن، ومن أبرز قيادات القاعدة من أبناء هذه القبيلة: أنور العولقي، فهد القصع العولقي، محمد عمير الكلوي العولقي، صاحب كتاب “لماذا اخترت القاعدة”، وهناك قبيلة العنبري في أبين، ومن أفرادها الذين كانوا قيادات في القاعدة، جميل العنبري، أنور العنبري، وقبائل آل حميقان، وقبائل قيفة، وقبائل البيضاء عموما[3].

سنجد أن القبيلة تحتل حيزا مهما في خطاب تنظيم القاعدة في اليمن، وعندما يقع أفراد من الجيش اليمني في قبضة التنظيم فإنه كثيرا ما يبادر إلى تسليمهم إلى قبائلهم، حفاظا على علاقته بالقبائل، وليتجنب الدخول في ثارات معها، وحتى عندما يقبض على بعض الجواسيس الذين يبلغون الطيران الأمريكي على مواقعه فإنه لا يقوم بإعدامهم أمام الكاميرات لما سيثيره ذلك من حساسية لدى قبائلهم[4].

الحرب ضد الحوثيين:

أكد تنظيم القاعدة في اليمن أن حربه ضد الحوثيين “هي مع الرافضة إحدى طوائف الشيعة الغريبين على اليمن وتم استقدامهم مؤخرا من إيران ، وليس مع الطائفة الشيعية الزيدية التي تعتبر أقرب طائفة شيعية من أهل السنة”[5]، فالقاعدة حرصت على إعلان تمييزها بين الحوثيين كجماعة مسلحة مرتبطة بإيران وبين الطائفة الزيدية المنتشرة في اليمن والقريبة إلى أهل السنة.

في 25/10/2010 دشنت القاعدة في اليمن حربها ضد الحوثيين عبر بيان حمل عنوان “بيان عن عمليات الدفاع عن أهل السنة” وأعلنت عن تشكيل وحدات خاصة “للدفاع عن أهل السنة” استجابة لنداءاتهم. بعد يومين أعلنت مسؤوليتها عن قتل بدر الدين حسين الحوثي الزعيم الروحي لجماعة الحوثي (والد عبد الملك الحوثي) بعد سلسلة من الهجمات على تجمعات لجماعة الحوثي في محافظتي الجوف وصعدة في 23/10/2010، وتصاعدت عمليات القاعدة ضد الحوثيين مع تفاقم أزمة دماج حيت حاصرت قوات الحوثي مدرسة للسلفين هناك وفشلت كل الوساطات والضغوط في إنهاء الحصار مع تمسك الحوثيين بمطلب مغادرة السلفيين للمنطقة.[6]

بعد تمدد الحوثيين خارج محافظة صعدة حدث نوع من التحول في أولويات القاعدة حيث توجهت بمزيد من الجهد والتركيز نحو الحرب ضد جماعة الحوثي، خصوصا بعد دخولهم صنعاء واطباقهم السيطرة على اليمن.

الثورة اليمنية:

احتفى تنظيم القاعدة في اليمن بثورات الربيع العربي، وخصص غلاف العدد الرابع من مجلة “انسباير” لإظهار دعمه لها وحث الناس على الاستمرار في المتظاهرات حتى يحققوا مطالبهم. انخرطت القاعدة في اليمن في سلسلة من التحولات البنيوية فرضتها ظروف الثورة اليمنية وانفراط السلطة المركزية فقامت بتأسيس جماعة أنصار الشريعة لتكون نسخة مدنية وشعبية عن التنظيم العسكري المحض. وبهذا المسمى (أنصار الشريعة) واكب تنظيم القاعدة فعاليات الثورة اليمنية، وعندما انسحبت قوات صالح من بعض المحافظات قام بالدخول إليها وحفظ الأمن داخلها وتأمين الحاجيات الحياتية للناس.

بعد اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء وانطلاق المقاومة الشعبية وضعت أنصار الشريعة معظم إمكانياتها ومواردها في المعارك ضد الحوثيين وتحالفت مع المقاومة الشعبية في كثير من المناطق.[7]

أبرز العمليات

نفذ تنظيم القاعدة في اليمن عددا من العمليات التي أثارت الرأي العام الدولي، وسلطت الضوء على التنظيم وبوأته مكانة متقدمة في قائمة أخطر الجماعات الجهادية، لعل من أبرز هذه العمليات:

محاولة اغتيال محمد بن نايف:

اتصل عبد الله العسيري أحد عناصر القاعدة المطلوبين للسعودية بوزارة الداخلية السعودية عارضا تسليم نفسه. تم تفتيشه في مطار صنعاء دون أن يعثر بحوزته على أي شيء يثير الريبة، فنقل إلى السعودية لمقابلة محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، ليدلي بما لديه من المعلومات ولينسق عملية استسلام أفراد آخرين من التنظيم، لكن ما ان استقبله محمد بن نايف في 27/8/2009 بمكتبه حتى انفرجت عبوة ناسفة اخفاها في ملابسه الداخلية ولم تنجح تقنيات الفحص في المطارات والتفتيش اليدوي من اكتشافها. كان ذلك بمثابة الاختبار الأول “للعبوة الخفية” فخر الإنتاج العسكري لقاعدة اليمن. أصيب محمد بن نايف بجروح بينما قتل عبد الله العسيري[8].

عملية الفاروق عبد المطلب: في 25/12/2009 حاول النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة “إيرباص” متوجهة من أمستردام إلى ديترويت الأمريكية، لكنه فشل في التعامل مع “العبوة الخفية” ما أدى إلى اكتشاف أمره من قبل الركاب، أصيب عبد المطلب بحروق نتيجة التفجير الفاشل، اعتقل وخضع للمحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية وحُكم عليه بالسجن المؤبد. وكان ذلك بمثابة الاختبار الثاني للعبوة المبتكرة، التي نجحت مجددا في تجاوز إجراءات الفحص والتفتيش بكل المطارات التي مرت بها[9].

الطرود المفخخة: في بدايات نوفمبر 2010 دبت حالة من الرعب والهلع في عدد من العواصم الغربية بسبب ما بات يُعرف بأزمة الطرود المفخخة، حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون إلى هزيمة ما وصفه بسرطان الإرهاب في الجزيرة العربية[10]، وذلك أن عددًا من الطابعات التي تم شحنها من اليمن كانت معبأة بمواد متفجرة غير قابلة للرصد، عم الارتباك والاضطراب شركات النقل الجوي والمطارات العالمية تحسبا لأي كارثة جوية مميتة، القاعدة قدمت روايتها عن أزمة “الطرود المفخخة” وأكدت أنها نجحت فعلا في إسقاط إحدى الطائرات، وقالت بأن العملية أرادت منها استنزاف الغرب من خلال زيادة الإنفاق في برامج ومنظومات الفحص والحماية، وأيضا تكبيد شركات النقل الجوي خسائر فادحة، وقالت إنها لم تستخدم الطابعات فقط بل لغمت أيضا رواية ديكنز المشهورة (توقعات عظيمة)[11].

كانت هذه هي المحاولة الثالثة من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لاستخدام “العبوة الخفية” في عملياتها، عبوة نشرت القاعدة أخيرا مكوناتها وطريقة تصنيعها في العدد 13 من مجلة “انسباير”، كما تضمن العدد نفسه مقابلة مع “طباخ القاعدة” الاسم المستعار للرجل المسؤول عن صناعتها.

عملية شارلي إبدو: في 7/1/2015 دخل مسلحان مقنعان إلى مقر صحيفة شارلي إبدو الساخرة في باريس، وقاموا بتصفية 12 شخصا من محرري ورسامي الصحيفة وأصابوا آخرين، تبنى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب العملية في بيان تلاه القيادي نصر الآنسي، وقال بأنها تمت بأوامر وتوجيهات من أيمن الظواهري ردا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والتي دأبت الصحيفة على نشرها. التنظيم قال بأن الأخوين كواشي هم من نفذ العملية وأن “من اختار هدف العملية ورسم الخطة ومول العملية وانتدب قائدها هم قيادة التنظيم”[12].


[1] عبد الإله حيدر شائع، تنظيم القاعدة في اليمن من المحلي إلى الإقليمي والدولي، مركز الجزيرة للدراسات، 20/1/2010

[2] مقابلة أجراها الباحث مع الصحفي اليمني المتخصص في شؤون القاعدة في اليمن إبراهيم اليافعي.

[3] المصدر السابق

[4] لم يصور تنظيم القاعدة في اليمن أية عملية إعدام ميداني بخلاف كل التنظيمات الجهادية الأخرى.

[5] مجلة إنساير العدد 4 (النسخة العربية)

[6] دماج الحصار والنار ملف موسع حول الحرب الحوثية الظالمة على دماج، مجلة البيان، 3/6/2014 http://www.albayan.co.uk/rsc/print.aspx?id=3255

[7] حركة أنصار الشريعة، الجزيرة نت، 14/12/2014 http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/12/14/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9

وانظر: حوار صحيفة المسرى مع القيادي في أنصار الشريعة سعد بن عاطف العولقي، العدد 9

[8] وثقت القاعدة محاولة اغتيال محمد بن نايف في العدد 11 من مجلة صدى الملاحم، والإصدار المرئي “فزت ورب الكعبة 2” الصادر عن مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي.

[9] مجلة صدى الملاحم العدد 12

[10] هلع في الغرب بسبب الطرود المفخخة، الجزيرة نت، 1/11/2010

[11]  أهداف عمليات عبوات الاستنزاف، مجلة صدى الملاحم العدد 16، وانظر: العدد 3 من مجلة إنسبار  للاطلاع على تفاصيل عمليات الطرود المفخخة.

[12] رسالة بشأن غزوة باريس المباركة، نصر بن علي الآنسي، مؤسسة الملاحم، 14/1/2015 https://archive.org/details/mksnd73iu2

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية