الوصول السريع للمحتويات

داعش في سوريا الجديدة

مع انهيار قوات نظام الأسد بالكامل أمام تمدد فصائل الثورة في المحافظات السورية، وانحسار سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن بعض مناطق نفوذها، حذّر مظلوم عبدي قائد قسد -في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري- من ظهور نشاط التنظيم للعلن بعد أن كان مخفيا.

وأشار إلى أن تنظيم الدولة بات يدخل إلى مناطق سيطرة قواته، ولم يعد يقتصر نشاطه على البادية، مستغلا التطورات الميدانية في سوريا وزوال سيطرة النظام المخلوع.

ونشر التنظيم شريطاً مصوراً عُرض على معرفاته الخاصة، واستمر لمدة 15 دقيقة، تحدث فيها بشكل عام عما يدور في سوريا والدول المتدخلة فيها، كما تساءل في شريط نشرته صحيفة «نبأ» الناطقة باسمه، عن شكل الحكم الذي سيطبقه قائد الإدارة الجديدة، أحمد الشرع.
وقال التنظيم في الإصدار «إن قلت الشريعة، فأنت لا تعرف الثورة أو لا تعرف الشريعة، وإن قلت مجلس انتقالي ودستور وطني، فمع من كانت مشكلة الثوار إذاً»
واعتبر التنظيم في المقطع المرئي، أن «سقوط نظام الأسد كان برغبة وتدخل من دول خارجية» معتبراً الفصائل المقاتلة التي عملت على إسقاط النظام هي «بنادق مأجورة» كما تحدث عن أطماع الدول الغربية والإقليمية في سوريا معتبراً أنها «تريد اقتطاع أجزاء من أرضها».
ووصف قيادات الإدارة السورية الجديدة، الذين تصدروا المشهد السياسي، بأنهم يحاولون إبراز أنفسهم على أنهم «الفاتحون والمحررون لبلادهم» كما انتقد القرارات الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة التي تحاول المساواة بين جميع الطوائف من خلال الدستور، معتبراً قادة سوريا الجدد، حجر يتحرك بأيدي «أعداء الدين الإسلامي».

ورغم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية قبل ست سنوات على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتحالف الدولي، فإن أيديولوجيته المتشددة و قدراته العملياتية وآلاف الأعضاء المحتجزين في مخيم الهول في محافظة الحسكة، كل ذلك لا يزال يشكل تهديدًا كبيرًا ليس على السوريين فحسب، بل على الدول المجاورة والغرب أيضاً.

ويتفاقم هذا التحدي في ظل الإدارة السورية الجديدة، في خضم الجهود الرامية إلى تشكيل جيش وطني موحد، إذ تواجه الإدارة انقسامات عميقة بين الفصائل السورية المسلحة ومصالح متنافسة من القوى الإقليمية والغربية، ما يزيد من تعقيد الطريق نحو الاستقرار، وربما يمهد الطريق أمام تنظيم الدولة للظهور من جديد.

وهنا يبرز سؤال مهم: هل يتحدى تنظيم الدولة الإسلامية سلطة هيئة تحرير الشام على الرغم من منشأهما الواحد وهو تنظيم القاعدة كما يقال؟ وهل هناك نقاط ضعف محتملة يمكن للتنظيم استغلالها من أجل معاودة نشاطها؟

البروفسور بروس هوفمان، وهو زميل أول في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في منظمة مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وأستاذ في كلية إدموند أ والش، للخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون، والذي كان مفوض في اللجنة المستقلة لمراجعة استجابة مكتب التحقيقات الفيدرالي للإرهاب والتطرف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يقول لبي بي سي عربي: “إن التنافس بين تنظيم الدولة والجماعات السلفية الجهادية الأخرى سواء في سوريا أو في أماكن أخرى، يعود إلى زمن طويل ويستعصى على الحل. والسبب هو استياء تنظيم الدولة من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بسبب تحالف مؤسسها وزعيمها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) مع زعيم القاعدة آنذاك أيمن الظواهري، بدلاً من تنظيم الدولة الإسلامية وزعيمها آنذاك أبو بكر البغدادي”.

تمكن تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014 من بسط نفوذه على ما يقرب من مساحة 88 ألف كيلومتر مربع و 8 ملايين شخص، في سوريا والعراق، كما استطاع جني مليارات الدولارات من عائدات النفط والسرقات وعمليات الخطف التي كانت تطالب بالفدية.

وعلى مدى السنوات الخمس التالية، تمكن التنظيم من استقطاب الآلاف من الجهاديين من جميع أنحاء العالم إلى ما كان يقول حينها إنها “المدينة الفاضلة في دولة الخلافة الإسلامية” لكن الواقع على الأرض كان عبارة عن حياة يهيمن عليها العنف الشديد.

ومن خلال التصريحات التي صرح بها أحمد الشرع، يبين أن الإدارة في دمشق تعمل في الوقت الحالي، على الحفاظ على الأمن ومنع ظهور تنظيم الدولة والجماعات المسلحة الأخرى وإعادة بناء المؤسسات الحكومية في المناطق التي مزقتها الحرب، وتأمين الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وتطوير البنى التحتية. وكذلك، يقول إنه يعمل على توحيد القوى العسكرية لبناء جيش سوري موحد تندمج فيه كافة الفصائل المسلحة في البلاد.

لكن هيئة تحرير الشام، تضم المئات من الجهاديين الأجانب في صفوفها ومنحت بعضاً منهم جنسيات سورية ومناصب في الدولة، مما عرضها لانتقادات.

وقد حذر مبعوثون أمريكيون وفرنسيون وألمان، الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، من أن تعيينهم لجهاديين أجانب في مناصب عسكرية عليا يمثل مصدر قلق أمني وسيئا لصورتهم في الوقت الذي يحاولون فيه إقامة علاقات مع دول أجنبية بحسب رويترز.

ومن ضمن أكبر التحديات التي تواجهها الإدارة المؤقتة، هي إعادة بناء الاقتصاد المدمر وتحديات إعادة الإعمار بموارد محدودة في ظل العقوبات الدولية المفروضة على البلاد.

ستحتاج الإدارة الجديدة من أجل شرعنة سلطتها، إلى الاعتراف والدعم من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتعزيز السلطة والحصول على المساعدات والاستثمار. إلا أن الغرب لا يزال يتعامل مع السلطة الجديدة بحذر، ولا تزال هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب الأمريكية.

وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة هزم قبل ستة أعوام في آخر معاقله في الباغوز، إلا أنه لا يزال يمثل تهديدا أمنيا كبيرا، إذ إنه قادر على شن هجمات في المنطقة ما أن تتسنى له الفرصة وخاصة كما يقول هوفمان لبي بي سي “في حال فشلت السلطة المتمثلة بهيئة تحرير الشام في الحكم وتوفير الأمن في تلك الأجزاء من سوريا التي حافظ فيها تنظيم الدولة الإسلامية على وجوده لأكثر من عقد من الزمان”.

الإدارة الجديدة في دمشق تواجه مزيجاً هائلاً من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سعيها لإعادة بناء البلاد. وسيعتمد نجاحها بدرجة كبيرة على مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين هذه المطالب المتنافسة مع تعزيز الشراكات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع ومنع استغلال تنظيم الدولة الاسلامية والجماعات الجهادية الأخرى للثغرات التي قد تتخذها كنقطة لانطلاقة جديدة في البلاد.

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية