الوصول السريع للمحتويات

هل نقل تنظيم داعش قيادته إلى خارج سوريا والعراق ؟

من بين الأمور التي يصعب إلى حد بعيد التنبؤ بها عندما يتعلق الأمر بنشاط الجماعات الجهادية هو أماكن تواجد قياداتها وأمراء الصف الأول فيها. فعندما كان الجميع يعتقد أن أسامة بن لادن يختبئ بين جبال أفغانستان الشاهقة أو في وديان وزيرستان القاسية، كان الرجل في الواقع يعيش حياة مستقرة مع أفراد عائلته في مجمع سكني باكستاني على مرمى حجر من إحدى القواعد العسكرية للجيش.

وعندما كان الجميع يعتقد أن أيمن الظواهري يتنقل في مناطق القبائل الباكستانية أو في أرياف أفغانستان الوعرة كان الرجل يمضي أيامه في منزل كبير بالحي الدبلوماسي وسط العاصمة الأفغانية كابل. وما يقال عن قادة القاعدة يسري أيضا على  قادة داعش، فأبو بكر البغدادي قتل في بلدة باريشا في إدلب ولم يكن أحد يتوقع أن يعيش في منطقة يعتبرها “دار ردة” وتحت نفوذ جماعة يُصنفها في خانة ألد خصوم “خلافته”. كما قتل خلفه عبد الله قرداش في بلدة أطمة بمدينة إدلب أيضا ولم يكن أحد يظن بمن فيهم جيرانه في السكن أن الرجل الذي يبادلونه التحية كل صباح هو في الواقع المطلوب الأول في العالم.  

المفاجآت لم تتوقف هنا، فقد قُتل الزعيم الثالث لداعش أبو الحسن الهاشمي في بلدة جاسم بمحافظة درعا الجنوبية، وحتى الفصيل الذي حاصر منزله وأجهز عليه لم يكن يدري أنه قضى على أمير داعش، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يعيش “الخليفة” في بلدة في الجنوب السوري يسيطر عليها تحالف هجين من الميليشيات الموالية للنظام والمعارضة السورية. وقد تكرر نفس السيناريو تقريبا عندما قتل خلفه أبو الحسين الهاشمي في بلدة جندريس التابعة لمنطقة عفرين على الحدود التركية السورية، في مفاجأة أخرى للمراقبين وأنصار داعش على حد سواء.

لا شك أن تنظيم داعش عاجز تماما عن تأمين حلقته القيادية العليا لاسيما في سوريا، تجلى ذلك بوضوح في مقتل ثلاثة من زعمائه في زمن قياسي، إضافة إلى عشرات من قادة الصف الأول بينهم ثلاثة من المتحدثين الرسميين، وأعضاء فاعلين في اللجنة المفوضة ومجلس الشورى ومكتب إدارة الولايات. وقد نقلت منصات رقمية يديرها منشقون عن التنظيم تذمر القادة الميدانيين وأعضاء في التنظيم من الوضع الكارثي الذي وصلت إليه ” ولاية الشام” بحيث لم تستطع حتى تأمين رأس التنظيم لمدة زمنية معقولة. وباتت ولاية الشام توصف في أروقة التنظيم الداخلية “بالولاية المخترقة”.

يواجه التنظيم معضلة كبرى تتمثل في التوفيق بين مسارين متعارضين، الأول: يحثها على البحث عن جغرافيا آمنة لاستقرار زعمائه، والحفاظ على أمنهم، وفاعلية أدوارهم وهذه الجغرافيا لا توجد سوى خارج العراق وسوريا. والثاني: ضرورة إبقاء منصب “الخليفة” متداولا بين العراقيين حصرا. إذ لا يزال قادة داعش المؤثرين يرفضون بشكل قاطع إسناد زعامة التنظيم إلى شخصيات غير عراقية، وقد عبر القيادي السابق في التنظيم “حجي حامد” عن هذا المعطى بقوله ” والله ما ننطيها” وأخبر الجميع أن القيادة ستبقى دائما عراقية.

من ناحية أخرى تكاد الآراء تُجمع أن تنظيم داعش نقل قيادته خارج سوريا، وهذا ما تؤكده أيضا قنوات الكترونية يديرها منشقون عن داعش، أو على الأقل نقلها خارج محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام باتجاه مناطق البادية أو المناطق المحسوبة على الجيش الوطني في شمال سوريا. والراجح أنه نقلها إلى داخل العراق مستغلا شساعة صحاري الأنبار وانشغال فصائل الحشد الشعبي بتأمين مقراتها وتحركاتها مع استمرار الحرب في غزة.

عملية اغتيال القيادي في هيئة تحرير الشام أبو مارية القحطاني من قبل انتحاري ينتمي إلى تنظيم داعش مؤشر في غاية الأهمية على أن قيادة داعش لم تعد موجودة في مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، إذ لم يكن التنظيم ليتجرأ على تنفيذ هذه العملية لو كانت قيادته مستقرة في إدلب، لأنه يدرك تماما أن عمليات بحث وتحقيق واسعة النطاق ستعقبها وقد تتكلل بوضع اليد على قيادته، خصوصا وجهاز الأمن العام التابع للهيئة متعطش لأي انجاز يرمم به صورته أمام المجتمع المحلي في إدلب، ويخفف به من حدة الأصوات التي تطالب بحله، إضافة إبعاد تهمة اغتيال القحطاني عنه، واحتواء أنصار هذا الأخير ضمن هيئة تحرير الشام من جديد.

ثمة فرضية لكن تعوزها الوجاهة والأدلة الكافية تقول بأن التنظيم ربما نقل قيادته خارج العراق وسوريا وهي فرضية مستبعدة تماما خصوصا مع وجود شخصيات قيادية أخرى تنحدر من العراق، وقد صعدت في الفترة الأخيرة إلى الدوائر القيادية العليا في التنظيم مثل أبو خديجة (عبد الله مكي مصلح الرفيعي) أمير مكتب بلاد الرافدين وعضو مجلس الشورى. 

يطرح مشكل “القرشية” كشرط في تنصيب الخليفة تحديا للتنظيم، وهو شرط يتعذر التحقق منه إذا انتقلت “الخلافة” إلى إحدى الولايات البعيدة. كما لا يخفي التنظيم عنصريته اتجاه العناصر الأعجمية، ولا يمكن بالتالي إسناد منصب “الخليفة” إليها، ويبقى المعطى المنطقي في هذا السياق، والفرضية الوجيهة جدا أن قيادة داعش مازالت عراقية وإن لم تستقر في العراق فهي في المناطق السورية الخارجة عن نطاق سيطرة هيئة تحرير الشام.

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية