الوصول السريع للمحتويات

إطلاق سراح القحطاني يكرس أزمات هيئة تحرير الشام.. هل هي بداية الانقسام ؟

قررت اللجنة القضائية التي شكلتها هيئة تحرير الشام برئاسة أبو عزام الجزراوي لمراجعة ملفات المعتقلين على ذمة قضايا “العمالة” للمخابرات الأجنبية إطلاق سراح عشرات الموقوفين من بيهم أبي ماريا القحطاني القيادي البارز في الهيئة، بعدما ثبت لأعضاء اللجنة براءته من التهم الكثيرة الموجهة إليه، وقد خلف القرار ردود فعل متباينة، وكرس حالة الانقسام والاحتقان في محافظة إدلب عموما وفي صفوف هيئة تحرير الشام خصوصا.

جدل الادانة والبراءة

أصدرت اللجنة القضائية المعنية بمراجعة قضايا المعتقلين بتهمة التخابر بيانها الثاني حول جلسات التحقيق التي أشرفت عليها وما نجم عنها من قرارات وقد جاء فيه أنها قررت إطلاق سراح أبي ماريا القحطاني ” لأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه” و” بعد اطلاعها على أدلة أخرى قدمت من مدعين آخرين” قررت اللجنة: براءة ميسر الجبوري (القحطاتي) والإفراج عنه.

وفي 8 من مارس الجاري أي بعد يوم واحد من بيان اللجنة أصدرت هيئة تحرير الشام بيانا عن “براءة  الأخ أبو ماريا من التهم الموجهة إليه بشكل قاطع وأن لا علاقة له بأي نشاط يتعارض مع المبادئ الثورية والأخلاقية التي نعتز بها”.

يأتي بيان الهيئة بعد شهور من التسريبات والمنشورات والبيانات على المنصات الرسمية وشبه الرسمية التابعة لها والتي دفعت باتجاه إدانة الرجل بموجب صك اتهام تمتد جناياته من التخابر مع جهات خارجية والتورط في مؤامرة انقلاب مرورا بالفساد المالي وابتزاز التجار وانتهاء بعلاقاته الشخصية المشبوهة. بل إن عبد الرحيم عطون الشرعي الأول في الهيئة كتب في 21 من ديسمبر الماضي أن القحطاني ثبت تورطه في ابتزاز التجار في الشمال المحرر وأن الهيئة عوضتهم بموجب ذلك بعد جلوسها معهم.

في غضون ذلك أصدر كل من أبي الفتح الفرغلي و عبد الرحمن الغزي وهما قياديان شرعيا في الهيئة (انشقا في وقت سابق) بيانات مفصلة تؤكد – حسب وجهة نظرهما- خطأ قرار اللجنة بتبرئة القحطاني وإطلاق سراحه. وقالا في منشورات منفصلة أنهما توجها إلى مقر اللجنة بملف شامل يتضمن أدلة قاطعة تدين القحطاني بما نسب إليه تهم، وأن اللجنة اكتفت بالإطلاع على دليلين فقط من أصل 30 دليلا بحوزتهم، والاستماع إلى ثلاثة شهود من أصل 35 شاهدا مدرجة أسمائهم في ملف الدعوى الذي قاما بإعداده.

منشورات الغزي وأبو الفتح الفرغلي الذي يشغل أيضا منصب عضو المجلس الأعلى للإفتاء حملت تفاصيل جديدة عن التهم التي كان القحطاني متابعا بها. فقد أكدا أن هذا الأخير فتح خط تواصل مع المخابرات الفرنسية، وضباط عراقيين من عشيرة الجبور، والمخابرات التركية، كما استفتى أحد الشيوخ في فتح خط اتصال مع المخابرات الأمريكية حسب ادعائهما.

عبد الرحمن الغزي أضاف في منشور مستقل على حسابه بمواقع التواصل الإجتماعي أن القحطاني اعترف دون ضغط أو إكراه خلال فترة احتجازه بما نسب إليه، وكشف أن الجولاني القائد العام للهيئة هو من قام شخصيا بالتحقيق معه وحرر محضر اعترافاته بخط يده. 

وأمام تناقض روايات الهيئة وقادتها بخصوص ما جرى أكد الغزي والفرغلي تمسكهما بمتابعة القحطاني أمام أي جهة قضائية أخرى مستقلة في شمال سوريا، واستعدادهما عرض ما بحوزتهما من ملفات  وشهادة الشهود أمامها. 

انقسام الشارع

مع انتشار خبر إطلاق سراح ميسر الجبوري (القحطاني) خرج المئات من أنصاره لاستقباله وسط إطلاق كثيف للنار في الهواء، وضجيج أبواق السيارات وهتافات أتباعه. وجهزت عشيرة البكارة في شمال غرب سوريا خيمة للترحيب به، في إشارة إلى نفوذ الرجل ونجاحه خلال 13 سنة قضاها متنقلا بين محافظات الشرق والجنوب والشمال في حشد مجموعات كبيرة من رجال القبائل خلفه.  

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الصور التي ظهر فيها القحطاني مع شخصيات قيادية وقبلية بينها صورة جمعته بعناصر مسلحة يرتدون زي جهاز الأمن العام. وكتب صقر أبو عدي إحدى الشخصيات المقربة من القحطاني بمناسبة إطلاق سراحه مجددا الولاء له وداعيا إلى ” انتداب مجلس عسكري” يقود هيئة تحرير الشام في هذه المرحلة، وعزل الجولاني عن القيادة،  و” تفكيك جهاز الأمن العام ومحاسبة من أجرم بحق المظلومين مدنيين وعسكريين.. وتبييض السجون من معتقلي الرأي”.

وفي هذا السياق من المنتظر أن تظهر إفادات عبد الملك منبج المدعي العام في قضايا التحالف الذي انشق عن الهيئة قبل أيام وغادر إلى جهة غير معلومة وبحوزته تفاصيل وملفات عن التعذيب والاعترافات وكل ما يتعلق بقضايا التخابر، وانتشرت على قنوات التيليجرام المقربة من أحمد زكور القيادي السابق في الهيئة ما يفيد بأن الرجل سيلقي ما بجعبته قريبا.

خروج القحطاني قوبل من جهة أخرى بكثير من الغضب والامتعاض من طرف جهات ثورية حملته مسؤولية توسع نفوذ هيئة تحرير الشام وقضائها على كثير من الفصائل الأخرى، وامتداد سلطتها أخيرا إلى عمق مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.

فقد اعترض عشرات الأشخاص مواكب استقباله، ورشقوها بالحجارة، ومزقوا اللافتات التي تحمل عبارات ثناء عليه، وداسوا صوره بأقدامهم، ووجهوا شتائم قادحة إليه لا سيما في بلدة حزانو شمال شرق محافظة إدلب.

احتجاجات متواصلة

شهدت عدد من البلدات في إدلب مظاهرات احتجاجية طالبت بعزل قيادة هيئة تحرير الشام وإطلاق سراح المعتقلين وتسوية قضاياهم، ومحاسبة كوادر جهاز الأمن العام المتورطين في التعذيب. وعرفت مظاهرات الجمعة الماضية مشاركة عدد من الشخصيات التي كانت في السابق محسوبة على هيئة تحرير الشام مثل أبو الحارث المصري وعبد الرزاق المهدي ومحمد الشيخ  الرئيس الأسبق لحكومة الانقاذ.

ووعدت هيئة تحرير الشام بالاستجابة لمطالب المحتجين، وأصدرت إدارة الشؤون السياسية في الهيئة بيانا أكدت فيه أن العمل “يجري الآن على إحداث مؤسسات جديدة تضمن الرقابة العليا وتستقبل المظالم وتنظر في الشكاوى إضافة إلى إصلاحات حقيقية في بعض المؤسسات والإجراءات المتبعة”.

وفي ذات الإطار قال عبد الرحيم عطون بأن هيئة تحرير الشام ستقوم ” بإجراء مراجعة شاملة للإجراءات الأمنية بغية اتخاذ جملة من الخطوات والإصلاحات التي تضمن عدم تكرار ما حدث”. وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع الادلبي أعلنت الهيئة عن إطلاق سراح أكثر من 400 معتقل بموجب عفو عام بمناسبة حلول شهر رمضان.

تواجه هيئة تحرير الشام منذ منتصف العام الماضي واحدة من أصعب أزماتها الداخلية منذ تمدد تنظيم داعش إلى سوريا في 2013 وانقسام جبهة النصرة حينها (الهيئة حاليا) بين قيادة الجولاني وقيادة والبغدادي، وتداعياتها مازالت تتفاعل.

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية