من بيت الأنصار الذي اتخذه أسامة بن لادن منطلقا لإيواء المتطوعين العرب كانت الانطلاقة،والى بيت الصمود بمجمع باب العزيزية كانت النهاية ، وما بين البيتين عاشت الجماعة المقاتلة عقدين كاملين من المواجهة والصدام ،تخللتها فترات اعتقال ومنافي و اغتيالات..مد وجزر مع نظام القدافي وحالة درامية كتبت أخر فصولها تحت عنوان “عملية فجر عروس البحر”.
فمن تكون الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة؟ من هم مؤسسوها ورموزها ؟ ما هي بنيتها التنظيمية والفكرية ؟ وما هي علاقتها بتنظيم القاعدة ؟ ودورها في ثورة 17 فبراير ؟.
كغيرها من الجماعات والتنظيمات الجهادية التي ظهرت إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان،كانت الجماعة الليبية المقاتلة الإطار التنظيمي الذي ينضوي تحته اغلب المتطوعين الليبيين الذين حضروا للمشاركة في فعاليات الجهاد الأفغاني،الذي انطلق بمباركة ودعم من اغلب الدول العربية والغربية.
قبل ظهور الجماعة الليبية المقاتلة عرف القطر الليبي بروز مجموعة من التنظيمات ذات التوجه الجهادي في بداية الثمانينيات ،أبرزها جماعة الشيخ العشبي التي تأسست سنة 1982، كما ظهرت في نهاية الثمانينيات حركة الجهاد التي أسسها عوض الزاوي، وتأسست في نفس السنة حركة الشهداء الإسلامية بزعامة محمد المهشمي.
بعد انتهاء الغزو السوفيتي لأفغانستان تشكلت النواة الأولى للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة (1989/1992) ، التي استفردت لنفسها بمضافات ومعسكرات خاصة ،بها شانها في ذلك شان أغلب الجماعات الإسلامية المتواجدة على التراب الأفغاني ،وكان تأسيس الجماعة المقاتلة يعود إلى التأثيرات التي أحدثها انتشار فكر الجماعة الإسلامية المصرية في أوساط الأفغان العرب، وقادت اغلبهم إلى تأسيس خلايا وتجمعات جهادية على غرار الجماعة الإسلامية المصرية .
كان هدف تأسيس الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة هو العودة إلى ليبيا ومقاتلة نظام العقيد معمر القدافي لإسقاطه، وإقامة حكم إسلامي حسب أدبيات الجماعة المنشورة.
مع اكتمال الانسحاب السوفيتي من أفغانستان وتناحر الأحزاب الأفغانية فيما بينها ،وبدئ حملات الاعتقال والمطاردات بحق من يسمون بالأفغان العرب خصوصا في باكستان، وعودة معظمهم إلى بلدانهم الأصلية والى ملادات اللجوء في أوروبا للذين لا تسمح ظروفهم الأمنية بعودتهم إلى أوطانهم ، انتقل اغلب عناصر وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة إلى السودان مستفيدين من التسهيلات التي منحها لهم نظام البشير وحليفه في السلطة حسن الترابي ،كان وجود الجماعة المقاتلة في السودان نقطة مهمة في تاريخها، إذ مكنها ذلك من إعادة تأهيل كوادرها، وتكوين كفاءات جديدة في المجالات التي تهم الجماعة خصوصا المجال العسكري والشرعي.كما مكنها ذلك من الإطلاع عن قرب على الأوضاع في ليبيا وتوثيق صلاتها بجهاديي الداخل.لكن هذه الفترة لم تدم طويلا إذ سرعان ما توصل نظام العقيد معمر القدافي ونظام الفريق عمر البشير إلى اتفاق لتبادل المجرمين، على إثره أمرت السلطات السودانية كل عناصر الجماعة المقاتلة بمغادرة البلاد، ما حدا بهم إلى الانتشار في عدد من الدول المغاربية والخليجية والأوربية، كالجزائر وموريتانيتا والسعودية واليمن وتركيا وسوريا والأردن.
بعد انقلاب العسكر على نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر التي اكتسحتها الجبهة الإسلامية للاتقاد،وبدئ الصراع المسلح بين الإسلاميين والسلطة في الجزائر ،كان للجماعة الليبية المقاتلة حضور في هذا الصراع إلى جانب الجماعة الإسلامية المسلحة بقيادة أبو عبد الرحمان أمين،لكن هذا التعاون لم يدم طويلا ، إذ سرعان ما تبرأت الجماعة الليبية المقاتلة من الجماعة الإسلامية الجزائرية ،بعد الانحراف الكبير الذي طرأ عليها ،وانتهى بها إلى استهداف الأبرياء والمدنيين، وارتكاب جرائم مروعة بحقهم،ولم تسلم عناصر الجماعة الليبية من القتل والاستهداف الذي مارسته الجماعة الإسلامية المسلحة بحق كل معارضيها، بدعوى أنهم ليسو على العقيدة السلفية الصافية .
أما على التراب الليبي فقد حافظت الجماعة المقاتلة على سرية عملها ووضعت لنفسها برنامجا للإطاحة بالنظام، لا يعتمد على المواجهات الصغيرة والتفجيرات هنا وهناك، بل سعت إلى اعتماد خطة تقوم إما على التصفية الجسدية لرموز النظام وعلى رأسهم العقيد معمر القدافي ،أو قيادة تمرد وانقلاب داخل الجيش الليبي ،إلى جانب هذه الخطة فقد وضعت الجماعة خطة للطوارئ يتم تفعيلها إذا ما اكتشفت أي خلية من خلاياها ، وهو ما حدث في 1995 إذ اكتشف الأمن الليبي خلية للجماعة بعدما داهم مزرعة في ضواحي بنغازي، فاضطرت الجماعة إلى الظهور للعلن وإصدار أول بيان لها بتاريخ 17 أكتوبر 1995 فعلت على إثرها خطة الطوارئ ونشبت بين الجماعة والنظام صدامات مسلحة كثيرة في مناطق متفرقة من التراب الليبي ، انتهت بتغيير الجماعة لإستراتيجيتها في مواجهة النظام، عبرت عنها في بياناتها ب (الهجوم الاستراتيجي والتراجع التكتيكي) ،فاقتصر نشاطها العسكري على عدد من محاولات الاغتيال للعقيد الليبي معمر القدافي انتهت كلها بالفشل .
بعد بسط طالبان لسيطرتها على معظم الأراضي الأفغانية وإعلانها قيام إمارة إسلامية ،تداعى الجهاديون من كافة أنحاء العالم إلى كنف هذه الإمارة الوليدة ،لكن الجماعة المقاتلة لها رأي أخر فقد رفضت اجتماع كل التنظيمات الجهادية في ساحة واحدة،ولم تكن الجماعة لتصمد على رأيها هذا فقد تراجعت عنه بعد حورات مع جماعات وشخصيات جهادية، انتهت بعودة الجماعة المقاتلة إلى أفغانستان وانفردت بمعسكر خاص بها.ولقد حاول زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن استمالة الجماعة إلى الجبهة الإسلامية لجهاد اليهود والصليبيين ،التي أسسها مع ايمن الظواهري في نهاية التسعينيات لكنه لم يفلح في ذلك، إذ أصرت الجماعة المقاتلة على الحفاظ على استقلاليتها التنظيمية والإدارية واختياراتها الشرعية، بعيدا عن تنظيم القاعدة أو الجبهة الإسلامية.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي لأفغانستان انخرطت الجماعة الإسلامية الليبية في معركة الدفاع عن نظام طالبان المتهاوي، وخاضوا معارك شرسة في خطوط شمال كابل وفي جبهة الجنوب في قندهار وهلمند،وبعد سقوط نظام طالبان واكتمال احتلال أفغانستان تكبدت الجماعة الليبية المقاتلة خسائر فادحة على مستوى القادة والعناصر، وتوجت هذه المرحلة بتشتت عناصر الجماعة وهروبهم إلى باكستان ودول أخرى،وبقيت مجموعة منهم بقيادة أبو الليث الليبي تقاتل القوات الأمريكية في المناطق المحاذية لباكستان.كما عرفت هذه المرحلة سقوط كثير من قيادات وعناصر الجماعة أسرى ومعتقلين، سلم بعضهم إلى السلطات الليبية على رأسهم أمير الجماعة أبو عبد الله الصادق واسمه الحقيقي عبد الحكيم بلحاج ،وهو ألان رئيس المجلس العسكري لثوار طرابلس وأحد قادة عملية فجر عروس البحر.
أهم الرموز والمؤسسين
عرفت الجماعة المقاتلة في مسيرتها الحركية بروز عناصر وقادة في صفوفها كان لهم الثقل الأكبر في اختياراتها الشرعية والتنظيمية والإستراتيجية، ونجحوا في إبقاء الجماعة على قيد الحياة ،والحيلولة دون اندثارها بالكامل، مع سلسلة الضربات التي تلقتها في مسيرتها وكان من أشهر هؤلاء الرموز والقادة إضافة إلى المؤسسين الأوائل الذين لم يعرف عنهم الكثير كالقائد عبد الرحمان خطاب.
أبو المندر سامي الساعدي ويعتبر المفتي الشرعي للجماعة، ومن أوائل المنظرين الشرعيين لها وحدد لها اختياراتها الفقهية والمنهجية، ووضع دراسات في هذا الجانب أبرزها “خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة”، وهو من أبرز الموقعين على المراجعات الفقهية التي أعلنتها الجماعة،اعتقل في هونغ كونغ وسلم الى السلطات الليبية،
أبو الليث الليبي واسمه الحقيقي عمار الرقيعي وهو من أهم رموز الجماعة المقاتلة وقائد معاركها ضد القوات الأمريكية في أفغانستان، وقد أعلن انضمامه إلى تنظيم القاعدة في نوفمبر من عام 2007 ، ونشرت له مؤسسة السحاب الدراع الإعلامي للقاعدة مجموعة من الرسائل والخطابات ،كان معتقلا بسجن الرويس بالمملكة العربية السعودية ،لكنه استطاع الفرار منه والالتحاق برفاقه في أفغانستان ، وقتل في 29 يناير من عام 2008 في شمال وزيرستان في هجوم شنته طائرة أمريكية بون طيار في منزل كان يقيم به.
أبو يحيى الليبي :ويعرف كذلك بحسن قائد وهو من أكثر عناصر المجموعة تأليفا وغزارة في الإنتاج ، حيت كتب عشرات الكتب والمقالات ،إضافة إلى عشرات التسجيلات المرئية والمسموعة التي تنشرها له مؤسسة السحاب من حين لأخر ، ويشغل ألان منصب المفتي الشرعي لتنظيم القاعدة ،كان معتقلا بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان بقاعدة باغرام شديدة التحصين، لكنه تمكن من الفرار والعودة إلى نشاطه من جديد، وآخر ما صدر له كتاب الربيون ومسيرة النصر وكلمة مرئية بعنوان إلى أهلنا في ليبيا يثني فيها على ثورة 17 فبراير.
عبد الحكيم بلحاج أو( أبو عبد الصادق),من مواليد 1966 حصل على شهادة الهندسة المدنية سافر إلى أفغانستان عام 1988 ليشهد انسحاب السوفييت من أفغانستان، رجع إلى ليبيا مجددا قبل أن يغادرها مع اشتداد المواجهات مع نظام القدافي ليعود إلى أفغانستان، بويع أميرا للجماعة الليبية المقاتلة،بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو أمريكا لأفغانستان كان من بين القادة الدين فرو إلى الدول المجاورة فتم اعتقاله في ماليزيا، ونقل إلى تايلاند لإجراء تحقيقات معه من قبل القوات الأمريكية، وبعد أن تبين أن لا علاقة له بتنظيم القاعدة رحل إلى ليبيا ليظل قابعا في سجن بوسليم بالعاصمة طرابلس، إلى أن أفرج عنه سنة 2010 وعشرات آخرين من عناصر الجماعة، بعد سلسلة حوارات مع السلطة رعتها مؤسسة القدافي للأعمال الخيرية التي يديرها سيف الإسلام القدافي ، وتمخض عن هذه الحوارات إعلان الجماعة عن مراجعاتها الفقهية والمنهجية، وتمت هذه الحوارات بوساطة من عدد من الشخصيات الليبية، أبرزها الدكتور علي الصلابي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .
عبد الحكيم بلحاج وهو المعروف في أوساط الجهاديين بأبو عبد الله الصادق ، وبهذا الاسم كان يوقع كتاباته وبياناته، وهو شقيق المفتي الشرعي والرجل الثاني بتنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي (حسن قائد) ويعتبر من أشد الرافضيين لفكرة انضمام الجماعة القاتلة إلى تنظيم القاعدة ،وحضي في الفترة الأخير باهتمام إعلامي كبير كقائد للثوار في طرابلس ومحررها من قبضة العقيد القدافي، وقد طالب واشنطن ولندن بالاعتذار له جراء اعتقاله وتسليمه للسلطات الليبية عام 2004 التي أودعته سجن بوسليم سيئ الصيت.
إلى جانب هؤلاء الرموز كان هناك مجموعة أخرى من القادة والمفكرين الذين كان لهم تأثير كبير على خيارات الجماعة، وإدارة صراعها المرير،لكن أغلبهم انصهروا في تنظيم القاعدة وشكلوا أعمدة فكرية وإستراتيجية لها، كعطية الله المصراتي الذي صعد نجمه بعد مقتل الرجل الثالث في تنظيم القاعدة مصطفى أبو اليزيد (قبل أن يتم اغتياله مؤخرا بواسطة طائرة بدون طيار) ، وأبو الفرج الليبي وهو من قادة القاعدة المعتقلين.
البنية التنظيمية :
نشأت الجماعة الليبية المقاتلة في السياق الذي نشأت فيه اغلب الجماعات الإسلامية التي تتبنى خيار المواجهة المسلحة مع الأنظمة،وكان وجودها بمثابة الصيغة البدائية أو الأولية لهذه الجماعات، سواء من حيث الايدولوجيا والخلفيات الفكرية والشرعية أو من حيث إستراتيجية المواجهة مع الأنظمة أو من حيث البنية التنظيمية أو الهيكل الإداري لهذه الجماعات ،قبل أن تتطور إستراتيجية هذه التنظيمات وتقوم بنوع من التحيين أو التحديث لبنيتها العامة، لتعيد إنتاج نفسها وفق ظروف متغيرة باستمرار.فمثلا بيئة العمل والمواجهة التي يعززها وجود قطبين عالميين متصارعين، ليست هي نفسها في ظل وجود نظام عالمي واحد،ولذلك يمكن اعتبار الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة نسخة مكررة لمعظم الجماعات الجهادية التي كانت نشطة على امتداد العالم العربي والإسلامي من حيث البنية التنظيمية.
فبنيتها التنظيمية كانت بنية هرمية تتشكل من الأمير ونائبه أو نائبيه ومجلس شورى ،ولجنة شرعية ولجنة إعلامية ثم الجناح العسكري والمكتب السياسي في بعض الأحيان.
ويشكل الجناح العسكري واللجنة الشرعية الأعمدة الرئيسية لهذه الجماعات ،ويتفرع من الجناح العسكري مجموعة من اللجان والخلايا ذات التخصصات المختلفة ،ونفس الشيء بالنسبة للجنة الشرعية التي تتفرع عنها أجهزة وفروع أخرى، فمثلا بالنسبة للجنة الشرعية للجماعة المقاتلة تتكون من فرع الدراسات والبحوث وفرع الفتاوى والقضاء ،وفرع التوجيه والإرشاد.
أما بالنسبة للجانب الإعلامي فيعتمد بالأساس على النشرات والدوريات التي تصدرها الجماعة كمجلة الفجر، وبعض المواقع على الانترنت كموقع “المقاتلة”الذي تم إغلاقه مند سنوات ،إضافة إلى النشاط الإعلامي الذي يقوم به الناطق الرسمي باسم الجماعة كما هو حال ناطقها الرسمي”عمر راشد”.
لم تحافظ الجماعات الإسلامية المسلحة على هذا الهيكل الإداري بل تجاوزته بفعل تغير المناخ الإقليمي والدولي لهذه الجماعات، وتدويل الحرب عليها وعولمة مواجهتها ،فانتقلت من العمل وفق النمط الهرمي إلى العمل بأسلوب الخلايا الصغيرة المستقلة عن بعضها البعض بعد أن أتبث النمط الأول فشله عسكريا وامنيا ونجاعة الأسلوب الثاني.
البنية الفكرية
لا يشكل المنتوج الفكري والفقهي للجماعة المقاتلة المتكئ الشرعي والمسوغ العقدي لنشاطها ووجودها فقط، بل يمكن اعتبار بعض الدراسات الأخرى والأبحاث التي تصدرها جماعات وشخصيات لا تنتمي للجماعة المقاتلة امتدادا أيديولوجيا وفكريا لها ،فكتابات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وسعيد حوى، فضلا عن أدبيات ابن تيمية وابن القيم يمكن اعتبارها بمثابة الأرضية الفكرية أو المادة الخام التي نجح الجهاديون في إعادة صياغتها وفق المفاهيم والنظريات التي يتبنونها ويدافعون عنها،فمعروف أن الجماعة المقاتلة الليبية كانت تعتمد دراسات متداولة في الساحة أنداك ككتاب الفريضة الغائبة لعبد السلام فرج وكتابات الدكتور الأزهري عمر عبد الرحمن وكتابات الدكتور سيد إمام المعروف بعبد القادر ابن عبد العزيز.
بالرجوع إلى الدراسات والأبحاث التي أصدرتها الجماعة و الاستعانة بها لتحديد الهوية الفكرية والمرجعية الشرعية للجماعة الليبية المقاتلة ،نجد مفاهيم مثل: “الحاكمية”،”الطائفةالممتنعة”،”حكام الجور”،”العلمانية”،”الخلافة”،”الصائل”،”الولاء والبراء”،”الجماعة”،”الجهاد”…هذه المفاهيم مهمة لفهم التركيبة الفكرية للجماعة الليبية المقاتلة وكل الجماعات الجهادية الأخرى.فلا يمكن لأي جماعة جهادية أن تقدم طرحا فكريا أو فقهيا دون أن يكون اعتمادها على بعض هذه المفاهيم أو كلها.
بالنسبة للجماعة المقاتلة نجد أن من أهم أدبياتها المنشورة كتاب”خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة” لأبو المندر الساعدي الذي حاول ربط شرعية وجود الجماعة ببعض تلك المفاهيم،فاستهل كتابه بمشروعية العمل الجماعي وحدود السمع والطاعة لولي الأمر وأهمية الجهاد والإعداد العسكري ومبحث عن الحكام العلمانيين، ومبحث أخير عن وجوب الحكم بما أنزل الله.
هذه هي المبررات التي حددها السياق العام لنشأة الجماعة الليبية المقاتلة والجماعات الإسلامية المسلحة الأخرى،أما السياق الخاص أو المحلي فيمكن استخلاصه من مقالة نشرتها الجماعة بعنوان “المبررات الشرعية والواقعية لنشأة الجماعة الإسلامية المقاتلة” فاعتبرت وجود القدافي “بانحرافاته”و”كفرياته”مسوغا شرعيا للقتال والمواجهة مع نظامه لأنه حسب المقالة:
1. تجرا على كتاب الله تبارك وتعالى بالتحريف.
2. إنكاره للسنة النبوية.
3. إنكاره لعموم رسالة النبي.
4. إقصاء الشريعة من الحكم بين الناس.
5. استهزاؤه بعقائد الإسلام وشعائره كالحج مثلا .
هذه المواقف التي أوردتها المقالة بشيء من التفصيل هي في نظرها مبررات شرعية وواقعية لنشأة الجماعة الإسلامية المقاتلة.
لكن من المهم جدا أن نشير في هذا السياق إلى أن الطرح الفقهي والمنهجي الذي تتبناه الجماعة المقاتلة ليس نسخة من الطرح الذي تتبناه الجماعات التي تسمى بالسلفية الجهادية ،خاصة تنظيم القاعدة بفروعه،نعم هناك تقاطعات على مستوى بعض المفاهيم والقناعات ،لكن الهوة تبدو شاسعة بينهما على صعيد فهم الواقع والتعاطي معه،فمثلا نلاحظ غياب بعض المفاهيم التي تشكل العمود الفقري للتيار السلفي الجهادي من أدبيات الجماعة الليبية لمقاتلة مثل:”الإغارة”،”التترس”،”القتال بما يعم إتلافه”،”ما لا يجوز قصدا يجوز تبعا” إلى غير ذلك من المفاهيم.
على العموم يمكن اعتبار الخلفية الشرعية والفكرية للجماعة المقاتلة خليطا من الفكر الاخواني والفكر السلفي وهو ما يصطلح عليه بالفكر السروري نسبة إلى محمد سرور المفكر الجهادي المعروف،والبنية الفكرية للجماعة المقاتلة اقرب ما تكون إلى البنية الفكرية لجماعة الجيش الإسلامي في العراق.
علاقتها بتنظيم القاعدة
لقد حاول تنظيم القاعدة من وقت مبكر استمالة الجماعة الليبية المقاتلة إلى صفوفه، لكن لم يفلح في ذلك ويعتبر عبد الحكيم بلحاج من أبرز المعارضين لهذه الخطوة، وقد اعترف كبير مفكري القاعدة أبو مصعب السوري بأن أسامة بن لادن فشل في جهوده الرامية إلى ضم الجماعة الليبية إلى الجبهة التي أسسها بمعية الدكتور أيمن الظواهري أواخر التسعينيات ،غير أن التطورات التي لحقت الجماعة المقاتلة إبان وجودها في أفغانستان وبعد التدخل الأمريكي وملاحقة العناصر العربية بشبهة الانتماء إلى تنظيم القاعدة،كل هذا أحدث انشقاقا في صفوف الجماعة إذ خرج بعض القادة والعناصر من أفغانستان وتفرقوا في المنافي والشتات ،اعتقل بعضهم وبقي بعضهم متخفيا، فيما بقي عدد آخر من قادة وأفراد الجماعة على التراب الأفغاني لمنازلة قوات التحالف الدولي، والدفاع عن نظام طالبان هذه المجموعة المتبقية في أفغانستان والتي كان يقودها عمار الرقيعي “أبو الليث الليبي”أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة في نوفمبر 2007 .الولاء الذي باركه أيمن الظواهري واعتبره خطوة على الطريق الصحيح،غير أن عددا من قادة وشيوخ الجماعة رفضوا هذا الانضمام.
المراجعات الفكرية والمنهجية للجماعة الليبية المقاتلة
مند بداية تأسيس الجماعة الليبية المقاتلة والى ما قبل وقت قصير من انطلاق جلسات الحوار والمصالحة في السجون الليبية مع النظام الليبي، كان موقف الجماعة المقاتلة متصلبا ورافضا لأي فكرة تقضي بالجلوس والحوار مع النظام في طاولة واحدة.لكن وابتداء من سنة 2007 دشنت الجماعة المقاتلة مشروعها الإصلاحي المراجعاتي، وانطلقت جلسات الحوار مع النظام التي كانت ترعاها مؤسسة القدافي للأعمال الخيرية برئاسة سيف الإسلام ،وتوسط للحوار علماء ومفكرين أبرزهم الدكتور علي الصلابي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.وتوجت هده الحوارات بإصدار الجماعة المقاتلة لكتاب ضخم يحوي مراجعاتها التصحيحية تحث عنوان”دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس”، وتعتبر هذه المراجعات انسلاخا كليا للجماعة المقاتلة عن كل قناعاتها السابقة وإجهازا عليها ،وهمت المراجعات مسائل مثل الخروج عن الحكام والتكفير ومشروعية الصدام المسلح مع الأنظمة إلى غير ذلك من المسائل ، واعتبرت الجماعة انه على امتداد التاريخ الإسلامي لم يكن الخروج على الحكام إلا عامل من عوامل الفتنة يورث الكوارث والماسي، ابتداء من خروج الإمام الحسين على يزيد ابن معاوية سنة 63هـ إلى يومنا هذا، واعتبرت الجماعة أن مهمتها الجديدة هي الانخراط في مشاريع النهضة والتنمية والبناء.بعد إقرار هذه الدراسات التصحيحية والتوقيع عليه من قبل ابرز قيادات الداخل ،كأمير الجماعة عبد الحكيم بلحاج، ومفتيها الشرعي أبو المندر الساعدي ،أفرجت السلطات الليبية عن معظم أعضائها من السجون سنة 2010 ، كما اعتذرت الجماعة للزعيم الليبي معمر القدافي عن محاولات الاغتيال التي استهدفته.
دورها في ثورة 17 فبراير
لقد كان الحضور الإسلامي في فعاليات الثورة الليبية كاسحا وواضحا.فقد انخرط الإسلاميون بكل أطيافهم في الثورة مند بدايتها،وشكلوا قوة ضاربة لها وزنها ضمن قوات المعارضة المنضوية تحث لواء المجلس الوطني الانتقالي.وقد اعترف عبد الحكيم بلحاج بدوره في إدخال الأسلحة والعتاد عبر البحر إلى التراب الليبي وتدريب عناصر المعارضة في بنغازي والجبل الغربي بحكم خبرته الطويلة في مثل هده الحروب.ورغم غياب اسم “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة”من التداول طوال الفترة الماضية وحضورها باسم جديد”الحركة الإسلامية للتغيير” إلا أن آثار حضورها على الميدان تبدو واضحة من خلال بعض الشعارات والأسماء.
أخيرا كان لعناصر الجماعة الليبية المقاتلة الدور الحاسم في توجيه الضربة القاضية لنظام العقيد الليبي معمر القدافي، بتحرير طرابلس ودخول بعض عناصر الجماعة المقاتلة سابقا يتقدمهم أميرهم عبد الحكيم بلحاج إلى مجمع باب العزيزية ،حيث بيت الصمود رمز قوة وجبروت القدافي في مشهد تابعه العالم على الشاشات مباشرة.
ولا يزال المجلس العسكري لثوار طرابلس بقيادة عبد الحكيم بلحاج الجهة المخولة من المجلس الوطني الانتقالي بحفظ الأمن والاستقرار في طرابلس
عبد الغني مزوز