عبد الغني مزوز —
أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في 12من كانون الثاني /يناير 2021 عن إدراج القيادي في القاعدي عبد الرحمن المغربي في لائحة العقوبات، ووضع مكافأة بقيمة 7 ملايين دولار مقابل أي معلومة تؤدي إليه، وأكد بومبيو أن المغربي يزاول نشاطه من إيران وأن ” تنظيم القاعدة يعمل تحت غطاء صلب من الحرس الثوري الإيراني”. فمن هو عبد الرحمن المغربي؟ وما هو موقعه في البنية التنظيمية للقاعدة؟ وما هو مستقبله في ظل خسارة التنظيم لمعظم قيادات الصف الأول والثاني؟
ولد عبد الرحمن المغربي واسمه الحقيقي محمد أباتي في مدينة مراكش سنة 1970، هاجر إلى أفغانستان والتحق بمعسكرات القاعدة، وربما عرج على بؤر توتر أخرى قبل أن يستقر به المقام في أفغانستان، لأن وثيقة من وثائق “أبوت أباد” التي عثر عليها في منزل أسامة بن لادن عقب اغتياله تظهر أن محمد أباتي مطلع على المناهج الدراسية اليمنية. وقد ظل عبد الرحمن المغربي خارج الأضواء إلى غاية 13 من كانون الثاني /يناير 2006 عندما شنت طائرة أمريكية من دون طيار غارة جوية استهدت اجتماعا مفترضا لقادة كبار في تنظيم القاعدة شمال غرب منطقة باجور على الحدود الأفغانية. الرئيس الباكستاني حينها برويز مشرف تحدث عن مقتل خمسة أجانب من بينهم قيادي مقرب من أيمن الظواهري وآخر وضعت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل معلومات عنه، وأضاف مشرف أن الظواهري كان من بين الشخصيات التي ستحضر الاجتماع لكنه ألغى حضوره في آخر لحظة وأرسل نوابه بدلا منه. أما المخابرات الباكستانية فكانت أكثر وضوحا حيث صرحت بأن مدحت مرسي السيد عمر المعروف بأبي خباب المصري وعبد الرحمن المغربي كانا من بين القتلى. تنظيم القاعدة من جانبه لم يعلق على العملية لكن تم التأكد فيما بعد أن عبد الرحمن المغربي وأبي خباب المصري لم يقتلا في الغارة، حيث صدر بيان من التنظيم بعد عامين ينعى فيه أبي خباب المصري الذي قتل في 28 من تموز/ يوليو 2008 حسب نص البيان الذي وقعه مصطفى أبو اليزيد القائد العام السابق لتنظيم القاعدة آنذاك. بينما ورد في وثيقة من وثائق “أبوت أباد” أن عبد الرحمن المغربي استأنف نشاطه بعد عام من محاولة اغتياله المفترضة في 2006.
رسائل أسامة بن لادن السرية كشفت عن دور مبكر للمغربي في صناعة القرار داخل تنظيم القاعدة، حيث كان قياديا فاعلا ومؤتمنا على أخطر أسرار التنظيم ومشاركا في اتخاذ أهم القرارات التي كان لها تأثير في صياغة الخريطة الجهادية لاحقا
على خلاف ما يعتقده الكثير من المتتبعين لشؤون القاعدة من أن عبد الرحمن المغربي بدأ نجمه في الصعود بداية العقد الماضي عندما شغل منصب مسؤول الأقاليم (الأفرع) في التنظيم، فإن رسائل أسامة بن لادن السرية كشفت عن دور مبكر للمغربي في صناعة القرار داخل تنظيم القاعدة، حيث كان قياديا فاعلا ومؤتمنا على أخطر أسرار التنظيم ومشاركا في اتخاذ أهم القرارات التي كان لها تأثير في صياغة الخريطة الجهادية لاحقا. ففي رسالة بعث بها قيادي عرف نفسه باسم “وكيل خان” إلى أسامة بن لادن في 2004 يستعرض له فيها أهم التطورات في العراق وأفغانستان، ويخبره بأن ترتيبات إعلان البيعة من أبي مصعب الزرقاوي جارية على قدم وساق، وأن هناك نقاشا حول بعض الإشكاليات العالقة والمرتبطة بالموقف من “الشيعة” و”المرتدين” وغيرها، ويشير كاتب الرسالة إلى أن عبد الرحمن المغربي منخرط في المشاورات والمداولات بخصوص الشكل والطريقة التي ينبغي أن تتم بها البيعة، وفي موضع آخر من الرسالة يخبر الكاتب أسامة بن لادن بأن “عبد الرحمن المغربي قد تزوج والحمد لله”. الاستنتاج المنطقي الذي سيخرج به أي مطلع على هذه الوثيقة هو: أن المغربي كان حاضرا وصاحب كلمة في ذلك المنعطف المصيري المتمثل في قبول بيعة الزرقاوي وما تمخض عنها لاحقا من تطورات وأحداث غيرت وجه الشرق الأوسط. وهو امتياز لم يتح حتى لأسامة بن لادن نفسه على اعتبار أن المغربي مع قادة آخرين هم من كانوا يلتقون بوسطاء الزرقاوي، ويتلقون رسائله، ويبعثون بعد ذلك بتقارير مفصلة عن الموقف إلى أسامة بن لادن الذي كبلت ظروفه الأمنية حركته وتنقلاته. ويظهر من الرسالة أيضا أن لعبد الرحمن المغربي مكانة خاصة عند بن لادن إلى الدرجة التي يُدرج فيها خبر زواجه في رسالة عمل بالغة الأهمية. كما تكشف الرسالة عن أن المغربي لم يكن مع الذين دخلوا إلى إيران عقب الاجتياح الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان، وإنما بقي مع من بقي من قادة القاعدة مثل عطية الله وأبو يحيى وأبو الليث الليبيين ومصطفى أبو اليزيد وعزام الأمريكي وغيرهم ممن لعب دورا بارزا في إحياء القاعدة بعد انهيارها وتفكك معسكراتها بعد التدخل الأمريكي في 2001.
المغربي كان حاضرا وصاحب كلمة في ذلك المنعطف المصيري المتمثل في قبول بيعة الزرقاوي وما تمخض عنها لاحقا من تطورات وأحداث غيرت وجه الشرق الأوسط
في هذه الفترة سيتولى المغربي مسؤولية إدارة مؤسسة السحاب، الدراع الدعائية لتنظيم القاعدة، منصب عكس قدر الثقة التي حضي بها من لدن القيادة، فأن تكون مسؤولا عن السحاب يعني أن تكون مطلعا على ما لا ينبغي للآخرين الاطلاع عليه. سيكون مسؤولا عن معالجة وتوضيب تسجيلات الفيديو الخام، مع ما تحتويه من مشاهد يجب حذفها وشخصيات ينبغي تمويه وجهها، ومعرفة مسبقة بأماكن وكواليس التصوير، وكانت السحاب منذ عشرين عاما بمثابة النافذة التي يطل منها قادة القاعدة على العالم، ولنتذكر هنا أن هذه المؤسسة نشرت وصايا منفذي هجمات 11 سبتمبر، وأفلاما تظهر تدريباتهم واستعداداتهم قبل توجههم للولايات المتحدة. يعني كل ذلك أن المسؤول عن هذه المؤسسة مطلع بالضرورة على أخطر أسرار التنظيم. وتظهر وثيقة سرية من وثائق “أبوت أباد” وهي عبارة عن رسالة أرسلها عطية الله الليبي إلى أسامة بن لادن أن عبد الرحمن المغربي هو المسؤول عن مؤسسة السحاب ويشرف على المواد التي تنتجها، وينسق مع وسائل الإعلام الأجنبية خصوصا الجزيرة بخصوص برامجها ذات الصلة بالقاعدة، أو يتفاوض معها حول منحها حق البث الحصري لبعض إصدارات التنظيم مثل كلمات أسامة بن لادن و أيمن الظواهري، وقد سعى المغربي إلى إنجاز فيلم وثائقي عن حياة بن لادن وكتب إلى هذا الأخير مجموعة من الأسئلة عن حياته الشخصية وسيرته، لكن الفكرة لم تكتمل لأسباب غير معروفة مع أن بن لادن وعده بالإجابة على أسئلته. وقد أخبر عطية الله الليبي أسامة بن لادن أن عبد الرحمن يطلع على الفقرات المتعلقة بالسياسة الإعلامية في كل رسائله الخاصة. وهو ثالث ثلاثة ممن يتمتعون بصلاحية الاطلاع على مضمون الرسائل الخاصة لابن لادن بعد عطية الله ومصطفى أبو اليزيد.
في 07 من أغسطس/آب 2010 أرسل بن لادن تعقيبا على رسالة عطية الله قرر فيها تعيين عبد الرحمن المغربي نائبا أولا أو ثانيا لمسؤول الأقاليم لمدة سنة قابلة للتجديد
أرسل أسامة بن لادن رسالة مطولة إلى عطية الله الليبي تتضمن تعليقاته وتوجيهاته حول الكثير من القضايا والأحداث، وطلب منه في سياقها أن يرشح له من يراه مناسبا ليكون نائبا له، أي نائبا لمسؤول الأقاليم (الأفرع الخارجية للتنظيم). في 17من تموز/يوليو 2010 بعث له عطية الله جوابا، وأخبره أن عبد الرحمن المغربي هو الرجل المناسب لأنه:” عقلية طيبة جدا ودين متين نحسبه كذلك، وخلق عال وكثمان وصبر وفكر صائب ووعي ممتاز ويصلح للقيادة” وأضاف ” أنه الآن مسؤول السحاب لكن يمكن اقتطاعه منها وترقيته” واستدرك قائلا بأن المشكلة ستكون مع “الكبار”، واقترح على بن لادن أن يكون التعيين بواسطة رسالة صوتية حتى يدعن الجميع لقرار التعيين. لا شك أن تعيين المغربي في منصب رفيع كهذا سيثير حفيظة من هم أكبر منه سنا وأقدم انتماء، وسيجد صعوبة في تمرير قراراته، خصوصا والموقع الذي سيشغله سيتيح له التدخل في كثير من شؤون التنظيم ليس في أفغانستان فحسب ولكن في كل أفرع التنظيم الأخرى.
في 07 من أغسطس/آب 2010 أرسل بن لادن تعقيبا على رسالة عطية الله قرر فيها تعيين عبد الرحمن المغربي نائبا أولا أو ثانيا لمسؤول الأقاليم لمدة سنة قابلة للتجديد، حسب وضعية “أبي خليل” الرجل الذي اقترحه بن لادن لمنصب النائب الأول. ويظهر من الأسماء التي تداولها بن لادن وعطية الله لشغل منصب نائب مسؤول الأقاليم أن هذا المنصب ينطوي على أهمية خاصة، فمن بين هذه الأسماء نجد كل من أبي يحيى الليبي (حسن قائد) المعروف بفقيه القاعدة، وأبي خليل السوداني القيادي البارز في التنظيم. وبمقتل عطية أواخر عام 2011 أخذ المغربي مكانه في هرم التنظيم. ترسم وثائق “أبوت أباد” صورة شبه واضحة عن المهمة التي يضطلع بها مسؤول الأقاليم في القاعدة، وعندما تقلد عطية الله هذا المنصب كان بن لادن يعتمد عليه كليا في قيادة تنظيمه، فكانت كل خيوط أفرعه المختلفة تنتهي في يده، يقوم بالنسيق بينها ومتابعة شؤونها أولا بأول. ومعظم قرارات وأوامر القيادة العامة تمر عبره أولا لتصل في النهاية إلى المعنيين بها. ويقوم بشكل دوري بتحرير تقارير عن أوضاع فروع التنظيم المختلفة وتقييم أدائها ورفعها إلى القيادة.
الجانب الذي ما يزال غامضا في سيرة عبد الرحمن المغربي هو ذلك المتعلق بوجوده في إيران، فاستنادا إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، والتعريف المقتضب الذي نشره موقع برنامج “مكافآت من أجل العدالة” فإن المغربي يمارسه نشاطه انطلاقا من إيران. إذا كانت هذه المعلومة صحيحة فإن ذلك يعني أنه اتجه إلى إيران بعد مقتل بن لادن إذ لم يكن من الذين لجأوا إليها عقب سقوط نظام طالبان، ولم يكن قطعا ضمن المجموعة التي رجع بعضها إلى أفغانستان وبعضها الآخر إلى سوريا في إطار التسويات التي أبرمتها القاعدة مع النظام الإيراني، والتي أفرجت بموجبها إيران عن قادة كبار في التنظيم مثل: أبو الخير المصري وسيف العدل وأبو محمد المصري وخلاد المهندس وأبو القسام الأردني وحمزة بن لادن وغيرهم. يعني ذلك أن القاعدة اختارت إيران كملاذ آمن لبعض قياداتها في مسعى منها لوقف النزيف الذي أصاب كوادرها في منطقة وزيرستان، خصوصا ونواب أيمن الظواهري كلهم ينشطون انطلاقا من الأراضي الإيرانية. والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا الإطار هو: هل نشاط عبد الرحمن المغربي والدائرة المقربة منه في إيران يتم بعيدا عن أعين الحرس الثوري؟ أم بمعرفة وتغاضي منه؟ وإلى أين حد عززت حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تقاطع المصالح بين القاعدة وإيران؟ هل وصل هذا التقاطع القسري للمصالح إلى تنسيق بينهما بهدف الإضرار بمصالح الولايات المتحدة؟ هل تحول اللجوء الاضطراري إلى إيران في 2001 إلى لجوء اختياري بحثا عن الأمان والفاعلية العملاتية. الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات، فالوضع الغامض الذي تعيشه الحلقة القيادية في القاعدة لا يمكن أن يستمر، وأنصارها ينتظرون توضيحا من القيادة بشأن الأخبار المتعلقة بمقتل أبي محمد المصري الرجل الثاني في التنظيم بإيران ووفاة أيمن الظواهري.
آخر أثر تركه عبد الرحمن المغربي كان عبارة عن وثيقة مسربة كتبها بخط يده في 31 من آذار/مارس 2014 تعهد فيها -بمعية عدد من قادة وكوادر تنظيم القاعدة- ببيعة كل من أبي الخير المصري وأبي محمد المصري وسيف العدل وناصر الوحيشي على التوالي في حال وفاة زعيم التنظيم أيمن الظواهري. وقد تكون هذه الوثيقة المسربة دليلا آخر على أن عبد الرحمن المغربي لازال في أفغانستان أو يتحرك منها إلى إيران باستمرار على اعتبار أن الأشخاص الذين وقع معهم الوثيقة ينشطون في أفغانستان ووزيرستان، وقتل أحدهم هناك في 2014 أي السنة نفسها التي وقع فيها الوثيقة المسربة مع عبد الرحمن المغربي، وأقصد القيادي في التنظيم عبدي السلام عثمان المعروف بأبي دجانة الباشا.
في 12من آذار/مارس 2021 نشرت مؤسسة السحاب إصدارا مرئيا بعنوان “الروهنينغا جرح الأمة كلها” تضمن كلمة صوتية لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، ومع أن الإصدار احتوى لقطات حديثة مأخوذة من القنوات الفضائية، إلا أنه ما من إشارة على أن كلمة الظواهري قد سجلت حديثا، مع ملاحظة أن عبارة “حفظه الله” التي غالبا ما تكون مقرونة باسم الظواهري في إصدارات القاعدة قد تم حذفها من هذا الإصدار. ما يعني أن علامات الاستفهام حول مصير الظواهري مازالت ماثلة. وأن عبد الرحمن المغربي قد يكون في موقع قريب من القيادة العامة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الوثيقة التي كتبها بخط يده والتي تضمنت سلسلة القيادة بعد الظواهري، حيث قتل جميع القادة الذين تعهد بالولاء لهم ولم يبق منهم سوى سيف العدل، وبما أن الوثيقة اشترطت أن يكون الأمير المبايع موجودا في فرع من فروع القاعدة فسيكون سيف العدل تبعا لذلك خارج دائرة الترشيح لوجوده في إيران، ويبقى بالتالي عبد الرحمن المغربي ضمن الأسماء المرشحة لمنصب القيادة العامة، إذا لم تنتقل القيادة العامة إلى فرع آخر من فروع القاعدة.