إلى قبيلة (ريجي) إحدى أكبر القبائل البلوشية ينتمي عبد المالك، توفي أبوه منذ أكثر من عامين، وهو أحد خمسة أشقاء، أحدهم معتقل حاليا في سجون طهران، بينما قُتل الثالث في عملية تفجير بسيارة مفخخة، وله شقيق آخر يقال إنه المنظر الحقيقي لجماعة (جند الله)؛ لأن ريجي مجرد القائد الميداني للتنظيم
أما الخامس فهو الذي يعود إلى تاريخ مقتله عام 2002م بداية الشرارة الأولى للمواجهات التي انطلقت ضد السلطات الإيرانية في إقليم (سيستان بلوشستان) عندما قتله عناصر الحرس الثوري أمام عين شقيقه عبد المالك، الشاب الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 23 عاما، فجمع عددا من رفاقه للقيام بعمليات مسلحة ضد القوات الحكومية حتى ترفع يدها عن سكان الإقليم الذي يقطنه السنة جنوب شرق إيران، ومنها تحول هذا الشاب إلى أكبر مناهض لنظام الملالي في طهران.
غير أن مصادر إيران تذهب أبعد من ذلك، معتبرة أن ريجي بدأ في حمل السلاح ضدها وهو في سن التاسعة عشرة؛ حيث أخذ يراود علماء السنة (المولويين) في الإقليم مطالبا دعمهم لحركته الفتية، كما كان قد سجن لفترة قبل أن يعلن تمرده؛ حيث تدعي سلطاتها أن اعتقاله تم في مدينة زهدان بسبب خلافات قبلية.
ولد ريجي قريبا من الفترة التي شهدت الثورة في البلاد، لكنه عاش ناقما على الخميني وأتباعه، الذين حملهم “المآسي” التي يتعرض لها أهله من البلوش، وربما كان ذلك دافعه منذ الصغر للرحيل عن إيران إلى باكستان كي يتعلم هناك في مدارسها الدينية، وما إن عاد حتى انخرط في صفوف حزب (الفرقان) وهو حزب سني سري ذو توجهات سلفية، يسعى منذ سنوات إلى رفع الظلم والاضطهاد الطائفي والقومي الواقع على الشعب البلوشي من قبل ما يعتبره “الاحتلال الفارسي”، وهو حزب غير مسموح له بالعمل في إيران؛ ما جعل أكثر أعضائه ينخرطون في صفوف “جند الله”.
نفذ التنظيم الذي يتخذ من الجبال مأوى لعناصره العديد من العمليات ضد السلطات الإيرانية، ولذلك جاء اعتقال زعيمه (23/ 2/2010) في عملية أمنية استخبارية بمثابة الصيد الثمين؛ إذ أعلنت طهران أنه جرى اعتقال ريجي على متن طائرة بمنطقة آسيا الوسطى، ولم يحدد وزير داخليتها الدولة التي اعتقل فيها، لكنه أشار إلى أن العملية دليل على “هيمنة مخابرات إيران على المنطقة”، وهي عملية نوعية جديرة بأن تضع عشرات من علامات الاستفهام حولها، خاصة أن في بعض تفاصيلها أن طائرة كانت متوجهة من باكستان إلى دولة عربية تلقت فوق مياه الخليج أمرًا بالهبوط جنوب إيران.
بينما ترجح مصادر عديدة أن تكون باكستان هي التي سلمت ريجي بعد ضغوط مارستها إيران، خاصة فيما يتعلق بخط الغاز الذي يمر عبر أراضي باكستان إلى الهند؛ وهو ما أشارت إليه مصادر جند الله التي قالت: إن عبد المالك ريجي “اعتقل بسبب خيانة تعرض لها”، وإن جهاز مخابرات دولة مجاورة سلمه “إلى نظيره الإيراني قبل بضعة أيام”.
وضع ريجي مصالح السنة كـ “مانفيستو” له
“يعرف معظم أبناء إيران أن عبد المالك وإخوانه يعارضون توجهات القاعدة وطالبان”.. هكذا صرح نافيا عن نفسه وجماعته إحدى التهم التي سعت طهران إلى إلصاقها بهم، مضيفا: “نعم إننا ندافع عن حقوق أهل السنة المحرومين المضطهدين مما يمارسه بحقهم النظام”، لكننا “نطالب بنظام ديمقراطي يحترم اعتقادات الشعب ومذهبهم”.. إذ تتهمهم إيران بالارتباط بالدول العربية السنية في المنطقة (مصر والسعودية والأردن)، فضلا عن علاقتهم بأمريكا وإسرائيل، ومنها ارتباطهم بالقاعدة وطالبان؛ نظرا لوجودهم في باكستان التي يتخذون من أراضيها منطلقا لعملياتهم، لكن ريجي ظل حريصا على نفي كل هذه التهم، مؤكدا أنهم فقط “يجاهدون في سبيل استعادة حقوقهم المغتصبة، ودعم قيام نظام ديمقراطي يعامل مواطنيه معاملة مساوية بغض النظر عن دينهم وطائفتهم”، فضلا عن أنهم جميعا من أبناء قبائل البلوش التي تسكن المثلث الحدودي.
وعلى خلاف المتوقع، صرح عبد المالك في مقابلة مع صحيفة “أمروز” الإيرانية في مايو 2008 أنه متمسك بهويته الإيرانية، نافيا أن البلوش يسعون إلى الانفصال عن إيران، مضيفا أن غاية مطالبهم هو تحقيق العدالة والمساواة ضمن دولة فيدرالية مكونة من بلوشستان ذات سيادة؛ وهو نهج يعتمد شيئا من الواقعية ولا يراهن على الأحلام، كما أنه يتناغم مع رؤية “حزب شعب بلوشستان” وهو حزب آخر يناضل ضد سياسات التمييز والإهمال.
يصنف ريجي بالمطلوب الأول لإيران، والمحكوم عليه بالإعدام لتورطه في عمليات خطف وقتل جنود، وتشكيل جماعة مسلحة تناهض الجمهورية، وهو شاب في العقد الثالث من العمر، لكن يجتمع حوله عدد كبير من الشباب، سعوا بكل الوسائل لمناهضة الدولة الإيرانية رغم محدودية إمكاناتهم، حتى أن لحركتهم إذاعة خاصة بها تعرف بإذاعة “صوت البلوش” تبث برامجها من العاصمة السويدية أستوكهولم، فتحت قيادته نفذ (جند الله) عشرات العمليات ضد الحرس الثوري وقوات الباسيج.
وبالرغم من أن عناصر التنظيم أكثرهم من البلوش الذين يسكنون المثلث الحدودي بين إيران وأفغانستان وباكستان، فإنهم دعوا في بيان رسمي منتصف الشهر الحالي (2/2010) الأقليات العرقية الأخرى والطوائف المهمشة في إيران مثل العرب والكرد والتركمان والآذار والجيلاك إلى الالتحاق بصفوفهم؛ لإجبار “الحكومة الصفوية” على منحهم الحقوق.
محاولات طهران لاعتقال هذا الشاب السني المتمرد عليها ترجع إلى عدة سنوات وليست وليدة اليوم، منذ شرع تنظيمه يهاجم الأجهزة الإيرانية حتى أثخن فيها، وقد نشطت هذه المحاولات منذ الانفجار الذي وقع في مدينة زهدان قبل عدة أشهر وأسفر عن مقتل أكثر من أربعين شخصا بينهم 15 من كبار قادة الحرس الثوري.
وكانت طهران قد أعلنت أن قواتها تمكنت من قتله أواخر 2008 مع 11 من أعوانه قرب الحدود الأفغانية، لكنه سرعان ما ظهر في شريط فيديو عرضته قناة “العربية” ليكذب هذه الادعاءات، ويصفها بالحرب النفسية من أجل تهبيط عزيمة الشعب البلوشي.
فئة باغية أم حركة تحرر؟
لكن على الرغم من أن ريجي يتبنى على الدوام الدفاع عن مطالب أهل السنة في مواجهة التضييق الذي يتعرضون له، فإن اللافت للانتباه أن جماعة أهل السنة الرسمية في إيران كانت ترفض على الدوام الاعتراف بتنظيم جند الله؛ لأنه في نظرهم يسيء إلى مصالح أهل السنة أكثر مما يفيدهم، وربما جزء من هذه الإشكالية يكمن في أوضاع السنة -رسميين وغير رسميين- بهذا البلد الذي يدين رسميا بالمذهب الشيعي.
وتنظر طهران إلى التنظيم بوصفه “فئة باغية”، أو جماعة متمردة، ومهربي مخدرات، كما تتهمه بأنه على صلة وثيقة بحركة البلوش المطالبة بالاستقلال، أو أنه فصيل منها، ولذلك دأبت على إعدام عناصره جهارا نهارا في الميادين وأمام الحشود، وفي يوليو/تموز الماضي أعدمت 13 من أعضائه وعنصرًا آخر في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، بينما أرجأت تنفيذ الإعدام بحق عبدالحميد ريجي شقيق عبد المالك الذي تسلمته من باكستان في يونيو/حزيران 2008.
وفي نوفمبر من العام الماضي أعلن ريجي عن شروط لجماعته لوقف عملياتها ضد السلطات الإيرانية، منها: “إزالة قواعد الحرس الثوري وباقي القواعد العسكرية من سيستان وبلوشستان، والإفراج عن السجناء السياسيين دون قيد أو شرط، وإقامة نظام فيدرالي في الإقليم”، محذرًا طهران من عدم الاستجابة لشروطه، لكنها لم تستجب بالفعل.
وأواخر العام الماضي بعث عبد المالك برسالة إلى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز يدعوه فيها إلى الاهتمام بقضية السنة في إيران، قال فيها: إن “جرائم طهران خلال العامين الماضيين تجاوزت إعدام أكثر من ألفي شاب من أهل السنة، وإن النظام الإيراني قام بهدم مساجد عديدة لأهل السنة في مدن مشهد وشيراز وصالح آباد وسرباز، وتم تسويتها بالأرض، فضلا عن هدم مدارس دينية عديدة”، على حد قوله.
فمنذ الغزو البريطاني يتوزع إقليم “بلوشستان” بين إيران وباكستان وأفغانستان؛ ما أدى إلى نشوء بلوشستان إيرانية، وبلوشستان باكستانية، وبلوشستان أفغانية، لكن الإقليم ظل محتفظًا بوحدة رقعته الجغرافية، وظل سكانه الموزعون على المناطق الثلاث متمسكين بوحدة انتمائهم العرقي، إضافة إلى اللغة البلوشية، والانتماء إلى الإسلام السُّني.. ومن ثم نشطت الحركات البلوشية مطالبة بفصل بلوشستان عن البلاد التي توزعت عليها (إيران وأفغانستان وباكستان) لإقامة دولتهم الموحدة.