يسجل لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن عدد من المحطات التي تراوحت درجة أهميتها في السودان، وقد تفاوتت درجة التقدير لهذه المحطات أو قل الوقفات القاعدية للسودان بين جهات ثلاثة، الباحثين والمراقبين من جهة والقوى الدولية والحكومة السودانية من جهة أخرى। فبينما سعت القوى الأجنبية على التأكيد دوما بأن للتنظيم الجهادي الدولي وجود لا يمكن التقليل من خطورته في السودان، حرصت الحكومة على نفي صحة مثل هذه “الإدعاءات”، مؤكدة خلو السودان من أي وجود للتنظيم
ولم يكن للذين تناولوا الأحداث بالتحليل موقف واضح وجلي، إذ رأوا في بعض تلك الأحداث دلالة تؤشر على وجود التنظيم أو ربما بداية لما يمكن أن يمثل وجودا في المستقبل، كما مالوا في كثير من الأحيان إلى صحة موقف الدولة، خاصة وأن البلاد لم تشهد سوى عدد قليل من العمليات يفصل بين كل منها فترة ليست بالقليلة، مما يصعب معه الجزم بوجود منظم للقاعدة في السودان.
فقد أقام زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في السودان منذ أواخر الثمانينات حتى عام 1996، ثم اضطرته الظروف إلى التحول لأفغانستان، ليؤسس التنظيم الذي بات عالميا هناك بعد عامين، ويقال أن أسامة بن لادن لم ينس السودان أبدا، بل بقي ماثلا في وعيه، كإحدى أهم المحطات التي مر بها في حياته.
وفي أواخر إبريل من العام 2006 ، أي بعد عشر سنوات من رحيله عن البلاد، أعلن زعيم القاعدة أن السودان ودارفور تحديداً ستكون مسرحاً لحرب طويلة المدى ضد من سماهم «اللصوص الصليبيين» إذا ما تدخلوا في غرب السودان. ودعا أسامة بن لادن “المجاهدين وأنصارهم عموما في السودان وما حولها بما في ذلك جزيرة العرب خصوصا، لإعداد كل ما يلزم” لإدارة هذه الحرب.
ورأى مراقبون في حينه أن تصريحات زعيم القاعدة حملت وزنًا اعتبارياً، “إذ فهم البعض من خطاب بن لادن أنه إشارة للتهيوء والاستعداد” للوجود في هذا البلد، لكن الاستجابات لم تكن قوية كما تشير الوقائع على الأرض.
وفي أغسطس /آب 2007 قالت أجهزة الأمن السودانية إنها كشفت مؤامرة لمهاجمة البعثات الدبلوماسية الفرنسية والبريطانية والأمريكية وبعثة الأمم المتحدة في الخرطوم. وقالت مصادر أجنبية: إن مجموعة اكتشفت في منزل بالخرطوم بعد أن انفجرت متفجرات بصورة عارضة .
وفي ليلة رأس السنة الميلادية يناير 2008م، قتل موظف في هيئة المعونة الأمريكية يدعي (جون جرانفيل) وسائقه رمياً بالرصاص في منطقة الرياض شرق الخرطوم، وقد اعتقل القتلة وتمت محاكمتهم، وسجنوا ثم هربوا، وهو ما أثار تساؤلات عن قوة القاعدة وكيف هرّبت أنصارها من السجن السوداني، وأين ذهبوا ولماذا توارى التنظيم واختفى كما ظهر فجأة؟
لكن قالت النيابة: إن الجماعة التي قتلت جرانفيل وسائقه استهدفت الأمريكيين الذين تعتقد أنهم يحاولون “تنصير” السودانيين ولا علاقة للأمر بتنظيم القاعدة .
وفي أكتوبر 2008 هدد بيان “تم توزيعه في نطاق محدود” على شبكة الإنترنت من قبل تنظيم يحمل اسم “القاعدة في بلاد النيلين”، “باستهداف الأمريكيين في الأراضي السودانية” ، وهو ما حدى بالولايات المتحدة إلى تحذير رعاياها من السفر إلى السودان، والمقيمين فيها من التحرك وسط العاصمة وفي مناطق بعينها. وقالت رسالة على موقع السفارة الأمريكية على شبكة الإنترنت: إن جماعة “القاعدة في بلاد النيلين” تبنت في بيانها اغتيال مسئول المعونة الأمريكي جون جرانفيل وسائقه .
لكن الناطق باسم الخارجية السودانية السفير علي الصادق قلل من أهمية التحذير واعتبره عملاً روتينياً يصدر من واشنطن، كما نفت الحكومة السودانية مرارًا أن يكون للقاعدة وجود نشط في السودان. ونفى الصادق وجود تنظيم يحمل اسم “القاعدة في بلاد النيلين” من الأصل في السودان، ورأى أن مثل هذا البيان “لا يمكن أن يصبح دليلاً”.
وخلال لقائه سلفا كير في نيروبي، يونيو 2010، قال نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن: إن قيام دولة فاشلة في جنوب السودان نتيجة انفصال الجنوب بعد الاستفتاء على حق تقرير المصير، «قد يجعل من الإقليم جنة للإرهابيين»!.
وفي أعقاب الانفصال الذي قرره سكان الجنوب في الاستفتاء الذي جرى في 9 كانون الثاني (يناير) الجاري 2011 ، توقع باحثون وكتاب انتشارا لفكر القاعدة، وتعاظما للتيار المؤيد لها كأحد تداعيات انفصال الجنوب والمؤامرات الأجنبية التي تحاك ضد البلد العربي الإسلامي الفقير.
وهي نفس المخاوف التي أثارها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أفيف كوخافي، لكنه تحدث هذه المرة عن مناطق شمال السودان. فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن كوخافي قوله خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، يوم 26/01/2011 : إن “منطقة شمال السودان قد تتحول إلى قاعدة أخرى لتنظيم القاعدة على غرار أفغانستان”.
إلا أن افتراض تواجد القاعدة خاصة من الجهات الخارجية قوبل على الدوام بنفي رسمي وشعبي، حسبما تشير دراسة للباحث السوداني، عمر البشير الترابي، بعنوان “الانفصال الخشن هل يكون بوابة القاعدة الجديدة إلى السودان؟” والتي نشرها مركز “المسبار” في دبي، موضحا أن الأوساط الإعلامية الرسمية وغيرها التزمت نفي أي وجود للتنظيم على الأراضي السودانية .
وإزاء هذه المواقف المتضاربة وأيضا العمليات القليلة والمتباعدة يصعب على أي متابع الحكم بوجود منظم للقاعدة في السودان، وإن كان واقع البلد التي تتمتع بمساحة شاسعة، وحدود طويلة تستحيل السيطرة عليها، ووقوعها ضمن إقليم استراتيجي معبأ بالأحداث التي تجعل المواجهة بين القاعدة وأعدائها ممكنة في كل وقت وحين تضطر المتابع أيضا إلى عدم استبعاد إمكانية وقوع مثل هذه المواجهة.