الوصول السريع للمحتويات

تنظيم القاعدة في اليمن يصعد عملياته في الجنوب

تزايدت حدة وعدد العمليات التي يشنها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضد القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولا سيما في محافظة أبين، جنوب اليمن، في مؤشر إلى استعادة التنظيم قدراته الهجومية وانتقاله من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وقدرته على التحرك بحرية في مناطق مديرية مودية صعبة التضاريس والتي تعد المعقل الرئيس لتنظيم القاعدة في اليمن.

وقُتل جنديان من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي أمس الخميس، إثر اشتباكات مع عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في محافظة أبين جنوبي البلاد. وذكرت القوات التابعة لـ”الانتقالي” في بيان إن اشتباكات اندلعت بين قوات “الانتقالي” وعناصر تابعة لـ”القاعدة” إثر هجوم شنه التنظيم في وادي عومران، شرق مديرية مودية في أبين، مضيفة أن “قوات الانتقالي تصدت للهجوم وتمكنت من إحباطه ما أسفر عن مقتل جنديين”.

ويوم الجمعة من الأسبوع الماضي، شنّ مسلحون من تنظيم القاعدة في اليمن هجوماً من محاور عدة استهدف رتلاً عسكرياً تابعاً للواء الثالث دعم وإسناد التابع لـ”الانتقالي” في منطقة أمصرة عند مدخل وادي عومران، بمديرية مودية، ما أسفر عن سقوط ضحايا. وجاء الهجوم بعد أيام قليلة من تفجير مسلحي التنظيم عبوة ناسفة شديدة الانفجار استهدفت دورية عسكرية تابعة للواء الثالث دعم وإسناد في منطقة البغيرة، شرق مديرية مودية، ما أسفر عن مقتل جنديين وإصابة ثلاثة آخرين.

وخلال الشهر الماضي قُتل جندي وأصيب سبعة آخرون بعد تفجير عناصر التنظيم عبوة ناسفة في دورية تابعة للواء الثالث دعم وإسناد، حيث استهدف الهجوم رئيس عمليات اللواء العقيد سالم محمد حسن الذي نجا من الحادثة. وفي أغسطس/ آب الماضي قُتل قائد قوات الحزام الأمني في مديرية المحفد المجاورة حسين الرابض وعدد من مرافقيه، فضلاً عن مقتل ثلاثة من عناصر التنظيم خلال اشتباكات بين القوات التابعة لـ”الانتقالي” وعناصر التنظيم في منطقة القوز في مديرية مودية. وكانت أبرز عمليات القاعدة في اليمن في الأشهر الماضية هي التفجير الانتحاري الذي استهدف في أغسطس الماضي جنوداً من أفراد اللواء الثالث دعم وإسناد، وأسفر عن مقتل 16 جندياً وإصابة 18 آخرين.

عمليات ضد القاعدة في اليمن

وتشن القوات التابعة لـ”المجلس الانتقالي” عملية عسكرية ضد عناصر تنظيم القاعدة في محافظة أبين منذ نهاية العام 2022 تحت اسم “سهام الشرق”، بهدف اجتثاث وملاحقة عناصر التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من وادي عومران بمديرية مودية محافظة أبين معقلاً رئيسياً لها، مستغلة بذلك الطبيعة الجبلية والمساحة مترامية الأطراف التي تميز المنطقة. وتكتسب محافظة أبين أهمية خاصة لتنظيم القاعدة في اليمن، إذ تعد المعقل الرئيس للتنظيم منذ بدايات الألفية حين بدأ التنظيم نشاطه بتنفيذ عدد من العمليات، أبرزها تفجير المدمرة الأميركية “كول” في خليج عدن في أكتوبر/ تشرين الأول 2000. وينتشر أعضاء القاعدة في عدد من المحافظات في جنوب اليمن ووسطه، أبرزها محافظات أبين وشبوة والبيضاء ومأرب، ونجح التنظيم بإعادة ترتيب صفوفه وتعيين قيادة جديدة، وترتيب الجانب الإعلامي عبر توزيع كتب وأدبيات التنظيم في عدد من مديريات محافظة أبين.

وفي سياق إعادة تنظيم صفوفه، أعلن التنظيم في مارس/ آذار الماضي تعيين سعد بن عاطف العولقي المكنى بـ”أبو الليث” زعيماً جديداً له خلفاً لخالد باطرفي الذي أعلن وفاته، حيث كان العولقي يشغل قبل ذلك منصب عضو مجلس شورى التنظيم في جزيرة العرب. ويُعرف العولقي بأنه شخصية قوية ويحظى بحاضنة قوية في صفوف التنظيم، نتيجة نشاطه الميداني وعلاقاته التنظيمية في إطار التنظيم، وهذه ميزات أهلته لتولي قيادة التنظيم، خصوصاً أنه من قبيلة العولقي في مديرية الصعيد التابعة لمحافظة شبوة، وهي المحافظة التي تشهد وجوداً كبيراً لعناصر التنظيم.

تعاون “القاعدة” والحوثيين

ويستفيد تنظيم القاعدة في اليمن من صراع النفوذ بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي اللذين يتقاسمان السيطرة على محافظة أبين، والصراع الذي دار بينهما في محافظة شبوة، حيث تستغل عناصر التنظيم هذا الصراع في توسيع انتشارها، مستفيدة من البيئة القبلية في هذه المناطق.

ويأتي تزايد العمليات التي ينفذها تنظيم القاعدة في أبين في ظل امتلاك التنظيم أسلحة جديدة، أبرزها الطيران المسيّر، الذي كان واحداً من أبرز التطورات في القدرات العسكرية للتنظيم، الذي تكشف المؤشرات أنه حصل عليه من جماعة الحوثيين. وفي سياق حصوله على هذا السلاح النوعي الجديد امتلك التنظيم عدداً من الخبراء المتخصصين في سلاح الطيران المسيّر، أبرزهم القيادي في التنظيم سليمان بن داوود الصنعاني، والذي توفي في حادث مروري على أحد الطرق بين محافظتي أبين وشبوة بعد أيام من وفاة زعيم التنظيم خالد باطرفي. ونفذ التنظيم عدداً من الهجمات باستخدام الطيران المسيّر، أبرزها تنفيذ سبع هجمات ضد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة شبوة في مايو/ أيار 2023، بالإضافة إلى هجوم استهدف القوات الجنوبية في محافظة أبين وأسفر عن إصابة ثلاثة جنود.

وكان التقرير الأخير للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن قد كشف عن علاقة بين جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن والتي وصفها بأنها “تحالف انتهازي”. وعدّ التقرير، الذي نقل معلوماته عن مصادر وصفها بالسرية، هذا التعاون “أمراً مثيراً للقلق”، مع المستوى الذي بلغه التعاون بين الطرفين في المجالين الأمني والاستخباراتي، ولجوئهما إلى توفير ملاذات آمنة لأفرادهما، وتعزيز معاقلهما وتنسيق الجهود لاستهداف القوات الحكومية. وأضاف: “أبلغت مصادر الفريق بأن الجماعتين (الحوثي والقاعدة) اتفقتا على وقف الأعمال العدائية وتبادل الأسرى. وتلقى الفريق معلومات من حكومة اليمن تفيد بأن القائد السابق في تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب سامي ديان، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة في عام 2014، أطلق الحوثيون سراحه في صنعاء. ويحمل هذا، إلى جانب حل جبهة التنظيم ضد الحوثيين في محافظة البيضاء، دلالة على التعاون القائم بين التنظيم والحوثيين”، بحسب التقرير. وتابع: منذ بداية عام 2024 والجماعتان تنسقان عملياتهما معاً بشكل مباشر. واتفقتا على أن يقوم الحوثيون بنقل أربع طائرات مسيّرة، إضافة إلى صواريخ حرارية وأجهزة متفجرة، وبتوفير التدريب لمقاتلي تنظيم القاعدة.

وعلاوة على ذلك، ناقشت الجماعتان، وفق التقرير، إمكانية أن يقدّم التنظيم الدعم في الهجمات التي تشن على أهداف بحرية. ووفقاً لمصادر الحكومة، تشمل مخزونات التنظيم الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وما يتصل بها من ذخائر، والقنابل، والأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع، والألغام الأرضية، وكذلك الصواريخ الفراغية ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة. وأشار التقرير إلى أن “تنظيم القاعدة استخدم أخيراً الطائرات المسيّرة والأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع في هجماته ضد القوات التابعة للحكومة في أبين وشبوة. وتزايد استخدام التنظيم للطائرات المسيّرة، وخصوصاً الطائرات ذات المدى الأطول، هو أمر مثير للقلق”.

وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وخلال جلسة حوارية على هامش المؤتمر التاسع والخمسين للأمن الذي استضافته مدينة ميونخ الألمانية في فبراير/ شباط الماضي، قد قال إنه “وفقاً لأدلة الحكومة، هناك تخادم بين مليشيات الحوثي والتنظيمات الإرهابية التي تتضمن الإفراج عن عشرات من المحكومين بقضايا الإرهاب، بمن فيهم متهمون بتفجير البارجة الأميركية (يو.أس.أس كول)، التي كانت ترسو بميناء عدن في شهر أكتوبر 2000، وقد أسفر عن مقتل 17 بحاراً أميركياً”.

وكان وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها معمر الإرياني قد قال عبر تغريدة له في منصة إكس إن “الدعم المُقدّم من الحوثيين إلى الجماعات الإرهابية، يشمل صواريخ حرارية وطائرات من دون طيار، فضلاً عن معدات استطلاعية، وذلك يُمكّنها من تنفيذ هجمات معقدة، تهدف لزعزعة استقرار المنطقة”. وقبل أيام، قال الإرياني في تصريحات رسمية نقلتها وكالة سبأ بنسختها التابعة للحكومة، إن إطلاق الحوثيين سراح عناصر في تنظيم القاعدة، على رأسهم القيادي أبو عطاء المعتقل لمسؤوليته عن هجوم إرهابي استهدف العرض العسكري في ميدان السبعين في صنعاء، وأسفر عن مقتل 86 جندياً، هو امتداد لتنسيق ميداني مستمر برعاية إيرانية، بهدف تقويض سيادة الدولة اليمنية وزعزعة استقرار اليمن والمنطقة، وتهديد المصالح الدولية. وحذر الإرياني من خطر استمرار

التحالف بين الحوثيين و”القاعدة”، وقال إن ذلك يعزز إعادة ترتيب الجماعات الإرهابية صفوفها وتمكينها من استعادة قدراتها بعد الضربات الأمنية التي تعرضت لها منذ 2015.

صفقات تبادل بين الحوثيين و”القاعدة”

وبدأ التعاون بين جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن عبر إبرام عدد من صفقات تبادل الأسرى، بدأت العام 2015 بإفراج الحوثيين عن عدد من مقاتلي التنظيم مقابل الإفراج عن الملحق الإداري بالسفارة الإيرانية في صنعاء نور أحمد نيكبخت، الذي اختطفه التنظيم في صنعاء عام 2013، لتتوالى بعد ذلك صفقات التبادل، أبرزها الصفقة التي تمت في إبريل/ نيسان 2016 في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت خلال سيطرة التنظيم على المدينة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2019، قال وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة المعترف بها دولياً ماجد فضائل إن جماعة الحوثي أتمت تبادل 115 أسيراً من الجانبين مع “أنصار الشريعة” (الموالية للقاعدة)، في محافظة البيضاء، وسط اليمن، موضحاً أن جماعة الحوثي أطلقت 50 أسيراً من تنظيم القاعدة مقابل 65 أسيراً أطلقتهم “أنصار الشريعة”، موكداً أن هذه الصفقة الخامسة بين الجانبين، وقد شملت إطلاق عناصر نفذوا عدداً من العمليات الإرهابية في اليمن ويقبعون بالسجن المركزي في العاصمة صنعاء منذ 2013، على حد قوله.

وفي يوليو/ تموز 2021 عقدت صفقة تبادل أسرى بين جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة في اليمن تم خلالها تبادل أربعة أسرى من الجانبين في مديرية الصومعة بمحافظة البيضاء، وسط البلاد. وبموجب الصفقة، أفرجت جماعة الحوثي عن عنصرين من “القاعدة” هما عيدروس المسعودي وعبد الله المسعودي، اللذين كانا معتقلين في سجن الأمن القومي بصنعاء.

كما أفرج الحوثيون عن 70 عنصراً من أفراد “القاعدة” في العام 2022. وفي يناير/ كانون الثاني 2023 جرت صفقة تبادل أسرى جديدة بين جماعة الحوثيين و”القاعدة”، تضمنت إطلاق سراح 17 عنصراً من التنظيم مقابل إطلاق تسعة من عناصر جماعة الحوثي، عقب مفاوضات قادها من جانب “القاعدة” القيادي عبد الله علي علوي مزاحم الملقب بالزرقاوي، ومن جانب الحوثيين القيادي محمد سالم النخعي المكنى بأبو أنس.
وفي فبراير/ شباط 2023، كشفت جماعة “أنصار الشريعة” الموالية لـ”القاعدة” عن إجرائها عملية تبادل أسرى مع الحوثيين استردت بموجبها اثنين من عناصرها، وفق ما نقل موقع “سايت إنتليجنس غروب” المتخصص. ونقل الموقع عن بيان لـ”أنصار الشريعة” أنه تم تبادل سجينين حوثيين بمقاتليْن جهاديين، هما القعقاع البيحاني وموحد البيضاني.

صفقات التبادل بين “القاعدة” والحوثيين عززت صفوف المقاتلين التابعين للتنظيم، خصوصاً أنه جرى بموجبها الإفراج عن قيادات كبيرة في التنظيم كانت معتقلة في سجون صنعاء منذ السنوات السابقة لسيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، وكان يُقدر عدد معتقلي “القاعدة” في سجون صنعاء حينها بأكثر من 400 عنصر.

مصالح مشتركة بمواجهة الحكومة اليمنية

وعن عمليات تنظيم القاعدة وخطورتها، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية عاصم الصبري، لـ”العربي الجديد”، إن “عمليات التنظيم لا تزال بالمستوى نفسه منذ ثلاث سنوات، وتتنوع ما بين عبوات ناسفة، وكمائن، وعمليات قنص، لكن الجديد في العمليات هي السيارة المفخخة التي انفجرت في أبين في أغسطس الماضي، وهذه العملية الوحيدة التي كانت مفاجئة للجميع”، مضيفاً “بالمجمل ما زال التنظيم يختبئ في الجبال والوديان، وينفذ عناصره عمليات خاطفة تستهدف أطقماً عسكرية أو مشاة، أو دراجة نارية يقودها رجل أمن، وأحياناً خلال ثلاثة أو أربعة أشهر يقوم بغارة أو عملية صغيرة لاستهداف المواقع المتقدمة في قوات الحزام الأمني في أبين، لكن مستوى العمليات ما زال كما هو، ولا توجد خطورة كبيرة بشأن عودة التنظيم”.

ولفت الصبري إلى أن عملية استعادة المكلا في 2016، وعملية “سهام الشرق” التي ينفذها “الانتقالي الجنوبي” في أبين منذ 2021، أضعفت عناصر التنظيم وحجمت حواضنه الشعبية وتجمعاته الصغيرة في أبين، مثل زنجبار ومودية والمحفد، وتراجع عناصر التنظيم إلى الجبال والوديان بعد أن كانوا يعيشون في القرى والمدن خلال سنوات بعد خروجهم من الصومعة، أي أن العملية العسكرية استطاعت إخراجهم من المدن. ولكنه أضاف أن “العملية لم تنجح بالكامل لأن عناصر التنظيم ما زالوا في الجبال والوديان، وبالتالي أعاد عناصر التنظيم ترتيب أنفسهم وقيادة العمليات المتنوعة بين كمائن وعبوات ناسفة، مع ملاحظة أن هذه العمليات انخفضت من حيث العدد والقوة”. وأشار إلى “عدم وجود عوامل تساعد عناصر التنظيم على الانتشار، وليست هناك مناطق تضم تنظيم القاعدة بعد العمليات العسكرية التي استهدفته في شبوة وأبين، وهناك بعض الانتشار في مأرب، لكن في المناطق القبلية البعيدة عن السلطة الحاكمة في مأرب، وهي المناطق التي لا تستطيع السلطة الوصول إليها”.

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية