الوصول السريع للمحتويات

تأثير التيارات المتصارعة داخل داعش على استمرار التنظيم (8)

إن مصلحة التنظيم مقدمة على كل الاعتبارات الأخرى، لقد رأى التنظيم كفر من يخرج من مناطقه ولو هربا من القصف الشديد، وأمر العدناني أهل مدينة الباب بالبقاء في المدينة ولو قتلوا عن بكرة أبيهم وأهدر دم كل من يهرب من القصف[1]، لكن الحجاجي لم يجدوا حرجا في إرسال البغدادي إلى إدلب[2] بل إلى أقرب نقطة حدودية ليشرف شخصيا على تهريب عائلته إلى تركيا.

إذن فالنخبة العسكرية المتنفذة المحيطة بالبغدادي لم تكن تعنيها تلك المسائل العقدية والسجالات الكلامية، لقد نُقل عن حجي عبد الله قوله: “آني ما يهمني كل هذه المسائل العقدية، آني أهم شيء عندي الدولة”[3] وكانت هذه النخبة تقر الجميع على تأصيلاتهم العقدية[4] ولو كانت متناقضة شرط ألا تقترب من الخطوط الحمراء. وقد وجد هؤلاء الرجال في فتوى “قتل المصلحة” مرادهم، سيكون بإمكانهم تبعا لها أن يقتلوا من شاؤوا ومتى شاؤوا إن رأوا في ذلك مصلحة لتنظيمهم.

يُؤكد مقتل البغدادي في عمق المناطق التي يسيطر عليها خصومه الألداء أن السلطة الحقيقية ليست في يده. كيف له أن يدير شؤون التنظيم وهو محاصر في منطقة نائية لا تتيح له أي هامش للحركة ولا توفر أي غطاء أمني يذكر بينما يتحرك “الحجاجي” في العمق الحيوي للتنظيم المتمثل في صحاري الأنبار الشاسعة والبادية السورية الوعرة. ثم لو كان للبغدادي سلطة حقيقية فلماذا لا يصدر بيانا قاطعا ملزما موقعا باسمه حول المسائل التي أثارت الخلاف والجدال داخل التنظيم. وعندما قتل البغدادي أعلن التنظيم عن “خليفة” جديد وهو أبو إبراهيم الهاشمي. ولن يكون هذا الأخير سوى أحد “الحجاجي” أو شخصا آخر قبل أن يقوم بذات الدور الشرفي الذي قام به البغدادي، أو ربما لقبا وهميا آخر لم يعثر له بعد على رجل يُلقب به، لقد كان “حجي حامد” واضحا وصريحا في جوابه على مقترح تشكيل مجلس شورى موسع يدير شؤون التنظيم حيث قال:” ما ننطيها.. مانعرف قرعة أبوهم منين يجون ياخذونها منا”.[5]

أكد “ابن جبير” وهو اسم يحمله أحد شرعيي “تيار البنعلي والقحطاني” في مقال نشره قبل مقتل البغدادي[6] أن الحجاجي وظفوا سياسة “تغييب الخليفة” للهيمنة على تنظيم الدولة، وذلك من خلال إبعاد البغدادي وإقناعه بقطع اتصالاته ومنع لقاءاته بحجة الوضع الأمني. كما أن الرسائل لا يمكن أن تصل إلى البغدادي إلا عن طريق “الحاج عبد الله”، وأن من سيلتقي بالبغدادي لا بد أن يكون مرضيا عنه أولا من هؤلاء الحجاجي. وأكد أن “الحاج عبد الناصر” قام بتغييب البغدادي وأصدر تعليمات نيابة عنه بحجة أن هذا الأخير مريض.

إذن فقد استطاع الحجاجي التحكم بمصير التنظيم عبر السيطرة على “ديوان الأمن العام” وجعله فوق أي مسائلة، حتى شبهه بعض المنشقين بالجستابو[7]. وبواسطة هذا الجهاز الأمني صفوا كل المعارضين لسياساتهم حتى اعتصم بعض القضاة احتجاجا على السلطة المطلقة للأمنيين[8] لكن ذلك لم يغير من الواقع شيء. فتنظيم الدولة قائم على دعامتين أساسيتين هما “ديوان الأمن” و”الإعلام” كما كتب أحد المنشقين عنه[9].


[1] وثيقة مسربة تظهر أوامر العدناني بقتل كل من ينسحب من معارك الباب، https://www.gulf-up.com/ww2fuzavmr9g

[2] ابن جبير، سقوط الخرافة، مؤسسة الوفاء، 2019

[3] المصدر السابق

[4] أبو عيسى المصري، منهج الدولة صنم العجوة، مؤسسة التراث العلمي، 2019

[5] أبو محمد الهاشمي، كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي، ص: 152

[6] ابن جبير، سياسة تغييب الخليفة، قناة النصيحة.

[7] أبو محمد الهاشمي، كفوا الايادي عن بيعة البغدادي، ص:92

[8] أمة الرحمن المسلمة، التنظيم الأجوف، مؤسسة الوفاء 2019، ص:2

[9] أبو عيسى المصري، الإعلام في الميزان.. سحرة آل بغداد، مؤسسة التراث العلمي، 2019

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية