الصراع والانشقاق
كان أبو جعفر الحطاب وأتباعه المتمسكين بأفكار أحمد بن عمر الحازمي من أوائل المحتجين على ما اعتبروه انحرافا في عقيدة تنظيم الدولة، فكان تعامل قيادة التنظيم معهم حاسما وصارما، حيث صدرت الأوامر بتصفيتهم والقضاء عليهم. إعدام الحطاب وأتباعه كانت له تداعياته التي لم تهدأ حتى اللحظة، فالأفكار والقناعات التي عبروا عنها خلفت نقاشا صاخبا بين كوادر التنظيم وأمراءه وشرعييه. وفي محاولة من قيادة التنظيم لوضع حد لهذه النقاشات المتصاعدة، قامت باستحداث “لجنة الرقابة المنهجية” المكلفة بفحص وتقييم قناعات وعقائد الشرعيين، كما قامت بإصدار بيان ملزم عبر “المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية” بتاريخ 29/05/2016 أكدت فيه أن: ” التكفير أصل من أصول الدين.. وأن عدم تكفير المشركين المنتسبين إلى الإسلام تعطيل لناقض مجمع عليه من نواقض الإسلام”[1]. كان هذا البيان بمثابة الإعلان عن ميلاد “تيار الفرقان” الذي آلت إليه السيطرة على “لجنة الرقابة المنهجية” بعد أيام من صدور البيان.
استفزت مضامين البيان شريحة عريضة من شرعيي التنظيم، فانبروا للرد عليه وبيان مخالفته لعقيدة أهل السنة والجماعة. كان أبو بكر القحطاني من أبرز الرافضين للبيان فكتب في الرد عليه مقالا مطولا أرسله إلى أبي بكر البغدادي،[2] كما رد على البيان كل من أبي عبد الرحمن الزرقاوي[3]، وأبي يعقوب المقدسي[4] وأبي عبد البر الكويتي وأبي محمد الأزدي وغيرهم. هذه الردود والتعقيبات الرافضة لبيان المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية سرعان ما ستتحول إلى تيار له مواقفه وآراءه ورموزه سيعرف ” بتيار البنعلي والقحطاني” وسيتخذ من “مكتب البحوث والدراسات” معقلا له.
في 17/05/2017 ستنتقل الخلافات داخل التنظيم إلى مستوى أعلى، وستزداد التصدعات اتساعا، حيث سيصدر تعميم ملزم (مرسوم) من ” اللجنة المفوضة” معنونا بالآية الكريمة ” ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيا عن بينة”[5] مضمون البيان يؤكد أن “تيار الفرقان” بات يسيطر على أهم مؤسسة في التنظيم بعد ديوان الخليفة وهي “اللجنة المفوضة” أكد التعميم أن التنظيم لا يرى إسلام قاطني ديار الكفر الطارئ، ولا يتبنى تأصيلات تعطل الناقض الثالث من نواقض الإسلام، ولا يتوقف في تكفير المنتخبين بدعوى جهلهم بحقيقة الانتخابات. ندد تيار البنعلي والقحطاني بتعميم اللجنة المفوضة حيث اعتبره القحطاني مؤشرا على سيطرة “الجهال والسفلة”[6] على مواقع صنع القرار، كما رد عليه كل من تركي البنعلي وأبو عبد البر الكويتي.
قامت مجلة النبأ عملا بمقتضى تعميم اللجنة المفوضة بنشر سلسلة مقالات بعنوان “رموز أم أوثان” تضمن أحدها والمنشور بالعدد 85 الصادر بتاريخ 15/06/2017 فقرات يمكن تأويلها على أنها تكفير للبغدادي نفسه. أثار المقال ضجة كبيرة في أوساط التنظيم. فتم حل اللجنة المفوضة وإلغاء تعميمها بتاريخ 15/09/2017 وتشكيل لجنة جديدة معظم أعضائها من تيار البنعلي والقحطاني، وتكليفها بوضع عقيدة جديدة التنظيم.[7] قام أبو محمد المصري بهذه المهمة وكتب عقيدة التنظيم على شكل سلسلة صوتية. شرع التنظيم في بث السلسلة عبر إذاعة البيان الرسمية، لكن “الحاج عبد الله” قام بحجب حلقات من السلسلة وقام لاحقا بمنع بثها[8]. لم يكد يمر 60 يوما على سيطرة تيار البنعلي والقحطاني على اللجنة المفوضة حتى جرى حلها من جديد ومطاردة واعتقال كوادر وأتباع التيار، والحكم على بعضهم بالإعدام كأبي يعقوب المقدسي.
[1] بيان صار عن المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية رقم 175، صحيفة النبأ العدد 76
[2] أجوبة سؤالات أبي بكر البغدادي، مؤسسة التراث العلمي 2019
[3] أبو عبد الرحمن الزرقاوي، نقد ونصيحة، مؤسسة معارج 2018
[4] أبو يعقوب المقدسي، نصيحة حول موضوع البيان، مؤسسة التراث العلمي 2018
[5] اللجنة المفوضة، تعميم بعنوان: “ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة”، 17/05/2017
[6] موقف أبي بكر القحطاني بعد تسلط اهل البدع، https://www.gulf-up.com/hcnffcyu4v2s
[7] اللجنة المفوضة، إلغاء تعميم ليهلك من هلك عن بينة، صحيفة النبأ العدد: 9
[8] عبد السميع البغدادي، تعرية الجهلة الذين أنكروا تتمة السلسلة، مؤسسة الوفاء، 27/12/2018