الوصول السريع للمحتويات

تأثير التيارات المتصارعة داخل داعش على استمرار التنظيم (3)

تيار الحجاجي:

سيكون مناسبا جدا لو سمي هذا التيار بـ “سلطة الحجاجي” إذ تمثل هذه السلطة أو هذا التيار قطعة الأحجية المفقودة من أجل فهم أعمق وأوضح لتنظيم الدولة الإسلامية وتاريخه وقراراته الغريبة التي صنعت مساره وحددت مصيره في النهاية. لقد نجحت هذه النخبة العسكرية العراقية في توجيه الأنظار بعيدا عنها، وإدارة المشهد الجهادي من خلف الستار لسنوات. وحتى بوجود “خليفة قرشي” يحظى ببيعة الآلاف من العناصر المتحمسين فإن ذلك لم يكن ليشكل أي عائق لهؤلاء الرجال في إنفاذ إرادتهم وقراراتهم. لم يكن أبا بكر البغدادي بالنسبة لهم خليفة شبه صوري فقط بل كان في حقيقة الأمر مجرد اسم خرجوا به في مداولاتهم السرية عقب مقتل أبي عمر البغدادي وبحثوا عن شخصية مناسبة لتحمل ذلك الاسم فوقع اختيارهم على “أبي دعاء السامرائي” الذي حمل اسم أبي بكر البغدادي منذ ذلك الحين[1]. ولا يستبعد مطلقا أن يكون “أبو إبراهيم الهاشمي” مجرد كنية أخرى مازالوا يبحثون له عن شخصية مناسبة تتسمى بها.

تسمى هذه النخبة العسكرية في وثائق المنشقين عن التنظيم “بالحجاجي”[2] وأحيانا بـ “آل بغداد”[3] وأحيانا أخرى “بالدولة العميقة”[4]. وهذه المجموعة من الرجال المتحكمين بمفاصل التنظيم الحيوية لا يتبنون تأصيلات عقدية معينة فيما يتعلق بالمسائل المثيرة للجدل والسجال داخل التنظيم، لأنها ببساطة لا تهمهم ولا تعنيهم وعلى الأرجح لم يسمعوا بتلك المسائل المعقدة إلا عندما أثارها شرعيو التنظيم حسب شهادة بعض المنشقين[5]. إنهم إذن نخبة من العسكريين التكنوقراط الذين يضعون أمن التنظيم واستقراره فوق جميع الأولويات الأخرى. وإذا كان تيار الفرقان قد أحكم سيطرته على “ديوان الإعلام المركزي” وأحكم “تيار البنعلي والقحطاني” سيطرته على “ديوان البحوث والإفتاء” فإن هذ المجموعة من العسكريين المتنفذين قد أحكموا سيطرتهم على “ديوان الأمن العام” أخطر الدواوين وأكثرها فتكا وشراسة.[6]

من بين المعروفين من هذه المجموعة من الرجال المنحدرين من العراق نجد كل من: عبد الله قرداش المعروف بـ ” حجي عبد الله” و”حجي عبد الناصر” و”حجي حامد” و” عبد الله الزوبعي”.

من الصراع إلى الانشقاق

استشعرت قيادة تنظيم الدولة خطر ذلك السجال الذي بدأ يحتد ويتصاعد داخل أروقة التنظيم، ويتردد صداه في المقرات والمضافات والمعسكرات، وأيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، فقامت بتطعيم البنية البيروقراطية للتنظيم بمجموعة من المؤسسات التي أنيطت بها مهمة تدبير الخطاب الأيديولوجي للتنظيم ومراقبته ومن هذه المؤسسات: “لجنة الرقابة المنهجية” التي تعقد جلسات استنطاق للشرعيين بهدف تقييم شخصياتهم وامتحان قناعاتهم فيما يشبه محاكم للتفتيش تنتهي بعض جلساتها بالاستتابة أو الإعدام[7]. ” المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية” و “اللجنة المفوضة” إضافة إلى المؤسسات الأخرى المكلفة بالتأصيل للمسائل الشرعية، وإصدار الفتاوى في النوازل، وتأهيل الملتحقين الجدد من الناحية الشرعية كـ ” ديوان البحوث والإفتاء” الذي تقلص حجمه إلى “مكتب البحوث والدراسات” و “ديوان الدعوة والمساجد” و” المكتب الشرعي لديوان الجند” و” ديوان التعليم”.. وغيرها.

هذه البنية البيروقراطية القائمة على مبدأ تقسيم العمل والمهام لم تفلح في تطويق الأزمة التي بدأت بالاستشراء والتوسع في مفاصل التنظيم، كما أنها عرفت تضاربا في صلاحياتها وتداخلا في أدوارها، فمكتب البحوث والدراسات يرى نفسه المخول حصرا بالبث في القضايا الشرعية، بينما يرى “ديوان الإعلام المركزي” أنه معني أيضا بمعالجة هذه القضايا على اعتبار أن الديوان مكلف بتحديد ما ينبغي نشره من عدمه؛ لأن الإصدارات المرئية تحوي في أغلبها نصوصا ومواقف وتوجيهات دينية يقوم كوادر الإعلام بصياغتها. هذا إضافة إلى الجدل الذي أثارته “اللجنة المفوضة” ذات الصلاحيات غير المحددة.


[1] سيأتي الحديث عن هذه الواقعة في فقرة لاحقة.

[2] أبو محمد الهاشمي، كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي ص: 152

[3] أبو عيسى المصري، منهج الدولة صنم العجوة، مؤسسة التراث العلمي 2019 ص:1

[4] أبو مصعب الصحراوي، إلى عقلاء أمن الدولة، مؤسسة التراث العلمي 2019

[5] أبو عيسى المصري، منهج الدولة صنم العجوة، مؤسسة التراث العلمي، ص:3

[6] أبو عيسى المصري، الأمنيون في الميزان، مؤسسة التراث العلمي، 2019

[7] انظر بعض تقارير لجنة الرقابة المنهجية في قناة النذير العريان على هذا الرابط: https://t.me/hanefanmoslem13

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية