الوصول السريع للمحتويات

تأثير التيارات المتصارعة داخل داعش على استمرار التنظيم (2)

التيارات المتصارعة داخل تنظيم الدولة

إزاء تلك المسائل والمباحث العقدية الدقيقة تبلورت إذن داخل تنظيم الدولة أربع تيارات متصارعة، تبادلت تهم التكفير والتبديع. وكل تيار من هذه التيارات يزعم أنه المتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة “الفرقة الناجية” التي توافق ما عليه سلف الأمة وهذه التيارات هي:

التيار الحازمي:

سمي هذا التيار بالتيار الحازمي نسبة إلى الشيخ أحمد بن عمر الحازمي، وهو داعية إسلامي سعودي، تخصص في علوم المنطق والآلة، كان تلميذا للشيخ آدم الإثيوبي، ومتخرج من جامعة أم القرى بمكة المكرمة. استغل الشيخ الحازمي خلفيته العلمية كمتمرس في علوم اللغة والمنطق ليعيد طرح بعض القضايا والمسائل العقدية والمنهجية المعقدة في محاضراته ودروسه، ويستقطب بذلك شريحة مهمة من شباب التيار السلفي الجهادي الذين وجدوا في تأصيلاته أجوبة “مرضية” لاستعدادهم النفسي المسبق للمفاصلة مع المخالف وتكفيره، خصوصا تلك الشريحة من الشباب حديثة العهد بالتدين أو تلك التي عانت من مختلف أنواع الكبت في مجتمعاتها، لذلك سنجد أن التأثير الأكبر للحازمي كان على إسلاميي تونس، حيث أقام الحازمي هناك بعد الثورة مجموعة من الدورات العلمية في مساجد العاصمة، حضرها المئات ممن سيلتحقون بعد ذلك بتنظيم الدولة الإسلامية في الساحة السورية. كانت لمحاضرات ودورات الحازمي التي تناولت مواضيع عقدية ومنهجية[1] دورها في بلورة تيار يتسم بالتشدد والغلو داخل تنظيم الدولة. فالحازمي لا يرى العذر بالجهل والتأويل في مسائل التوحيد والشرك[2]. كما أنه يكفر كل من أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة، ولا يعذر في ذلك بالجهل إلا أن يكون المنكر ممن نشأ في بادية بعيدة. كما أن الحازمي ممن يقولون بالتسلسل في التكفير بمعنى أن من لم يكفر الكافر فهو كافر ومن لم يكفر هذا الذي لا يكفر الكافر فهو كافر أيضا وهكذا حتى تمتد سلسلة التكفير إلى ما لا نهاية، وهذا ما يعرف في أدبيات التيار الجهادي بالناقض الثالث، كما قرره محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد.

تأثر بتأصيلات الحازمي عدد من كوادر وقادة الصف الثاني في تنظيم الدولة منهم على سبيل المثال: أبو جعفر الحطاب الذي كان مسؤولا في التعليم واللجنة الشرعية إضافة إلى كل من: أبو مصعب التونسي، أبو أسيد المغربي، أبو الحوراء الجزائري، أبو خالد الشرقي، أبو عبد الله المغربي[3]. ويعتبر أبو جعفر الحطاب أول من بادر إلى الإعلان عن قناعاته العقدية المتشددة، ولا يخفي أتباعه تبرمهم مما يرونه مخالفات شرعية تصل حد الكفر وقع فيها تنظيم الدولة[4]، لذلك كان خيار الانشقاق وقتال التنظيم مطروحا لديهم، إذ قامت بعض خلاياهم بتخزين الأسلحة وإعداد البيوت الآمنة استعدادا لساعة الصفر[5].

تيار الفرقان:

يسمى بتيار الفرقان نسبة إلى القيادي في تنظيم الدولة أبي محمد الفرقان، واسمه الحقيقي وائل عادل حسين الفياض، كان أميرا على “ديوان الإعلام المركزي” استغل منصبه الحساس هذا في الترويج لقناعاته الأيديولوجية ومنع تداول أي مادة إعلامية لا تتفق معها. اتخذ الفرقان من “ديوان الإعلام المركزي” معقلا له ولأنصاره حيث عينهم في وظائف الديوان المختلفة[6]. كما كان للفرقان نفوذ كبير على مفاصل التنظيم الأخرى مكنه من فرض تأصيلاته العقدية وجعلها عقيدة رسمية للتنظيم لفترة من الوقت.

يمكن تلخيص القناعات العقدية لهذا التيار في قوله بأن التكفير أصل من أصول الدين الظاهرة[7]، وأن حكم ساكني دار الكفر الطارئ هو التوقف فيهم، فلا يحكم له بكفر وإسلام حتى يتبين حالهم. ولا يعذرون بالجهل في مسائل التوحيد والشرك أو المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، ولا يتسلسلون في ذلك. أي أنهم يكفرون من لم يكفر الكافر ويتوقفون. في هذه الجزئية بالتحديد يختلف هذا التيار مع التيار الحازمي الذي يرى التسلسل في التكفير.

من أبرز قادة ورموز هذا التيار إضافة إلى أبي محمد الفرقان، نجد كل من أبي ميسرة الشامي المشرف على قسم اللغات في ديوان الإعلام، وأبي زيد العراقي (إسماعيل العيثاوي) نائب البغدادي السابق، وشعبة المصري، وأبي حفص الودعاني، وأبي أحمد الفرنسي، وأبي مرام الجزائري.

تيار البنعلي والقحطاني:

يُنسب هذا التيار إلى البنعلي والقحطاني وهما قياديان شرعيان الأول بحريني والثاني سعودي التحقا بتنظيم الدولة الإسلامية، وعملا في “ديوان البحوث والإفتاء” قبل أن يتحول هذا الديوان في سياق الصراع داخل التنظيم إلى “مكتب البحوث والدراسات” ثم إلى ” المجلس العلمي”. تفرغ البنعلي والقحطاني إلى جانب العشرات من الشرعيين الآخرين للكتابة والتأليف وإصدار الفتاوى والمنشورات الدينية المختلفة. كما قام القحطاني والبنعلي بتدريس بعض المسائل الفقهية لأبي بكر البغدادي[8]، كما ثبت أن هذا الأخير استفتاهما في بعض أموره الشخصية كنفقة زوجته الحامل وإرث ابنته المتوفاة[9].

يرى “تيار البنعلي والقحطاني” أن العذر بالجهل ثابت في مسائل التوحيد والشرك وما دونها، وأن الأصل في ساكني ديار الكفر الطارئ هو الإسلام، وأن من لم يحكم لهم بالإسلام فهو من خوارج العصر. وأن التحاكم إلى القوانين الوضعية جائز لاسترداد الحقوق عند الضرورة. وأن التكفير ليس أصلا من أصول الدين[10]. ومن رموز هذا التيار إضافة إلى تركي البنعلي وأبي بكر القحطاني نجد كل من: أبي محمد الهاشمي، وأبي محمد المصري، وأبي يعقوب المقدسي، وأبي عبد الرحمن الزرقاوي، وأبي عبد البر الصالحي، وأبي حفص الهمداني وغيرهم.


[1] أقام الحازمي دورات في مساجد تونس بعنوان: “شرح نواقض الإسلام” و”الأجرومية والأصول الثلاثة” و”كتاب التوحيد”. أنظر: جلسة لجنة الرقابة المنهجية مع أبي الفداء التونسي، النذير العريان، https://t.me/hanefanmoslem13/97

[2] أحمد بن عمر الحازمي، درس تأصيلي في مسألة العذر بالجهل، https://www.youtube.com/watch?v=cj0MLbXloPw

[3] مناصرة الإخوة المأسورين في دولة الجهمية الكافرين، موقع الراصد، 28/08/2014 http://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6767

[4] كفريات دولة البغدادي، مدونة مصباح الظلام، http://mesbeh.blogspot.com/2017/04/Isiskufer.html?m=1

[5] أبو عيسى المصري، جلاء الظلم ورد التهم، مؤسسة التراث العلمي، مارس 2019 ص:27

[6] شكوى الإخوة المصلحين في ديوان الإعلام المركزي، مؤسسة التراث العلمي، 2018 وانظر أيضا: رسالة المجلس العلمي في بيان حال غلاة ديوان الإعلام المركزي، مؤسسة التراث العلمي، 2018

[7] انظر تفاصيل آراء تيار الفرقان العقدية في كتاب: مجمل أصول اعتقاد أهل السنة، قناة النذير العريان، https://t.me/hanefanmoslem13/167 وانظر أيضا البيان الأول الصادر عن المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية بتاريخ 29/05/2016

[8] ابن جبير، سقوط الخرافة، مؤسسة الوفاء، 2019 ص: 4

[9] أجوبة سؤالات أبي بكر البغدادي، مؤسسة التراث العلمي 2019

[10] عرض القحطاني آراءه العقدية في رسالة بعث بها إلى البغدادي ردا على بيانات تيار الفرقان، انظر: أجوبة سؤالات أبي بكر البغدادي، مؤسسة التراث العلمي 2019 وانظر أيضا: تركي البنعلي، شروط وموانع التكفير، 11/01/2017 https://archive.org/details/Torki_bannali

مشاركة المحتوى

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاشتراك في القائمة البريدية