عبد الغني مزوز—
يضم ميثاق الجبهة الإسلامية مواد مطمئنة للتيار الجهادي العالمي, بل لا يمكن قراءة مواد الميثاق إلا في سياق تنزيل أطروحات التيار الجهادي على الحالة السورية. ومع ذلك تعامل التيار الجهادي ونشطائه مع التكتل الإسلامي الجديد بشيء من التحفظ والمباركة الباردة, فلماذا؟.
تتفاوت مواقف الجهاديين من الجبهة الإسلامية من التأييد الحذر إلى الرفض الصريح كل حسب رأيه وقراءته, لكن المجمع عليه من قبل هؤلاء جميعهم هو أن بعض الكوادر المشكلة للجبهة الإسلامية يبعثون على القلق ويستحيل التوافق معهم, وتصريحاتهم وبياناتهم السابقة تعطي انطباعا أكيدا أنهم مخترقين أيديولوجيا وأمنيا وتنظيميا من قبل أطراف عرفت بالعداء التاريخي للتيار الجهادي.
ميثاق الجبهة الإسلامية عرفها على أنها “تكوين.. شامل يسعى إلى إسقاط النظام الأسدي في سوريا إسقاطا كاملا وبناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله عز وجل وحده مرجعا وحاكما وموجها وناظما لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة” هذا التعريف يضاف إليه غالبية المواد الأخرى الواردة في الميثاق خصوصا المادة الخامس عشرة المتعلقة بالموقف من الديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية و المهاجرين والمادة السابعة المتعلقة بالموقف من مسألة حاكمية الشريعة, والمادة الثانية عشرة المؤكدة لمفهموم الأمة الإسلامية والثالثة عشرة المتعلقة بالموقف من قضايا المسلمين الأخرى, كلها مواد ترسخ مجمل ما يطرحه الفكر السلفي الجهادي ويتبناه. وهذه هي الحالة الأولى التي يطرح فيه ميثاق جهادي بهذا الوضوح وهذا الشمول, بعدما كانت الحركات الجهادية تقتصر في بيانها لمنهاجها بموقفها من بعض المسائل العقدية البحتة كالتكفير والأسماء والصفات والفرق والمخالفين..
يؤكد الدكتور إياد قنيبي وهو ناشط سلفي جهادي يحاول مند فترة أن يبقي نفسه على مسافة واحدة من كل الفصائل الإسلامية في سوريا أن “ميثاق الجبهة جيد جدا” لكنه اعترض على “عضوية قيادات بعض الفصائل المكونة للجبهة في المجلس العسكري الذي يرأسه سليم إدريس (وهو) إشكالية حقيقية. ولسنا هنا نحاكم النوايا ولا الأعذار فيما بينهم وبين الله تعالى، بل نعتمد ما قدمنا به من الأخذ بالظاهر. ولو كان الأمر إلينا لما ارتأينا تشكيل الجبهة إلا بعد أن تنسحب هذه القيادات من المجلس” أياد قنيبي طالب الجبهة بتوضيحات أكثر فيما يتصل بموقفها من الدولة القطرية و بضمانات أكثر فيما يتعلق بمدى التشبث بحاكمية الشريعة مهما كانت التحديات و الظروف بعيدا عن المسوغات التي قد يجر إليها فقه المصالح والمفاسد.
أما أبو بكر الوائلي وهو سلفي جهادي فيرى أن بعض الشخصيات المكونة للجبهة تتلقى دعما ماليا من جهات ومشايخ مرتبطين بأجهزة مخابرات دول إقليمية هدفها شراء ولاء الثوار وقطع الطريق على الفصائل الأخرى التي توصف “بالتشدد” والتمكين للرايات المعتدلة, وتوقع أن تنتهي الجبهة بسيطرة الدول الداعمة لها على قرارها ومن ثم تحريف بوصلتها.
الكاتب الجهادي المشهور عبد الله بن محمد الذي يدير حسابا على تويتر باسم شؤون إستراتيجية, ثمن الكيان الإسلامي الجديد دون أن يشير صراحة إلى تحفظه على بعض قياداته وان حاول في ثنايا تغريداته أن يبرر وجود تلك القيادات من خلال الاستشهاد بمواقف مشابهة مثل توافق المقاتلين الشيشان على رئاسة أصلان مسخادوف رغم عدم نيله لكامل رضاهم, وضم حركة طالبان الأفغانية تحث مظلتها العديد من القيادات الصوفية دون أن يؤثر عليها وعلى أدائها.
الموقف الأكثر أهمية هو الذي جاء من سلطان بن عيسى العطوي وهو قيادي شرعي في جبهة النصرة الذي علق على تشكيل الجبهة الإسلامية بالقول :” ميثاق الجبهة الإسلامية إن كان لا يرتبط بالغرب أو عملائه ويتعامل من خلال مذهب أهل السنة لا إرجاء ولا حرورية بل سلفية نقية فحياه الله !” وقال بأن الدكتور أياد قنيبي مصيب فيما ذهب إليه بشأن الجبهة الإسلامية, وختم موقفه بالقول بأن التجارب السابقة تحتم عدم المسارعة في الحكم على الكيانات إلا بعد معاينة تحركاتها عل الأرض وأن المواثيق لا تعبر بالضرورة عن حقيقة الكيانات والتنظيمات.
قد تكون الشخصية التي لا تحضا بالثقة عند كل من تحفظ على الجبهة الإسلامية هي قائد جيش الإسلام زهران علوش, بسبب قربه من الشيخ سمير كعكة مفتي جيش الاسلام الذي اتهم جبهة النصرة بأنهم خوارج ومخابراتية, زهران علوش يشغل الآن منصب القائد العسكري للجبهة الإسلامية, ورفض في وقت سابق اتهامات سمير كعكة لجبهة النصرة وأثنى عليهم وقال بأن اختياراتهم الشرعية لا تختلف عن اختيارات الجبهة وأن خلافاتهم في الأمور الاجرائية والجزئية فقط. يعتقد الجهاديون أن ما يقوله كعكة يأتي في سياق الحملة ضد التيار الجهادي العالمي, وهي الحملة التي ترعاها السعودية بمعية بعض الشيوخ المقربين من الدوائر الرسمية هناك كالشيخ عدنان العرعور الذي سرب تسجيل صوتي له مؤخرا وهو يحث بعض الأشخاص يعتقد أنهم من الثوار على محاربة الدولة الإسلامية وتنفير الناس منها.
الرفض القاطع لمشروع الجبهة الإسلامية في صيغته الحالية التي يتصدر واجهتها كوادر مثل زهران علوش جاء من بعض الشخصيات السعودية خصوصا المعارضة مثل سعد الفقيه الذي قال بأن وجود زهران علوش في الجبهة أمر لا يبعث على الاطمئنان على الاطلاق. ويقال أيضا بأن الشيخ سليمان العلوان أحد أبرز الشيوخ السعوديين المؤيدين للتيار الجهادي كان مستاء من وجود علوش في الجبهة الإسلامية وقيل بأنه وبخ حركة أحرار الشام على قبولها بوجوده معهم في تكتل واحد. وحتى عندما قام زهران علوش بزيارته في مقر إقامته عنفه الشيخ وقال له بأن وجودك هنا لا يمكن أن يتم إلا برضا المخابرات السعودية حسب ما أورده أحد المقربين من العلوان على حسابه في تويتر.
كل هذه الملاحظات السلبية حول زهران علوش لم تمنعه في مناسبات كثيرة من أن يطرح مشروع اقامة الدولة الاسلامية بكل صراحة وقوة, ويقول بأن رفض بعض الدول لوجود جبهة النصرة في سوريا لا يمكن أن يؤثر على موقفهم منها, ومعروف عن زهران هدوءه وصراحته, اضافة لشخصيته الكاريزمية وأدبه العالي.
على أية حال الثابت أن التيار الجهادي العالمي بناء على أدبياته المنشورة وتجاربه التاريخية, لا يمكن أن يقبل بصيغة تنظيمية تكبح نشاطه الأممي, وأنه لا يرى في الحالة الجهادية الصاعدة في سوريا إلا رافدا من روافد الحراك الجهادي العالمي, وأي وضع لا يضع في اعتباره هذه المسلمات لا أعتقد أن التيار الجهادي سيقبل به.
ميثاق الجبهة الإسلامية يقع في صميم ما يؤمن به التيار الجهادي ويعتقده, وسيعجز نشطائه وشيوخه وكتابه عن تسجيل اعتراض واحد على أي مادة من مواده. لكن يبقى غياب الثقة معضلة يصعب إيجاد حل لها. التيار الجهادي العالمي لديه أجندته التي تتخطى المعطى المحلي والإقليمي, ولديه مشروعه الذي يعلنه صراحة وهو التصدي للنظام الدولي بكافة رموزه ومؤسساته وأدواته. الأحداث في سوريا تكشف أن الثورة لا زالت في بداياتها وقد تجرف معها الكثير من الأنظمة وقد يكون من بينها النظام الدولي نفسه.
ملاحق المقال:
سمير كعكة يتهم جبهة النصر بأنهم مخابراتية
زهران علوش ينفي تهم سمير كعكة
الشيخ عدنان العرعور يحث على قتال احدى الفصائل الاسلامية في سوريا
للمزيد من المقالات المرجوا متابعتي على تويتر