عبد الغني مزوز—
“جيغسو” هو بطل سلسلة أفلام المنشار saw أشهر أفلام الرعب في تاريخ السينما الأمريكية، أثارت السلسلة المكونة من سبعة أجزاء مند ظهور جزءها الأول سنة 2004 جدلا كبيرا في وسائل الإعلام و أوساط النقاد ومتابعي السينما، لما تحويه من مشاهد تعذيب وقتل في منتهى البشاعة، تقوم فلسفة جيغسو (المصاب بالسرطان )على إخضاع ضحاياه ممن لا يعطون قيمة لحياتهم وحياة الآخرين لاختبارات مميتة بواسطة فخاخ متقنة ويطلب منهم بواسطة دميته المرعبة التي تظهر عبر شاشة صغيرة بجانب الضحايا اتباع مجموعة من التعليمات التعجيزية، قد يكون من ضمنها التضحية بجزء من أجسادهم إذا أرادو التحرر من الفخ والنجاة بحياتهم، وغالبا ما يضع الفخ نهاية بشعة لحياتهم إذا لم يتبعوا التعليمات الصارمة للدمية أو أدركهم الوقت قبل انجازها. “جيغسو” توفي في الجزء الرابع لكن تلامذته “أماندا” و “هوفمان” أكملا مشواره متأثرين بفلسفته الدموية.
سيلاحظ أي مشاهد لسلسلة أفلام saw ومتابع لأفلام تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة الأخيرة أن بصمات “جيغسو” حاضرة في المادة الدعائية لتنظيم الدولة خصوصا المرتبطة منها بالرهائن. فالطريقة التي يعرض بها الرهينة، و شخصية الذباح الذي يظهر بهيئة مدروسة جيدا بحيث يتكرر ظهوره بنفس الشكل والهيئة في كل مشاهد قتل الرهائن وقبلها مشاهد التهديد بقتلهم إذا لم تنفذ مطالبه، هذه التفاصيل الطقوسية قد تكون مستوحاة من أفلام المنشار، ليس تفاصيل المشهد ولكن أجواء الرعب وحبس الأنفاس التي يبثها في نفسية المتلقي، والنهاية المأساوية لأغلب الضحايا.
حضور “جيغسو” في ثنايا مشهد إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة كان طاغيا بقوة كما يبدوا المشهد تقليدا يرتقي لمستوى السرقة الأدبية لأحد مشاهد الجزء السابع من saw ، فهناك قواسم مشتركة بين المشهدين، والنار حاضرة في كليهما كعنصر يعطي للحظة الموت طابعا فريدا, ويمنح لـ “هوفمان” و “البغدادي” تلامذة “جيغسو “جرعات زائدة من المتعة واللذة وهما بصدد طقس دموي، في حفلة موت نادرة .
اللمسات الهوليودية في الإنتاج الدعائي لتنظيم الدولة ظهرت بعد تمدده إلى سوريا، والتحاق كوادر متعلمة قادمة من أوروبا وأمريكا بصفوفه، ولا يستبعد أن يكون من بين هذه الكوادر من درس في معاهد سينمائية متخصصة أو على الأقل شارك في دورات متقدمة في مجال صناعة الأفلام وما يرتبط به من تقنيات ومهارات.
من المعروف أن ” لهيب الحرب” هو أول فيلم أصدره تنظيم الدولة بمواصفات عالية من ناحية الجودة والإخراج والمؤثرات، وقد أنتجته مؤسسة الحياة وصدر باللغة الانجليزية، كما أن معظم الأفلام ذات التقنية العالية صدرت عن هذه المؤسسة، حتى الفيلم الذي أظهر إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة أعتقد أنه من إنتاج هذه المؤسسة، وان تضمن شعار مؤسسة الفرقان، وأيضا الفيلم الذي أظهر إعدام الأقباط في ليبيا من إنتاج مؤسسة الحياة. ولعل القاسم المشترك بين الأفلام هو احتواءها على مشاهد دموية صادمة وتقنيتها العالية ولغتها الأنجليزية، ما يدل على أن صانعها قد يكون قادما من إحدى دول الغرب ومتعلم بها.
كما ينبغي الإشارة الى أن مجلة “دابق” الصادرة بالانجليزية من نفس المؤسسة (الحياة) تتبنى نفس الخط التحريري القائم على الترهيب والراديكالية في الخطاب وقد نشرت أول صورة للكساسبة ببذلة الإعدام وصورة الرهائن الأقباط بنفس الزي البرتقالي المرعب، وتخصص الكثير من صفحاتها لمهاجمة القاعدة ومنظري التيار الجهادي. ولعل في ذلك تأكيد آخر أن صاحب اللمسات الهوليودية قادم من الغرب ونجح في الحصول على وظيفة مرموقة في استديوهات البغدادي. وهي نفس الفرضية التي رجحها الكثير من الباحثين في الشأن الجهادي مثل كالباحث أحمد أبا زيد الذي ختم مقالة له بعنوان ” تارنتينو البغدادي..في عنف الصورة” بالقول :” أغلب التوقعات بشأن المخرجين لإصدارات داعش الأخيرة تدور حول أوروبيين انتقلوا إلى ” أرض الخلافة” ولعل هؤلاء لم يقرؤوا لابن تيمية أو القاضي عياض ولا فتحوا كثيرا من الكتب، ولكنهم لا شك شاهدوا الكثير من الأفلام، ويقدمون ميزة لم يستطع مبدعو هوليوود توفيرها، أصبح عنف الصورة حقيقيا هذه المرة”.