شهدت منطقة “درع الفرات” شمالي حلب على مدار الأسبوع الجاري توترا عسكريا وأمنيا كبيرا على خلفية إقدام شخصيات قيادية في “فرقة المعتصم” المحسوبة على الفيلق الثاني في الجيش الوطني على عزل القائد العام للفرقة ومساعديه، وإحالتهم للقضاء بتهم الخيانة والفساد، لكن تطورات لاحقة غيرت مسار الأحداث بشكل درامي.
بداية الأزمة كانت عندما نشر مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي لفرقة المعتصم تغريدات على منصة إكس، كشف فيها ما اعتبره عمليات فساد مالي غير مسبوقة في الثورة السورية تورط فيها قائد فرقة المعتصم وأشقائه، منها سرقة جزء من منح المقاتلين التي تدفعها الحكومة التركية و”تحويل فرقة المعتصم من فصيل عسكري ثوري لشركة تجارية أمنية خاصة بآل عباس في مارع وبناء ثروة وإمبراطورية مالية هائلة من خلال تهريب وبيع شحنات ضخمة من الأسلحة الأمريكية النوعية والأسلحة والذخائر الروسية من سوريا إلى ليبيا وتقدر بملايين الدولارات” وأضاف سيجري في تغريدته أن قيادة الفرقة انتهجت “سياسة الكسب غير الشرعي من خلال نقاط التهريب في مارع وعفرين ورأس العين وتتضمن إدارة شبكات تهريب البشر والمواد الممنوعة ومشاريع التنقيب عن الآثار والتي تقدر بملايين الدولارات شهرياً “.
سادت حالة من الاحتقان في محيط قيادة الفرقة بعد تغريدات مصطفى سيجري، وسرت أخبار أن هذا الأخير بصدد التخطيط لعمليات انشقاق تطيح بقائد الفرقة ومساعديه. وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة سعى الجيش الوطني لاحتواء الموقف والترتيب لاجتماع بين القيادات المنقسمة.
أخذت الأحداث منحى تصعيديا داخل الفرقة في 24 من الشهر الجاري عندما جرى الإعداد للقاء في قرية أرشاف قرب بلدة أخترين شمالي حلب يجمع قائد الفرقة “معتصم عباس” ومساعديه مع كل من مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي للفرقة، و فاروق أبو بكر القيادي في الفرقة، لعل جلسات الحوار المباشر تطوي الأزمة المستفحلة داخل إحدى أبرز التشكيلات العسكرية في منطقة درع الفرات.
أثناء الحوار وقعت مشادات كلامية بين الطرفين انتهت باشتباك مسلح محدود أصيب فيه قائد الفرقة ” معتصم عباس” بجروح في يده، بينما قُتل شقيقه أبو حازم، وتم سريعا توقيف القائد الجريح ومساعديه، وسيطرت القوات الموالية لمصطفى سيجري على عدد من مقرات الفرقة وخرج هذا الأخير ببيان أعلن فيه:” عزل المدعو -معتصم عباس- من قيادة الفرقة وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية، وإحالته للتحقيق الداخلي بتهمة الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام” وإحالة مساعديه على ” التحقيق الداخلي بتهمة استغلال النفوذ العسكري والأمني وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام ” و”مصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لكل من: معتصم عباس – أحمد عباس – مفيد عباس – محمد عباس – فؤاد عباس والمسجلة بعد عام 2011″.
وبينما بدا الوضع مستتبا للقيادة الجديدة الممثلة في مصطفى سيجري و فاروق أبو بكر، ومحمد الضاهر، بعد عزل القيادة القديمة وتسليمها للقضاء العسكري، والسيطرة على عدد من مقرات الفرقة، حدثت تطورات قلبت الأوضاع رأسا على عقب.
فقد نشر الجناح القيادي المحسوب على ” معتصم عباس” بيانا قدم فيه رواية لما جرى جاء فيه:” نحيطكم أنه وبعد عدة جلسات للتفاهم بين كل من الأسماء التالية (علاء أيوب الملقب بالفاروق أبو بكر) و(مصطفى سيجري) لحل معظم المشكلات التي جرت بالفترة السابقة تم دعوتنا نحن قيادة فرقة المعتصم من قبل ياسر الحجي مسؤول العلاقات الخارجية في الحكومة المؤقتة للجلوس وتصفير جميع المشكلات السابقة، بعد وصولنا لمبنى قيادة أركان الفرقة، تفاجأنا بوجود عناصر داخل الحمامات والغرف وعلى أسطح المبنى، وباقتحام البناء وإطلاق النار علينا دون سابق إنذار من جميع الجهات والنطق بعبارات تكفيرية لقيادة الفرقة مما أدى لإصابة خفيفة لقائد فرقة المعتصم واستشهاد أخيه أحمد عباس أبو حازم” وأضاف: “جرى الاشتباك مع عناصر المرافقة للقائد العام وإثر ذلك قامت المجموعات الغادرة باعتقال من بقي على قيد الحياة وعند وصول خبر عملية الغدر التي حدثت لقيادة الفرقة بالكمين المجهز مسبقاً، قامت كتائب وألوية من فرقة المعتصم والجيش الوطني بتوجيهات من الإخوة الأتراك بمحاصرة بناء الأركان وإخراج جميع المعتقلين من البناء المذكور، وعليه نؤكد نحن قيادة فرقة المعتصم بأننا سنقوم بمحاسبة هؤلاء المجرمين وتقديمهم للقضاء”.
وبشكل مفاجئ تم إطلاق سراح ” معتصم عباس” وأشقائه المعتقلين، بعد استنفار عسكري من الفصائل الأخرى الموالية له، وصدرت في المقابل مذكرات بحث واعتقال بحق كل من: مصطفى سيجري وفاروق أبو بكر ومحمد الضاهر وإبراهيم أبو العز وجميل لالا أبو حدو. وقد سلم قسم منهم أنفسهم طواعية للشرطة العسكرية واعتقل آخرون بالقوة.
وكتب ” معتصم عباس” على حسابه على تويتر معلنا نهاية التمرد عليه، نافيا حصول أي تغيير في قيادة فصيله قائلا: “لا تزال فرقة المعتصم قائمة بقواتها ومعسكراتها وقياداتها ولا صحة للأنباء التي تتحدث عن السيطرة على الفرقة من قبل من يسمون أنفسهم مجلس قيادة الفصيل” وشدد على أن “القضاء سيأخذ مجراه في محاسبة المجرمين القتلة الذين يدّعون الثورية وهم بعيدون عنها بسفكهم للدماء مقابل السلطة والمال بالغدر والخيانة”.
لا شك أن هيئة تحرير الشام من أكبر الجهات المستفيدة من التمرد الفاشل على قيادة “فرقة المعتصم”، فقد نسجت الهيئة معها علاقات سرية، وتواترت المعطيات أن ثمة تنسيقا بين الفرقة وبين الجهاز الأمني في الهيئة توغل بموجبه أمنيوها إلى عمق مناطق درع الفرات. وكشف الفاروق أبو بكر إحدى الشخصيات المتمردة على قيادة فرقة المعتصم أن ” معتصم عباس حاول استلام مبلغ مليون دولار من الجولاني ومنعنا وعرقلنا ذلك، وحاول أيضاً التنسيق مع تحرير الشام لتنفيذ اغتيالات بحق قادة عسكريين ومدنيين في مارع، وكنّا نقف بوجه هذا المشروع” وأكد: “عندي شهود، وعندي الأشخاص الذين طلب منهم المعتصم عباس إدخال الأمنيين التابعين لهيئة تحرير الشام إلى مدينة مارع للسيطرة على الفصائل، ثم تسليم المدينة للمعتصم عباس” وشدد على أن هذا الأخير كان “يجهّز قائمة تضم عدة أسماء، بهدف تسليمها إلى الأمنيين في “تحرير الشام” من أجل اغتيالهم وتصفيتهم بحجة أنهم مفسدون”.