تتفاعل الأحداث في شمال مالي بوتيرة متصاعدة، وعادت إلى صدارة الاهتمام العالمي تبعا لذلك جماعات مسلحة نافذة، تعزز حضورها منذ استيلاء الجيش على السلطة في مايو 2021 وانسحاب القوات الفرنسية من البلاد. ويبدو من خلال التحديثات الميدانية القادمة من هذا البلد الافريقي الغارق في الفوضى أن هذه الجماعات ستكون سيدة الموقف في المرحلة القادمة، فيما يشبه تكرارا لمشهد عام 2012.
ولعل من أهم هذه الجماعات “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي اتخذت من منطقة الساحل نطاقا جغرافيا لنشاطها، فمن تكون هذه الجماعة؟
التأسيس
تأسست جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مارس 2017 عندما اتحدت جماعات مسلحة كانت تعمل في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، بعد خمس سنوات من تعاونها وتنسيق عملياتها، وهذه الجماعات هي: منطقة الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين، وجماعة المرابطين، وكتائب تحرير ماسينا. واختار هذا التحالف الزعيم الطارقي إياد أغ غالي أميرا له.
تشكيل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أنهى سنوات من الخلافات والانقسامات في صفوف المجموعات الموالية للقاعدة في الصحراء، إذ دأبت شخصيات قيادية بارزة على الاستقلال في قراراتها، والانفراد بقيادة مجموعات مسلحة ضدا عن إرادة الفرع المحلي للقاعدة في المغرب الإسلامي، وكان مختار بلمختار أبرز هؤلاء، الذي قاد جماعة المرابطين التي كانت تدين بالولاء للقاعدة لكنها في نفس الوقت تعتبر مجموعة مستقلة عن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
ورغم أن الجماعة تضم طيفا من المكونات ذات الصبغة العرقية والامتداد الصوفي المحلي إلا أنها حافظت على طابعها السلفي الجهادي، وعالمية خطابها، وتشدد في كل بياناتها على تبعيتها لتنظيم القاعدة.
تأسيس الجماعة جاء في سياق طغى عليه التنافس على استقطاب العناصر المتطرفة في الساحل، تنافس يقف على طرفيه كل من حركة التوحيد والجهاد التي انشقت عن القاعدة في أكتوبر 2011 واعلنت في يوليو 2014 بيعتها لتنظيم داعش، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي يسعى إلى قطع الطريق على داعش والحيلولة دون امتداده في بقعة جغرافية تعتبر معقلا تقليديا لنفوذه ومجالا حيويا لتحركاته.
أهم القيادات
في مقطع الفيديو الذي تم الإعلان عبره عن تأسيس الجماعة ظهرت قيادتها المؤسسة وهي كل من:
إياد أغ غالي وهو زعيم طارقي، وهو من مواليد مدينة كيدال سنة 1954 عارض منذ التسعينيات معظم الحكومات المتعاقبة على مالي، وانتمى في بداية مساره إلى جماعات وطنية قريبة من اليسار. كما اشتغل فترة من الوقت دبلوماسيا ممثلا لبلده في المملكة العربية السعودية.
اعتنق الرجل الفكر الجهادي لاحقا، واقترب من المجموعات المتشددة في منطقة الساحل من خلال أدوار الوساطة التي يقوم بها من أجل إطلاق سراح الرعايا الأجانب الذين يتم أخذهم رهائن من طرف القاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة. في 2011 أسس جماعة أنصار الدين ونسق مع القاعدة عملية اجتياح إقليم أزواد في 2012، ويقود منذ 2017 جماعة نصرة الإسلام.
أحمد كوفا: أو أمادو كوفا وهو زعيم متشدد ينتمى إلى” الفلان” وهي من أكبر المجموعات العرقية في الساحل الافريقي، اشتغل في بواكير شبابه في الدعوة، وانتمى إلى جماعة التبليغ، لكنه لم يلبت بعد زيارات قام بها إلى أفغانستان ودول أخرى أن اعتنق الفكر السلفي الجهادي، وابتعد شيئا فشيء عن خلفياته الصوفية، عاد إلى مالي وأسس إذاعة شخصية وظفها في استقطاب العناصر المتشددة وترويج أفكاره، وفي 2012 سيطر موالون له على مناطق في وسط مالي ونصبوه حاكما محليا عليها، واستمر في حشد أنصاره وإقامة معسكرات تدريب لهم إلى أن أعلن في يناير 2015 عن تأسيس كتائب تحرير ماسينا.
يحيى أبو الهمام: واسمه الحقيقي جمال عكاشة وهو من مواليد عام 1978 في مدينة الرغاية شرق عاصمة الجزائر. يعتبر عكاشة الذي قضى سنوات في السجون الجزائرية من أبرز قادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وقد أرسله زعيم الجماعة الأسبق حسن حطاب إلى الصحراء الكبرى لتعزيز حضور القاعدة هناك وإسناد مختار بلمختار الذي يقود الفرع الصحراوي للقاعدة. قاد أبو الهمام كتائب وسرايا عديدة في الصحراء الكبرى، واتهم بتدبير عمليات اختطاف لرعايا غربيين. أعلنت فرنسا في فبراير 2019 نجاحها في اغتياله في إطار عملية برخان التي استهدفت الجماعات المتطرفة في الساحل.
الحسن الأنصاري: واسمه الحقيقي محمد ولد أنويني وقد عرف بكونه نائبا لمختار بلمختار زعيم جماعة المرابطون، ومنذ اختفاء هذا الأخير عن الأنظار في 2016 وتضارب الأخبار حول مصيره، وترجيح مصادر متعددة مقتله في قصف استهدف تجمعا لمقاتلين متشددين في مدينة سبها الليبية في 2016، صعدت أدوار الحسن الأنصاري كقيادي محسوب على القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى، ويبدو أن وجوده على رأس جماعة المرابطين أنهى تفلتها، ووضع حدا لدينامية طويلة من الاندماج والانشقاق كانت الجماعة طرفا فيها منذ سنوات. أعلنت القوات الفرنسية في 2018 اغتياله بمعية قادة آخرين في تنظيم أنصار الدين، تحول اسم الجماعة بعدها إلى “إمارة منطقة غاو الكبرى” وعين حمزة الأنصاري زعيما له.
إلى جانب هؤلاء يقود جماعة نصرة الاسلام عدد آخر من القادة المحليين مثل: طلحة أبو هند أمير منطقة تمبكتو شمال مالي، وسيدان أغ هيتا القائد المسؤول عن منطقة كيدال، وسالم ولد بريمات وهو قيادي بارز وأمير أربيندا وسيرما في منطقة موبتي في مالي.
التصنيف
في 5 من سبتمبر 2018، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ككيان إرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، ونتيجة لهذا التصنيف، تم حظر جميع ممتلكات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، والفوائد العائدة عليها التي تخضع للولاية القضائية الأمريكية، وتم منع الأمريكيين بوجه عام من إجراء أي معاملات مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، كما جاء في نص قرار وزارة الخارجية الأمريكية.
كما أدرجت الولايات المتحدة شخصيات قيادية في الجماعة ضمن قائمة الإرهابيين العالميين أبرزهم: إياد أغ غالي في فبراير 2013، وأحمد كوفا في نوفمبر 2019 وكل من سيدان أغ هيتا وسالم ولد بريمات في غشت 2021.
الأهداف وأبرز العمليات
تسعى الجماعة حسب بيان تأسيسها إلى طرد القوات الأجنبية وإقامة دولة إسلامية في مالي، وتحاول في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في مالي إلى إعادة بسط سيطرتها على شمال البلاد وتأسيس إمارة إسلامية تدين بالولاء لقيادة القاعدة ومنها إلى زعيم حركة طالبان هبة الله اخنذ زاده. ومن أهدافها غير المعلنة أيضا تطويق تمدد تنظيم داعش في الساحل، واحتواء المكونات المتطرفة في المنطقة، وتوظيفها لصالح مشروع القاعدة.
وقد نفذت الجماعة منذ تأسيسها عددا من العمليات التي اتسع نطاقها ليشمل عدد من دول الساحل إلى جانب مالي وبوركينافاسو حيث تتواجد معاقل الجماعة، ومن خلال تتبع عملياتها يلاحظ أن ثمة ارتفاعا في منحناها من عمليات بسيطة ومتفرقة، واعتماد أساليب قتالية يطبعها الكر والفر، إلى عمليات كبيرة كحصار المدن واجتياح القواعد العسكرية، ومن أبرز هذه عمليات:
هجوم مسلح في العاصمة المالية باماكو في يونيو 2017 أوقع 4 قتلى مدنيين و4 قتلى من المسلحين وجندي واحد. وتفجير لغم ارضي استهدف شاحنة تقل مدنيين في سبتمبر 2019 أعتذرت عنه الجماعة لاحقا. وقتل 14 جنديا من الجيش البوركيني في نوفمبر 2022. وقتل 10 جنود ماليين في أبريل 2023.
ومنذ بداية العام الجاري صعدت الجماعة عمليات في مالي وبوركينافاسو، وتقوم بشكل شبه يومي بنشر بيانات عسكرية توثق لعملياتها، وكان آخر نشاط عسكري كبير للجماعة بعد حصارها مدينة تمبكتو بداية غشت الماضي، قيامها بالهجوم على قاعدة ” آشران” في محيط تمبكتو، واستيلائها على كميات كبيرة من الذخيرة والمعدات بعد سيطرتها على القاعدة.