ارتفعت حدة النقاش في الفضاءات الإلكترونية هذه الأيام حول موضوع ارتباط “جبهة النصرة” بتنظيم القاعدة، وقد بدأ هذا النقاش في أعقاب إشاعة انتشرت في الأوساط الثورية تفيد بقرب إعلان الجولاني فك ارتباطه بتنظيم القاعدة، وشكلت الإشاعة مثار جدل حاد كشف كثيرا من المواقف وامتحن كثيرا من النوايا وعكس أيضا حالة الامتعاض الشديد من أكبر المكونات الثورية في سوريا.
بحسابات الثورة البحتة ليس هناك ما يوجب النقاش حول موضوع “ارتباط النصرة بالقاعدة” وهو الإجراء الرمزي الذي أقدم عليه الجولاني حفاظا على وجود ومكتسبات جبهة النصرة في وجه تيار داعش الجارف في لحظة مفصلية غاية في الخطورة. يضاف إلى ذلك أن جبهة النصرة مصنفة في عداد المنظمات الإرهابية قبل إعلان الجولاني إجراءه الرمزي هذا. وما بين نشأة النصرة مرورا بلحظة ارتباطها بالقاعدة وصولا إلى اللحظة الراهنة لم يطرأ على مسار النصرة أي تغيير سواء على صعيد نشاطها الميداني أو تعاطيها مع فرقاء الثورة، فلا زالت ذلك الفصيل الضارب ذو الشعبية الواسعة المشارك في معظم فعاليات الثورة العسكرية والخدمية والإغاثية، و المساهم في غرف العمليات المشتركة مع الجميع، والموقع على المنظومات القضائية الموحدة المشكلة عبر ربوع الجغرافيا السورية.
بدا واضحا أن البعض لم يعد يطيق وجود جبهة النصرة كمكون فاعل داخل النسيج الثوري السوري، ويحاول استغلال كل مناسبة للنيل منها واتهامهما بالدعشنة، والاستئثار بالمناطق المحررة، والاستبداد في إدارتها، وإذا ما حققت النصرة إنجازا لا يمكن تجاهله أو شاركت في تحقيقه، يتكلف في نسب الإنجاز لجهات ربما لم تنسبه لنفسها، أو ربطه بعوامل وأسباب أخرى، ويمكن ملاحظة هذا في تعليقاتهم على تحرير مدينة جسر الشغور حيث كتب أحدهم ” شكرا لصواريخ تاو التي ساهمت في تحرير المدينة” حتى لا يكون مضطرا لشكر الفصائل المحررة التي من ضمنها النصرة. مع أن هذه الأخيرة لم تقل إنها من حرر المدينة لوحدها، بل هاجم بعض مؤيدوها من قال ذلك، بل هي فصيل من بين الفصائل الأخرى التي ساهمت في التحرير وكل قدم ما يستطيع، وإن كان لصواريخ “تاو” دور في تحييد الدبابات والسلاح الثقيل، فإن للمفخخات والإنغماسيين دور في تحييد حواجز بأكملها.
في رسالة سرية عثر عليها الثوار في أحد مقرات جمال معروف، تكشف أن هذا الأخير لم يعط ولاءه لجهات خارجية فقط بل ” بايعها على الموت” أيضا، الرسالة كتبت بنفس استجدائي، فيعترف جمال معروف في ثناياها أنه يبدوا أمام شعبه “كأنه عميل” وأنه فقد على اثر ذلك “جزء من حاضنته الشعبية” ويطالب الجهات المخاطبة برسالته بتكثيف دعمه له باعتباره ” نواة المعارضة المعتدلة” وأنه وحده من ” يقف بالمرصاد في وجه جبهة النصرة”. هذه الرسالة فوق أنها تحمل اعترافا مباشرا بالعمالة، فهي أيضا لا تمثل عظمة الثورة السورية وعصاميتها وكبريائها. مع ذلك فجمال معروف الذي شن حربا خاسرة على جبهة النصرة وملئ الآبار بجثث الأبرياء، يبدوا في وجهة نظر البعض ضحية لداعشية النصرة وولائها الخارجي العابر للحدود !
ليس دفاعا عن جبهة النصرة لكن إنصافا لثورة عظيمة تواطأ العالم على حربها ووأدها، هناك حقيقة ينبغي على الجميع أن يعتنقها، ويؤمن بها لتجاوز كل هذه المماحكات وهي أن جبهة النصرة لا تمثل الثورة السورية بل هي جزء من نسيجها، حركة أحرار الشام لا تمثل الثورة بل هل جزء من نسيجها، جيش الإسلام لا يمثل الثورة بل هو جزء من نسيجها، الجيش الحر لا يمثل الثورة بل هو جزء من نسيجها، كل الفصائل والجماعات الأخرى لا تمثل الثورة بل هي جزء من نسيجها..أليس من الأفضل لكل هذه المكونات أن تركز على القواسم المشتركة فيما بينها وما أكثرها وأولها إسقاط النظام وصد داعش وتبحث لنفسها عن صيغة شوروية لبناء قرارات استراتيجية تكون في صالح الثورة تتفرع عنها إجراءات تكتيكية كغرف العمليات المشتركة، يساهم فيها الجميع كل على قدر استطاعته.
لا تحاول أن تجعل الآخر يمشي على منوالك، أو أن تقصيه بتكفيره أو اتهامه بالداعشية، بل ابحث معه عن أرضية مشتركة وتذكرا أنه لا أنت ولا هو من يعود إليه فضل انطلاق الثورة المجيدة، بل إلى أطفال درعا وجموع المتظاهرين السلميين الصامدين بصدورهم العارية في وجه رصاص الشبيحة الغادر.
رسالة جمال معروف |