تقدم “جند أنصار الله” نفسها باعتبارها جماعة إسلامية سلفية، يقوم فكرها على تحرير فلسطين بأكملها من الاحتلال اليهودي، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ترى الجهاد في سبيل الله وسيلتها، وعقيدة أهل السنة والجماعة منهجها.. لا تؤمن بالعمل السياسي من انتخابات وتشكيل حكومة وغيره طالما أن البلاد تعيش تحت الاحتلال.
وهي واحدة من بين عدد من المجموعات المسلحة الصغيرة التي ظهرت حديثًا في فلسطين خاصة في قطاع غزة وبدرجة أقل في الضفة، تشترك جميعها في تبني أفكار “السلفية الجهادية”، ويتشابه عملها وتحركها إلى درجة جعلت
التقارير تتخبط في نسبة الأعمال المسلحة التي نفذت مؤخرًا إلى أي منها: جيش الإسلام، جيش الأمة، أنصار السنة، مجموعة “جلجت”، كتائب التوحيد والجهاد، جند أنصار الله، وثمة اتفاق على أن هذه المجموعات ظهرت جميعًا كردة فعل رافضة للنهج السياسي الذي خطته حماس لنفسها خاصة بعد سيطرتها على قطاع غزة، حيث حديثها المتكرر عن الديمقراطية، وعدم تطبيقها الأحكام الإسلامية، وقبولها بهدنة مع الاحتلال، وسعيها للتواصل والحوار مع الغرب، واستقبالها قادة غربيين على رأسهم توني بلير وجيمي كارتر، إلى جانب عدائها لأي مجموعة إسلامية جهادية تظهر في القطاع، ففي إعلانه (ولادة الإمارة الإسلامية) خاطب عبد اللطيف موسى، أمين عام “جند أنصار الله” قادة حماس الذين يسعون للحوار مع الغرب، قائلا: “يا حكومة حماس ممن تخشون.. من أمريكا.. من بريطانيا.. من فرنسا.. من الاتحاد الأوروبي .. فالله أحق أن تخشوه”.
على خطى القاعدة
نشأت “جند أنصار الله” في جنوب قطاع غزة (رفح وخان يونس) معتمدة بشكل أساسي على أشخاص نشطوا في السابق بالحركة السلفية وفصائل وطنية وإسلامية أخرى، لكن سرعان ما انضم العشرات من الشبان إليها، فوسعت نشاطاتها إلى باقي أرجاء القطاع، يقول قادة التنظيم إنه “فصيل فلسطيني بحت، ذو توجهات إسلامية ووطنية، لا ينتمي لأي جهة خارجية، وإن كان يلتقي (فكريا) مع تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن”، ومع ذلك فلم تتبن القاعدة عملهم، وتردد أنهم كانوا ينتظرون تنفيذ عمل جهادي كبير حتى يعلنوا انضواءهم تحت لواء تنظيم القاعدة، وربما يكون إعلان الإمارة الإسلامية على غرار “دولة العراق الإسلامية” هو ذلك العمل الذي كان يرجى من خلاله إعلان الانضواء.
في مقابلة صحفية جرت معه نفى (أبو أسامة) أحد الذين شاركوا في تأسيس التنظيم والتنظير له، أن يكون تنظيمه يتلقى “أي دعم مالي أو عسكري”، مشيرًا إلى أنه “لا يوجد أي مصدر تمويل خارجي للتنظيم”، فهو يقوم على تبرعات أعضائه، الذين يؤمنون بفكرة الجهاد بالنفس والمال، دون انتظار أي مكاسب أو امتيازات دنيوية، وعن أهداف التنظيم بخلاف مقارعة الاحتلال شدد أبو أسامة على أن تنظيمه لا يريد الخوض في أي سجالات داخلية رغم تأكيده على أن كثيرا من الأمور تحتاج إلى تغيير، غير أنه يفضل أن ينصب عمل تنظيمه على “مقاتلة اليهود وطردهم من أرضنا”.
تقول بعض المصادر إن الجماعة ظلت تعمل وفق خلايا عنكبوتية منفصلة، لضمان أكبر قدر من السرية في العمل إلى أن أعلنت عن وجودها بالساحة الفلسطينية وتحديدا في غزة منذ بضعة أشهر بعد مقتل ثلاثة من أعضائها في هجوم شمال القطاع استهدف قاعدة للجيش الإسرائيلي، وكان عشرة مقاتلين من الجماعة قد امتطوا ظهور الخيول حاملين أسلحة وقذائف هاون، محاولة منهم لقتل وأسر إسرائيليين، لكن (غزوة البلاغ) كما أطلقوا عليها أُحبطت بسبب انكشاف المنطقة التي تم فيها الاقتحام، وعدم التخطيط الجيد، وانتهت باستشهاد خمسة من المقاتلين، ومع إن الاحتلال لم يعترف بخسائر فإن التنظيم أكد أن عددا من الجنود قتلوا وأصيب آخرون بعد تفجير جيب عسكري من نوع “همر”، وأشار إلى أن العملية ليست سوى بداية لسلسلة من العمليات ستستهدف الجيش الإسرائيلي في غزة وخارجها.
وفي أعقاب “غزوة البلاغ” سلطت صحيفة “معاريف” العبرية، الضوء على الظروف والعوامل التي ساعدت على تشكيل “جند أنصار الله” في غزة، زاعمة أن التنظيم قام في الأيام الأولى له بشراء قواعد تدريب من قادة في الذراع العسكري لـ”حماس”، لافتةً إلى أنه “اجتذب إلى صفوفه عشرات الشبان الغزاويين خصوصا أولئك الذين يعتبرون (حماس) تنظيمًا برجماتيًّا تنازل عن الجهاد من أجل مناعم الحكم”. وقدّرت الصحيفة العبرية أن التنظيم يمتلك أكثر من 500 جندي، وأنه “خلافا للتنظيمات الأخرى فقد جنّد (جند أنصار الله) في صفوفه أشخاصا غير فلسطينيين منهم يمنيون ومصريون وباكستانيون وأفغان”.
النقمة على حماس
يمثل جند أنصار الله أول فصيل فلسطيني مسلح يستند إلى مرجعية سلفية كاملة، تلقى أميره تعليمه في مصر وترددت تقارير غير مؤكدة أنه كان يواظب في مرحلة من حياته على حضور محاضرات شيوخ المدرسة السلفية في الإسكندرية، ومن بينهم الشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، والشيخ أحمد فريد، والشيخ أحمد إبراهيم، وقد كان عبد اللطيف موسى في بداية انطلاقته نائبا لرئيس “جمعية الكتاب والسنة” السلفية إلا أنه تبنى فكر الجهاديين واستولى على مسجد ابن تيمية الذي بني وأسس على منهج سلفي يدعو سلما الناس إلى الرجوع والاحتكام إلى الكتاب والسنة.
ويرفع تنظيم أنصار جند الله شعار “جمع شمل مجاهدي الأمة”، وكان قد وجه نداء للمجاهدين في أكناف بيت المقدس من “حماس” و”الجهاد” وباقي الجماعات والمجموعات التي تجاهد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، يقول لهم فيه: “إن نحورنا دون نحوركم وصدورنا دون صدوركم”. كما وجه رسالة أخرى إلى المجاهدين في أفغانستان والشيشان والعراق وكشمير والصومال والفلبين وفي كل مكان يجاهدون فيه في سبيل الله، قائلاً: “جزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وسدد خطاكم وسدد رميكم وثبت أقدامكم، فوالله لن تُؤتوا من قبلنا (…) فإن الذي يفرحكم يفرحنا والذي يحزنكم يحزننا”.
رغم ذلك، مثل وجود التنظيم تحديًا حقيقيًا أمام حماس في غزة خاصة مع تمدده واكتسابه عددا متزايدًا من الأنصار، لذا سعت الحركة إلى إنهاء وجوده أو تجريد مقاتليه من أسلحتهم، وكان التنظيم قد أعلن أنه يعتبر حماس التي تحكم غزة منذ عام 2007 حزبا علمانيا يسعى للاشتراك في البرلمانات والمجالس التشريعية، أكثر من كونه “حركة إسلامية” تسعى إلى تحكيم الشريعة؛ فيما وصفت حماس الجماعة بالتشدد أحيانا والتكفير أحيانا وبالعمالة أحيانا أخرى.
وقد جرى أول احتكاك بينهما في أعقاب انفجار استهدف حفل زفاف في خان يونس، أعلنت إثره “أنصار جند الله” أن مسلحي “حماس” حاصروا عددًا من أعضائها بتهمة الضلوع بالتفجير الذي نفت علاقتها به قائلة إن عناصرها اتهموا “ظلما وزورا”. وقد سبق للجماعة أن اختلفت مع حركة حماس حول مصير مسجد “ابن تيمية” الذي يعد معقل الجماعة وأهم حصون السلفيين جنوب القطاع، حيث كانت الحركة تسعى إلى السيطرة عليه في حين قامت الجماعة بتوسعته، وطلبت “حماس” من أمير “جند أنصار الله” عبد اللطيف موسى المعروف بـ(أبي النور المقدسي) تسليمه باعتباره تابعًا للأوقاف، لكن الرجل رفض، مهددا الحركة بالمقاومة في حال اقتحامها المسجد.
معركة الإمارة الإسلامية
اندلعت الاشتباكات المسلحة بين حماس وأنصار جند الله واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة من العيار الثقيل، والقذائف المضادة للدروع، في أعقاب إعلان عبد اللطيف موسى باسم القيادة العسكرية لمسجد ابن تيمية قيام الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس، خلال خطبة الجمعة، حيث صرح وهو يحيط به عدد من المقاتلين: “سنقيم هذه الإمارة على جثثنا، وسنقيم بها الحدود والجنايات وأحكام الشريعة الإسلامية”، ثم توجه إلى حكومة حماس بالقول: “إما أن يطبقوا شرع الله ويقيموا الحدود والأحكام الإسلامية أو يتحولوا إلى حزب علماني”.
وإلى جانب إعلان الإمارة ركزت خطبة عبد اللطيف موسى على “تطهير المجتمع من المنكرات”، وقد دعا إلى حمل السلاح وتجنيد الشباب في معركة “نصرة الإسلام وتمكين الشريعة الإسلامية من الحاكمية في قطاع غزة”، وهو ما ردت عليه وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس بالقول: إن أي مخالف للقانون يحمل السلاح لنشر الفلتان ستتم ملاحقته واعتقاله”. مشددة على أنه غير مسموح لأي جهة أو أفراد بأخذ القانون باليد.
تتخذ الجماعة شعارًا لها راية سوداء مكتوب عليها “لا إله إلا الله” ومرسوم على الشعار سيفان وبندقية، وخلفهما خارطة للعالم باللون الأخضر.. وللجماعة موقع رسمي على شبكة الإنترنت تنشر من خلاله بياناتها ورسائلها، يحتوي على صور ومقاطع فيديو للتدريبات العسكرية إلى جانب خطب وكتب إسلامية توضح فكر الجماعة ومنطلقاتها.