يشهد العالم العربي والإسلامي الآن حالة انتشار لما يمكن أن نسميه “ثقافة المراجعات” لدى قيادات ورموز التنظيمات الإسلامية الجهادية، بدأت في مصر مبكرًا عام (1997) بإعلان قادة الجماعة الإسلامية من داخل السجون مبادرتهم لوقف العنف، ثم انتقلت إلى تنظيمات في دول أخرى عربية مشرقية ومغربية (الجزائر، والمغرب، والسعودية، وليبيا، والأردن).
وهي مراجعات فكرية لأسس فقهية كانت تستند إليها التنظيمات الجهادية في رفع السلاح بوجه الأنظمة الحاكمة، على أمل تغيير الأوضاع بالقوة، وقد لقيت هذه المراجعات ترحيب وقبول أوساط عديدة سياسية وثقافية ودينية في العالمين العربي والإسلامي، خاصة مع ما استتبعها من حالة هدوء نسبي بين الأنظمة والتيارات التي كانت تنتهج طريق العنف تم الإفراج بمقتضاها عن مئات المعتقلين في السجون العربية.
لكن وبالرغم من هذا القبول والارتياح لدى الأوساط والنخب بقي معارضون للمراجعات، اتفقوا جميعا على رفضها وإن اختلفوا في الوجهة التي عارضوا من خلالها، وقد تنوعوا بين شخصيات ورموز إسلامية معروفة حركيا وفكريا، كالشيخ علي بن حاج في الجزائر، وقيادات جهادية بعضها من ساحته التي يتمترسون بها مثل د.أيمن الظواهري، إلى جانب نخب علمانية لها مواقفها المعروفة برفض كل ما يطرحه الإسلاميون سواء إعلان العنف أم وقفه.
مراجعات أم تراجعات
“الجهاديون” في ساحات القتال -وهم المعني الأول بهذه المراجعات التي تطعن في شرعية وجودهم وأعمالهم، خاصة رفع السلاح في وجه الأنظمة الحاكمة- صدرت عنهم ردود عديدة على “المراجعات” بعضها فقهي كما اشتبك كثير منهم مع أصحاب المراجعات، الذين تحولوا من مقاتلة الأعداء إلى مجابهة رفقاء السلاح، والظروف المحيطة التي دعتهم لإخراجها.
كان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة د.أيمن الظواهري أعلاهم صوتا، خاصة في الرد على رفيق دربه السابق د.سيد إمام صاحب “وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم”، فلم يكد ينتهي المنظر الجهادي السابق من إخراج وثيقته، من داخل السجن، حتى اتبعها الظواهري بالرد في كتابه “التبرئة” أو “تبرئة أمة القلم والسيف من منقصة تهمة الخور والضعف”، اعتبر فيه الوثيقة محاولة لتخدير “المجاهدين وتشكيكهم في منهجهم وإخراجهم من ميدان المواجهة”، بحجة العجز والضعف وعدم توفر مقومات الجهاد، تخدم مصالح “التحالف الصليبي اليهودي مع حكامنا الخارجين على الشريعة”، من خلال هدفها “كف جهاد المسلمين ومقاومتهم”، داعيًا القارئ إلى البحث عن “العامل الأمريكي في التراجعات” التي تمثل “ثمرة ما تريده أجهزة المباحث والمخابرات الأمريكية من تخذيل للمجاهدين وخداع للأمة”، على حد قوله.
وفي “التبرئة” رد الظواهري على مقولة سيد إمام بسقوط الجهاد لعدم القدرة، قائلا: “إن الذي يحدد القدرة من عدمها المجاهدون، ذوو الخبرة، وليس سيد إمام الذي اعترف بتركه الجهاد منذ أكثر من 15 عاما”، بل وينتقد إغفال صاحب “الوثيقة” فريضة الإعداد للجهاد في حالة عدم القدرة الحقيقية… كما يرفض الظواهري الدعوة إلى وقف العمليات في مصر، نافيا صحة شروط الجهاد والتغيير كما يشترطها سيد إمام، متسائلا: “هل هناك أمل في التغيير السلمي في مصر؟ بل هل هناك أمل في مجرد التظاهر السلمي في مصر؟”، معتبرًا الوثيقة “تدعو لعدم الاعتراض على الظلم، وعدم الانشغال بالهم العام ولا بأمور المسلمين”.
ولما كانت وثيقة إمام قد “كُتبت في الأسر”، فإن الظواهري يشدد في رده على أن “لا ولاية لأسير”، مشيرا إلى أن الوثيقة تحل فقط مشكلة أسير “اكتفى بما قدم، أو ندم عليه، ويريد أن ينصرف للنظر في شأنه الخاص”.
انتكاسة من النقيض إلى النقيض
ومن بين رموز الإسلاميين الفكرية والحركية التي هاجمت المراجعات الشيخ عبد الله السماوي، أحد شيوخ ومنظري تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية القدامى، في مصر، الذي هاجم قادة الجماعة الإسلامية الذين خرجوا من السجون على خلفية مراجعاتهم، لأنهم “غيروا اتجاههم إلى النقيض”، “فبعد أن كانت الحكومة والشرطة تمثل العدو اللدود للإسلام والمسلمين في نظرهم، صارت الحكومة أمير المؤمنين”، واصفًا ما أقدموا عليه بالـ”تراجعات” في فكر ونهج “الذين نصبوا أنفسهم قادة في الماضي وقادة في الوقت الحالي”، وهي تراجعات جاءت نتيجة “انتكاسة وهزيمة داخلية”.
وفي مقابلة صحفية، لم ير السماوي -الذي وافته المنية الأربعاء (7/1/2009)- في الأبحاث التي كتبها قادة الجماعة الإسلامية إلا “مجرد أحكام لا يوجد لها شرح”، وهي من وجهة نظره “باطلة لا يعتد بها”، متهما أعضاء الجماعة الإسلامية بأنهم خرجوا من السجون لأجل أن يعملوا “كمخبرين متطوعين” للسلطة، ومن أجل محاربة الإخوان المسلمين وغيرهم.
المراجعات والتأثير الانفعالي
السلفيون المصريون كانت لهم مآخذهم على المراجعات وإن لم يعارضوها، بل أخذوا على أصحابها بحثهم المسائل الشرعية تحت تأثير الانفعال، رغم أن مبدأ المراجعة يفرض على صاحبه لغةً هادئة ونظرةً متعمقة. ففي مقال نشره موقع “صوت السلف” انتقد الشيخ عبد المنعم الشحات إصرار المراجعين على “نبرة انفعالية في جلد الذات، ومحاكمة الآخرين، وتتبع النوايا، والتخوين، والتضليل”، مما قد يضعف أثر أي دليل يوردونه، وعلى العكس يرى أن “التأصيل الشرعي، والتخلص قدر الإمكان من أسر التجربة يعطي فرصة أكبر للإقناع”.
وفي مقاله دعا الشحات المراجعين إلى طرح مراجعات “بلغة فقهية راسخة، وبعبارات لا توحي بأن صاحبها واقع تحت تأثير تجربة بعينها”، والعمل على إيجاد: “كتابات متكاملة في فقه الجهاد، تقرر الأحكام المطلقة بروح واثقة، وبلغة خطاب موجهة لكل متعلم مسلم في كل مكان وزمان”، مشيرا إلى أهمية أن تأتي المراجعات خالية من سرد الخلافات الشخصية بين أصحاب الاتجاه الواحد، أو الاتجاهات المتعددة، وأن تخلو من الكلام على “الأمهات الثكالى، والزوجات الحزانى، والأطفال الذين فاقوا في بؤسهم بؤس اليتامى”، وهذا وإن كان هامًا بالنسبة لهذا الجيل، فهو -في رأيه- أكثر أهمية للأجيال القادمة.
إكراهات خلف القضبان
ولم يكن رفض المراجعات وقفا على الحالة المصرية بل خرجت أصوات عديدة تماثلها من أقطار عربية أخرى كان لها نصيب من المراجعات، ففي الجزائر، التي راجع كثير من الإسلاميين المسلحين فيها أفكارهم، ووصلوا إلى حد الاقتناع بضرورة إلقاء السلاح و”النزول من الجبل”، برز الشيخ علي بن حاج نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي تحفظ على الظروف التي تجري فيها مراجعات الإسلاميين خلف القضبان، ففي تعليق له على مراجعات “الجماعة الليبية المقاتلة” شكك بن حاج في شرعية مراجعات تجرى داخل السجون، معتبرًا أنها تدار تحت “إكراهات”، و”أن الفقهاء يعتبرون السجن نوعا من أنواع الإكراه”، وهذا يشكك في شرعية هذه المراجعات.
وتابع في تصريحات صحفية متسائلًا: “لماذا لا يتم إطلاق سراح هؤلاء أولا ثم بعد ذلك نفسح لهم المجال الإعلامي والدعوي لإجراء مراجعات تحت ضوء النهار لا في ظلام السجون؟”، مشيرًا إلى أن المراجعة الحقيقية إنما تكون في جو من الحرية والاستقلالية بعيدًا عن الإكراه بجميع أنواعه وعن سائر الضغوط المختلفة الأمنية والنفسية والأسرية.
وعلى الجانب الآخر، اتهم بن حاج النظام العربي الرسمي الذي يسعى بهذه المراجعات لضرب المعارضة السياسية الجادة، من خلال “شن حرب نفسية”، مطالبا هذه الأنظمة بأن تراجع نفسها في مجال الحريات العامة وسياساتها الأمنية، أما الاستمرار في فرض مراجعات إكراه من هذا النوع فهو ليس إلا “وسيلة أمنية وسياسية لترسيخ الاستبداد والطغيان”. فهو لا يقصر المراجعة على الإسلاميين بل أنكر على العلماء الذين رحبوا بالمراجعات عدم مطالبتهم الأنظمة الحاكمة -“التي سفكت الدماء، وقتلت الأبرياء، وعطلت أحكام الشريعة، وقمعت المعارضة الإسلامية، وسجنت الدعاة والعلماء”- بمراجعة شاملة لسياساتها ومواقفها، حتى لا تكون المراجعات وقفا على الإسلاميين فقط.
غثاء تجارب انهزامية
وفي المغرب أرسل عدد من المعتقلين المنتمين إلى تيار “السلفية الجهادية” من داخل السجون رسالة إلى الإسلامي الأردني “أبي محمد المقدسي”، أحد أبرز منظري التيار السلفي الجهادي وشيخ أبو مصعب الزرقاوي، أكدوا فيها موقفهم الرافض للمراجعات التي نسبت إليهم إعلاميا، ومعارضتهم محاولة زرع مراجعات “الجماعة المقاتلة” الليبية في السجون المغربية دون مراعاة للبون الشاسع بين الحالتين المغربية والليبية، وخصوصية كل تجربة، وعدم مماثلتهما لبعضهما شكلا وموضوعا.
وأكدت الرسالة التي نشرها منبر “التوحيد والجهاد” رفض “السواد الأعظم من السجناء” لهذه “التراجعات” معتبرين أنفسهم “غير معنيين بها”، كما تبرؤوا من الخروج الإعلامي المتكرر لـ”أبو حفص” المغربي -الذي يتولى الإشراف على المبادرة المغربية- والذي دعا إلى تفعيل المراجعات الليبية في السجون المغربية، وهو ما اعتبروه “محاولة جديدة لتوريطهم في مشاريع الدجل” في حين أنهم ليسوا “حقول تجارب” تخضع “للتدجين والتتويب”.
وقالت الرسالة إن ما وصفته بـ”غثاء التجارب الانهزامية” للجماعتين المصرية والليبية، لا يمكن أن يكتب لها أي نجاح لأنها “ولدت ميتة بلا حراك”، خاصة أنها قد تضمنت “انحرافات عقدية خطيرة واستسلاما كبيرا ينافي عقيدة الولاء والبراء وأسس دعوة ملة إبراهيم” عليه السلام، مؤكدين رفضهم هذا “المد الانهزامي” الذي يأتي بعد فشل كل محاولات “الاحتواء والاشتمال داخل الأقبية المغربية”.
رؤى العلمانيين للمراجعات
العلمانيون العرب ضموا صوتهم إلى معارضي المراجعات، وإن اختلفت رؤاهم عن الإسلاميين، كما تباينوا أيضا فيما بينهم، فقد شكك بعضهم في قدرة المراجعات على وضع نهاية حقيقية لأفكار وسلوكيات العنف، لأنهم رأوها مجرد مناورة أو “هدنة” تقوم بها التنظيمات بعد أن ضيقت عليهم أجهزة الأمن وسدت أمامهم الأبواب.. والبعض الآخر ذهب إلى أن الأمر كله لا يعدو كونها “صفقة” عقدتها الدولة مع تلك الجماعات لإيقاف العنف مقابل الإفراج عنهم… بل وذهب بعض هذه النخب إلى القول بأنه لا مراجعات من الأصل قد حدثت، حيث يرون أن الجهاديين لا يزالون متمسكين بأفكارهم القديمة كما هي، لم يغيروا فيها سوى بعض صياغات عامة لخداع الرأي العام.
ومن بين هذه الأصوات برز الصحفي عبد الرحيم علي الذي عارض فكرة تخفيف القبضة الأمنية على الإسلاميين بعد المراجعات، قائلا: “نحن عانينا كثيرًا” جراء أعمال العنف، والمسألة -كما يرى- “لا تحتاج إلى تخفيف” أمني في التعامل مع الجماعة الإسلامية، لأن ثمن التخفيف سيكون باهظًا جدًا على المجتمع، وبالتالي يجب أن يتم التعامل معهم بجدية “أكثر من اللازم”، بل ويذهب عبد الرحيم علي أبعد من ذلك بتأكيده على أهمية تجييش الأمن على طول الخط، لأنه “خط الدفاع الأخير داخليًا لصالح الوطن”، وليست المراجعات من واجباته لأن الحوار والتفاهم ودراسة المنتجات الفكرية هي “واجب المجتمع” بدعاته ومفكريه ورجالاته.
وهنا يتمترس الصحفي السابق بجريدة “الأهالي” خلف الرأي القائل بأن الضربات الأمنية هي التي اضطرت الجهاديين للمراجعات، مستدلا بمقولة ينقلها عن د.سيد إمام، وهي: “أننا واجهنا دولة ذات قوة وذات جيش قوي وشرطة قوية، ولذلك فنحن أوقفنا العنف، لأننا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به”، ثم يتساءل عبد الرحيم: “ماذا لو كانت الدولة ضعيفة؟ ماذا لو كانت ليس لها جيش؟”.
ومن بين المثقفين العلمانيين برز د.عبد المنعم سعيد، الباحث والكاتب المعروف، معبرا عن تيار النخب الليبرالية، ففي معرض تعليقاته وكتاباته حول الإسلاميين ومراجعاتهم حاول سعيد أن يتخذ لنفسه موقفا وسطا بين المعارضين والمؤيدين، إذ لا يوجد لديه “ما يكفي” لدفعه في أي من الاتجاهين، إلا أن موقفه من الإسلاميين الذي بدا من توصيفاته لهم بـ”الظلاميين” و”الإرهابيين” و”تورابورا” ضمن قاموس طويل يستخدمه سعيد في كتاباته، جعله في تناغم واضح مع أصحاب الاتجاه المعارض.. فهو يرى أن هزيمة الإسلاميين سياسيا وفكريا هي سبب مراجعاتهم، لكنه لا يستبعد أن يكون الجهاديون بصدد مراجعات حقيقية، وخاصة أن “الفكر الماركسي اللينيني عرف في كثير من مراحله ما كان معروفا بـ(الطفولة اليسارية)”، ومن ثم فمن الجائز أن تكون الحركات الإسلامية هي الأخرى عاشت نوعا من “الطفولة الجهادية”.
وفي ندوة “مراجعات الجهاد” التي نظمتها صحيفة “الجريدة” الكويتية بعد أن انتهت من نشر حلقات وثيقة ترشيد الجهاد للدكتور سيد إمام، بدأ سعيد تعليقه بالقول: “عندي تخوف من كل من يأتي من منظومة أو إيديولوجيا دينية، خصوصا عندما يتم تحول الأمر السياسي من بشري إلى عقَدي”، متهما إمام بأن “لديه عمى ألوان” لأن كلامه “مغلق، ويمكن وصفه بأنه قابل للتطبيق على كل الحالات” لأنه لا توجد لديه “أي درجة من التمييز”، كما يرى سعيد في ما يجري من حوارات حول المراجعات لا يغير في النهاية “أي نتيجة”.
تحفظات المفكرين والفقهاء
وهناك فريق من المفكرين الإسلاميين سجلوا تحفظاتهم على المنهجية والسياق الذي أتت فيه المراجعات، من بين هؤلاء د.طه جابر العلواني، مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي حمل بشدة على أصحاب المراجعات وخاصة د.سيد إمام لأنه بعد “خراب مالطا” وأربعين سنة من “الدماء ونهب الأموال”، جاء ليقول الآن: “أنا راجعت وتبين لي”، لكن يتساءل العلواني: “أين كنت قبل هذا؟”.
واعتبر العلواني أن صاحب الوثيقة “أعاد تقريب” القواعد التي بنى عليها فكره، الذي يقر بانحرافه الآن، ولكن برر هذا بأنه في حالة استضعاف، قائلا: إذن هو “لم يتراجع عن فقه، ولا تراجع عن قواعد، ولا اكتشف أنه مخطئ”، بل لا يزال سالكا نفس الآليات والمنهجية.. متهما الجهاديين بأنهم تجاوزوا حاكمية القرآن إلى حاكمية الفقهاء، فقدموا “قراءة أيديولوجيا” للإسلام بمعنى صياغة “القضية الفقهية خارج النص ثم يأتي للنص ليعضد قضيته”، ففهموا فهما واستبد بهم ذلك الفهم واستبدوا بمقتضاه، لم يسألوا الأمة ولا أهل العلم، فهم يحملون ما فيه من وزر “بشكل كامل” لأن النص أصبح “شاهدا وليس منشئا للحكم”، على حد قوله.
واستبعد الرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية أن يحدث لهذه المراجعات أثر عام، مشيرا إلى أن من شأن هذا النوع من المراجعات فقط “إحداث فتنة داخلية وانشطارات”، لدى التنظيمات، وخاصة أن الصحافة هي التي تروج لها كثيرا وربما جهات أخرى ذات مصلحة لإنهاء المقاومة في العراق وأفغانستان.
ومن بين الفقهاء والمفكرين الذين سجلوا مآخذهم على المراجعات عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور منير جمعة، الذي ذهب إلى أن وثيقة ترشيد الجهاد تضمنت سقطات فقهية وصفها بـ”الشنيعة”، مشيرا إلى أن تلك المراجعات تحتاج إلى دراسة فقهية تأصيلية من جانب الفقهاء.
وفي ندوة عقدها مركز “سواسية” حول المراجعات طالب جمعة علماء الأزهر أن يكون لهم دور في دراسة تلك المراجعات؛ لأنها مراجعات فقهية شرعية لا سياسية ولا عسكرية، مؤكدا عدم وجود دراسة شرعية مفصلة تناقش أفكار وثيقة الدكتور فضل حتى الآن.
ومن تلك الأخطاء التي وصفها جمعة بأنها “شنيعة” ما عابه على صاحب الوثيقة من معاملته أهل الكتاب على أساس فكرة المواطنة ذات المفهوم العلماني، وعدم معاملتهم على أساس عقد الذمة الذي يضمن لهم أفضل من المساواة، وأشار إلى أن ذلك “تخيل فاسد بأن نقول إن المواطنة مقابل سقوط الشريعة، وهذا أقصى ما يهلل له العلمانيون، بأن نقرن المواطنة بالعلمانية، في حين أن المواطنة في أعظم أنواعها هي التي تستند إلى الشريعة”.
وعبر جمعة عن خشيته من إسقاط هذا الحديث على الواقع في العراق وأفغانستان وفلسطين، وخصوصا أن الوثيقة قالت إن قضية فلسطين قضية أصحاب الشعارات!.. وهي في الحقيقة قضية الأمة بأسرها، وكل المسلمين مطالبون بتحرير الأقصى والأرض المحتلة، واختتم كلامه بسؤال استنكاري: ما الذي يريده سيد إمام من تلك الوثيقة..؟ أهو عدم حمل السلاح ضد الحاكم فقط، أم يريد منا أن نكف عن المطالبة بالحرية والديمقراطية وتطبيق الشريعة…؟