عبد الغني مزوز
المقالة منشورة أولا في صحيفة رأي اليوم
شهدت الثورة السورية في الأسبوع الماضي تطورات مهمة و تحولات مفصلية, ستعيد رسم خريطة الولاءات والاصطفافات داخل المشهد الثوري في سوريا, وستلقي بظلالها على حاضر ومصير الثورة هناك. فبشكل مفاجئ تغيرت الخطابات و سادت حالة من التصعيد والاحتقان أعقبه إعلان عدد من التشكيلات الثورية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. هذا الأخير بدا مرتبكا في الساعات الأولى من المواجهة التي لم يحسب لها حسابا, وفقد في وقت قياسي عددا من المقرات والمناطق والمدن التي يتمركز فيها أبرزها الرقة معقله الرئيسي. وفي غمرة التصعيد العسكري والإعلامي الذي اضطلعت بجزء منه كثير من الفضائيات ظهر للجميع أن الأمر مستتب للجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين, الذي أصدر بيانين الأول إعلان تشكيله والثاني إعلانه الحرب على الدولة الإسلامية في العراق والشام, ولم تفصل بين البيانين سوى ساعات ما يطرح علامات استفهام حول خلفياته ودواعي تأسيسه. لؤي المقداد الناطق باسم الجيش الحر عبر عن سعادته بالانتصارات التي حققها المعارضة على ما سماها ” عصابات البغدادي وميلشيا الظواهري التي لن تجد لها مكانا في سوريا”.
أول رد من تنظيم الدولة الإسلامية جاءت في تسجيل صوتي لأحد قادته ودعا فيه كل الفصائل التي أعلنت الحرب عليهم أن يوقفوها فورا ويطلقوا سراح المعتقلين وينسحبوا من المقرات التي احتلوها, محددا مهلة أربع وعشرين ساعة لتنفيذ مطالبه, وإلا فان تنظيمه سيضطر للانسحاب من جبهاته مع النظام وبدئ مواجهة شاملة مع كل الفصائل التي شاركت في الحرب عليه.
انتهت المهلة دون أن تلبى دعوة التنظيم فانطلقت بذلك شرارة حرب “بينية” تلاحقت فيها التطورات والأحداث متسارعة, فأسفرت في غضون أيام عن مشهد جديد, الدولة الإسلامية استعادت معظم المناطق التي انسحبت منها ولازالت تحرز تقدما كبيرا على جميع خطوط التماس, الفصائل الإسلامية والثورية التي أعلنت الحرب عليها خسرت إضافة إلى المئات من مقاتليها ومقراتها عددا من كتائبها ورجاها الذين انظموا إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام وبدا أن المشهد العراقي يعاد تمثيله على خشبة المسرح السوري بكل حيثياته و تفاصيله.
أبو محمد العدناني الرجل الثاني في الدولة الإسلامية في العراق والشام خرج في تسجيل صوتي اصطكت له أسنان جميع مناوئي تنظيمه, حيث قدم توصيفه للصراع فقال بأن جماعات من الصحوة مرتبطة بقوى إقليمية ودولية هي التي تحارب تنظيمه في سوريا, على غرار ما حدث بالعراق, متوعدا إياها بالسحق دون رحمة مهددا في سياق رسالته الصوتية المطولة بسحب آلاف المقاتلين من العراق إلى سوريا إذا لزم الأمر. توصيف العدناني للصراع يختلف كليا عن توصيف الجولاني قائد جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) الذي انشق عن الدولة الإسلامية حيث اعتبر هذا الأخير أن القتال الحاصل بين الفرقاء الجهاديين هو ” قتال فتنة”, وقتال الفتنة في العرف الفقهي يعني القتال الذي يقع بين طوائف من المسلمين كل منها تدعي أن الحق معها, دون أن تتلبس إحداها بناقض من نواقض الإسلام, بينما يرى العدناني أن القتال بين تنظيمه وبين معظم الجماعات الثورية الأخرى هو قتال ” كفر وإيمان”, لأن هذه الجماعات تسعى إلى تنفيذ أجندات غربية هدفها إقصاء حاكمية الشريعة في سوريا.
النشطاء الجهاديون في تويتر والمواقع الجهادية حاولوا مواكبة ما يحدث في سوريا كل من وجهة نظره وموقفه من الصراع, لكن يبدوا أن الزخم الأكبر كان من نصيب المؤيدين للدولة الإسلامية حيث نشط رواد الانترنت الجهاديون في نشر التعليقات والمقالات ومقاطع الفيديو التي تؤكد أن ما يقع من قتال بين فصائل المعارضة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية هو نتيجة للتحريض المستمر والممنهج الذي يقوم به عدد من الشيوخ ورجال الدين المرتبطين ببعض الأنظمة الخليجية. وبث هؤلاء النشطاء مقاطع للشيخ عدنان العرعور وهو يكفر عناصر الدولة الإسلامية ويحث على استئصالهم وتشويه صورتهم أمام الناس لتنفيرهم منها. وقال النشطاء بأن العرعور وشيوخ آخرين لهم علاقات وثيقة بأجهزة مخابرات تعادي الاسلاميين في المنطقة. كما حاول هؤلاء النشطاء تفنيد بعض الإشاعات التي تثار حول تنظيم الدولة الإسلامية وقالوا بأن معظم الجثث التي تنشر صورها على الفضائيات باعتبارهم سجناء أعدمتهم الدولة الإسلامية هم في الحقيقة أفراد من الدولة الإسلامية أعدمتهم قوات المعارضة, وبثثت صورهم على أنهم سجناء أعدموا على يد الدولة الإسلامية, واستشهدوا بحالة شيخ تونسي سبق أن ظهر في أحد فيديوهات الدولة الإسلامية وعرف نفسه على أنه جندي في تنظيم الدولة الإسلامية, وأنه سعيد بوجوده بين رفاقه في التنظيم, وظهرت صورة الشيخ مقتولا ضمن عدة جثث قالت القنوات الفضائية إنها تعود لسجناء كان تنظيم الدولة الإسلامية يحتجزهم.
كبريات الشبكات الجهادية أعلنت وقوفها بجانب الدولة الإسلامية في صراعها مع ما سمتها بالصحوات, ولعل أهم هذه الشبكات شبكة شموخ الإسلام أشهر المواقع الجهادية المعتمدة من قبل مركز الفجر للإعلام.
الفصائل الثورية التي أعلنت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية كانت قراءتهم لقوة وإمكانيات هذا الأخير خاطئة بكل المعايير, كانوا يضنون أن حملة سريعة مع حضور عنصر المفاجئة لصالحهم ستكون كفيلة بدحر الدولة الإسلامية وإرغام عناصرها على العودة إلى العراق أو التوزع على الفصائل الأخرى, لكن الذي حدث هو العكس تماما, تنظيم الدولة كيان خطير وضارب, سيرته في العراق تؤكد أنه تنظيم بإمكانيات دولة, قوته تكمن في أن عناصره وقادته يؤمنون إيمانا عميقا بالفكرة التي يقاتلون من أجلها, والغريب أنه يزداد توسعا ونفوذا حتى وهو مجرد من شرعية الجهاد العالمي على اعتبار أن قائده البغدادي على خلاف شديد مع أيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة.
في العراق اختفت تقريبا كل المجاميع الجهادية التي ملئت الساحة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي, جماعات كبيرة كانت تضرب في طول العراق وعرضه اختفت وتسرب معظم أفرادها واحتواهم تنظيم الدولة الإسلامية, حتى جماعة أنصار الإسلام العريقة في شمال العراق انحسر نفوذها على حساب كتائب كردستان التابعة للدولة الإسلامية.
ابتكر الأمريكيون بمباركة من دول الجوار مشروع الصحوات في الأنبار للحد من نفوذ الدولة الإسلامية وإنهاء وجودها في العراق, كان مشروع الصحوات في العراق ناجحا في البداية, فقد طرد مسلحوا العشائر معظم مقاتلي الدولة وقتلوا منهم آلاف و أرغموهم على الانحياز إلى صحاري الأنبار الشاسعة, لكن تنظيم الدولة الإسلامية استطاع التقاط أنفاسه واستجماع قوته من جديد, فدشن حرب إبادة ضد الصحوات انتهت بانتصار التنظيم وتصفية معظم قادة وعناصر الصحوة, وعاودت قوات تنظيم الدولة الإسلامية الدخول من جديد إلى مدن الأنبار أكبر عددا وعتادا.
لا يمكن لجماعات قتالية أن تقف في وجه الأيد الضاربة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام, وهو التنظيم الذي يقتحم مدنا في العراق بحجم مدينة حديثة ويحكم سيطرته عليها باستخدام المسدسات الكاتمة للصوت فقط. وينجح في الولوج إلى أشد الأماكن تحصينا في العراق, وينفد عمليات اغتيال كبيرة كعملية اغتيال قائد الصحوة عبد الستار أبو ريشة, ويقتحم سجونا شديدة الحراسة كسجن أبو غريب وبادوش..وغيرهما.
يقود تنظيم الدولة الإسلامية مجموعة من القيادات الكبيرة التي لها تجربة طويلة في القتال بأفغانستان والعراق وحتى الشيشان, و العملية التي نفدها تنظيم الدولة الإسلامية واستهدفت تحرير سجناء في سجن أبو غريب ببغداد و أسفرت عن خروج أكثر من 500 مقاتل خطير, ساهمت في تطعيم الدولة الإسلامية بقيادات وكوادر مخضرمة, لهم دور كبير في إعطاء دفعة قوية للتنظيم في سياق حروبه على مختلف الجبهات والساحات.
يتربع على رأس القيادة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا رجل شيشاني يدعى عمر الشيشاني, وهو مقاتل جاء من الشيشان وراكم خبرة عسكرية و قيادية كبيرة, فقد كان رفيق القائد العربي الشهير في الشيشان خطاب, وقاد بنفسه عددا من المعارك مع قوات النظام السوري, في الأسبوع الماضي استقدم رتلا عسكريا من المنطقة الشرقية التي يتمركز بها وتوجه به إلى مدينة حلب, و تمكن من دحر مقاتلي المعارضة وإحكام السيطرة على مدينة الباب, انه قائد عسكري محنك ودو خبرة في أساليب حرب العصابات ولم تعينه قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في منصبه إلا بعد اطمئنانها على ذكائه وكفاءته.
في الآونة الأخيرة تدور إشاعات في أروقة المنتديات الإسلامية وبعض المواقع والمدونات مفادها أن قيادات علمية في التيار الجهادي ستصدر بيانات وفتاوى تنتقد فيها سلوك تنظيم الدولة الإسلامية, ويتوقع حسب ما يشاع أن يقوم كل من الظواهري وأبو محمد المقدسي بإصدار إدانات وردود على بعض الاختيارات الفقهية والمنهجية التي اعتمدتها الدولة الإسلامية في العراق والشام, وبالضبط ما يتعلق بمفاهيم البيعة والإمارة العامة والموقف من المخالفين وغيرها, غير أن جهاديين موالين للدولة الإسلامية نفوا هذه التسريبات التي قالوا إنها مزيفة وتأتي في ظرف لا تخدم فيه إلا خصوم التيار الجهادي خصوصا وهذا الأخير يعيش لحظات فارقه في مساره الجهادي.
أعتقد أن ما حدث في العراق سيحدث مجددا في سوريا سيما وتنظيم الدولة الإسلامية يخوض الآن حربا شعواء ضد كل الفصائل التي أعلنت الحرب عليه, وبدأ بتفعيل أخطر سلاح بحوزته ضدها ” الانتحاريون”, وبالفعل أباد تجمعات كبيرة لأحرار الشام التابعة للجبهة الإسلامية متوعدا كل من لم يستسلم و يسلم سلاحه بالقتل والتصفية, دخول تكتيك الانتحاريين في هذا الصراع معناه أن الدولة الإسلامية حسمت موقفها من الصراع, ولا يستبعد أبدا أن تتحول إلى الفاعل الرئيسي في الساحة السورية خصوصا والتنظيمات الكبيرة بدأت تتسرب كتائبها ومقاتلوها إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وبالتالي فنحن بصدد إعادة إنتاج الحالة العراقية من جديد.
شهدت الثورة السورية في الأسبوع الماضي تطورات مهمة و تحولات مفصلية, ستعيد رسم خريطة الولاءات والاصطفافات داخل المشهد الثوري في سوريا, وستلقي بظلالها على حاضر ومصير الثورة هناك. فبشكل مفاجئ تغيرت الخطابات و سادت حالة من التصعيد والاحتقان أعقبه إعلان عدد من التشكيلات الثورية الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. هذا الأخير بدا مرتبكا في الساعات الأولى من المواجهة التي لم يحسب لها حسابا, وفقد في وقت قياسي عددا من المقرات والمناطق والمدن التي يتمركز فيها أبرزها الرقة معقله الرئيسي. وفي غمرة التصعيد العسكري والإعلامي الذي اضطلعت بجزء منه كثير من الفضائيات ظهر للجميع أن الأمر مستتب للجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين, الذي أصدر بيانين الأول إعلان تشكيله والثاني إعلانه الحرب على الدولة الإسلامية في العراق والشام, ولم تفصل بين البيانين سوى ساعات ما يطرح علامات استفهام حول خلفياته ودواعي تأسيسه. لؤي المقداد الناطق باسم الجيش الحر عبر عن سعادته بالانتصارات التي حققها المعارضة على ما سماها ” عصابات البغدادي وميلشيا الظواهري التي لن تجد لها مكانا في سوريا”.
أول رد من تنظيم الدولة الإسلامية جاءت في تسجيل صوتي لأحد قادته ودعا فيه كل الفصائل التي أعلنت الحرب عليهم أن يوقفوها فورا ويطلقوا سراح المعتقلين وينسحبوا من المقرات التي احتلوها, محددا مهلة أربع وعشرين ساعة لتنفيذ مطالبه, وإلا فان تنظيمه سيضطر للانسحاب من جبهاته مع النظام وبدئ مواجهة شاملة مع كل الفصائل التي شاركت في الحرب عليه.
انتهت المهلة دون أن تلبى دعوة التنظيم فانطلقت بذلك شرارة حرب “بينية” تلاحقت فيها التطورات والأحداث متسارعة, فأسفرت في غضون أيام عن مشهد جديد, الدولة الإسلامية استعادت معظم المناطق التي انسحبت منها ولازالت تحرز تقدما كبيرا على جميع خطوط التماس, الفصائل الإسلامية والثورية التي أعلنت الحرب عليها خسرت إضافة إلى المئات من مقاتليها ومقراتها عددا من كتائبها ورجاها الذين انظموا إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام وبدا أن المشهد العراقي يعاد تمثيله على خشبة المسرح السوري بكل حيثياته و تفاصيله.
أبو محمد العدناني الرجل الثاني في الدولة الإسلامية في العراق والشام خرج في تسجيل صوتي اصطكت له أسنان جميع مناوئي تنظيمه, حيث قدم توصيفه للصراع فقال بأن جماعات من الصحوة مرتبطة بقوى إقليمية ودولية هي التي تحارب تنظيمه في سوريا, على غرار ما حدث بالعراق, متوعدا إياها بالسحق دون رحمة مهددا في سياق رسالته الصوتية المطولة بسحب آلاف المقاتلين من العراق إلى سوريا إذا لزم الأمر. توصيف العدناني للصراع يختلف كليا عن توصيف الجولاني قائد جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) الذي انشق عن الدولة الإسلامية حيث اعتبر هذا الأخير أن القتال الحاصل بين الفرقاء الجهاديين هو ” قتال فتنة”, وقتال الفتنة في العرف الفقهي يعني القتال الذي يقع بين طوائف من المسلمين كل منها تدعي أن الحق معها, دون أن تتلبس إحداها بناقض من نواقض الإسلام, بينما يرى العدناني أن القتال بين تنظيمه وبين معظم الجماعات الثورية الأخرى هو قتال ” كفر وإيمان”, لأن هذه الجماعات تسعى إلى تنفيذ أجندات غربية هدفها إقصاء حاكمية الشريعة في سوريا.
النشطاء الجهاديون في تويتر والمواقع الجهادية حاولوا مواكبة ما يحدث في سوريا كل من وجهة نظره وموقفه من الصراع, لكن يبدوا أن الزخم الأكبر كان من نصيب المؤيدين للدولة الإسلامية حيث نشط رواد الانترنت الجهاديون في نشر التعليقات والمقالات ومقاطع الفيديو التي تؤكد أن ما يقع من قتال بين فصائل المعارضة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية هو نتيجة للتحريض المستمر والممنهج الذي يقوم به عدد من الشيوخ ورجال الدين المرتبطين ببعض الأنظمة الخليجية. وبث هؤلاء النشطاء مقاطع للشيخ عدنان العرعور وهو يكفر عناصر الدولة الإسلامية ويحث على استئصالهم وتشويه صورتهم أمام الناس لتنفيرهم منها. وقال النشطاء بأن العرعور وشيوخ آخرين لهم علاقات وثيقة بأجهزة مخابرات تعادي الاسلاميين في المنطقة. كما حاول هؤلاء النشطاء تفنيد بعض الإشاعات التي تثار حول تنظيم الدولة الإسلامية وقالوا بأن معظم الجثث التي تنشر صورها على الفضائيات باعتبارهم سجناء أعدمتهم الدولة الإسلامية هم في الحقيقة أفراد من الدولة الإسلامية أعدمتهم قوات المعارضة, وبثثت صورهم على أنهم سجناء أعدموا على يد الدولة الإسلامية, واستشهدوا بحالة شيخ تونسي سبق أن ظهر في أحد فيديوهات الدولة الإسلامية وعرف نفسه على أنه جندي في تنظيم الدولة الإسلامية, وأنه سعيد بوجوده بين رفاقه في التنظيم, وظهرت صورة الشيخ مقتولا ضمن عدة جثث قالت القنوات الفضائية إنها تعود لسجناء كان تنظيم الدولة الإسلامية يحتجزهم.
كبريات الشبكات الجهادية أعلنت وقوفها بجانب الدولة الإسلامية في صراعها مع ما سمتها بالصحوات, ولعل أهم هذه الشبكات شبكة شموخ الإسلام أشهر المواقع الجهادية المعتمدة من قبل مركز الفجر للإعلام.
الفصائل الثورية التي أعلنت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية كانت قراءتهم لقوة وإمكانيات هذا الأخير خاطئة بكل المعايير, كانوا يضنون أن حملة سريعة مع حضور عنصر المفاجئة لصالحهم ستكون كفيلة بدحر الدولة الإسلامية وإرغام عناصرها على العودة إلى العراق أو التوزع على الفصائل الأخرى, لكن الذي حدث هو العكس تماما, تنظيم الدولة كيان خطير وضارب, سيرته في العراق تؤكد أنه تنظيم بإمكانيات دولة, قوته تكمن في أن عناصره وقادته يؤمنون إيمانا عميقا بالفكرة التي يقاتلون من أجلها, والغريب أنه يزداد توسعا ونفوذا حتى وهو مجرد من شرعية الجهاد العالمي على اعتبار أن قائده البغدادي على خلاف شديد مع أيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة.
في العراق اختفت تقريبا كل المجاميع الجهادية التي ملئت الساحة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي, جماعات كبيرة كانت تضرب في طول العراق وعرضه اختفت وتسرب معظم أفرادها واحتواهم تنظيم الدولة الإسلامية, حتى جماعة أنصار الإسلام العريقة في شمال العراق انحسر نفوذها على حساب كتائب كردستان التابعة للدولة الإسلامية.
ابتكر الأمريكيون بمباركة من دول الجوار مشروع الصحوات في الأنبار للحد من نفوذ الدولة الإسلامية وإنهاء وجودها في العراق, كان مشروع الصحوات في العراق ناجحا في البداية, فقد طرد مسلحوا العشائر معظم مقاتلي الدولة وقتلوا منهم آلاف و أرغموهم على الانحياز إلى صحاري الأنبار الشاسعة, لكن تنظيم الدولة الإسلامية استطاع التقاط أنفاسه واستجماع قوته من جديد, فدشن حرب إبادة ضد الصحوات انتهت بانتصار التنظيم وتصفية معظم قادة وعناصر الصحوة, وعاودت قوات تنظيم الدولة الإسلامية الدخول من جديد إلى مدن الأنبار أكبر عددا وعتادا.
لا يمكن لجماعات قتالية أن تقف في وجه الأيد الضاربة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام, وهو التنظيم الذي يقتحم مدنا في العراق بحجم مدينة حديثة ويحكم سيطرته عليها باستخدام المسدسات الكاتمة للصوت فقط. وينجح في الولوج إلى أشد الأماكن تحصينا في العراق, وينفد عمليات اغتيال كبيرة كعملية اغتيال قائد الصحوة عبد الستار أبو ريشة, ويقتحم سجونا شديدة الحراسة كسجن أبو غريب وبادوش..وغيرهما.
يقود تنظيم الدولة الإسلامية مجموعة من القيادات الكبيرة التي لها تجربة طويلة في القتال بأفغانستان والعراق وحتى الشيشان, و العملية التي نفدها تنظيم الدولة الإسلامية واستهدفت تحرير سجناء في سجن أبو غريب ببغداد و أسفرت عن خروج أكثر من 500 مقاتل خطير, ساهمت في تطعيم الدولة الإسلامية بقيادات وكوادر مخضرمة, لهم دور كبير في إعطاء دفعة قوية للتنظيم في سياق حروبه على مختلف الجبهات والساحات.
يتربع على رأس القيادة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا رجل شيشاني يدعى عمر الشيشاني, وهو مقاتل جاء من الشيشان وراكم خبرة عسكرية و قيادية كبيرة, فقد كان رفيق القائد العربي الشهير في الشيشان خطاب, وقاد بنفسه عددا من المعارك مع قوات النظام السوري, في الأسبوع الماضي استقدم رتلا عسكريا من المنطقة الشرقية التي يتمركز بها وتوجه به إلى مدينة حلب, و تمكن من دحر مقاتلي المعارضة وإحكام السيطرة على مدينة الباب, انه قائد عسكري محنك ودو خبرة في أساليب حرب العصابات ولم تعينه قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في منصبه إلا بعد اطمئنانها على ذكائه وكفاءته.
في الآونة الأخيرة تدور إشاعات في أروقة المنتديات الإسلامية وبعض المواقع والمدونات مفادها أن قيادات علمية في التيار الجهادي ستصدر بيانات وفتاوى تنتقد فيها سلوك تنظيم الدولة الإسلامية, ويتوقع حسب ما يشاع أن يقوم كل من الظواهري وأبو محمد المقدسي بإصدار إدانات وردود على بعض الاختيارات الفقهية والمنهجية التي اعتمدتها الدولة الإسلامية في العراق والشام, وبالضبط ما يتعلق بمفاهيم البيعة والإمارة العامة والموقف من المخالفين وغيرها, غير أن جهاديين موالين للدولة الإسلامية نفوا هذه التسريبات التي قالوا إنها مزيفة وتأتي في ظرف لا تخدم فيه إلا خصوم التيار الجهادي خصوصا وهذا الأخير يعيش لحظات فارقه في مساره الجهادي.
أعتقد أن ما حدث في العراق سيحدث مجددا في سوريا سيما وتنظيم الدولة الإسلامية يخوض الآن حربا شعواء ضد كل الفصائل التي أعلنت الحرب عليه, وبدأ بتفعيل أخطر سلاح بحوزته ضدها ” الانتحاريون”, وبالفعل أباد تجمعات كبيرة لأحرار الشام التابعة للجبهة الإسلامية متوعدا كل من لم يستسلم و يسلم سلاحه بالقتل والتصفية, دخول تكتيك الانتحاريين في هذا الصراع معناه أن الدولة الإسلامية حسمت موقفها من الصراع, ولا يستبعد أبدا أن تتحول إلى الفاعل الرئيسي في الساحة السورية خصوصا والتنظيمات الكبيرة بدأت تتسرب كتائبها ومقاتلوها إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وبالتالي فنحن بصدد إعادة إنتاج الحالة العراقية من جديد.
تابعني على تويتر للمزيد من المقالات