عبد الغني مزوز—
مند فترة وأنا أتابع ما يحدث في ليبيا من تفجيرات وعمليات اغتيال منظمة, وأتساءل إن كانت هذه العمليات تقف خلفها أيادي “جهادية”, وكنت دائما أستبعد هذه الفرضية لأن القوة الجهادية الناشط الآن في ليبيا هي جماعة أنصار الشريعة وهي جماعة سلفية لديها اهتمام خدمي ودعوي أكثر منه عسكري رغم قوتها التسليحية والتنظيمية الهائلة باستثناء الحواجز التي تقيمها على مداخل بعض المدن و دورياتها التي تجوب المدن الليبية إضافة لاضطلاعها بمهمة تأمين عدد من المرافق والمؤسسات كالمدارس والجامعات. إلا أن دخول نمط التفجيرات الانتحارية في العمليات التي تستهدف حواجز الجيش الليبي وتجمعاته أعاد للفرضية السابقة وجاهتها.
كان التفسير الذي أراه أقرب إلى الحقيقة أن تلك التفجيرات والعمليات الانتحارية ربما تقف وراءها خلايا “جهادية ” مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام, قد لا أكون مخطئ إذا جزمت أن هذه التفجيرات الانتحارية ناتجة عن نظرية التمدد التي تعتمدها دولة العراق والشام خصوصا وعدد هائل من الليبيين قد انظموا فعلا إلى التنظيم المذكور في سوريا ولا يستبعد أن يعود بعضهم إلى بلادها ومعهم البيعة لأبي بكر البغدادي وحزمة من التوصيات والأوامر. هذه التكهنات ربما تعززها أكثر رسالة المتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام أبي محمد العدناني بعنوان “عذرا أمير القاعدة”, وهي الرسالة التي كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن تنظيم الدولة الإسلامية يريد فعلا أن يتولى قيادة الجهاد العالمي و أن تنظيم الدولة الإسلامية متبرم ورافض لإستراتيجية القاعدة القاضية بعدم فتح جبهات عسكرية في ليبيا وتونس ومصر والسعودية وإيران, فهل ما يحدث في ليبيا وربما في تونس أيضا هو من آثار تمدد دولة البغدادي سيما ورشحت أخبار مند فترة أن البغدادي يستعد لإعلان الخلافة الإسلامية للخروج من مأزق الاسم إذا أعلن تمدد “دولته” إلى أنحاء كثيرة مترامية وهو ما لمح إليه العدناني في خطابه الأخير.
لقد وردت عبارت في خطاب العدناني ” عذرا أمير القاعدة” قد تقطع الشك باليقين على أن ما يحدث في ليبيا هو من بنيات أفكار البغدادي والعدناني في سياق سعيهما لقيادة الجهاد العالمي وسحب البساط من تحث أقدام القاعدة, يقول العدناني :” وبسبب القاعدة لم تتدخل الدولة في مصر أو ليبيا أو تونس، وظلت تكظم غيظها وتكبح جماح جنودها على مر السنين، والحزن يملأ أركانها وربوعها لكثرة استغاثة المستضعفين بها، والعلمانيون يُنصّبون طواغيت جدد أشدّ كفراً من سلفهم في تونس وليبيا ومصر، والدولة لا تستطيع تحريك ساكِن لتوحيد الكلمة حول كلمة التوحيد، لعدم مخالفة رموز وقادة الجهاد المتمثلين بالقاعدة التي تولّت الجهاد العالمي وحملَت على عاتقها العمل في تلك البلاد.” فهل بعد أن وقعت الخصومة بين القاعدة والدولة مند عام راجعت الدولة خياراتها وقررت العمل في هذه الأقطار..ويقول العدناني أيضا مخاطبا الظواهري :” وندعوكَ ثانياً لتصحيح منهجك بأن تصدعَ بتكفير الروافض المشركين الأنجاس، وتصدع بردّة الجيش المصري والباكستاني والأفغاني والتونسي والليبي واليمني وغيرهم من جنود الطواغيت وأنصارهم…”
لقد كشف العدناني في خطابه الكثير من الأوراق وهو خطاب استفزازي بكل المقاييس لقيادة القاعدة, ولعل أخطر ما فيه هو آخره عندما دعا العدناني أفرع القاعدة للخروج عن صمتها لتقول رأيها في تنظيم الدولة, وهي محاولة من العدناني لاستدرار ولاء أفرع القاعدة أو على الأقل إيقاعها في تخبط و حرج لأنه يعلم أن هناك من قيادات بعض الأفرع من يتعاطف مع البغدادي ودولته.