عبد الغني مزوز—
بداية لا بد أن نعرف أن ظروف نشأة النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية في 2003 كانت صعبة جدا، حيث كان مؤسس جماعة التوحيد والجهاد أبو مصعب الزرقاوي يدرك جيدا قبل الجميع أن المعركة في العراق ستكون معركة وجودية صفرية، لا يمكن أن تسفر إلا عن انتصار مشروع واحد وهزيمة المشاريع الأخرى المنافسة، دون أن تكون هناك أدنى فرصة لالتقائها عند أي نقطة، إلا بمقتضى الشروط التي يفرضها المنتصر. تصادمت في العراق ثلاثة مشاريع كبرى، المشروع الغربي (الصليبي) وحليفه المشروع الصفوي الفارسي في مواجهة المشروع الإسلامي الجهادي.
الطابع الصفري للمعركة في العراق حتم وجود كيانات وجماعات حدية شرسة تنخرط في القتال والمواجهة بكل عنفوان وقوة، فوجود ميلشيات شيعية كمنظمة بدر وجيش المهدي والجيش العراقي الطائفي وكلها تمارس القتل على الأسماء والهوية وتتصيد السنة على الحواجز وتمارس التهجير والإفناء الممنهج لأهل السنة في مناطقهم، إضافة إلى أن هذه الكيانات تتمتع بدعم الجيش الأمريكي والشركات الأمنية الخاصة التي تقتل بمجرد القتل، كل هذه التفاصيل جعلت من الضروري وجود كيانات سنية جهادية حدية تضطلع بمهمة الدفاع عن أهل السنة وتأمين وجودهم.
أبو مصعب الزرقاوي في سياق دفاعه الوجودي عن السنة اختار اسم ” التوحيد والجهاد” لمشروعه الجهادي وهو اسم دو دلالة فهو العنوان الذي اختاره شيخه أبو محمد المقدسي لدعوته، وهذا الأخير شيد نموذجه الدعوي من تراث سيد قطب وشيخ الإسلام بن تيمية إلا أن تعاليم وأفكار محمد بن عبد الوهاب هي العمود الفقري لدعوته، يتجلى هذا في كتابه الأشهر “ملة إبراهيم”، المقدسي استأنف دعوة محمد ابن عبد الوهاب بثغراتها الهائلة خصوصا على مستوى الفقه السياسي الذي كان معدوما في أدبيات محمد ابن عبد الوهاب أو كان استمرارا للفقه السياسي المؤول المستمد من الفقه السلطاني الساساني، هذه الثغرات ستنعكس فيما بعد على تجربة جماعة التوحيد والجهاد وامتداداتها (تنظيم القاعدة، مجلس شورى المجاهدين، دولة العراق الإسلامية، الدولة الإسلامية في العراق والشام، الدولة الإسلامية) هذه الأخيرة هي بمثابة التتويج النهائي لدعوة “للتوحيد والجهاد” بصيغتها الجهادية عند الزرقاوي و الدعوية عند أبي محمد المقدسي بكل ثغراتها وأخطائها التي لم يكتشفها أي منظر جهادي باستثناءات قليلة إذا اعتبرنا أن محمد المسعري كان في وقت من الأوقات محسوبا على التيار الجهادي أو مقربا منه. وهو الوحيد الذي توقع النهاية المأساوية لدعوة التوحيد والجهاد إذا لم تجدد وترمم ثغراتها.
اليوم بعد 11 سنة من بداية الصراع الصفري في العراق استطاع المشروع الجهادي التقدم على المشاريع الأخرى وقصم ظهرها، بعد أن قدم من دماء أبناءه الكثير، لكنه الآن عاجز عن توظيف نصره بما يحفظ للفرقاء الجهاديين ألفتهم وانسجامهم مع أنهم ينحدرون من مدرسة إسلامية واحدة ” السلفية الجهادية” فما بالك بصيغة لا تقصي أيا من أبناء الحركة الإسلامية بمشاربها وتوجهاتها المختلفة.
تتبع سياقات الأزمة ستفضي بنا لا محالة إلى لحظة محمد بن عبد الوهاب و”تلميذه” أبو محمد المقدسي الذي لم يفطن إلى البياضات والفراغات المنتشرة في نموذجه الدعوي عندما قدمه مجردا من أي تصور سياسي مبني على الفقه السياسي الراشد المنزل. وبالتالي من الطبيعي أن يعيش التيار الجهادي تخبطه الراهن ويستمر القتال على الحكم والإمارة والولاية والبيعة وتستأنف من جديد ماسي مرحلة العض والجبر.
لعل السؤال الذي يجب أن يطرح هو هل في منظري التيار الجهادي من يملك الإمكانيات الفكرية والشرعية لتأطير التيار الجهادي سياسيا وتخليصه من الارتجالية السياسية التي يتخبط فيها، الجواب بالإيجاب لكنهم معدودون على أصابع اليد الواحدة، وقد تعوزهم الشجاعة لفعل ذلك لان الموضوع سيكون جديدا على أبناء التيار وقد لا يستسيغونه بسهولة، لأنه يطرق مفاهيم تثير الحساسية عند أغلبهم مثل الدستور والأحزاب والانتخاب وغيرها..
أي باحث يقوم باستعراض أدبيات التيار الجهادي سيجد فقرا مدقعا فيما يتعلق بالفقه السياسي، وغياب هذا الفقه المهم في أدبيات التيار لا يعني إهماله لأن هناك من المفكرين الإسلاميين من كتب فيه تحريرا وتنقيحا وبغزارة، ولعل تبني المشروع الجهادي لأدبيات الدكتور حاكم المطيري كفيلة بأن تنتشله من واقع الأزمة التي يعيشها الآن، غير أن الدكتور حاكم المطيري تحول إلى طاغية مرتد في عرف بعض الجهاديين الجاميين.
إذن من الطبيعي في ظل ما ذكرناه أن ينصب البغدادي خليفة على المسلمين وتكفر الجماعات التي لم تبايعه، ويخرج قطاع آخر من الجهاديين يرون أن الملا عمر إمام بويع بيعة عظمى، وتتضارب الشهادات حول الإمارات والبيعات، ويهش الناس في الشوارع لأداء الصلوات، ويقتل الناس مصلحة، ويهجر المسيحيون من بيوتهم، ويجلد شارب الدخان ويصلب الطفل لأنه جاهر بالإفطار في رمضان وغيرها من الطوام التي تكشف محدودية الفهم السياسي أو انعدامه.
يحدث هذا والربيع الجهادي في قمة زهوه وعنفوانه، حيث مسك الجهاديون الأرض ووضعوا يدهم على موارد ضخمة، وباتوا رقما صعبا في معادلة الأمن العالمي. لكن الوصف الذي ينطبق الآن على الجهاديين (في العراق وسوريا) هو أنهم تنظيم بإمكانيات دولة ودولة بعقلية تنظيم.
بداية لا بد أن نعرف أن ظروف نشأة النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية في 2003 كانت صعبة جدا، حيث كان مؤسس جماعة التوحيد والجهاد أبو مصعب الزرقاوي يدرك جيدا قبل الجميع أن المعركة في العراق ستكون معركة وجودية صفرية، لا يمكن أن تسفر إلا عن انتصار مشروع واحد وهزيمة المشاريع الأخرى المنافسة، دون أن تكون هناك أدنى فرصة لالتقائها عند أي نقطة، إلا بمقتضى الشروط التي يفرضها المنتصر. تصادمت في العراق ثلاثة مشاريع كبرى، المشروع الغربي (الصليبي) وحليفه المشروع الصفوي الفارسي في مواجهة المشروع الإسلامي الجهادي.
الطابع الصفري للمعركة في العراق حتم وجود كيانات وجماعات حدية شرسة تنخرط في القتال والمواجهة بكل عنفوان وقوة، فوجود ميلشيات شيعية كمنظمة بدر وجيش المهدي والجيش العراقي الطائفي وكلها تمارس القتل على الأسماء والهوية وتتصيد السنة على الحواجز وتمارس التهجير والإفناء الممنهج لأهل السنة في مناطقهم، إضافة إلى أن هذه الكيانات تتمتع بدعم الجيش الأمريكي والشركات الأمنية الخاصة التي تقتل بمجرد القتل، كل هذه التفاصيل جعلت من الضروري وجود كيانات سنية جهادية حدية تضطلع بمهمة الدفاع عن أهل السنة وتأمين وجودهم.
أبو مصعب الزرقاوي في سياق دفاعه الوجودي عن السنة اختار اسم ” التوحيد والجهاد” لمشروعه الجهادي وهو اسم دو دلالة فهو العنوان الذي اختاره شيخه أبو محمد المقدسي لدعوته، وهذا الأخير شيد نموذجه الدعوي من تراث سيد قطب وشيخ الإسلام بن تيمية إلا أن تعاليم وأفكار محمد بن عبد الوهاب هي العمود الفقري لدعوته، يتجلى هذا في كتابه الأشهر “ملة إبراهيم”، المقدسي استأنف دعوة محمد ابن عبد الوهاب بثغراتها الهائلة خصوصا على مستوى الفقه السياسي الذي كان معدوما في أدبيات محمد ابن عبد الوهاب أو كان استمرارا للفقه السياسي المؤول المستمد من الفقه السلطاني الساساني، هذه الثغرات ستنعكس فيما بعد على تجربة جماعة التوحيد والجهاد وامتداداتها (تنظيم القاعدة، مجلس شورى المجاهدين، دولة العراق الإسلامية، الدولة الإسلامية في العراق والشام، الدولة الإسلامية) هذه الأخيرة هي بمثابة التتويج النهائي لدعوة “للتوحيد والجهاد” بصيغتها الجهادية عند الزرقاوي و الدعوية عند أبي محمد المقدسي بكل ثغراتها وأخطائها التي لم يكتشفها أي منظر جهادي باستثناءات قليلة إذا اعتبرنا أن محمد المسعري كان في وقت من الأوقات محسوبا على التيار الجهادي أو مقربا منه. وهو الوحيد الذي توقع النهاية المأساوية لدعوة التوحيد والجهاد إذا لم تجدد وترمم ثغراتها.
اليوم بعد 11 سنة من بداية الصراع الصفري في العراق استطاع المشروع الجهادي التقدم على المشاريع الأخرى وقصم ظهرها، بعد أن قدم من دماء أبناءه الكثير، لكنه الآن عاجز عن توظيف نصره بما يحفظ للفرقاء الجهاديين ألفتهم وانسجامهم مع أنهم ينحدرون من مدرسة إسلامية واحدة ” السلفية الجهادية” فما بالك بصيغة لا تقصي أيا من أبناء الحركة الإسلامية بمشاربها وتوجهاتها المختلفة.
تتبع سياقات الأزمة ستفضي بنا لا محالة إلى لحظة محمد بن عبد الوهاب و”تلميذه” أبو محمد المقدسي الذي لم يفطن إلى البياضات والفراغات المنتشرة في نموذجه الدعوي عندما قدمه مجردا من أي تصور سياسي مبني على الفقه السياسي الراشد المنزل. وبالتالي من الطبيعي أن يعيش التيار الجهادي تخبطه الراهن ويستمر القتال على الحكم والإمارة والولاية والبيعة وتستأنف من جديد ماسي مرحلة العض والجبر.
لعل السؤال الذي يجب أن يطرح هو هل في منظري التيار الجهادي من يملك الإمكانيات الفكرية والشرعية لتأطير التيار الجهادي سياسيا وتخليصه من الارتجالية السياسية التي يتخبط فيها، الجواب بالإيجاب لكنهم معدودون على أصابع اليد الواحدة، وقد تعوزهم الشجاعة لفعل ذلك لان الموضوع سيكون جديدا على أبناء التيار وقد لا يستسيغونه بسهولة، لأنه يطرق مفاهيم تثير الحساسية عند أغلبهم مثل الدستور والأحزاب والانتخاب وغيرها..
أي باحث يقوم باستعراض أدبيات التيار الجهادي سيجد فقرا مدقعا فيما يتعلق بالفقه السياسي، وغياب هذا الفقه المهم في أدبيات التيار لا يعني إهماله لأن هناك من المفكرين الإسلاميين من كتب فيه تحريرا وتنقيحا وبغزارة، ولعل تبني المشروع الجهادي لأدبيات الدكتور حاكم المطيري كفيلة بأن تنتشله من واقع الأزمة التي يعيشها الآن، غير أن الدكتور حاكم المطيري تحول إلى طاغية مرتد في عرف بعض الجهاديين الجاميين.
إذن من الطبيعي في ظل ما ذكرناه أن ينصب البغدادي خليفة على المسلمين وتكفر الجماعات التي لم تبايعه، ويخرج قطاع آخر من الجهاديين يرون أن الملا عمر إمام بويع بيعة عظمى، وتتضارب الشهادات حول الإمارات والبيعات، ويهش الناس في الشوارع لأداء الصلوات، ويقتل الناس مصلحة، ويهجر المسيحيون من بيوتهم، ويجلد شارب الدخان ويصلب الطفل لأنه جاهر بالإفطار في رمضان وغيرها من الطوام التي تكشف محدودية الفهم السياسي أو انعدامه.
يحدث هذا والربيع الجهادي في قمة زهوه وعنفوانه، حيث مسك الجهاديون الأرض ووضعوا يدهم على موارد ضخمة، وباتوا رقما صعبا في معادلة الأمن العالمي. لكن الوصف الذي ينطبق الآن على الجهاديين (في العراق وسوريا) هو أنهم تنظيم بإمكانيات دولة ودولة بعقلية تنظيم.
تابعني على تويتر