عبد الغني مزوز—
خطوة إعلان تشكيل فرع جديد لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية لا يمكن أن تقرأ إلا في سياقات الأزمة داخل التيار الجهادي, فهي بقدر ما تعتبر خطوة لسد ” تغور” وفتح جبهات جديدة في جغرافيا يضطهد فيها المسلمون حسب القاعدة, وهي خطوة دشن العمل عليها رواد التنظيم الأوائل ” عطية الله, أبو يحيى الليبي, مصطفى أبو اليزيد, الياس كشميري…” بقدر ما هي خطوات عملية لمعالجة الأزمة وإعادة قطار الحركة الجهادية إلى سكته الصحيحة.
فالإصدار المرئي الذي أصدرته مؤسسة السحاب بمناسبة تأسيس فرع للقاعدة في شبه القارة الهندية حافل بالرموز والتلميحات وأحيانا بالتوجيهات الواضحة التي تتضافر كلها لتؤكد على رسالة واحدة تريد قيادة القاعدة أن توصلها للجميع وهي : القاعدة مازالت فاعلة وتحتفظ بزمام المبادرة وفي جعبتها الكثير من المفاجئات وأن رهانات استنزافها رمزيا وتنظيميا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية خاسرة وأن ما أعلنه هذا الأخيرة من قيام للخلافة الإسلامية إجراء باطل في ظل وجود الملا عمر كأمير بويع من القاعدة بيعة عظمى. فما هي هذه الرموز والتوجيهات التي تضمنها إصدار القاعدة الجديد؟
قيادة القاعدة تدرك جيدا أن التصدي لمشاريع أبو بكر البغدادي الذي يسعى إلى بناء تيار جهادي عالمي موازي للذي أسسه أسامة بن لادن يقع في صميم مسؤوليات القاعدة, لأن هذه الأخيرة هي التي منحت الدعم والغطاء التنظيمي والشرعي لتنظيم الدولة الإسلامية حتى بات قوة جهادية كبرى.
تبلغ مدة الإصدار المرئي الذي أصدرته مؤسسة السحاب بمناسبة إنشاء فرع للقاعدة في شبه القارة الهندية 55دقيقة، في ثانيته الأولى بعد البسملة المعتادة نكتشف أننا بصدد تغيير لافت في خطاب القاعدة, إنها تريد أن تضع النقط على الحروف بكل وضوح ليفهمها كل المعنيين ومن يهمهم الأمر وفي مقدمتهم أبو بكر البغدادي وقيادة الدولة الإسلامية. يبدأ الإصدار بخريطة للعالم ترفرف عليها راية بيضاء مكتوب عليها عبارة الشهادة, مشكلة العلم الخاص بإمارة طالبان الإسلامية وفي جانب الصورة الأيسر يظهر أسامة بن لادن متحدثا عن إعادة رسم خارطة العالم الإسلامي :” لتصبح دولة واحدة تحت راية الخلافة الإسلامية”. القاعدة تريد من خلال هذا الاستهلال أن تجرد تنظيم الدولة الإسلامية من شرعية الخلافة, فتنظيم الدولة الإسلامية اعتاد أن يبدأ إصداراته المرئية بخريطة العالم وعليها رايته السوداء المعروفة، إشارة منه إلى توسعه وامتداده وخلافته. وتريد القاعدة هنا وهي بصدد معالجة أزمة “الدولة الإسلامية” أن تشرعن لتوسع وامتداد آخر تراه أصيلا وشرعيا وهو امتداد الإمارة الإسلامية وهو ما سنلتقط إشاراته في ثنايا الإصدار بعد قليل.
قبل فترة نشرت القاعدة عبر مؤسسة السحاب محاضرة مرئية لأسامة بن لادن بعنوان “بشريات” وضح أسامة بن لادن في جزء منها طبيعة البيعة التي تربط تنظيمه بالملا محمد عمر, وبين بن لادن أن بيعته للملا عمر هي بيعة عظمى وليست بيعة حرب, بمعنى أن كل فروع القاعدة بما فيها الفرع العراقي يعمل تحث مظلة الإمارة الإسلامية بقيادة الملا عمر باعتباره الأمير المبايع بيعة كبرى. بعد انشقاق البغدادي عن القاعدة وإعلانه الخلافة الإسلامية احتاجت القاعدة أن تبين من جديد حقيقتها وحقيقة بيعتها للملا عمر، خصوصا وأن من أهم الحجج التي يتكئ عليها أبو بكر البغدادي في صراعه مع أيمن الظواهري أن هذا الأخير يمثل تنظيما بينما هو يمثل دولة وخلافة, والقاعدة تريد أن تؤكد أنها امتداد لإمارة قائمة وأن أي فرع يبايع الظواهري إنما يبايع الملا عمر بواسطته، هذه الواسطة سيجري إبرازها أكثر على لسان عاصم عمر قائد تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية.
هل إعلان أبو محمد الجولاني للإمارة الإسلامية في سوريا عبر تسجيل مسرب يندرج في هذا السياق أعني “الواسطة”، لا أستبعد ذلك، لأن الجهاديين الموالين للقاعدة ربما أدركوا أن منطق “الدولة” الذي يتبناه البغدادي لا يمكن أن يجابه إلا بمنطق “الإمارة” ووقف تسرب الجهاديين إلى ضفة البغدادي حيث جاذبية “الدولة” لا يمكن أن يوقف إلا بسحر “الإمارة” ووهجها.
أيمن الظواهري في ثنايا إعلانه عن فرع القاعدة الجديد في شبه القارة الهندية أطلق مجموعة من الإشارات, تؤكد أن إعلان الفرع الجديد أو على الأقل بهذه الصيغة التي أعلن بها وتوقيته أن المعني الأول به هو أبو بكر البغدادي وقيادة تنظيم الدولة الإسلامية.
استهل الظواهري كلمته بشكر الجنود المجهولين الذي عملوا “بصبر وإنكار للذات حتى ولد هذا الكيان المبارك” وأثنى,على “أمراء الجماعات المجاهدة الذين ضربوا أمثلة راقية في التواضع والتنازل والحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين ليولد هذا الكيان الذي يجدد الجهاد في شبه القارة الهندية ضد أعداء الإسلام” لينتقل بعدها الظواهري إلى بيت القصيد ويعلن أن :” قيام هذا الفرع الجديد بشرى للمسلمين في كل الدنيا أن دعوة الجهاد تحت إمارة الإمارة الإسلامية بفضل الله في تمدد وتوسع”. إذن فروع القاعدة هي امتداد وتوسع للإمارة الإسلامية بأفغانستان, الظواهري في ختام كلمته وجه ما اعتبره نصائح لفرع القاعدة الجديد في شبه القارة الهندية غير أنها في حقيقتها رسائل إدانة مباشرة وصريحة لقيادة تنظيم الدولة الإسلامية اختار لها الظواهري قالب النصيحة لفرع القاعدة الجديد حيث قال:” فإذا قلتم إنكم تجاهدون للدفاع عن حرمات المسلمين فعليكم أن لا تعتدوا على أنفسهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، بل ولا تعتدوا على إخوانكم المجاهدين بالقول أو الفعل. وإذا قلتم إنكم تجاهدون لكي يكون الدين كله لله ولكي تحكم شريعته في الأرض وتسود فعليكم أن تقيموا الشريعة على أنفسكم. ولا تتملصوا من التحاكم لها إن كان الحكم سيخرج ضدكم. و إن قلتم إنكم لا تبغون بجهادكم إلا وجه الله، فعليكم أن لا تتسابقوا على الحكم والسلطان عند أول فرصة. و إذا قلتم إنكم تجاهدون لتنصروا المظلوم، فعليكم أن لا تسمحوا بالظلم بينكم، وعليكم أن لا تظلموا غيركم من المجاهدين والمسلمين.” والاعتداء على الأنفس والأعراض والحرمات, والاعتداء على رفاق السلاح “إخوانكم المجاهدين” بالقول والفعل, والتملص من التحاكم إلى الشريعة, والمسابقة إلى الحكم والسلطان..كلها تهم وجهت إلى تنظيم الدولة الإسلامية من قبل منظري ورموز التيار الجهادي وأعادها الظواهري هنا في سياق النصيحة والتوجيه لفرع القاعدة الجديد.
اللافت أيضا في خطوة الإعلان عن الفرع الجديد لتنظيم القاعدة أنه أكثر “مأسسة” وتنظيما ووضوحا في الرؤية والهدف، ربما لأن قيادة القاعدة تريده أكثر تماسكا وانسجاما في ظل جاذبية البغدادي ودولته وإمكانية حدوث انشقاقات في المستقبل لصالح هذا الأخير, وبالتالي فموازاة مع تعيين عاصم عمر أميرا لتنظيم القاعدة بشبه القارة الهندية عين أيضا ناطق رسمي هو الأستاذ أسامة محمود. قد يكون هذا الإجراء منعا لوصول زعامات ظل إلى سدة القيادة والقرار على غرار ما حدث في العراق حيث العدناني ومن منصب الناطق الرسمي تحول إلى قائد مؤثر ذو سلطة ونفوذ وقرار, واقتصار الوجوه المعروفة على الأمير والناطق الرسمي يعزز فرص التماسك ومركزية القرار والقيادة.
الناطق الرسمي أسامة محمود في كلمته أثنى على قيادات القاعدة الذين أرسيت الأسس الفكرية والعملية لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بتوجيهاتهم. وكشف عن أهداف الفرع الجديد بكل وضوح وحصرها في : “الجهاد ضد أمريكا ونظام الكفر العالمي…السعي لتطبيق الشريعة..السعي لتحرير جميع أراضي المسلمين المحتلة…الجهاد لأجل إحياء الخلافة على منهاج النبوة..” ويأتي بعدها على وضع و موقع الإمارة الإسلامية بقيادة الملاعمر في حركتهم وقتالهم فيقول في سياق أهداف القاعدة في شبه القارة الهندية :” نصرة الإمارةِ الإسلاميةِ في أفغانستان… التي هي أمل الأمة لإحياءِ الخلافةِ على مستوى العالم الإسلامي اجمع، وصد السهامِ الموجهةِ إليها بصدورِنا، و دعمُ الإمارةِ وتقويتُها ومساندتها بكلِ وسيلة متيسرة ” إذن فرع القاعدة الجديدة امتداد للإمارة الإسلامية في أفغانستان وقتال تحث رايتها.
ربما من الآن فصاعدا كل خطابات أفرع القاعدة ستركز على نقطة أن بيعتها للظواهري هي بيعة للملا عمر وإماراتها هي امتداد طبيعي لإمارة الملا عمر, ولعل بيان تعزية حركة الشباب المجاهدين في مقتل أميرها دليل على هذا التوجه حيث التعزية أولا للملاعمر ثم للظواهري. وهو ما أكده كذلك الناطق الرسمي باسم القاعدة في شبه القارة الهندية في ختام كلمته إذ يقول: ” وبهذه المناسبةِ، يجددُ مجاهدِي “جماعةِ قاعدة الجهادِ في شبه القارة الهندية بيعتهم لأميرِهم الکريم الشيخِ أيمن الظواهري حفظه الله، وعن طريقه يجددون بيعتهم لأميرِ المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد نصره الله، وهنا نؤكد لأميرِنا أمير المؤمنين أننا نعتقدُ أن الدفاع عن الإمارةِ الإسلاميةِ في أفغانستان من أولى واجباتنِا، وبحولِ اللهِ لن نتهاون في التضحيةِ من أجلِ الحفاظِ عليها ودعمِها بكلِ ما نملک”.
نفس المعنى أكد عليه عاصم عمر أمير القاعدة في شبه القارة الهندية مستهلا كلمته بتجديد:” البيعة لأمير جماعة قاعدة الجهاد الشيخ أيمن الظواهري حفظه الله، وبواسطته نجدد البيعة كذلك لأمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد حفظه الله بأننا على السمع والطاعة في كل معروف”. عاصم عمر الذي لم تعرف جنسيته بعد لكنه يتمتع بلغة خطابية جيدة, وفصاحة متقنة, وعلى قدر من العلم الشرعي شهدت به خطبته البليغة التي تؤشر على ميلاد رمز جهادي جديد.
تابعني على تويتر