عبد الغني مزوز—
يشعر الكثير من شباب التيار الجهادي ومنظريه ورموزه بالأسى وهم يعاينون ما آل إليه ما اعتبروه يوما “مشروعا جهاديا يسعى لتحرير الأمة ودفع الصائل عنها”، حيث تمرد أبو بكر البغدادي على القيادة الروحية للتيار وخرج عن مسار الحركة الجهادية العالمية، وأسس لنفسه مشروعا جهاديا موازيا “منافسا” استقطب إليه شرائح واسعة من شباب السلفية الجهادية. خطوة البغدادي كانت مفاجئة وصادمة لرموز التيار الجهادي في مقدمتهم أيمن الظواهري، وفي وقت قياسي تعمق الشرخ واشتدت الخصومة، فم تفلح عشرات المبادرات في رأب الصدع وتليين المواقف، فانتهى الخلاف إلى التكفير والتبديع، وأصر البغدادي على تكفير قاعدة سوريا (جبهة النصرة)، وإرباك واستفزاز فروع القاعدة الأخرى من خلال قبول بيعة المنشقين عنها وتحويل مناطق نشاطهم إلى ولايات تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
حاول أيمن الظواهري أكثر من مرة تطييب خاطر البغدادي، وطالبه بالرجوع إلى العراق كخيار يجنب التيار الجهادي شبح الصراع و التشظي غير أن البغدادي حزم أمره وصمم على طرح نفسه وتنظيمه كبديل عن قيادات التيار الجهادي التي اعتبرها منحرفة و خارجة عن المنهج الذي رسمه أسامة بن لادن.
يدرك أيمن الظواهري ومن حوله من قيادات القاعدة أن سر جاذبية تنظيم الدولة الإسلامية لشباب التيار الجهادي يكمن في وضوح وبساطة الفكرة التي يدعوا إليها البغدادي، انه يعتبر نفسه خليفة يسعى لبسط حكم الشريعة على الأرض، وبالتالي فأي حركة مضادة أو منافسة تعتبر ضمنيا معاندة لهذا المشروع “المقدس”، ولا تخرج عن إطار الردة أو الحرابة أو العصيان في أخف الأحكام حسب المناشير والمطويات الفقهية المحدودة التي يتداولها المؤيدون للبغدادي.
من المعروف أن تنظيم القاعدة في استراتيجيتة المعروفة لا يسعى لتقديم نفسه كحاكم على الناس ولا يعلن نفسه إمارة حكم حتى وهو يسيطر على مدن ومناطق واسعة، والنموذج الصومالي واليمني والباكستاني والأزوادي يوضح ذلك. يسيطر التنظيم على المناطق لكن لا يعلنها إمارات ولا يفرض على الناس بيعته، بل ينشىء هيئات ولجان شرعية يتحاكم إليها الناس و تفصل بينهم في النزاعات، ولا يرى خطورة في نشوء جماعات أخرى وقبائل مسلحة تنشط ضمن نطاق سيطرته الجغرافي، عكس تنظيم الدولة الإسلامية الذي أبطل شرعية كل الجماعات والحركات الإسلامية واعتبر عدم بيعتها للبغدادي عصيانا وتمردا.
أمام الواقع الجديد الذي فرضه وجود تنظيم الدولة الإسلامية بقيادته العنيدة، وتواصل تدفق الجهاديين إلى ضفة البغدادي، بدأت قيادة القاعدة تفصح شيئا فشيئا عن ماهية مشروع القاعدة وعلاقتها بمشروع الإمارة الإسلامية في أفغانستان بقيادة الملا عمر، إنها تسعى إلى الدفع بشرعية الملا محمد عمر وإمارته لمواجهة تمرد البغدادي ودولته.
القاعدة في الفترة الأخيرة بدأت تعطي أهمية كبرى للبيعة التي تربطها بالملا عمر وتقدم فروعها ككتائب تدين بالولاء للإمارة الإسلامية في أفغانستان وبالتالي فان كان هناك جدوى من إعلان إمارة أو إمامة عظمى في أي منطقة ينشط بها فرع من فروعها فهي قائمة أصلا بمقتضى بيعة بالملا عمر.
بدأ هذا التوجه من تنظيم القاعدة عبر محاضرة مرئية لأسامة بن لادن نشرتها مؤسسة السحاب قبل فترة وفيها يجيب بن لادن عن سؤال حول طبيعة البيعة التي تربطه بالملا عمر فيقول بأنها ليست بيعة حرب فقط بل بيعة إمامة عظمى, ونفى أن تكون القرشية ركنا لا تصح البيعة العظمى إلا بتوفره في الإمام المبايع.
في هذا السياق حاول أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة إعلان إمارة إسلامية في سوريا إلا أن الخطوة لم تحظ بتوافق المكونات الجهادية الأخرى في هناك، فألغي مشروع الإمارة في سوريا قبل أن يرى النور.
في الصومال جدد فرع القاعدة هناك البيعة للملا عمر عبر أيمن الظواهري بعد مقتل مختار أبو الزبير أمير حركة الشباب المجاهدين وتنصيب قيادة جديدة.
ولعل الحالة الأكثر توضيحا لتوجه القاعدة الجديد هي إعلان تشكيل فرع للقاعدة في شبه القارة الهندية حيث وضع الظواهري النقط على الحروف وأعلن بكل وضوح أن :” قيام هذا الفرع الجديد بشرى للمسلمين في كل الدنيا أن دعوة الجهاد تحت إمارة الإمارة الإسلامية بفضل الله في تمدد وتوسع” وأكد أسامة محمود الناطق باسم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في نفس السياق أن هدف الفرع الجديد هو :” نصرة الإمارةِ الإسلاميةِ في أفغانستان… التي هي أمل الأمة لإحياءِ الخلافةِ على مستوى العالم الإسلامي اجمع، وصد السهامِ الموجهةِ إليها بصدورِنا، و دعمُ الإمارةِ وتقويتُها ومساندتها بكلِ وسيلة متيسرة “.
تنظيم القاعدة في اليمن نشر بيانا مرئيا قرأه حارث النظاري أبرز قادته، وتمت فيه بلورة فكرة الارتباط بالإمارة الإسلامية في أفغانستان، ورد فيه على دعاوى البغدادي حول شرعية الخلافة التي أعلنها، وأكد الفرع اليمني على بيعته للملا عمر عبر أيمن الظواهري وبالتالي بطلان إعلان أي ولاية في اليمن تتبع البغدادي وخلافته المعلنة.
إذن يحاول أيمن الظواهري والحلقة المحيطة به في قيادة تنظيم القاعدة، إبراز موقع التنظيم ومكانته كامتداد لإمارة شرعية قائمة في أفغانستان، ما يعني بطلان حجج البغدادي من ضرورة الانعتاق من بيعة كل التنظيمات لصالح “دولته” على اعتبار أن بيعة القاعدة هي في أساسها بيعة لإمارة إسلامية شرعية. انه بعد جديد من أبعاد الصراع الجهادي البيني يتمترس فيه طرفا الصراع خلف من يرونه أهلا للحكم والإمارة.
تابعني على تويتر