عبد الغني مزوز—
يسعى تنظيم الدولة الإسلامية مند فترة، إلى إسقاط شرعية جميع منظري السلفية الجهادية المعادون لخطه الجهادي وإظهارهم أما أنصار التيار الجهادي كمجموعة من الشيوخ الذين تدور حولهم شبه التعامل مع المخابرات المختلفة، وأنهم يسعون لإفشال مشروع ” الخلافة الإسلامية ” المعلن، وحشرهم مع جموع “الصحوات” التي تكيد ” للدولة الإسلامية”.
كانت البداية مع الرموز الكبيرة في التيار الجهادي مثل أيمن الظواهري الذي خصص له العدناني تسجيلا صوتيا كاملا حمل عنوان ” عذرا أمير القاعدة” استعرض فيه ما رآه مظاهر انحراف الرجل وتراجعه عن مبادئه، ثم بعد ذلك توالت المواد المرئية والمسموعة والنصية المختلفة من مؤسسات رسمية وشبه رسمية تابعة لتنظيم الدولة وأنصاره كلها تدور حول هدف واحد وهو تجريد مرجعيات التيار الجهادي من شرعيتها، وقامت مجلة ” دابق” بالنصيب الأكبر من هذه المهمة .
كانت المؤسسة شبه الرسمية التي تنشط على هذا الصعيد هي مؤسسة “عبوة لاصقة” ومن عنوانها نكتشف أنها مؤسسة تستهدف الأفراد على اعتبار أن العبوات اللاصقة هي قنابل صغيرة تلصق بالهدف المراد تدميره ويتم تفجيرها عن بعد، المقدسي في الفترة الماضية كان هدفا ” لعبوة لاصقة”، وضعها له تنظيم الدولة بهدف نسف شرعيته أمام أبناء التيار الجهادي.
من خلال الإصدار الذي نشرته ” عبوة لاصقة” نكتشف أن تنظيم الدولة لم يكن يفاوض على مصير الطيار الأردني معاذ الكساسبة بل على مصير المقدسي نفسه، لأن مصير معاذ كان محسوما لدى تنظيم الدولة والإبقاء على حياته كان فقط من أجل أخد اعترافاته وتسجيل الفيلم الهوليودي سيئ الصيت، تم قتل الطيار الأردني ومع ذلك استمر تنظيم الدولة في التواصل والتفاوض مع أبي محمد المقدسي، ومشارطهم تقوم بتحليل وتسجيل كل كلمة كان يقولها من أجل الاستفادة منها وتوظيفها في سياق مساعي نسف الرجل والتيار العريض الذي يمثل مرجعية شرعية وأدبية له.
كان المفاوضون لأبي محمد المقدسي يسعون لاستدراجه ليقول كلاما يستخدم ضده ولعل ما كان يسعوا إليه بالتحديد هو إظهار المقدسي كرجل حريص على حياة معاذ وهو بالنسبة لهم ناقض من نواقض الإسلام، لكن المقدسي كان يقول لهم بأنه حريص على حياة السجينة ساجدة الريشاوي المحكومة بالإعدام ولذلك اقترحوا عليه أن تتم مبادلة ساجدة بالأسير الياباني وهو ما رفضه المقدسي لأن الحكومة الأردنية حريصة على حياة مواطنها الأسير وليست معنية بالرهائن الأجانب. ثم طرح المفاوضون على المقدسي اقتراحا آخر وهو إدراج مطلب السماح للمقدسي نفسه بالهجرة إلى مناطق سيطرة تنظيم الدولة ضمن المطالب، وهو الأمر الذي رفضه المقدسي وروج له تنظيم الدولة فيما بعد على أنه رفض صريح للهجرة إلى “دار الإسلام”.
إذن يريد تنظيم الدولة الإسلامية ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال التفاوض على مصير الطيار الأردني ومصير والتيار الجهادي الذي يمثله المقدسي، وهو ما يندرج في سياق التأسيس لتيار جهادي موازي للذي أسسه سامة بن لادن يكون استهداف العدو القريب من “مرتدين” و”رافضة” و”صحوات” أولى أولوياته.