طه الدليمي—
أعلنت السعودية في 3/11 تدخلها في الحرب الدائرة منذ 11/8 بين الجيش اليمني والخارجين الحوثيين – وهم شيعة زيدية تحولوا بفعل التأثير الإيراني إلى شيعة اثني عشرية – وذلك اثر مقتل عسكري سعودي على الحدود السعودية برصاص الحوثيين الذين تسللوا الى منطقة جبل دخان الحدودية.
ونظرت إلى جموع إخواننا السعوديين.. وقد خرجوا من ديارهم في المناطق الحدودية مع اليمن الشقيق: السيارات تتزاحم على الطرق، والبعض يمشي على قدميه، وغير بعيد انتصبت خيام لإيواء من لم تسعفه الفرصة للسكن في بيت من حجر.. طائرات تحلق وتقصف، وجنود على الأرض يظهر من بينهم قائد أسمر يلوح بيده، وأفراد من مليشيا الحوث مقيدون معصوبي الأعين، وأخبار عن هجوم حوثي تنكري بزي نساء، وقتل بعض الجنود وأسر آخرين. شرارات أولى لمعركة يراد لها أن تنقل إلى داخل المملكة، وهي مرشحة لأن تمتد إلى مناطق أخرى، ربما ليس في الوقت الراهن، ولكن (الحبل على يد الجرار). وما دام ليس ثمة من يقطعه وهو على يد جراره فالمستقبل يوحي وينذر بالمزيد!
وتذكرت حالنا قبل ست سنين ونيف! رغم فارق الحجم بين الحالين. لكن ما يجمع بين المشهدين هو أن (العلة) واحدة. وتذكرت نذير العقلاء من أهل العراق: المعركة قادمة إليكم فتأهبوا لها وضعوا أيديكم بأيدينا لمواجهتها.
هل الحوثيون أغبياء إلى هذا الحد بحيث أقدموا على مغامرة غير محسوبة فتحوا بها جبهة جديدة واستعدوا عليهم دولتين بدل واحدة، وقد وضعوا أنفسهم في كماشة خانقة بين قوات الجيشين السعودي واليمني؟ هل استدرجوا إلى هذه المواجهة، والانزلاق نحو تلك الكماشة؟ أم ثمة حسابات لاستنزاف القوات النظامية لكلا البلدين باتباع أسلوب حرب العصابات في منطقة كبيرة، ووعرة ومعزولة يسمح لها مع الوقت بتحقيق هذا الهدف؟ وهل أسلوب القتال المتبع من قبل الجيش اليمني سيحسم المعركة بأقل عدد من الخسائر؟ ومن الطرف المحرك أو المستفيد من هذه الحرب؟
هذه الأسئلة وغيرها – على أهميتها – لا تعنيني بقدر ما تهمني النقاط التالية؛ لعلنا نضع بها مثابات في طريق الفكر الإسلامي المعاصر:
تدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة
أضافت أحداث الحوثيين دليلاً جديداً إلى الأدلة السابقة على تدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ولكن بلون فاقع هذه المرة! فالأسلحة التي يقاتلون بها متطورة وإيرانية الصنع. وأثناء المعارك الحامية أمسكت السلطات اليمنية بسفينة شحن إيرانية تفرغ حمولتها من الأسلحة على الساحل اليمني الأقرب إلى مدينة صعدة التي تتركز فيها المعارك، واعتقلت ربابنتها الخمسة، وفيهم هنود. كما حذر وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي دول المنطقة من أي تدخل في اليمن، وقال خلال مؤتمر صحفي في طهران: “إن اولئك الذين يصبون الزيت على النار عليهم أن يعلموا أن الدخان الذي سيتصاعد من هذه النيران لن يوفرهم”.
الشيء الجديد هو أن إيران نصبت من نفسها حامياً للشيعة في المنطقة. وصدرت تصريحات من مسؤولين بهذا الشأن!
بعض أساليب إيران في تشييع المسلمين
تستخدم إيران في مشروعها للسيطرة والتوسع التكتلات والجزر البشرية الشيعية في الدول المجاورة. وهي تعمل جاهدة على تكوين خلايا عمل نائمة، مدربة عسكرياً وأمنياً ومهيأة نفسياً ومادياً؛ لتحرك في الوقت المناسب. ولدينا خلال هذا العقد تجربتان مريرتان واضحتان تصرخان في آذان النائمين بهذا الخطر المستطير هما الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، ودور إيران والشيعة المرتبطين بها عقائدياً وسياسياً في هاتين الدولتين في دعوة المحتل وتسهيل مهمته في غزو البلاد والتوطن فيها.
لكن إيران، إضافة إلى ذلك، تتبع أسلوباً خطيراً آخر، هو التأثير على أتباع المذاهب الإسلامية التي يوجد بينها وبين التشيع الفارسي بعض المشتركات، ومحاولة استغلال هذه المشتركات لتحويلهم إلى شيعة اثني عشرية. ومن هذه المذاهب المذهب الزيدي.
يفترق المذهب الزيدي عن مذاهب أهل السنة في موضوع رئيس واحد هو تفضيل سيدنا علي على بقية الصحابة، ولم يترتب على هذا الفرق تكفير أو تفسيق من الطرفين، بل بعضهم يشهد لبعض بالإيمان والإسلام ويصلون في مساجد مشتركة خلف إمام واحد، ومصادر الأحكام الشرعية بينهما واحدة. على العكس من الشيعة الاثني عشرية الذين يكفرون الزيدية صراحة في كتبهم. لكن الشيعة الاثني عشرية يمرقون من ثغرة التفضيل هذه عند الزيدية وكون سيدنا علي لديهم أولى الصحابة بالخلافة، مستخدمين مبدأ “التقية” للتظاهر بعدم تكفيرهم. من هذه الثغرة دخلوا فحولوا بعض الزيدية إلى اثني عشرية. وهكذا فعلوا مع الحوثيين، ومن هنا تسلسلت الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه. الشيء نفسه يفعلونه للتأثير على أصحاب الطرق الصوفية في مصر والسودان وإفريقيا وشرق آسيا وغيرها من المناطق، مستغلين الميل الصوفي لسيدنا علي مقارنة بسواه. كذلك يحاولون التسلل إلى كل من يمتّ إلى النسب العلوي بصلة. إن أخطر قضية في العقيدة الجديدة هي تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم ووجوب معاداتهم والسعي في أذاهم بما يستطيعون متى ما قدروا عليه. وهنا مكمن الخطر، الذي سيطال الجميع إن لم يجتمعوا على محاصرته واحتوائه.
ضرورة الوعي بالكيفية الصحيحة لمواجهة الخطر الإيراني
إن أحداث اليمن وامتداد ألسنة نيرانها إلى السعودية تشير بوضوح إلى أن الخطر، أو “الدخان الذي سيتصاعد من هذه النيران لن يوفرهم” كما قال متكي، وأن الجدران العازلة التي ينوي الأشقاء بناءها بينهم وبين العراق لن تحل لهم مشكلة، ولن تدفع عنهم خطراً، أو تعالج خلايا ورم سرطاني متموضعة في داخل جسمهم، أو مرشحة للانتشار من جهات ربما لم تخطر في بالهم! فالشيعة موجودون في داخل السعودية: في المنطقة الشرقية، وفي جنوبها في اليمن، وإلى شرقها عبر الخليج، وليس في العراق فقط؛ فالجدار بينها وبينه ما عاد له من معنى. وبدلاً من هذا عليهم أن يمدوا يد العون لإخوانهم في هذا البلد المنكوب بإيران، وهم سيتولون عنهم المواجهة بالنيابة كما في كل مرة يفعلون، على قاعدة (منكم المال ومنا الرجال).
إيران تقبض الثمن والشيعة يدفعون الفاتورة
العجيب في هذه الأحداث أن الشيعة يندفعون باستمرار إلى هذه المغامرات ضد دولهم وأبناء وطنهم، لكن النتيجة النهائية تتلخص في أن الربح الصافي لإيران وحدها، والخسارة والتبعات المترتبة من ورائها تقع على الشيعة وحدهم، الذين لا يلتفتون إلى هذه المفارقة، ولا ينتبهون إلى ما تجره عليهم من ويلات وقتل وخسائر في الأنفس والأموال وغيرها، ولا يتعظون بالواقع، ولا يستفيدون من التاريخ، يجرون وراء أوهام عقائدهم الظلامية، ويكتوون بلهيب عقدهم النفسية، غير آبهين بنداءات عقلائهم وتحذيرات حكمائهم.
نصيحتي إلى جماهير الشيعة أينما كانوا أن يفيقوا من سباتهم، ويتركوا اللهاث خلف سراب إيران، وأن يكسروا هذه المعادلة المختلة:
إيران تركب، والمطية لا تجد غير لذع السياط!
وليعتبروا بما حصل لهم في العراق: ماذا جنوا من عدوانهم على مواطنيهم من أهل السنة غير ردود الأفعال بكل ما فيها من قتل ودمار؟! قتل واغتيال متبادل، تهجير قابله تهجير، تهميش وإقصاء أيقظ الطرف الآخر وولد عنده قضية لا بد أن يدفعوا استحقاقها عاجلاً وآجلاً إن أصروا على المضي في درب الضلالة….. وفي نهاية المطاف أو بدايته لم يحصلوا من كل هذا غير حرية أوسع في اللطم والبكاء والنواح، لم تخلُ من تفجيرات وقتل ونسف وخوف ورعب، إيران مسؤولة عن النصيب الأكبر فيه، وكان مثلهم كما قال الأول:
وباتَ طولَ اللَّيلِ ينتفُ شعرَهُ وفسَّرَ الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ
حتى بات الكثير من الشيعة يتحسر على عهد الرئيس صدام حسين! فالشيعة لم يحصل لهم من القتل على ذلك العهد، ولم يروا من العسف والظلم وخراب البيوت وانعدام أو تخلف الخدمات كما رأوه على عهد علاوي والجعفري والمالكي، بل ولا قريباً أو شبيهاً به. وإن كان صدام اعتقل أو قتل منهم فمن من هؤلاء لم يفعل بهم أضعاف ذلك؟ لقد قصف علاوي قبة المرقد العلوي في النجف – وهي أفضل عندهم من الكعبة – بالنار، وطارد مليشيا المهدي، كما طاردها المالكي وقتلها وشردها من بعد. وهل حصل الشيعة على دولتهم الدينية التي كان يعدهم بها هؤلاء؟ إن حكم المالكي حكم علماني، في دولة رئيسها ملحد أو محسوب على السنة، ورئاسة الوزارة مهددة عاجلاً أم آجلاً بالتحول إلى غيرهم، وخطر الانقلاب قائم على رؤوسهم، والأحقاد والثارات لا أدري كيف سيكون منها خلاصهم! أهذا خير أم ما كانوا عليه من قبل أيام الرئيس صدام؟
ألا فليعلم الشيعة وغيرهم أن أي حاكم مهما كان دينه وتقواه، حتى لو كان سيدنا علياً t لن يكافئ الخارجين أو المتمردين عليه بغير القتال أو القتل، ولو كانوا حواريي رسول الله e ! إنه (قانون الحكم)، ولا أقول في هذا الموضع (قانون الكرسي) احتراماً لمقام الأصحاب y ؛ فلا يتوهموا أن حاكماً شيعياً سيسمح لهم بالخروج عليه، أو التمرد على سلطته، وكذلك غيره يفعلون. فالعلة سياسية، وليست طائفية كما يتوهمون. فكفاكم أيها الشيعة ضحكاً على ذقونكم من قبل إيران!
وليستمعوا إلى ما يقوله بعض حكمائهم، إن لم يستمعوا إلينا بسبب الحواجز الطائفية: فهذا الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لـ”حزب الله” اللبناني يقول بصراحة في 7/2/2004 لصحيفة الشرق الأوسط مجيباً على سؤال: أتقول إن هناك خطراً على التشيع من إيران:
“نعم، لأنه يمكن أن بعض القوى تريد أن تثبت سلطانها. وأنا مطمئن إلى أنه سيأتي اليوم الذي يهزم فيه الأميركي، وعندها سيكون هناك غضب على كل من سار في مشروعه. وقد تجري انتقامات وتصفيات يذهب ضحيتها شيعة الأقليات، لأن إيران دولة قوية تستطيع أن تحمي نفسها”.
ويقول حسن العلوي في كتابه (عمر والتشيع ص209-210) بعنوان (القطيعة ستحاصر الشيعة العرب) وهو يدعو الشيعة إلى “التسامي من حمأة الكراهية والدماء إلى رحاب السلم الأهلي، لاسيما وأهل التشيع هم الأقلية في محيطهم العربي، ومثل ذلك في عالمهم الإسلامي، بدل المواجهة الإعلامية التي طالما تقود في مرحلة تالية أصحابها إلى سكاكين الذبح”. مضيفاً: “وإذا كانت نظرية القطيعة قد أقامت في إيران إمبراطوريات كبرى، وساهمت في إيجاد وحدة تقوم على التمذهب القومي، فلأن إيران عالم خاص يعيش في شبه قارة، لها عناصر قوة لا تتوفر لأهل التشيع في بلد آخر. وليس لإيران مجال حيوي غير بلاد فارس، فيما المجال الحيوي للشيعة العرب مفتوح على عالم يمتد من ثراء الخليج وينتهي بثراء المحيطات، وسيحول بين أبنائنا وحق الحياة في امتدادهم العربي، قول آبائهم بنظرية القطيعة مما يدفعني إلى التصريح أن نظرية المشاركة لا تقف عند اندماج الإمام علي مع الدولة والمحيط في التاريخ الإسلامي الأول، وإنما تدعو إلى اندماج بشري وقومي وإنساني واندماج المصالح للمنحدرين من سلالات شيعية مع مجتمعهم العربي، ومن دون ذلك فسيكون عبور شيعي عراقي إلى الخليج كعبور الخليجي السني إلى جنوب العراق في هذه الأيام من أواخر عام 2006”.
منقول عن القادسية