عبد الغني مزوز—
يعيش الجهاديون هذه الأيام على إيقاع حرب لم يسبق لهم أن عاشوها ولا حسبوا لها حسابا في كل أدبياتهم الاستراتيجية المنشورة, إنها حرب التسريبات, والانكشاف الأمني. ففي 10 ديسمبر الماضي ظهر حساب على تويتر باسم “ويكلكس دولة البغدادي” يقول صاحبه في أول المشاركات التي كتبها في الحساب :” هذا أول حساب يكشف أسرار تنظيم دولة داعش ومن يديره؟ من هو البغدادي؟ رأيت صورته؟ وأسماء مجلسه؟ وما خططه؟ … لماذا جاء البغدادي إلى سوريا ؟! ومتى ؟! من أول من استقبله ؟! من هم الشرعيون الذين يفتونه ؟! من هو الضابط العراقي الذي يرافقه ؟! قريبا هنا “.
صاحب الحساب تحدث كثيرا عن ما يفترض به أن يبقى أسرارا تنظيمية لا يطلع عليها إلا أفراد قلائل في الدائرة الضيقة المحيطة بأبي بكر البغدادي, وأشار صاحب الحساب إلى أن المدعو حجي بكر (عقيد في الجيش العراقي السابق قتل قبل أيام في سوريا) هو رجل الظل في دولة العراق والشام الإسلامية, و أن معظم القرارات هو من يتخذها و حتى تنصيب البغدادي أميرا على الدولة كان بتوجيهات منه. معرف ويكلكس دولة البغدادي تتبع خطوات حجي بكر في سوريا إلى أن لقي حتفه على يد كتائب إسلامية كانت تقاتل دولة العراق والشام الإسلامية. خطورة الحساب تكمن في أن في جعبة صاحبه الكثير من المعلومات السرية ويبدوا أنه لا يجد أدنى حرج في الكشف عنها أمام العالم, فهو من كشف الهوية الحقيقية للقيادي في تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا بقرين الكلاش وقال بأن اسمه الحقيقي هو عبد المجيد العتيبي, وهو ما أكده هذا الأخير بعد ذلك.
نشطاء جهاديون ومراقبون كثيرون قالوا بأن صاحب الحساب لا يمت بصلة الى تنظيم الدولة الإسلامية, وقال محمد الحضيف الناشط الإسلامي السعودي المعروف إن ” صاحب معرف ويكلكس دولة البغدادي مزيف” وأضاف بأن مجموعة من شباب الهاكر تتبعوا ip adress الخاص به فوجدوا أنه يكتب إنطلاقا من المنطقة الشرقية في السعودية. حتى وان كان يغرد انطلاقا من السعودية فقد يكون عنصرا سابقا في دولة العراق والشام الإسلامية ثم انشق عنها وكتب ملاحظاته انطلاقا من بيته في المنطقة الشرقية, أو كان مبعوثا من جهات استخباراتية فنجح في اختراق تنظيم الدولة الإسلامية وعاد إلى بيته بعد انتهاء مهمته, أو قد يكون ساخطا على تنظيم الدولة بسبب بعض التصرفات التي لم تنل رضاه فقرر أن يغرد بما في جعبته من أسرار تخص البغدادي ودولته.
حساب “ويكلكس دولة البغدادي” لم يكن الوحيد في هذا السياق فقد أقدم نشطاء جهاديون موالون لتنظيم الدولة الإسلامية على إنشاء حسابات ينشرون فيها ما أسموه ” فضائح السرورية والصحوات وجبهات الضرار”, ولعل آخر حساب ظهر كان حساب “ويكي النصرة” أو ” منشق عن جبهة النصرة”, صاحب الحساب في أولى تغريداته بدا محتقنا ومنزعجا من إعلان جبهة النصرة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية, وانسحاب هذه الأخيرة من دير الزور تحث ضربات جبهة النصرة, صاحب الحساب يقول أنه منشق عن جبهة النصرة ووعد متابعيه الذين بلغو آلاف في غضون ساعات, بكشف أسرار جبهة النصرة, والأسباب الحقيقية لانشقاقها عن الدولة وملابسات إعلان الحرب عليها, كما توعد بكشف هويات قادتها والأسماء الحقيقية لمعرفاتهم على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعية. حساب “ويكي جبهة النصرة” يعود قطعا إلى أحد المتعصبين لمشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام, وأحد الموالين أشد الولاء لأبي بكر البغدادي. لأن الحساب أوصى بمتابعته بعض الناشطين الإعلاميين شبه الرسميين للدولة الإسلامية في العراق والشام.
وكما كشف حساب “ويكلكس دولة البغدادي” عن الهوية الحقيقية لقادة مثل عبد المجيد العتيبي و حجي بكر, فقد قام المنشق عن جبهة النصرة بكشف الهوية الحقيقية للرجل الثاني في جبهة النصرة ” أبو ماريا القحطاني”, الذي قال عنه المنشق بأنه ليس قحطانيا كما يضن البعض, بل هو شخص يسمى ميسر علي موسى عبد الله الجبوري من عشيرة الجبور في العراق, وكتب شخص اخر على أحد المنتديات الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية بأن القحطاني أو الجبوري كان منتسبا في الشرطة العراقية وتاب منها وغادر إلى سوريا وبالضبط مدينة حلب حي سيف الدولة ليفتح فيه محلا لبيع الملابس, انضم إلى الجولاني الذي كان موفد البغدادي إلى سوريا مع بدء الثورة السورية لتأسيس نواة تنظيم مسلح لقتال النظام. لكن الجبوري استبد بجبهة النصرة وفرض عليها أجندة لم يوافق عليها البغدادي والعهدة هنا على أحد مشرفي منتدى المنبر الإعلامي الجهادي الذي كتب هذا الكلام.
معرف “منشق عن جبهة النصرة” قال بأن كل القرارات الحاسمة يتخذها القحطاني وأنه هو القائد الفعلي لجبهة النصرة, وأضاف بأنه كان يشرف على عدد من عمليات الاغتيال لقادة في العشائر والجيش الحر, وأن السبب الحقيقي لخلافه مع الدولة الإسلامية هو تجارة النفط والتحكم في آباره. كما نشر صاحب الحساب الأسماء الحركية لعدد من المسؤولين في جبهة النصرة والمناطق التي يشتغلون فيها.
هنالك العديد من الحسابات في تويتر متخصصة في نشر غسيل الجهاديين وعلاقات بعضهم بشيوخ وهيئات بل وحتى أجهزة مخابرات إقليمية ودولية وأبرزها حساب ” ويكلكس السرورية ” وحساب ” السرورية طابور خامس”. لقد بات كشف الأسرار ونشر الغسيل سلاحا يستخدم ضد الكيانات الجهادية وسحب الشرعية عنها.
أحيانا يعمد بعض القادة والعناصر في الجماعات الجهادية في سوريا إلى الاحتفاظ بأجهزة تسجيل أو جوالات مخفية في ملابسهم لتسجيل أو تصوير الجلسات السرية التي تتم بين بعضهم البعض, فيقوموا بنشرها لاحقا دون إذن من أحد أو يقوموا بابتزاز بعض الأطراف المشاركة في تلك الاجتماعات, خصوصا إذا كان الحديث يتناول بعض القضايا الحساسة.
بالتأكيد أغلب الحسابات التي تقوم بتسريب معلومات عن الجهاديين يقف خلفها ضباط استخبارات أو عناصر مندسة من هذه الأجهزة, وبالتالي فآلية الاستقطاب والتجنيد لدى الجماعات الجهادية بها ثغرات كثيرة وقاتلة, وألمح عدد من المراقبين للشأن الجهادي إلى أن أغلب هذه العناصر المندسة تحصل على تزكية من شيوخ مشبوهين, أو جرى ابتزازهم بشكل ما أو أن هذه العناصر المندسة سبق لها و كانت في السجون فأفرج عنها لقاء “خدمات” معينة, أو جرى إعادة برمجة أفكارهم عكسيا عن طريق برامج وجلسات النصيحة والاستتابة, وضربوا مثالا بالدكتور الأردني همام البلوي المعروف بأبي دجانة الخرساني, الذي عرضت عليه الاستخبارات الأمريكية والأردنية بعد اعتقاله تجنيده لصالحها فوافق, لكنه احتفظ بولائه لتنظيم القاعدة, ما مكنه من تفجير نفسه وسط ضباط في cia على أعلى مستوى. و ليس كل الجهاديين مثل همام البلوي. كما أثبت ما قام به العميل الذي جندته الاستخبارات الأمريكية قبل فترة واستطاع إقناع قيادة القاعدة في اليمن بتزويده بالقنبلة الذكية التي طورتها القاعدة هناك, بقصد تفجيرها على متن طائرة أمريكية إلا أن العميل حملها إلى رؤساءه في الاستخبارات من أجل فحصها ودراسة تركيبتها المعقدة التي لا تكشفها أجهزة الرصد في المطارات وغيرها, كل هذه النماذج أثبتت كم تستطيع أجهزة الاستخبارات المتعددة الوصول إلى أهم الأسرار في التنظيمات الجهادية.
الجهاديون في سوريا يعيشون أزمة طاحنة, ويواجهون أخطر نكسة في مسيرتهم, واستطاعت قوى متعددة اختراق صفوفهم وتوظيف المشروع الجهادي هناك لأغراض وأهداف الكيانات الكبرى المتصارعة, كان بعض المراقبين يقول بأنه في القريب العاجل ستتحرك الطائرات بدون طيار لتجهز على قادة التنظيمات الجهادية في سوريا, غير أن الحاصل الآن أن الطائرات بدون طيار ستظل رابطة في قواعدها ما دامت الفتاوى والعقول و الأمزجة بدون طيار تقوم بمهمتها أحسن قيام.