عبد الغني مزوز— تابِع @MAZOUZABDOLGHAN
طرح الباحث والمفكر الجهادي عبد الله بن محمد الذي يكتب أيضا باسم ” شؤون استراتيجيه” في توتير، طرح تصورا جديدا للممارسة السياسية في سياق هيمنة النظام الدولي وحربه على التجارب الإسلامية في الحكم والسلطة، وإصراره المستميت على إجهاض كل المحاولات الإسلامية لبناء الدول وتشييد أنماط حكم راشدة. تقوم فكرة “حرب العصابات السياسية” كما قدما عبد الله بن محمد على تجنب الانفراد بالسلطة أو الظهور بمظهر الدولة و الإمارة، لأن ذلك سيعطي فرصة المواجهة المباشرة مع النظام الدولي الذي سيسهل عليه حصار التجربة واستنزافها اقتصاديا وابتزازها سياسيا وتشويهها إعلاميا ما يجعل سقوطها وانفضاض الناس عنها مسألة وقت لا أكثر حتى دون تدخل عسكري مباشر من أدرع النظام الدولي الضاربة.
يستند عبد الله بن محمد في أطروحته إلى التجارب الإسلامية في الحكم والسلطة والتي انتهت كلها بالفشل والسقوط، ويرى أن وجود الإسلاميين في سدة الحكم وضعهم في خط المواجهة المباشرة مع مؤسسات الهيمنة والتحكم التابعة للنظام الدولي، فكانت النتيجة المنطقية هي فشلهم في السلطة وإدارة الدول، تماما مثلما ستكون الهزيمة نتيجة منطقية لأي مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام الدولي وفي القلب منه الولايات المتحدة. وبالتالي فكما كانت ” حرب العصابات العسكرية” أسلوبا ناجعا في مواجهة الغرب واستنزافه عسكريا، فسيكون أسلوب ” حرب العصابات السياسية” أسلوبا سياسيا ناجعا في مواجهة الغرب وتجريده من الأدوات التي يثقن استخدامها ضد نماذج الحكم الناشئة التي لا تروق له.
تكاد تكون نظرية ” حرب العصابات السياسية” أهم و أخطر فكرة استطاع العقل الجهادي صياغتها في العقدين الأخيرين، و هي بمثابة نقلة نوعية على مستوى الخطاب السياسي والاستراتيجي للتيار الجهادي. لأنها أعادت النظر في كثير من مسلمات التيار الجهادي، وحكمت بالفشل والخطأ على كثير من تجاربه في العقد الأخير.
أعتقد ومن زاوية استقرائي لأدبيات التيار الجهادي أن نظرية ” حرب العصابات السياسية” هي محاولة تصحيحية أكثر منها تأسيسية لماذا؟ لأن جوهر الفكرة مستلهم من النظرية ” الأم” التي أرسى أسسها أسامة بن لادن وهي التركيز على قطع “رأس الأفعى” أولا قبل الشروع في بناء أي نموذج للحكم والإمارة، وكانت توجيهاته كما أظهرت رسائل أبوت أباد تحض على ذلك. وبالتالي فنظرية “حرب العصابات السياسية” هي تصحيح لمسار أكثر منها تأسيس لطريقة، غير أن عبد الله بن محمد استطاع بلورة الفكرة وإبرازها أكثر معززا إياها بشواهد وأمثلة، محولا إياها من فكرة غير واضحة المعالم إلى نظرية سياسية ناضجة ومتكاملة.
وضوح فكرة ” حرب العصابات السياسية” وتمكن عبد الله بن محمد من صياغتها صياغة محكمة، جعلها محط نقاش وجدل بين شخصيات جهادية كثيرة، فقد سارع أبو قتادة الفلسطيني المنظر الجهادي المعروف إلى تسجيل بعض تحفظاته على الفكرة، ولعل بعضها راجع إلى المثال الليبي الذي اعتمد عليه عبد الله بن محمد في بناء فكرته، ولأبي قتادة رد مطول على الجماعة الليبية المقاتلة ومراجعاتها الفقهية المنشورة، أبو محمد الصادق الشرعي العام لأحرار الشام أعلن تأييده للفكرة واعتبرها :” إشارة هامة إلى ضرورة مواكبة الحركات الجهادية لتغير الأحداث والمعطيات بتنويع أساليبها واستراتيجياتها في المدافعة والتغيير”, أما الرجل الثاني في جبهة النصرة أبو مارية القحطاني فرحب بالفكرة مشيدا بعمقها وأهميتها، منبها إلى ضرورة تأصيلها وضبطها من الناحية الشرعية.
نظرية “حرب العصابات السياسية” تسعى لإعادة ضبط قواعد الاشتباك مع قوى النظام الدولي، وإعادة موضعة التيار الجهادي في مواقع تسمح له بممارسة حرب عصابات يتفوق فيها، بعدما تحول في الفترة الأخيرة إلى ضحية لحرب عصابات تشن عليه من قبل الغرب حينما سيطر على الأرض وأعلن إمارات في اليمن و مالي والصومال وغيرها.
لا شك أن فكرة ” حرب العصابات السياسية” ستشكل إضافة نوعية للمنظومة الفكرية والاستراتجية والسياسية للحركة الجهادية، وإذا أقرت في دوائر صنع القرار الجهادي, فسيشهد نسق الفعل الجهادي عبر العالم دينامية جديدة من التحول والتغير.