يمكن تعريف المراجعات بأنها عملية نقد ذاتي يقوم بها تنظيم أو فرد معين، على تصوراته ومنطلقاته الأيديولوجية السابقة، وكذلك الممارسات العملية التي صاحبت تلك التصورات والمنطلقات، ووضع أسس فكرية، وأولويات جديدة أو مختلفة عن الأولويات والحتميات السابقة، تكشف خللا في تلك التوجهات، وتنزلها من مرتبة المسلمات إلى مرتبة الاجتهادات التي تقبل الخطأ، وهو ما ينتج نظاما فكريا وأيديولوجيا وممارسة تنظيمية تختلف كليا أو جزئيا عن الممارسة السابقة.
فمثلا، تتحول بعض الحركات من أولوية الحاكمية والدولة إلى أولوية الأمة والدعوة، وتتحول أخرى من مركزية السياسة إلى تهميشها، ومن منهج العنف إلى منهج الحوار، ومن المحاكمة وفعل القضاة إلى الإعذار وموقف “دعاة لا قضاة”… أو العكس من ذلك. وليس شرطا أن تنتج المراجعات دائما الاعتدال؛ فقد ينتج عنها تشددا، ويتوقف ذلك على حسب السياق الذي تجيئ فيه تلك المراجعات.
ووفق هذا المفهوم، لم يخل تنظيم أو اتجاه إسلامي -شأن أي اتجاه فكري آخر- من مراجعات تمت على أسسه المرجعية أو على ممارساته، لعل مِن أشهرها خروج حركة التوحيد والإصلاح المغربية من عباءة حركة الشبيبة الإسلامية شبه العنفية، أو خروج السلفية الجهادية من رحم التيار الصحوي أو السروري في الخليج أو من رحم بعض الاتجاهات السلفية الأخرى، وكذلك خروج بعض التنظيمات التكفيرية والجهادية بعد تجربة السجون والتعذيب للإخوان المسلمين في مصر من عباءتها أو معاناتها في ستينيات القرن الماضي.
المراجعات.. موجات ودرجات
التحدي النظري الوحيد للقاعدة
سياق انطلاق المراجعات
أزمة المشروع الجهادي ككل
إستراتيجية القاعدة في الرد على المراجعات
مرجعية جديدة للقاعدة
“
يظل التحدي النظري للمراجعات حاضرا، فقد ساعد على خلخلة ثوابت القاعدة، وكشف كثيرا من عورات تاريخها الفكري والتنظيمي، ولكن يصعب القول أنه يمكنه يوما ما أن يهدمها، فهو تحد نظري، اعتذاري، تصحيحي، وليس نقضا لمرجعية كان جزءا منها ولم يكن كلها
“
فمثلا، تتحول بعض الحركات من أولوية الحاكمية والدولة إلى أولوية الأمة والدعوة، وتتحول أخرى من مركزية السياسة إلى تهميشها، ومن منهج العنف إلى منهج الحوار، ومن المحاكمة وفعل القضاة إلى الإعذار وموقف “دعاة لا قضاة”… أو العكس من ذلك، فليست المراجعات دائما تنتج الاعتدال أو تنتج التشدد، فقد وجد كلاهما، وحسب سياق المراجعات وحسب هوية التنظيم، يكون الاعتدال أو التشدد.
ووفق هذا المفهوم، لم يخل تنظيم أو اتجاه إسلامي -شأن أي اتجاه فكري آخر- من مراجعات تمت على أسسه المرجعية أو على ممارساته، لعل مِن أشهرها خروج حركة التوحيد والإصلاح المغربية من عباءة حركة الشبيبة الإسلامية شبه العنفية، أو خروج السلفية الجهادية من رحم التيار الصحوي أو السروري في الخليج أو من رحم بعض الاتجاهات السلفية الأخرى، وكذلك خروج بعض التنظيمات التكفيرية والجهادية بعد تجربة السجون والتعذيب للإخوان المسلمين في مصر من عباءتها أو معاناتها في ستينيات القرن الماضي.
المراجعات.. موجات ودرجات
تمثل السلفية الجهادية الفضاء النظري والمرجعي الأوسع، لشبكة القاعدة وفروعها في مختلف أنحاء العالم، والمرجعية النظرية -دائما- أوسع مجالا وأسبق زمانا من التنظيمات المستندة إليها، فتضم تنظيمات عديدة أخرى قد تكون متحالفة أو متعارضة مع أبرز ممثليها شأن القاعدة في حالتنا هنا، وهو ما ينتج دائما مرجعيات فرعية متفرعة لكل تنظيم على حدة، تحاول أن تُمثل الأيديولوجيا التأسيسية الأوسع له. والقاعدة تستمد تنظيراتها من النصوصية السلفية الجهادية، وخاصة تأسيسات ابن تيمية، الاسم الأكثر حضورا وتكرارا فيها، وكذلك من بعض تأويلاتها الفكرية والإستراتيجية التي يكتبها قادتها المباشرون والميدانيون في كثير من الأحيان، وهي الأكثر التصاقا بالتنظيم وحالته.
وبهذا تتحدد درجة وأهمية كل مراجعة نظرية أو تأسيسية تتم في فضاء السلفية الجهادية بعموم، وماتوجه منها بالخصوص بالنقد لإستراتيجية القاعدة وتكتيكاتها، سواء أكانت مراجعات كلية ومباشرة أم مراجعات جزئية لبعض من لم يفاصلوا التنظيم، ويطرحون مراجعاتهم في شكل مناصحة وليست مفاصلة.
توالت موجات المراجعات منذ أن أطلقت الجماعة الإسلامية المصرية، مبادرتها لوقف العنف عام 1998، وأصدرت حتى اللحظة نيفا وعشرين كتابا تسير كلها في اتجاه التحول من العمل العنفي إلى الدعوة السلمية، أو مراجعات سيد إمام الشريف، المشهور بالدكتور فضل، التي بدأت عام 2008، وصدرت منها ثلاثة كتب حتى الآن، أولها وثيقة ترشيد العمل الجهادي، وثانيها “التعرية” وآخرها “الصراع في أفغانستان”.
وفي نفس الاتجاه تأتي مراجعات الجماعة الإسلامية الليببية المقاتلة التي عنونتها بـ “دراسات تصحيحية” والتي صدرت عام 2009، والإسلامية الليبية المقاتلة جماعة سلفية جهادية منذ البداية، ولكن لم ينضم منها للقاعدة سوى بعض قادتها وكوكبة منها من المقيمين في أفغانستان منذ فترة طويلة، وفي نفس سياقها مراجعات بعض المجموعات السلفية الجهادية في المغرب العربي التي تزامنت معها وإن لم تصدر في عمل متكامل حتى الآن.
أما المراجعات الجزئية، فيمكننا الإشارة إلى مراجعات الأردني أبي محمد المقدسي، في كتابه “وقفات مع ثمرات الجهاد” أو رسالته” مناصرة ومناصحة” لأبي مصعب الزرقاوي قبل وفاته سنة 2006، والتي رد عليها الزرقاوي برسالة رصينة وحادة اشتد فيها على شيخه وانتقد كثيرا مما طرحه.
كما أن هناك مراجعات لرموز جهادية وقيادات سابقة في جماعة الجهاد المصرية، شأن محاولات بعضهم إنشاء حزب سياسي في أواخر التسعينيات، أو ردهم الاعتبار للعمل السياسي والتداول السلمي للسلطة ، ومراجعات آل الزمر (عبود وطارق) التي صدرت تحت عنوان “البديل الثالث” سنة 2009، رغم عدم توجه مراجعاتهم بنقد مباشر أو غير مباشر للطرح القاعدي، إلا أنها تستمد أهميتها من صاحبها، كواحد من أبرز الرموز الجهادية في مصر.
هناك مراجعات فردية عن مناهج العنف سجلها بعض أعضاء الجماعات العنفية حول تجاربهم الخاصة، بطرائق مختلفة مثل مراجعات المصري عضو الجماعة الإسلامية خالد البري التي عنونها “الدنيا أجمل من الجنة” أو مراجعات لقيادات في حزب التحرير الإسلامي كمجيد نواز الباكستاني الأصل البريطاني الجنسية، الذي تراجع عن قناعاته بعد فترة من سجنه في مصر ولقائه بأحد الليبراليين المصريين ، ورغم أن حالات كالبري أو نواز تمثل مراجعات فردية ذات طابع راديكالي بدرجة ما، إلا أنها لا يمكن أن يكون لها أي خطر نظري على أفكار القاعدة المتشددة أو عناصرها.
التحدي النظري الوحيد للقاعدة
كان الموقف النظري لتنظيم القاعدة -في الغالب- استباقيا في الرفض والهجوم على معارضي أفكار التنظيم ومخالفيه ومنتقدي ممارساته، سواء من الاتجاهات الإسلامية الأخرى، أو من المؤسسات الدينية البديلة، بل كانت القاعدة سباقة دائما لنقدها وانتقادها ومحاولة نزع الشرعية والمشروعية عن طرحها، فكتبت ضد الإخوان وتاريخهم الذي رأت غلبة البراجماتية والضعف المبدئي عليه، ورأتهم مرجئة العصر، ورأت في مسيرتهم الطويلة الحصاد المر، كما وجه كتاب القاعدة ومنظروها النقد الشديد لرموز التيار الصحوي والسروري في الخليج، بدءا بالشيخ محمد سرور زين العابدين ومرورا بالشيخين سلمان العودة وسفر الحوالي، وكذلك حزب التحرير الذي تراه القاعدة يدور في منطقة جدل الكلام دون فعل جهادي حقيقي وفعلي.
كما نشط منظرو القاعدة في نقد المؤسسات الدينية الرسمية وبعض التيارات الدعوية والسلفية الأخرى، وبخاصة التيار الجامي (نسبة إلى الراحل الشيخ محمد أمان الجامي) أو سلفية الطاعة ورفض الحزبية والخروج، وكذلك الجماعات الدعوية شأن جماعة التبليغ التي ترفض الحديث في السياسة أو الخلافيات الفقهية والعقدية، ويعدون في عُرف السلفية الجهادية صوفية عصرية وقاديانية جدد، حيث يعطلون الجهاد ، كما وجه أبو بصير الطرسوسي من منظري السلفية الجهادية نقدا حادا لمن يعرفون بالدعاة الجدد كمرتزقة باسم الدين، وهو ما فعله أيمن الظواهري بشكل غير مباشر في بعض أحاديثه، وقد اعتمدت القاعدة النقد السلفي الموجه للاتجاهين الأخيرين بالخصوص وفي كل ذلك يلح منظرو القاعدة أنه لا يوجد مشروع إسلامي شامل سوى مشروع القاعدة والسلفية الجهادية ويرون المشاريع الأخرى مليئة بالنقص والثغرات وتتصف بالعجز وعدم القدرة أو الشمول.
“
التحدي النظري الوحيد للقاعدة يأتي في إطار السلفية الجهادية وتتحدد أهميته بمدى قرب أصحاب المراجعات تنظيميا وفكريا من تنظيم القاعدة وقياداته في مراحل حياتهم المختلفة
“
بناء على ما سبق، يمكننا أن نخلص إلى أن التحدي النظري الفعلي للقاعدة لم يأت من خارج إطارها النظري والمرجعي، أو من التيارات الإسلامية المخالفة لها، ولكنه أتى وبشكل رئيس من مراجعات السلفيين الجهاديين أنفسهم، وبخاصة مراجعات الدكتور فضل الذي كان يعد أبرز منظري الاتجاه السلفي الجهادي، وأقربهم لتنظيم قاعدة الجهاد أثناء مرحلة الجهاد الأفغاني، حتى إصداره مراجعاته، التي وافقه عليها مجموعة كبيرة من الجهاديين المصريين، ثم توالت الخلخلة النظرية من قبل جماعات وأفراد آخرين.
فأهمية الدكتور فضل أنه بكتابيه “الجامع في طلب العلم الشريف” و”العمدة في إعداد العدة” وضع الأساس الفقهي والأيديولوجي للسلفية الجهادية بعمق تجاوز به مرحلة الكتيبات غير المعمقة، شأن الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج الذي لم يرجع لغير فتوى التتار لشيخ الإسلام ابن تيمية، معقبا على نصها، ورغم اعتناء الأستاذ سيد قطب بالتنظير للفكرة الجهادية، إلا أن تأسيسه كان “فكريا” أكثر منه سلفيا بشكل كبير، ولم يسبق الكتابين المذكورين إلا كتيبات ورسائل حركية وشعاراتية في الغالب.
ورغم الطبيعة التعليمية للكتابين، إلا أنهما لم يخلوَا من عمق وتأصيل جدلي قادر على المحاججة والمواجهة مع مختلف الآراء والاتجاهات المناوئة للسلفية الجهادية، فقد ناقش الدكتور فضل في “الجامع” حجج الحركات الإسلامية الأخرى، كما حاول تفنيد آراء لشيوخ كالألباني والغزالي والقرضاوي وغيرهم في القديم والحديث.
وبحسب القرب الفكري والتنظيمي بين القاعدة وأصحاب المراجعات، كانت أهميتها وردود فعل القاعدة عليها، فقد كانت ردة فعل القاعدة على مراجعات الدكتور فضل والمراجعة الجزئية لأبي محمد المقدسي التي رد عليها الزرقاوي وخلفائه بعده، أقوى من انتقاداتها أو اهتمامها بمراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، أو مراجعات عبود الزمر أو غيرها من مراجعات أفراد وجماعات آخرين.
فيمكننا القول أن القاعدة ردت على مراجعات فضل وعلى مناصحة المقدسي ردا تفصيليا، يتتبع الكلمة والسطر والجملة، ولكن لم ترد على سواهما إلا ردا إجماليا، بل إنها تجاهلت الرد على كثير من المراجعات الأخرى، كمراجعات الجماعة الليبية المقاتلة والمجموعات المغاربية، مثل مجموعة حسن حطاب أول أمير للجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، والتي تحولت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو مراجعات بعض أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة السابقة وترحيبهم بقانون الوئام المدني الذي أطلقه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عقب توليه السلطة في يوليو سنة 1999، وكذلك ما يشاع عن تجهيز مراجعات في صفوف الجماعة المغربية المقاتلة أو بعض أنصار السلفية الجهادية في موريتانيا.
وقد اتخذت القاعدة آلية التشكيك في صدور بعض المراجعات عن المسجونين لدى الأنظمة العربية أو الغربية من رموز العمل الجهادي كما يلي:
1. شككت في تأييد الشيخ عمر عبد الرحمن لمراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، باعتباره منظرها الروحي ورمزا جهاديا لسائر الجماعات الجهادية وخاصة المصرية.
2. شككت القاعدة في مراجعات عدد من رموز السلفية الجهادية في السعودية، وبخاصة الثلاثة على الخضير وناصر الفهد والدوسري، الذين أعلنوا مراجعاتهم في لقاءات تليفزيونية مع الداعية السعودي الشيخ عائض القرني، سنة 2003 .
3. التشكيك في وجود إجماع داخل بعض الجماعات الجهادية عليها، فأبرزت رفض وتحفظ بعض القيادات الجهادية المصرية على مراجعات الدكتور فضل، أو رفض محمد خليل الحكايمة لمراجعات الجماعة الإسلامية، وسنشير لإستراتيجية رد القاعدة على المراجعات في جزء مستقل من هذه الدراسة فيما يلي.
سياق انطلاق المراجعات
يمكن القول إن انطلاق المراجعات في إطار السلفية الجهادية التي تعد القاعدة أبرز ممثليها، وبعض الجماعات الأخرى التي تعتمدها شأن الجماعة الإسلامية المصرية أو المقاتلة الليبية أتت بعد مسار طويل من المواجهة، وإيمان راسخ بـ “حتميتها”، وهو المسار الذي أفضى إلى الوصول إلى “حتمية” المراجعة وفقه النتائج كما يقول ناجح إبراهيم أحد قيادات الجماعة الإسلامية في مصر.
“
انطلاق المراجعات في إطار السلفية الجهادية التي تعد القاعدة أبرز ممثليها، أتت بعد مسار طويل من المواجهة، وإيمان راسخ بـ “حتميتها”، وهو المسار الذي أفضى إلى الوصول إلى “حتمية” المراجعة وفقه النتائج
“
وقد كانت نتائج هذا المسار الفشل الذريع حيث تم القبض والتنكيل بالعناصر الجهادية وخسارة العديد من الكوادر التنظيمية، دون أن يثبت مشروع الجماعة نجاعته، سواء في مواجهة العدو القريب (الأنظمة الحاكمة) أو العدو البعيد (الولايات المتحدة والغرب) كما تتصوره جماعات السلفية الجهادية.
فعلى مستوى مجابهة ومواجهة الأنظمة كان الفشل والهزيمة التي أجبرت الظواهري نفسه سنه 1995 على إيقاف جملة عمليات التنظيم الجهادي في مصر بعد سقوط تنظيم طلائع الفتح، معللا لذلك بـ “عدم القدرة”، أما على مستوى المجابهة مع العدو البعيد (الولايات المتحدة والغرب) ففضلا عن الخلاف الفقهي الذي طرحه الدكتور فضل والجماعة الإسلامية المصرية من تحفظات فقهية على شروط العهد والأمان والتأشيرة، كان واضحا أن العالم الإسلامي خسر بتفجير البرجين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر دولتين هما أفغانستان سنة 2001 والعراق سنة 2003، فضلا عن صعود العداء للإسلام والمسلمين في العالم، مما اعتبر فشلا إستراتيجيا كبيرا للقاعدة، وهو ما يصفه الدكتور فضل في وثيقته بقوله: “الجهلاء يشعلون الحرائق”.
لذا يمكننا القول إن مراجعات السلفيين الجهاديين أتت تأكيدا على فشل المشروع الجهادي، وإن لم تعلن ذلك، واكتفت بتوصيف فشل مشروع القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. غير أن أهمية مراجعات الدكتور فضل ومراجعات الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة بالخصوص، أنهما جاءتا من داخل إطار السلفية الجهادية ووفق منهجها، وفي هذا تتجسد أهميتهما وخطرهما على تنظيم القاعدة.
وهو ما يعيدنا لإشكالية عميقة في الخطاب الإسلامي مفادها “صعوبة التأصيل”، حيث تجد خطابات وممارسات متباينة ومتعارضة لتنظيمات مختلفة تعتمد نفس الأسانيد من الفضاء المرجعي الديني.
ويمكننا أن نفسر انطلاق المراجعات في صفوف الجهاديين بسياقات سياسية واجتماعية وفكرية، ثم سياقات نفسية متلاحمة ومتلازمة معا، خاصة وأن جميعها تمت داخل السجن، كما سنوضح، ولم يحدث أي منها في إطار الحوارات المباشرة مع القاعدة.
إطار السجن لا الميدان
يلاحظ أن أغلب المراجعات تمت في إطار السجون، خاصة البدايات الأولى لهذه المراجعات. فقد صدرت مراجعات الجماعة الإسلامية في السجن وبعد نقاش وحوار بين قادة الجماعة وأعضاء مجلس شوراها وبين كوادرها، كما صدرت مراجعات الدكتور فضل (بحلقاتها الثلاث) وهو لا يزال رهين السجن، وكذلك صدرت مراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة عبر حوار بين قادتها وبين النظام عبر وساطة سيف الإسلام القذافي ووساطة عدد من الإسلاميين والجهاديين السابقين مثل علي الصلابي ونعمان عثمان، كما صدرت مراجعات آل الزمر في نفس السياق، وكذلك كانت مراجعات بعض السلفيين الجهاديين في دول المغرب العربي، والتي لم تصدر بعد، وإن تواترت أخبار عن إعداد بعضهم لها.
أما مراجعة أو مناصحة الأردني أبي محمد المقدسي للزرقاوي أو وقفاته مع ثمرات العمل الجهادي التي سطرها في كتاب بهذا الاسم، فنظن أنها صدرت بعد خروجه المؤقت من السجن عام 2004 والذي يعود له من آن لآخر.
وقد شككت القاعدة في “نزاهة” هذه المراجعات باعتبار أنها تمت داخل السجن ومن نتاج الصراع مع الأنظمة الحاكمة واعتبرتها إحدى تأثيرات السجن على أصحابها، بل ألمح الظواهري، في تبرئته من وثيقة “ترشيد العمل الجهادي” للدكتور فضل، أنها ربما كتبت له أو أمليت عليه من قبل جهاز الأمن المصري أو أنها جاءت نتيجة الضغوط الأميركية وفي معرض حرب الأفكار التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد في أكتوبر سنة 2003، حيث يقول الظواهري: أنا أدعو القارئ أن يبحث عن العامل الأميركي في التراجعات” وهو ما يفسره بالنقطتين التاليتين:
أ- فمراجعات الجماعة الإسلامية بدأت من 1997 ثم توقفت، إلى أن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فبدأت موجة أخرى من المراجعات، استنكرها العديد من أعضاء الجماعة الإسلامية، الذين وافقوا على مبادرة وقف العنف. هذه الموجة وصلت بهم لاعتبار السادات شهيداً، والأهم أنها تركزت في معظمها على الهجوم على القاعدة، وبدأت المزايا الحقيقية الدنيوية تتحقق للمتراجعين.
ب- أما كاتب هذه الوثيقة (يقصد الدكتور فضل) فقد أعلن عن تراجعه في كتابه (الجامع) منذ عام 1994، وانصرف لحياته الخاصة باسمه الحقيقي في اليمن في تعايش غريب مع أجهزة أمنها، ثم بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 اعتقلته السلطات اليمنية بأوامر أميركية، ورحل لمصر، و” تصور الأمريكان أنه قد يكون مفيداً في حملتهم الصليبية الجديدة. فبعد فترة من التكتم على اعتقاله بلغت حوالي ثلاث سنوات، لا أشك أنه قد مورس عليه فيها ألوان من الضغط والتقييد والقهر مقرونة بأساليب الترغيب والترهيب، بدأ إبرازه وإحاطته بكل هذه الهالة الإعلامية”.
وفي نفس الإطار(إطار السجن) تقوم وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية ببرنامج يسمى “برنامج المناصحة” تستهدف به استتابة ومراجعات المسجونين داخل سجونهم، وتخليهم عن الانتماء للقاعدة، وبعد ذلك يفرج عنهم، ويمنحون نوعا من الدعم المادي والمعنوي لدمجهم وإعادة تأهيلهم في المجتمع السعودي، وتكون هذه التوبة نافية لما قبلها، ولكن لوحظ أن كثيرا ممن أعلنوا توبتهم عادوا ثانية للعمل في تنظيم القاعدة في اليمن، وسعى بعضهم لاستهداف أهداف سعودية مهمة، كان من أبرزها محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف في 27/8/ 2009، التي حاول تنفيذها عبد الله العسيري أحد من شملهم برنامج المناصحة.
أما حملة السكينة فهي حملة نشطة على شبكة الإنترنت تشرف عليها الداخلية السعودية وتستهدف عبر الحوار والإقناع محاولة نقد أطروحات القاعدة في السعودية وتخلية أنصارها عنها، ورغم تميزها وثناء عدد من المؤسسات الدولية عليها إلا أنه لا يزال على البرنامجين تحفظات من بعض المتابعين.
إطار عربي وليس أمميا
يلاحظ أن المراجعات التي صدرت عن تنظيمات أو رموز تنظيمية، لم تصدر خارج الإطار العربي، فهي صدرت في مصر وليبيا والجزائر والمغرب والأردن، ولم نشاهد أي مراجعات تصدر في أفغانستان أو باكستان أو الصومال حيث تنشط القاعدة، أو في غيرها من بؤر ومناطق القاعدة الساخنة في كشمير وبلاد القوقاز، أو حتى في العراق، مما يحد من سياقاتها الجغرافية وإن ظل تمددها النظري واردا لأنها تعبر عن كيانات رمزية ونظرية معتبرة في الفضاء السلفي الجهادي بعموم.
أزمة المشروع الجهادي ككل
تأتي المراجعات في جانب منها نتيجة مخاض الأزمات الأيديولوجية والتنظيمية الخاصة، ونتيجة كذلك لعدم تحقق مشروعها الجهادي على أرض الواقع. ونرى أن نموذج تحولات ومراجعات كل من جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين، هو خير تعبير عن هذا التفسير.
“
تأتي المراجعات نتيجة مخاض الأزمات الأيديولوجية والتنظيمية الخاصة، ونتيجة لعدم تحقق المشروع الجهادي. ونموذج تحولات ومراجعات كل من جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين، هو خير تعبير عن هذا التفسير
“
فبعد صراع طويل مرير مع الدولة المصرية، استمر منذ أواخر السبعينيات حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ومحاولات الانقلاب عليها، أتت مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، بل انتهت إلى الاعتقاد الراسخ بعدم نجاعة مفهوم الانقلاب السياسي على الدولة، بل قرر أحد قادتها مؤخرا في مايو سنة 2009- ناجح إبراهيم- أنه “لا جدوى من السياسة” داعيا جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية عمومًا إلى ترك الصراع السياسي مع الحكومات القائمة، مؤكداً في تعقيبه على الاعتقالات التي تمت في ذلك العام في صفوف جماعة الإخوان المسلمين عدم جدوى الصراع السياسي بين الحركة الإسلامية ونظام الحكم في مصر. وعن تجربة حركته قال معتذرا ومراجعا: “إن الجماعة كانت تدعو إلى الله، في حرية ولكنهم لم يقنعوا بهذا -حسب تعبيره-، “وأرادوا مع الدعوة الدولة”، وهو أدى إلى “ضياع الاثنين: الدعوة والدولة، فلم يدرك أبناء الجماعة هذه ولا تلك” ، وقد أكد في حديثه” على أن الصراع الساخن أو البارد مع الدولة، يذهب بالموجود، ولا يأتي بالمفقود من الشريعة، (في إشارة إلى تجربة جماعته ومستخلصاتها)”.
بل يمكننا قراءة مختلف المراجعات، وبخاصة مراجعات الجماعة الليبية المقاتلة، التي بدا استعدادها للمصالحة مع النظام الليبي وطرح مراجعاتها في بداية عام 2007 بعد وقت قليل من إعلان الظواهري انضمام كوكبة منها للقاعدة في نوفمبر سنة 2007، وهو ما أكده الظواهري فيما بعد في لقائه المفتوح الذي بثته شبكة السحاب في 29 يناير سنة 2009، وقد أصدرت مراجعاتها في السابع من أغسطس من نفس العام (2009).
ومن المفارقة أن الظواهري أثناء سجاله في (التبرئة) مع الدكتور فضل وحديثه عن مرجعيات القاعدة ووضعه ما يشبه الثبت بعلمائها، ذكر أبا المنذر الساعدي، أحد الموقعين على المراجعات، مسؤول اللجنة الشرعية في الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا ضمن هذه المرجعيات، واصفا إياه بقوله:”فك الله أسره. أحد أعيان الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا. هاجر لأفغانستان في وقت جهاد الروس، ثم في عهد الإمارة الإسلامية، وسلمته أميركا لليبيا في حربها على الإسلام التي تسميها الحرب على الإرهاب، وله إنتاج علمي ودعوي مشكور، ومن إنتاجه كتاب (خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا) و(الجمعة – آداب وأحكام) و(وبل الغمامة في أحكام الإمامة)”.
كما نشير إلى أن أبو مصعب الزرقاوي وفي إطار نقده ورده على مناصحة شيخه أبو محمد المقدسي استعان بالدكتور فضل واصفا إياه بالعالم العلامة المجتهد وذلك في إطار استعانته بمرجع روحي يرد به على شيخه السابق ومناصحته.
وهو ما يثبت فرضيتنا أن التحدي النظري الوحيد للقاعدة يأتي في إطار السلفية الجهادية وتتحدد أهميته بمدى قرب أصحاب المراجعات تنظيميا وفكريا من تنظيم القاعدة وقياداته في مراحل حياتهم المختلفة.
وبعد صدور مراجعات الدكتور فضل بالخصوص صرنا نلاحظ ما يمكن أن ندعوه “معارك المراجعات” فقد كتب فضل وثيقته “الترشيد” فرد عليه الزرقاوي برسالته “التبرئة”، فرد عليه: فضل برسالته “التعرية لما جاء في التبرئة” ثم دخل بعض منظري السلفية الجهادية على الخط شأن هاني السباعي الذي كتب “التجلية لما جاء في التعرية” وتوالت ردود فضل وأنصاره من جهة وأنصار القاعدة من جهة أخرى، كما أوقف المنظر السلفي الجهادي أبو بصير الطرسوسي وكذلك أبو محمد المقدسي وغيرهما من الجيل الثاني للقاعدة عددا من كتاباتهم على نقد مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، ووصفها بكونها تراجعات، سواء في شكل بيانات ونداءات حركية أو كتيبات صغيرة، وهكذا ثار غبار المعركة النظرية داخل القاعدة ولا زالت، ولكن ظني أن الوضع الميداني واللوجيستي لتنظيم القاعدة وتنظيماته الفرعية تجعل المرجعية الوحيدة للقادة الميدانيين والفعليين لشبكة القاعدة دون منظريها من السلفية الجهادية، وهو ما دشنه وأسس له الظواهري في تبرئته أنه لا يتكلم في الجهاد إلا المجاهدون في الميدان، ومن أراد أن يستن فليستن بمن قد مات حيث لا تؤمن فتنة حي.
إستراتيجية القاعدة في الرد على المراجعات
قامت إستراتيجية القاعدة في مواجهة موجات المراجعات التي لم تنقطع على عدد من الأساليب التكتيكية، كان في مقدمتها الرد الكلي الاتهامي شأن مراجعات الجماعة الإسلامية، أو الرد التفصيلي التفنيدي شأن الرد على مراجعات الدكتور فضل، أو سيد إمام الشريف كما وقعها، أو إستراتيجية التجاهل. ويمكننا أن نوجز أساليب القاعدة في نوعين: أولهما: موقف رد الفعل وثانيهما: التجاوز نحو مرجعيات جديدة، وسنعرض لهما فيما يلي:
أولا: موقف رد الفعل
استخدمت القاعدة كرد فعل على موجات المراجعات عددا من الأدوات والأساليب، يمكن وصف بعضها بالمقاومة الإيجابية وبعضها الآخر بالإماتة السلبية وذلك بعدم إعارتها أي اتهام وتوصيفها بأوصاف سلبية من قبيل أنها تراجعات وليست مراجعات، أو وصفها بعدم الأهمية من الأساس، وفي هذا الاتجاه يمكننا أن نرصد ما يلي:
1- الاتهام: الاكتفاء بالاتهام ووصف أصحاب هذه المراجعات بالخور والضعف، وهو ما استخدمته القاعدة دائما في مواجهة مراجعات الجماعة الإسلامية التي تزامنت مع إعلان تأسيس القاعدة، دون أن تكلف نفسها عمليا عناء الرد عليها، وهو نفس الاتهام الذي تكرره القاعدة والسلفية الجهادية في نقد الاتجاهات السلفية غير الجهادية التي تصفها بـ “أدعياء السلفية أو مرجئة العصر” وهو نفس وصفهم للإخوان المسلمين وجماعة التبليغ اللذين تصفهما بأنهما صوفية عصرية وقاديانية حيث يعطلون الجهاد، إلى غير ذلك من الاتهامات.
“
يمكننا القول إن مراجعات السلفيين الجهاديين أتت تأكيدا على فشل المشروع الجهادي، وإن لم تعلن ذلك، واكتفت بتوصيف فشل مشروع القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر
“
وقد نشط منظرو السلفية الجهادية -دون قيادات القاعدة- في تأكيد هذا التوجه الاتهامي لهذه الجماعات، في شكل رسائل ومقالات، مثل أبو محمد المقدسي في كتابه “ملة إبراهيم” أو “إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر” أو أبو قتادة الفلسطيني في رسالته “الألباني بين الجرح والتعديل” وكتابه “الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج” ولكن اتخذت القاعدة موقفا عمليا يشي بالاستهداف لهذه المراجعات، كمحاولة جذب أعضاء الجماعة الإسلامية إليها، عبر ضمها بعض الخارجين عليها شأن محمد خليل الحكايمة أو رفاعي طه، أو إشاعتها عدم موافقة مفتى الجماعة الشيخ عمر عبد الرحمن على هذه المراجعات، حيث مازالت القاعدة، وخاصة الظواهري، تتمسك به شيخا ومفتيا لمختلف الجماعات الجهادية.
2- التجاهل: حيث لا يصدر عن القاعدة موقف نظري أو حتى بيان نقدي، وهو ما حدث بوضوح في تجاهلها مراجعات الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة رغم انضمام كوكبة من قادتها الموجودين في أفغانستان للقاعدة، يأتي في مقدمتهم أبو الليث الليبي وأبو يحيي الليبي، وربما مراعاة لشقيق الأخير الذي كان أحد الموقعين الستة على مراجعات المقاتلة، أو اعتبارها غير مهمة حيث لم تنضم الجماعة فعليا للقاعدة، كما لم يكن جسدها التنظيمي تابعا لها بشكل كامل يوما ما.
3- الرد التفصيلي: ويلاحظ أن القاعدة استخدمت هذا التكتيك في وجه مراجعات معينة تمتع أصحابها بمكانة روحية ورمزية كان يُخشى تأثيرها في أتباع القاعدة، وهو ما صنعه الزرقاوي مع شيخه أبي محمد المقدسي حين وجه له رسالته “مناصرة ومناصحة” ثم ما صنعه أيمن الظواهري في رسالته “التبرئة” ردا على وثيقة ترشيد العمل الجهادي التي كتبها ونشرها شيخه ومنظر السلفية الجهادية الأول الدكتور فضل، ويمكن القول إن مراجعات الدكتور فضل كانت الموجة الأكثر استثارة من سواها لمنظري القاعدة والسلفية الجهادية على السواء، فقد كُتب في الرد عليها أكثر مما كتب في الرد على سائر المراجعات.
مرجعية جديدة للقاعدة
بعد أن توالت موجات المراجعات وتنوعت اتجاهاتها وأدواتها، وامتدت حتى لا مست واخترقت البناء المرجعي للتنظيم الذي قام في بدايته على كتابات أمثال الدكتور فضل، والشيخ أبو محمد المقدسي، وأيمن الظواهري، وأبو المنذر الساعدي، وعمر عبد الرحمن، وعبد الله عزام.. الخ ، اتجهت القاعدة والتنظيمات الفرعية التابعة لها لاعتماد تعديلات جوهرية على أطرها المرجعية حددتها ممارسات التنظيم الأم كما وضح الظواهري في التبرئة وكذلك ممارسات التنظيمات الفرعية شأن القاعدة في بلاد الرافدين أو القاعدة في جزيرة العرب أو جنوب الجزيرة.
تقوم الإستراتيجية الجديدة على عدد من المبادئ يمكننا أن نحددها فيما يلي:
* أن الموقف من الجهاد يحدده شيوخ الجهاد في الميدان وليس سواهم.
* اختزال المرجعية الكلية للتنظيم في شخص زعيميها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
* ربط المراجعات النقدية والانتقادات الموجهة إليها تآمريا بالحرب على الإرهاب وأنها صنائع أميركية.
* إبراز جيل جديد من المنظرين من الجيل الثاني ونشر كتاباتهم.
* تجاهل انتقادات الدكتور فضل أو الجماعة الإسلامية مما يوحي بعدم أهميتها.
* الحضور الإعلامي المتكرر والمستمر للظواهري كمنظر للتنظيم وكذلك بعض الوجوه الجديدة في أفغانستان أو اليمن أو غيرهما، مما يتيح الشحن العاطفي والفكري المستمر لأنصارها وأجنادها.
خاتمة
ن جمع تنظيم القاعدة بين التوجهات الفكرية التي يعبر عنها رموز كأيمن الظواهري وأبو قتادة الفلسطيني وأبو مصعب السوري وبين التوجهات السلفية التي مثلتها السلفية الجهادية وبعض الاتجاهات الصحوية، مع الأخذ في الاعتبار التحامها التاريخي والزمني بمناطق الصراع وبؤره في أماكن عدة من العالم، أتاح لها تجاوز الخطر النظري للمراجعات المستمرة والمتوالية، واعتماد مرجعية زعمائها التاريخيين (ابن لادن والظواهري) فقط أو قادة تنظيماتها الفرعية التي تتجنب الخلاف النظري معهم، والتنسيق العملياتي المستمر مع تنظيماتهم، أو حتى مع الخلايا والأسراب المنتشرة في العالم الغربي.
ولكن يظل التحدي النظري للمراجعات الذي استنفر زعماء تنظيم القاعدة وكثيرا من منظريه حاضرا، فقد ساعدت هذه المراجعات نسبيا على خلخلة ثوابته الفكرية والتنظيمية، وكشف عطب كثير من نتائجه، ولكن يصعب القول أن هذه الخلخلة يمكنها يوما ما أن تهدم هذه الثوابت، فالمراجعات مثلت تحد “نظري سجالي، اعتذاري، تصحيحي” ولكنها لم تصل إلى الدرجة التي تكون فيها نقضا للمرجعية كلها.
____________
المصادر والهوامش
1- راجع في ذلك مثلا كمال حبيب، الحركة الإسلامية من المواجهة إلى المراجعة، ط مدبولي سنة 2002.
2- يمكن أن تراجع حول تصنيف المراجعات واتجاهاتها دراستنا هاني نسيره، مراجعات الإسلاميين منهج مقترح، منشورة على شبكة الإنترنت، وقد كتب نواز مراجعاته في مقال مطول على موقع مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على الرابط التالي: http://www.washingtoninstitute.org/
templateC05.php?CID=2911
3- راجع أيمن الظواهري، الحصاد المر: الإخوان المسلمون في سبعين عاما، ط1 منشور على موقع منبر التوحيد والجهاد على الشبكة العنكبوتية على الرابط التالي: . http://www.tawhed.ws
4- راجع رسائل يوسف العييري لكل من سلمان العودة وسفر الحوالي، ضمن المؤلفات الكاملة ليوسف العييري توفي في مايو سنة 2003 وهو مؤسس وقائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الأول، وتوجد مؤلفاته على مواقع منبر التوحيد والجهاد وموقع القاعدون التابع للتنظيم قبل حجبه.
5- وصف بعض منتقدي مراجعات الدكتور فضل مراجعاته بأنه تخدم جماعة التبليغ والدعوة ومن يعطلون الجهاد من باب التهكم والسخرية، راجع في ذلك دراستنا: هاني نسيره، القاعدة والسلفية الجهادية: الروافد الفكرية وحدود المراجعات، ط مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يوليو سنة 2008.
6- من اجل تفصيل أكثر انظر دراستنا هاني نسيره: القاعدة والسلفية الجهادية: الروافد الفكرية وحدود المراجعات، ط مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ط أيوليو سنة 2008.
7- أبو بكر ناجي، إدارة التوحش، أخطر مرحلة ستمر بها الأمة، المقدمة ص 3، نسخة إليكترونية، منشور على شبكة الإنترنت. وراجع أيضا في الملف ذاته عرضا لكتاب إدارة التوحش أعده لمركز الجزيرة للدراسات جمال الشلبي.
8- راجع أيمن الظواهري، التبرئة، نسخة إليكترونية، منشور على شبكة الإنترنت ص 42،43.
9- راجع في ذلك جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 18 نوفمبر سنة 2003.
10- ثبتت وفاة محمد خليل الحكايمة الذي عرف بزعيم تنظيم القاعدة في أرض الكنانة- كتائب عبد الله عزام، في غارة أمريكية على شمال غرب باكستان، في 2 نوفمبر سنة 2008، وهو ما أكده بعد ذلك لقاء مركز الفجر مع زوج ابنته السعودي عبد الله القرعاوي القائد الميداني لهذه الكتائب. عام 2010 والذي نشرته شبكة حنين على الإنترنت.
11- ناجح إبراهيم، حتمية المواجهة وفقه النتائج، سلسلة تصحيح المفاهيم، منشور على موقع الجماعة الإسلامية المصرية.
12- راجع في ذلك سيد إمام الشريف، وثيقة ترشيد العمل الجهادي، الحلقة الثانية عشر، منشورة على شبكة الإنترنت، وكذلك عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية المصرية ( محمد عصام بودرباله)، استراتيجية وتفجيرات القاعدة: الأخطاء والمخاطر، مطبوع ومنشور على موقع الجماعة على الرابط التالي: http://www.egyig.com/Public/articles/
books_studies/7/42849501.shtml
13- الظواهري، التبرئة، ص 4، ص 5.
14- أيمن الظواهري، المصدر السابق نفسه.
15- يمكن مراجعة دراستنا هاني نسيره، حملة السكينة والمصالحة، ضمن كتابنا” أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار” الهيئة العامة للكتاب المصرية سنة 2009.
16- من حوار أجراه ناجح إبراهيم مع موقع إسلاميون- شبكة إسلام أونلاين، في 21 مايو سنة 2005.
17- المصدر السابق.
18- الظواهري، التبرئة، مصدر سابق مذكور، ص 54.
19- يمكن مراجعة رسالة الزرقاوي منشورة على شبكة الانترنت في عدد من المنتديات يمكن قراءتها على الرابط التالي: http://www.alltalaba.com/board/index.php?showtopic=12470&hl أو في أرشيف المواقع الجهادية لدولة العراق الإسلامية في العراق.
20- راجع الظواهري، التبرئة، مصدر سابق مذكور.
21- أبو محمد المقدسي، ملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين، وأساليب الطغاة في تمييعها وصرف الدعاة عنها، منشور على موقع منبر التوحيد والجهاد على الرابط التالي: http://www.tawhed.ws
22- أبو محمد المقدسي، إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر، ط2 سنة 1420 هجرية، منشور على موقع منبر التوحيد والجهاد http://www.tawhed.ws
23- أبو قتادة الفلسطيني، الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج، منشور على موقع منبر التوحيد والاجتهاد على الرابط التالي: http://www.tawhed.ws/a?a=aheed274
24- حول مرجعيات القاعدة المختلفة راجع دراستنا هاني نسيره، القاعدة والسلفية الجهادية، مصدر سابق مذكور.
هاني نسيره، كاتب وباحث في شؤون الحركات الإسلامية، يعد حاليا أطروحته للدكتوراه حول “قراءات ابن تيمية عند الجماعات الجهادية المعاصرة”، وهو مؤلف لتسعة كتب كان آخرها” الحنين إلى السماء: ظاهرة التحولات الفكرية نحو التوجه الإسلامي في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين”، و”أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار”، و”المتحولون دينيا دراسة في ظاهرة تغيير الديانة والمذهب”، واخيرا “الليبرالية الجديدة في المنطقة العربية”. كما شارك في تأليف عشرات الكتب الأخرى، ونشر عشرات العديد من البحوث والمقالات في عدد من الدوريات العربية والأجنبية.