عبد الغني مزوزــــــــــ
بث ناشط جهادي على الانترنت يوم 29-03-2014 كلمة مرئية للقيادي في تنظيم القاعدة ادم يحيى غدن المعروف بعزام الأمريكي, وتتضمن الكلمة هجوما شديدا على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وذلك في سياق رثاء عزام الأمريكي لقائده السابق أبي خالد السوري الذي قتل في سوريا على أيد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية.
اللافت في الرسالة أنها لم تصدر عن المؤسسات الإعلامية التابعة للقاعدة (مركز الفجر للإعلام و مؤسسة السحاب) ولم تحمل أي شعار لأي من هذه المؤسسات, ويمكن تفسير هذا الإجراء على أنه إيحاء من قيادة القاعدة أن ما ورد في كلام عزام الأمريكي ليس رسميا وإنما هو رأيه الخاص. فرغم أن قيادة القاعدة حسمت أمرها في بيان سابق
وأعلنت أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لا تربطه أي صلة بتنظيم القاعدة إلا أنها ما زالت مرتبكة في ما يخص طريقة التعامل معه. والنبرة القاسية لعزام الأمريكي قد لا تعطي أي فرصة سوى للقطيعة والاشتباك, وبالتالي تريد قيادة القاعدة أن تبقي على الحد الأدنى من الاعتراف المتبادل إلى حين. كما يمكن أن يعكس هذا الإجراء تباينا في المواقف داخل المؤسسات الإعلامية التابعة للقاعدة وهذا غير مستبعد فمركز الفجر للإعلام توقف عن نشر إصدارات الدولة الإسلامية, فيما أصرت إدارة شبكة شموخ الإسلامية إحدى الشبكات الجهادية المعتمدة من قبل مركز الفجر للإعلام على الدعم الحصري لتنظيم الدولة الإسلامية معلنة دعمها الإعلامي لها في حربها ضد الصحوات حسب وصفها.
اللهجة الشديدة والحادة في كلمة عزام الأمريكي غير مستغربة فهو من قادة القاعدة القلائل الذين سجلوا اعتراضهم المبكر على مشروع دولة العراق الإسلامية في أيامها الأولى, ولكنه كان يساير الخطاب الرسمي للقاعدة خوفا من الفتنة حسب تعبيره في رسالة بعث بها إلى أسامة بن لان حيث قال:” وأحب أن أؤكد أني كنت غير مستريح إلى إعلان الدولة مند زمن طويل بل كنت غير مرتاح لبعض تصرفات الزرقاوي التي تصرف بها باسم تنظيم القاعدة..لكني مشيت مع موقف التنظيم الرسمي خشية الفتنة.” إذن فتجنب عزام الأمريكي للمؤسسات الرسمية التابعة للقاعدة في إصداره لكلمته دليل على أنه مستاء من الخطاب الرسمي للقاعدة العاجزة عن اتخاذ موقف حاسم وحازم فيما يخص بعض الجماعات الجهادية التي أساءت لتنظيم القاعدة وظهرت بها ملامح الخوارج والحرورية على حد وصف عزام الأمريكي لها. مؤشرات الاستياء والاحتقان في كلمة عزام الأمريكي يمكن رصدها في أكثر من نقطة منها أنه سجلها بعد ساعات قليلة من مقتل قائده السابق أبي خالد السوري, كما أن المفردات والتوصيفات التي استعملها مصحوبة بحماس شديد تدل على أن الرجل كان يكبت آراءه لدرجة لا تطاق وأن خبر مقتل قائده كان بمثابة الصاعق الذي فجر مواقفه التي تبين له مع الوقت صحتها.
عزام الأمريكي كانت له اعتراضات وتحفظات على الكثير من الجماعات الجهادية فهو لم يتردد في وصف بعض المنسوبين لطالبان باكستان بالفسقة المجرمين, لأنهم يتعمدون تفجير المساجد والتجمعات العامة, ولم يتردد في وصف تنظيم دولة العراق الإسلامية بالدولة الوهمية الغبية التي لا يستطيع أمراءها التمييز بين المسيحيين الكاثوليك والأرثوذكس والقبط وذلك في سياق شجبه للعملية التي قامت بها دولة العراق الإسلامية ضد كنيسة سيدة النجاة في بغداد ردا على خطف الكنيسة المصرية لفتيات مسلمات. عزام الأمريكي عبر عن استغرابه لجريمة استهداف النصارى في العراق وهو الذي كان بصدد إعداد رسالة مودة ودعوة للمسيحيين إلى الإسلام مستغلا حسب رأيه ما تعرفه الكنيسة والفاتيكان من أزمات وفضائح الفساد والاغتصاب.
موقف عزام الأمريكي من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من أشد المواقف راديكالية ولم يترك مساحة مهما كانت قصيرة لحل آخر سوى المواجهة الوجودية معه فقد قال عزام عن تنظيم الدولة أنها:” عُرفت بالتقية، وإبطان خلاف ما تظهر،وهو ديدن الغلاة…خلافا لأجدادهم الحرورية الذي عرفوا بالصدق والبعد عن الكذب” وأضاف بأنها :” باتت معروفة كذلك باللف والدوران وإدمان الحيل والتهرب من المواجهة والمسئولية، بل لقد عرفت بالتقية.”. عدم تناغم الخطاب الرسمي للقاعدة – على الأقل المعلن – مع توجهات ومواقف عزام الأمريكي ربما يدل على أن هناك مخاوف من لدن قيادات القاعدة من انفراط عقد تنظيمهم, خصوصا أن هناك أجنحة في القاعدة لا تزال ترى في تنظيم الدولة الإسلامية كيانا جهاديا شرعيا وتعتبر ما تتعرض له مجرد مؤامرة تهدف إلى إسقاطها, فحركة الشباب في الصومال ما فتئت تبعت برسائل التأييد لتنظيم الدولة الإسلامية ناهيك عن حربها الخفية على عناصر القاعدة المخضرمين في الصومال, ولا يزال قادة في قاعدة اليمن يكتبون ويصرحون بأن ما تتعرض له الدولة الإسلامية هو مؤامرة غربية وخليجية ومن أبرزهم القيادي مأمون حاتم. كما أن قيادة المنطقة الوسطى في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أعلنت دعمها وتأييدها لتنظيم الدولة الإسلامية, إضافة إلى مجاميع جهادية أخرى في تونس وغزة وغيرها أعلنت أيضا مواقف التأييد ذاتها.
قيادة القاعدة قد تتخذ قرارا حاسما فيما يخص تنظيم الدولة الإسلامية في الأيام القادمة, لكن لن تقدم على الخطوة حتى تضمن دعم كبار الشيوخ والمنظرين للتيار الجهادي, وقد يكون عبارة عن بيان موقع من هؤلاء الشيوخ وسيكون في مقدمتهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وسليمان العلوان وعمر الحدوشي بهدف تفريغ مشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام من الشرعية الفقهية والجهادية وإعلانه طائفة ممتنعة وهو ما مهدت له اللجنة الشرعية لتنظيم القاعدة في سوريا (جبهة النصرة) عبر تسجيلات صوتية أصدرتها.
بعض الناشطين الجهاديين من الكتاب والمغردين الموالون للدولة الإسلامية بدؤوا حملة تشويه ضد عزام الأمريكي ووصفه أبو سعد العاملي أحد الكتاب الجهاديين بأنه لورنس العرب آخر.
ادم غدن عزام الأمريكي من مواليد 1978 أعلن إسلامه أواسط التسعينيات وهاجر إلى أفغانستان حيث التحق بالقاعدة وتدرب على أيد كبار قادتها كأبي مصعب وأبي خالد السوريين, عزام الأمريكي يتحدث اللغة العربية بطلاقة وله أدوار أساسية داخل المنظومة القيادية للقاعدة, ويمكن اعتباره مستشارا إعلاميا وسياسيا لكل من أيمن الظواهري وأسامة بن لادن, فهو يقوم بتصحيح خطاباتهما ويقترح عليهما مواضيع لكلماتهم وأوقات إصدارها, ويبدوا في رسالة أرسلها لأسامة بن لادن وتحصلت عليها الولايات المتحدة في بيته بأبوت أباد أنه شديد الإطلاع والدراسة للقنوات والمؤسسات و المواقع الإعلامية الأجنبية والعربية, وقدم لأسامة بن لادن جردا بالقنوات الأمريكية التي يمكن الوثوق بها فيما يخص طريقة تعاطيها مع المواد الإعلامية التي تصدرها القاعدة, كما أشار إلى أسماء لصحفيين عرب وأجانب يمكن الاطمئنان لحياديتهم ومهنيتهم في تعاطيهم مع ملفات القاعدة.
السمة البارزة التي تميز ادم غدن هو حرصه على توعية المجاميع المسلحة بوجوب تجنب استهداف المدنيين, فهو لم يكتف بإصدار كلمات تحذر من التعرض للأبرياء بل اقترح مسودة بيان على أسامة بن لادن تتضمن البراءة من كل الجماعات الجهادية التي تقوم بعمليات يسقط فيها الأبرياء حتى ولو كانت تلك الجماعات كبيرة ومشهورة. ويبدوا أن ادم غدن يتمتع بهامش أمني يتيح له متابعة الإعلام بشكل جيد وقد يكون له حساب غير معروف على تويتر. وحسب المواقع الجهادية يبدو أن ادم غدن يحضر لإطلاق مجلة جهادية ناطقة بالانجليزية على غرار مجلة “أنسباير” التي تصد عن قاعدة اليمن.